كتب: محمد حبوشة
(نصي التاني) هو مسلسل كوميدي جميل، استمتعنا به طيلة ليالي الأربعاء التي شاهدنا فيها هذا المسلسل حيث تعرض حلقتين كل أربعاء من كل أسبوع، وظني أن هذا المسلسل الذي أحيا على ربيع) من جديد بعد موته إكلينيكيا، وجدد إلى حد ما الثقة بينه وبين المشاهد.
يتحدث (نصي التاني) عن شخصية (نادي)، ذلك الشاب الذس يبحث عن (نصفه الثاني)، حيث يعمل بأحد البنوك، ويواجه ضغوطات من البيت حول زواجه فيحاول أن يجد بنتا يكمل بها نصفه الثاني.
تتلخص مشكلة (نادي) في أنه يخاف أو يخجل من الطرف الآخر، أو من النساء عموما، فتقع في يده وسيلة (عبارة عن ورقة سحرية) ليجبر بها بعض الفتيات على حبه، فيبدأ في الانتقال من علاقة إلى علاقة أخرى حتى يصل إلى الفتاة التي يحبها.
ومن حيث فكرة مسلسل (نصي التاني) فهي فكرة براقة وخارج الصندوق، وهذه كانت أكبر نقطة قوة في هذا المسلسل، حيث كانت هنالك وسيلة لعرض نماذج مختلفة من الفتيات مع نقد بعض الشخصيات.
وللأمانة فإن هذه الفكرة انبثق عنها كثير من الأفكار التي كان يعالجها هذا المسلسل، أولا: العقدة النفسية التي يمكن أن تعتري أي شخص تجعل بينه وبين الطرف الآخر حاجزا كبيرا، وهى عقد (نادي) مع أبيه عندما كان صغيرا في المدرسة، وهى التي كانت تقف في طريق (نادي).
ثانيا: نقد لبعض الفتيات الموجودة في هذا الجيل اللاتي يقيم معهم (نادي) علاقات، وقد حاول الكاتب (إياد صالح) في (نصي التاني) من خلال هذه الأفكار أن يسلط الضوء على الجانب المظلم لبعض الشخصيات، مثل شخصية (الأنفلونسر، المرأة القوية، عالم الطاقة).
فقد حاول أن يصور بعض سلبيات نماذج الموجودة في نساء هذا الجيل، من خلال عرض (نادي) كل مرة يتعرف على بنت، وأن هذه البنت لايحبها من الأساس، وأنها لاتمثل نصفه الثاني الحقيقي.
ثالثا: عالج مسلسل (نصي التاني) قضية أن الحب لايأتي عنوة، مؤكدا أن الحب لابد أن يكون قائما على شريك الذي يشبهك، وأن يكون نصفك الثاني الذي يكملك أو أنت تكمله، المهم أن تكون هناك علاقة تكامل بينكما.
ولكن كل هذا تم صياغته في قصة وسيناريو يميل إلى الكوميديا الفكاهية بشكل كبير، فعلى مستوى السيناريو فالبناء الدرامي جيد للغاية، من حيث العقدة، وأقصد هنا العقدة النفسية التي كانت التي تعتبر العائق بين نادي ونصفه الثاني.
عقدة تحدي (نصي التاني)
أو تلك العقدة التي صنعت تحديا بين (نادي) ونفسه على أن يجد نصفه الثاني دون اللجوء إلى زواج الصالونات، ومن هنا يبدأ صراع (نادي) من خلال التجارب العاطفية التي يقوم بها من فتاة إلى أخرى بحث تطور شخصيته نوعا ما.
وهو ما يجعله يعرف: ماذا يريد من الحياة؟، ماذا يريد من نصفه الثاني؟، فتولد عن ذلك نوع من الصراع المنطقي إلى حد ما، وقد جاء بطابع كوميدي أضفى أجواء رائعة على حلقات المسلسل من حيث العقدة والصراع.
لكن عندما نأتي إلى الحل في (نصي التاني) فسنجده سطحيا إلى حد كبير، ولم يراعي طبيعة المراهقين، أو أولئك الذين يتأثرون بالميديا، بمعنى أنني عندما مثل بأن سيخطف بنك ويدخل السجن، هذا شيئ كوميدي يجلب الضحك ليس إلا.
ولكننا بحاجة إلى حل يحمل المفارقة، ويتمتع بحبة درامية فيها قدر من الإبداع، بنفس وتيرة الصراع في الحلقات خاصة أن الفكرة خارج الصندوق، عبر أشياء إبداعية ومحبوكة بشكل جميل ورائع.
ومن هنا يبدو لي الحل في (نصب التاني) مفخخا إلى حد ما، فتخيل أن هناك شخص مراهق أو متأثر بالميديا يمكن أن يقدم على شيئ جنوني لإرضاء نصفه الثاني تأثرا بهذا الحل، ومن ثم كان ينبغي أن يفتح (نادي) محل جده للأنتيك وينجح ويحاول أن يجد طريقة لاستمالة (منى/ أسماء أبو اليزيد) ويتزوجها ويعيش حياة هادئة.
خاصة أن (منى) قدم لها (نادي) كل شيئ، حتى أنه في لحظة مثل أنه سيخطف البنك وبعدها تنصلح أموره إلى حد ما كان هذا الأمر واقعي، هما تبدو الكوميديا بشكل صحيح لكنه ليس واقعيا، ولهذا جاءت الحلقة العاشرة هى الأسوأ في كل الحلقات.
وربما جاءت الأسوأ لأن الحل فيها كان سطحيا، الإيقاع فيها بطيئ بشكل كبير، لذا تمنينا أن يكون الحل صادما فيه قدر من الإبداع الذي يناسب الحالة، وهو ما أثر بالضرورة على الناء الدرامي في المسلسل.
أما من حيث النهاية فقد كنا نتمنى أن تكون قوية أكثر، مفتوحة وفيها قدر من الإبداع، بحيث تمهد لجزء ثاني، أو تجعلنا نتخيل أنها النهاية التي نتمناها، ولكنها كانت نهاية كلاسيكية مقفلة رغم أنها سعيدة ويمكن أن تنال الرضا.
الحبكة في (نصي التاني)
من حيث الحبكة فقد كانت جيدة وبسيطة، ولكن للأسف أفسدها الحل، فلو كان هناك حل أفضل، كانت الحبكة صارت جيدة جدا.
وعلى مستوى بناء الشخصيات فكان جيدا للغاية، أولا شخصية (نادي) جيدة رغم العقدة النفسية التي يعاني منها كانت صغيرة، وبعد وجد طريقة يستميل من خلالها البنات، حيث كانت كل بنت تطور من شخصيتها قليلا، فيتحرر من حيث النساء.
ولعل حالته مع آخر بنت تعكس كيف أنه لم يستعمل طريقة الورقة، واستطاع أن يصارحها بحبه وأن يكون شخص عادي دون خجل أو كسوف أوخوف، وهذا أيضا يعكس يعكس تطور شخصية (نادي) وذلك عن طريق الصراع، وكان البناء جيد جدا.
محمود البزاوي في (نصي التاني)
شخصية الأب (حمدي/ محمود البزاوي)، كانت جيدة للغاية، ناظر المدرسة القوي، وبالنسبة لشخصية الأم (إنصاف/ سلوى عثمان) فكانت تمثل كل امرأة عربية تتمحور حياتها بين المطبخ وبين أمنياتها في أن ترى ابنها عريسا.
وكذلك أخته، و(شيرين/ ميرنا نور الدين) التي كانت تمثل شخصية قوية لكنها تافهة تحب الخروج والسهرات، (رنا رئيس) التي كانت تعشق السوشيال ميديا، والإنفلونسر، وبنائها كيف كانت متضادة مع نفسها، كثير من الشخصيات تم بنائها بطريقة جيدة.
من حيث الحوار في (نصي التاني)، كان كوميديا، شبابيا، سريعا وهذا أفاد إلى حد ما إيقاع المسلسل، وكان أيضا تعليميا وفيه كثر من المعلومات التي جاءت على لسان (محمود البزاوي) سواء عن الأكلات أو معلومات تاريخية.
إقرأ أيضا : محمود البزاوي .. موهبة طاغية لم تدركها الشهرة !
وعلى مستوى الكوميديا فصراحة كانت جميلة جدا إلى حد أنها أضحكتنا طوال الحلقات، وحتى الأحداث التي لم نضحك فيها فقد جلبن لنا البسمة، وصدرت نوعا من السعادة والطاقة الإيجابية.
ولكن هذا لايمنع أنه كانت هناك بعض السذاجة التي ارتجل فيها (علي ربيع)، أو أيضا كان في السيناريو، مثلا: مشهد الكحول لـ (عصام/ محمد محمود) أضحكنا في البداية ولو أن المايونيز لا يضاف إلى القهوة أو العصير، ولكن تكرارها (4 – 5) مرات أفسد حالة الكوميديا.
التمثيل في (نصي التاني)
من حيث التمثيل في (نصي التاني) فكان جيدا إلى حد كبير، فعلي ربيع كان أفضل في أدائه من الأعمال السابقة، لأن السيناريو وبناء الشخصيا كان جيدا، ولكنه كان بين الحين والآخر يضع لمساته التي كانت تفسد أحيانا الشخصية أو يخرجها عن طورها.
(محمود البزاوي وسلوى عثمان) كان أدائهما رائعا، وكذلك (نهى/ ياسمين عمر) كان جيدا وتمثل بشكل تلقائي ولا تنظر لعين الكاميرا، وكأنها شخصية حقيقية 100%.
إقرأ أيضا : سلوى عثمان .. براعة فائقة في الأداء التراجيدي
كذلك كانت (أسماء أبو اليزيد) بمستوى أداء ناضج للغاية، بروح مختلفة تعكس موهبتها الكبيرة، على مستوى المظهر والجوهر، وحتى ضيوف الشرف (وفاء عامر وبسنت شوقي ورنا رئيس) كانوا جميعا جيدين للغاية.
وقد لعب الإخراج لـ (عمرو صلاح) دورا جيدا للغاية، من حيث زوايا التصوير والتكنيك وحركة الكاميرا، ومن هنا كانت الرؤية الإخراجية رائعة إجمالا، ولكن هناك بعض الهنات، فلم يتحكم المخرج جيدا بالنسبة لعلي ربيع.
كان على ربيع يخرج من شخصية (نادي) إلى علي ربيع، وهنا يأتي دور المخرج في التأكيد على عدم خروج على ربيع من شخصية (نادي) بحيث يكون أسيرا لها ولا يخرج عنها.
ومن ضمن الأخطاء الكبيرة في الإخراج، هو اختيار (عصام/ محمد محمود) كصديق لنادي، فكما هو معروض أنهما درسا سويا في الجامعة، أي أن المخرج لم يراعي السن، خاصة أنه يبدو في سن أبيه.
على أية حال قدم لنا مسلسل (نصي التاني) شكل جميل وجديد ورائع من حيث الفكرة والكوميديا التي جاءت في ثنايا الأحداث، حيث شاهدنا كوميديا قيمة على عكس التهريج الذي كان يقدمه على ربيع في أعماله السابقة.
ربما ظلم مسلسل (نصي التاني) في ظل أحداث (غزة المأساوية)، ولكنه يبقى جديرا بالمشاهدة، خاصة ما يمكن أن تقرأه بين السطور، من خلال عمل جماعي، في ظل أن كل طاقم العمل كانوا جادين في صنع هذا المسلسل الذي أمتعنا حقا.