بقلم: محمد شمروخ
مهما كان من تصريحات بعض (الفنانين) المناصرة لسكان قطاع غزة حيال ما يواجهونه من حرب إبادة منظمة، لم تشهد صفحات الصراع العربي الإسرائيلي لها مثيلا فى أعداد الشهداء والجرحى والمشردين منذ نكبة العرب بفقد فلسطين 1948.
إلا أن هذه التصريحات تنسب إلى شخوص من قاموا بها فحسب، دون ان تتعداهم إلى اتخاذ موقف عام من (الفنانين) المصريين والعرب سيكون له تأثيره الواسع لو أرادوا أن يفعلوا شيئاً ذا قيمة بعيداً عن التشدق بعبارات وأكلاشيهات باتت مملة ومحفوظة أيا ما كان من نسيت إليه!
وحتى بعد إلغاء فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي – وهو بلا شك موقف ممتاز يستحق التحية والتقدير من جانب رئيسه وبعض (الفنانين) – ولكن مثل هذا وحده لا يكفي.
إقرأ أيضا : معركة (طوفان الأقصى) تكشف المستور في الساحة الغنائية!
فلم نسمع حتى الآن، عن أية أنباء صادقة أم كاذبة، عن عمل فنى كبير غنائي أو مسرحى أو تلفزيونى أو سينمائي يعبر عن ما يجري!
وإن كان الاحتجاج بأن مثل تلك الأعمال تحتاج إلى وقت وجهد وتنسيق وتمويل، فهناك ما هو أيسر من كل ذلك.
فلا أدرى لماذا لم يتم حتى هذه اللحظة بحث تنسيق بين النقابات الفنية على مختلف تنويعاتها، لبحث اتخاذ موقف حيال ما يحدث وما يمكن أن يقدمه (الفنانين) لخدمة القضية الفلسطينية عامة وما يحدث الآن خاصة.
من أجل العمل على فضح ممارسات الاحتلال الإسرائيلي الوحشية ضد الفلسطينيين في غزة.
نقابات (الفنانين) المصريين
الأمر لا يقتصر على نقابات (الفنانين) المصريين وحدهم، بل لابد من تنسيق مع بقية النقابات والكيانات الممثلة لـ (الفنانين) في كل الدول العربية والإسلامية بالموازاة مع الجهود السياسية والدبلوماسية.
فلا يمكن أن يكون موقف الفن المصري قاصراً على مجرد سطور تعبر عن شخصية كاتبها وحده على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء في بوستات أو حتى تصوير فيديوهات.
ونجوم الفن المصري لديهم من الإمكانات ما يمكن أن يفعلوا به الكثير، لكن لن تجدى المبادرات الفردية، فالتحرك لابد من أن يكون جماعياً تحت مظلة نقابية عامة ووفق خطط مدروسة ومنسقة.
يمكن ذلك من خلال ترتيب لعقد مؤتمرات مشتركة بين نقابات (الفنانين) تجوب العواصم والمدن العربية الكبرى، ويمكن أن تتجاوزها لبعض المدن، العواصم المؤثرة في العالم ليكون الخطاب فيها موجها إلى العالم كله.
مع ضرورة التركيز على استعراض الوحشية التى تتم حيال المدنيين في غزة والضفة الغربية بما لا يمكن وصفه إلا بهولوكوست القرن الجديد.
لكنه (الهولوكوست) هذه المرة، يتم بأيدى اليهود الذين هم أنفسهم من روجوا لهذا المصطلح واستفادوا من الدعاية القائمة عليه بما لا يمكن إنكاره.
إقرأ أيضا : (طوفان الأقصى) يتجسد في ألبوم (يا قدس يا حبيبتي) تحية لشعب (فلسطين)
بل كانت التعويضات التى طالبت بها الحكومة الإسرائيلية بعد إعلان قيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية هى إحدى دعائم اقتصاد الدولة العبرية نفسها.
والتي كانت معرضة للانهيار لولا إجادة هذه الدعاية واستثمارها لتتدفق أنهار الأموال على تل أبيب وكانت بمثابة قبلة الحياة الاقتصادية التى احيت إسرائيل بعد تأسيسها. دون أن تدعم هذا التأسيس أى مؤسسات صناعية أو حتى مشروعات كبرى يمكن أن تشكل ملامح أساسية لاقتصاد دولة ناشية!.
وغير معقول أن يقف نجوم الفن المصري والعربي من المحيط الى الخليج، مكتوفي الأيدى لايفعلون شيئاً لا فنياً ولا دعائيا.
بل لابد أن تتجاوز هذه الدعاية نقابات (الفنانين) في مصر وحدها، ليتم التنسيق في مراحل تالية مع نقابات الصحفيين والإعلاميين واتحادات الكتاب على مستوى العالم العربي كله.
هل نكتفى بفيسبوك وإكس ومقاطع الفيديو على بقية المواقع؟!
لقد وضح بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك حرب إبادة منظمة تجرى في غزة لإخلائها من السكان أو على الأقل خلخلتها، سواء بالقتل أو بالتهجير القسرى.
ولابد من استغلال التعاطف البارز من كثير من شعوب الدول الغربية بعد نشر الأنباء التى تؤكد هذه الإبادة المتعمدة!
(أم كلثوم) رمزا لـ (الفنانين)
ولنتخذ من رحلات (أم كلثوم) عقب النكسة نبراسا، فسفر (أم كلثوم) لإحياء حفلات، لم يكن فقط لتوجيه إيرادات حفلاتها في الخارج لخدمة المجهود الحربي لإعادة بناء الجيش بعد ٥ يونيو 1967.
لكن الأثر الذي لا يقل أهمية، كان هو الدعاية بأن مصر باقية وأن رمزها الفنى الأكبر الممثل في كوكب الشرق وسيدة الغناء العربي أم كلثوم، هى ذي تغنى على مسارح باريس عاصمة النور.
جاءت هنا لتثبت للعالم كله في رسالة مباشرة بأن الفن العربي قد تم تجنيده أيضاً لنصرة قضايا بلاده وها هو ينطلق مع صوت أم كلثوم يؤكد البقاء للمقاومة فكما تعد المدافع للمعارك الحربية تعد الآلات الموسيقية لخوص المعارك الماعمة.
وكما تدوى تلك المدافع في ميادين القتال، يدوى أيضا صوت (أم كلثوم) فوق أشهر مسارح العالم!
لقد كانت رحلات (كوكب الشرق) مجرد فكرة، لكنها اهتزت وربت وأنبتت ثم مدت جذورها لتزيد قضية بلادها رسوخا في أرض الخلود!
يؤسفني أن أقول أن البوستات والتويتات والفيديوهات، مجرد (لعب عيال)، وقد تبدو أحيانا استغلالا لما حدث، للتوقيع في دفتر حضور وانصراف المشاركة دون أداء لأى عمل ذي قيمة!
أما موقف نقابات (الفنانين)، فيمكننى بارتياح أن أصفه بأنه موقف فاتر بل مائع وأزيد بأنه حتى الآن متسم بالسلبية والأنانية، فكيف لم تبحث حتى الآن سبل اتخاذ مواقف والتحرك لفعل ما أى شئ؟!
إقرأ أيضا : نجوم مصر والعالم العربي ينتفضون مع (طوفان الأقصى)
هذه فرصة (الفنانين) المصريين والعرب، أن يقفوا موقفا سوف يحسبه لهم التاريخ وإلا فهم قد أعمتهم أنانيتهم وران على قلوبهم بحثهم عن المكاسب الشخصية وحصد الأموال والجوائز وطمى على ضمائرهم الإنسانية والفنية.
مع حرصهم على حضور مناسبات لا تتناسب مع ما يحدث وسط هذه النيران المتأججة والدماء المسالة في أعنف عمليات إبادة منظمة ضد سكان عزل.
لم يشهد لها تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي مثيلا منذ المذابح التى جرت على أرض فلسطين قبل النكبة!