بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
أرسى (فطين عبد الوهاب) دعائم امبراطوريته المترامية الأطراف في عالم كوميديا السينما ليقتنص لنفسه و باستحقاق مطلق لقب (أمير الكوميديا).
رغم التعجب المستمر لزوجته الفنانة الكبيرة (ليلى مراد) من جديته المفرطة التي تصل الى حد الجهامة، وإجماع الممثلين و الطواقم الفنية أنه بالغ الدقة و الصرامة في عمله و تعامله .. فإنتاج الكوميديا لديه عمل هندسى لا يحتمل الأخطاء.
تعددت غزوات (فطين عبد الوهاب) السينمائية من (الفانوس السحرى) إلى (حلاق السيدات، البنات و الصيف، آه من حواء)، لتتسع فتوحاته بعد ذلك و تتوالى أفلامه (الزوجة الـ 13، صاحب الجلالة، عروس النيل).
كل ذلك بعد أن أسس في البدء ببدايات واعدة تحولت إلى هادرة ومتفجرة منها (الآنسة حنفي، إسماعيل يس في الجيش، إسماعيل يس في الطيران، إسماعيل يس في الأسطول، ابن حميدو، العتبة الخضراء).
يؤكد بعد ذلك (فطين عبد الوهاب) على اتساع امبراطوريته دون مقاومة تذكر من أي مخرج آخر و كأنهم رفعوا أمامه راياتهم البيضاء وأسلموه باتفاق جماعى مفتاح مدينة الكوميديا.
إقرأ أيضا : محمد عبد الواحد يكتب: (فطين عبد الوهاب).. مصنع الكوميديا (2)
وذلك بغزوات هائلة أخرى مثل (عائلة زيزي، عفريت مراتي، و مراتى مدير عام. كانت استراتيجية (فطين عبد الوهاب) في غزو القلوب والعقول والوجدان هى البساطة والعفوية و الإمساك بالمفردات البسيطة لحياتنا اليومية.
وقولبة كل ذلك في احترافية مدهشة، بقوالب المبالغة والتناقضات، مع توظيفه الكامل لكل الإمكانات المخفية في الممثلين اللذين لم يكونوا على علم بوجودها بداخلهم الا حينما كشفها لهم.
حتى أصبح (فطين عبد الوهاب) منصة صواريخ يطلق بها الممثلين في سماء الكوميديا ليلمعوا نجوما براقة حتى ليصيبها الدوار من فرط ما ارتفعت إلى علا لم يكونوا على توقع أن يصلوا يوما اليه.
(فطين عبد الوهاب) و(الفانوس السحري)
يعاود (فطين عبد الوهاب) مرة أخرى تجربة كوميديا الفانتازيا التي بدأها منذ فترة بفيلم (الفانوس السحرى) من خلال رواية يوسف السباعى (أرض النفاق) لبطله الخاص بتلك المرحلة (فؤاد المهندس).
من خلال دوره في شخصية (مسعود أبو السعد)، واسم الشخصية وحده كاشف عن كثير من جوانبها المعاكسة للاسم، فمسعود يعانى من مشاكل عديدة نتيجة ضعف شخصيته.
وبلبلته بين قيمه وانعدام قيم المحيطين به سواء في بيته أو عمله أو شارعه، يلتقى مسعود مصادفة بـ (عبد الرحيم الزرقاني)، صاحب معمل يصنع فيه أدوية كل منها يمنح متلقيها صفة ما مثل الشجاعة او الصراحة او النفاق و غيرها.
ويفاجأ (مسعود) بان كل الحبوب الخاصة بالصفات السيئة قد تم نفاذها للإقبال الشديد عليها واستهلاكها وبالذات النفاق، أما حبوب الصفات الجدية فهى (مرطرطة) في المخزن.
إقرأ أيضا : محمد عبد الواحد يكتب: (فطين عبد الوهاب).. مصنع الكوميديا (3)
يجرب مسعود كلا من هذه الحبوب ليوظف (فطين عبد الوهاب) كل إمكاناته الإخراجية وإمكانات نجمه وطاقم عمله في انتاج كوميديا عالية الجودة.
فنجده بعد تناوله لحبوب الشجاعة مثلا وبعد أن كان مهزوز الشخصية أمام زوجته المتسلطة يجذبها من شعرها ويشخط فيها لترتعد فرائصها أمامه.
وفي الشارع يواجه الفتوة المتجبر على الضعفاء فيلقمه وأتباعه علقة ساخنة يشبعهم فيها إذلالا تحت انظار جارته التي كانت تسخر من ضعفه لتنقلب سخريتها إعجابا وتدعوه إلى بيتها.
وحينما يجرب حبوب الصراحة، وفي حفل أقامه إذا به يواجه كل الضيوف بعيوبهم المخفية سواء العجوز المتصابى او الزوجة الخائنة وغيرهم ليخسر الجميع.
إقرأ أيضا : محمد عبد الواحد يكتب: (فطين عبد الوهاب) .. مصنع الكوميديا (4)
لكنه حينما يعود إلى المعمل يجد مفاجأة في انتظاره بعضا من حبوب النفاق لتتغير حياته بعدها الى الأفضل في مجتمع مريض بالنفاق.
فيصل إلى أعلى مراتب الوظيفة بل و يتخطى مديره المباشر (حسن مصطفى) ليصبح الرئيس مرؤوسا – لا ننسى هنا مثلا مشهد شنكل الشباك الكاشف للبيروقراطية الرهيبة في المصالح الحكومية –
ولا ننسى أيضا مشهد جنازة المسؤول الكبير الذى كانت حياته تضج بمريديه وماسحي الجوخ حينما مات، وفي جنازته لم يكن يسير وراء نعشه سوى قلمه فقط وهو يتبعه بخطوات متقافزة ..
(فطين عبد الوهاب) و(نص ساعة جواز)
يعاود (فطين عبد الوهاب) استكمال مشروعه الخاص بنجومية (شادية) كممثلة كوميدية بفيلم (نص ساعة جواز) بالموازاة مع استكمال مشروع (عادل إمام)، والفيلم يعتمد على فكرة الكذبة العنقودية.
كذبة بسيطة تجر في ذيلها أكاذيب وورطات تنتهي بكوارث، فقد وجد طبيب الأسنان (رشدى أباظة) أن السبيل الوحيد لنيل حبيبته (ماجدة الخطيب) هو اختلاق كذبة بأنه متزوج وعلى وشك الطلاق من زوجته.
يبحث الطبيب عن من يؤدى دور الزوجة فلا يجد الا ممرضته (شادية) التي تحبه بالفعل في صمت، وتقبل أن يشوه حبيبها صورتها أمام حبيبته فينعتها بالزوجة النكدية التي تأكل اللحاف ومشابك الغسيل.
ويجبرها على أن تذهب الى حبيبته لتؤكد عليها أنها بالفعل تكرهه – عكس عاطفتها الحقيقية.
إقرأ أيضا : محمد عبد الواحد يكتب: (فطين عبد الوهاب).. مصنع الكوميديا (5)
على الجانب الآخر نتابع (عادل إمام) في مساحة أكبر مما مضى لإيمان (فطين عبد الوهاب) بموهبته التي مازالت في طور النمو وواجبه نحو صقلها و منحها دورها في اطلاقها إلى الفضاء.
وذلك من خلال أداءه لشخصية الشاب الفقير المحروم من كل شيء لكنه يزعم أمام جارته (داليا) حبيبة طبيب الأسنان أنه يملك كل شيء، بل وأنه النجم القادم في عالم السينما.
لنراه في مشاهد معاكسه و هو في حقيقته مجرد كومبارس يشبعه الممثلون ضربا و إهانة، بل وأنه يواصل هذه الادعاءات أمام (الدكتور حسنى)، فيعامله بتعال وعظمة.
ليكمل (فطين عبد الوهاب) لعبة التناقضات، حينما نرى (عادل إمام) بتكوينه الجسدى المتواضع ندا لوسامة (رشدى أباظة) بطوله الفارع وتكوينه القوى.