بقلم: بهاء الدين يوسف
في البداية لابد من بدء مقالي هذا بالاعتذار من روح الفنان العظيم الراحل (نور الشريف) على وضع اسمه في جملة واحدة مع الاستاذ (بيومي فؤاد) ليس انتقاصا من الأخير أو محاولة للمشاركة في حفلة الهجوم عليه.
ولكن احتراما للفوارق الهائلة فنيا وثقافيا وإنسانيا بين (نور الشريف) الذي يصنف ضمن أكثر الفنانين المؤثرين في تاريخ الفن المصري وبين (بيومي فؤاد) الذي أجد من الصعب تصنيفه حتى ضمن فئة الكوميدينات في السينما المصرية.
لاقتصار إنتاجه الفني على جملة من الإفيهات والمواقف المفتعلة التي تنتزع الضحكات في وقتها من المهمومين بأمور الحياة والغارقين في مشاكلها.
المقارنة التي أنوي عقدها هنا بين (نور الشريف) و(بيومي فؤاد) ليست بين القيمة الفنية لهما والتي أصر على أنها ليست فقط لا تصح ولكن قد يستحق من يفكر فيها عرضه على طبيب أمراض نفسية أو تحويل اوراقه إلى فضيلة المفتي.
ولكن المقارنة بين موقفين من القضية الفلسطينية يكشفان معدن الفنان الحقيقي من (فناني المقاولات).
بحسب التعبير الشهير الذي أطلق لوصف الأفلام سيئة المستوى والسمعة التي أنتجت في الحقبة السوداء للسينما المصرية في نهاية سبعينات القرن الماضي، وهى حقبة استمرت آثارها لتقدم لنا فنانين دون المستوى في مختلف مجالات الفن.
إقرأ أيضا : أوقفوا الفتنة: (بيومي فؤاد) معه الحق في كل ماقاله!
(بيومي فؤاد) قدم نفسه على طبق من ذهب لسيوف النقد الحامية بسبب خطابه غير المبرر في ختام عرض مسرحيته في موسم الرياض، الذي تطرق فيه لموقف زميله محمد سلام وانتقاده له علنا.
مع بعض الجمل غير المنطقية مثل إنه لم يذهب لعرض المسرحية في الرياض طمعا في الفلوس وانه لا يبحث عن الفلوس ولكنه يقدم فنا ويشرف الفن المصري حين تطلب منه سيدة سعودية او شاب سعودي التصوير معه.
أي أنه لم يكتف بالمشاركة في المسرحية لكنه حاول وضع زميل له في وجه المدافع الانتاجية السعودية لمجرد انه اعتذر عن المشاركة في مسرحية الرقص والكوميديا بينما إخوانه في غزة يقتلون ويذبحون.
(بيومي فؤاد) في شرك الكذب
ثم أوقع (بيومي فؤاد) في شرك الكذب الواضح بادعائه إنه (ليس بتاع فلوس) كأنه يريد إقناعنا بأنه ذهب لعرض مسرحيته التجارية في الرياض لمدة أسبوع أو أقل بحثا عن دخول تاريخ المسرح المصري مثلا.
وهنا بدلا من الرد عليه بطريقة باسم يوسف (عبط احنا يعني) يمكن الاستعانة بما قالته الناقدة المعروفة ماجدة خير الله لوصف المسرحية بأنها (نحتاية) وهو تعبير عامي مصري يطلق على أي عمل غير ذي قيمة ولكنه يدر المال على من يعمله.
وهو اكثر الأوصاف دقة للمسرحية التي لم يكتب حرف واحد عن مضمونها ولا كلف ناقد أو صحفي حتى من من الأخوة في السعودية نفسه للكتابة عنها ونقدها.
لعل أصدق توصيف لما فعله (بيومي فؤاد) هو ما قاله الإعلامي المعروف محمود سعد بأنه لا يعرف يعني أيه فنان بكل ما تفرضه تلك المهنة على شاغليها من مسؤوليات أدبية واجتماعية وأخلاقية.
ما يقودنا الى الأستاذ الراحل (نور الشريف) الذي يمثل في رأيي المتواضع النموذج المثالي والحقيقي لما يجب أن يكون عليه الفنان.
وهنا أتوقف عند فيلم واحد من أفلامه قصد به تقديم الدعم للقضية الفلسطينية هو فيلم (ناجي العلي) الذي يقدم فيه السيرة الذاتية لرسام الكاريكاتير الفلسطيني الراحل صاحب شخصية حنظلة الشهيرة.
وكيف كاد الفيلم الذي شارك (نور الشريف) في انتاجه أن يتسبب ليس فقط في إفلاسه ولكن في تدمير مسيرته الفنية بالكامل، بعدما تعرض لهجوم إعلامي شرس في مصر قاده وقتها في بداية التسعينات الكاتب الصحفي ابراهيم سعدة، وفي عدد آخر من البلاد العربية.
بل أن الرئيس الفلسطيني الراحل (ياسر عرفات) نفسه لم يعجبه الفيلم وطلب من الرئيس المصري الراحل مبارك رفعه من العرض افتتاح مهرجان السينما المصري.
تسببت الحملة في منع عرض الفيلم في أغلب الدول العربية وخسر (نور الشريف) امواله فضلا عن تعرضه لحملة هدفت الى اغتياله معنويا وفنيا ووصلت درجة اتهامه بالعمالة ضد بلده.
نور الشريف و(ناجي العلي)
بسبب تجسيده لشخصية الرسام الفلسطيني المتشدد في انتمائه لقضية بلاده لدرجة وصفه العديد من المسؤولين العرب بالخونة، لكن كل ذلك الترهيب المادي والمعنوي لم يقهر نور أو يدفعه للاعتذار مثلا عن المشاركة في الفيلم.
وظل حتى آخر يوم في حياته مقتنعا بأنه فعل ما يتفق قناعاته الإنسانية والفنية في صمت ودون مزايدة حتى بعد خفوت الحملة الشرسة ضده.
ولم نقرأ له تصريحا واحدا من عينة إنه (موش بتاع فلوس)، وانه شارك في إنتاج الفيلم لتشريف الفن المصري وكلمات من هذا الهراء.
تصرف مشابه قامت به فنانة عظيمة أخرى هى (نادية لطفي) حين قررت البقاء مع الفلسطينيين المحاصرين في صبرا وشاتيلا في لبنان خلال الاجتياح الاسرائيلي لهما عام 1982.
وبقيت هناك أسبوعين بالفعل دون أن يثنيها القصف الإسرائيلي الوحشي عن البقاء أو يدفعها للهرب، بل على العكس وثقت بعض مشاهد المجازر التي وقعت وقتها ضد الفلسطينيين بكاميرتها وعرض بعضها في وسائل الإعلام العالمية ما دفع عرفات لزيارتها في منزلها بالقاهرة لاحقا وإهدائها الكوفية الفلسطينية الشهيرة.