بقلم: محمد حبوشة
كشفت القنوات الفضائية ومنها على وجه الخصوص (قناة الجزيرة) طوال أيام حرب الإبادة البشرية التي يشنها العدو الصيوني منذ السابع من أكتوبر الماضي عن بشاعة المحتل الإسرائيلي في قصف المستشفيات التي أطلق عليها مجازا مصطلح (حرب (المستشفيات).
ولقد بدا واضحا للعالم أجمع قصف الجيش الإسرائيلي مرارا، في إطار حرب (المستشفيات) في قطاع غزة منذ بدء الحرب هناك، والتي دخلت شهرها الثاني، إلا أن القوات الإسرائيلية، لاتزال تمعن في هذا القصف.
في ظل حقيقة أن الجانب الأكبر من (المستشفيات) في القطاع دمر بكامله، أو خرج عن الخدمة، وقد حذرت منظمات دولية، من أن الوضع الكارثي لـ (المستشفيات) التي تئن تحت استمرار القصف الإسرائيلي، ينذر بتحولها إلى (مشرحة).
إقرأ أيضا : مواقع التواصل تفضحهم.. إنهم يقتلون (أطفال غزة) في المهد بدم بارد!
في وقت ينفي فيه الجيش الإسرائيلي من جانبه، استهداف (المستشفيات)، ويكرر اتهامه لحماس باستخدامها كمقرات لها ولقيادتها ولذا يشن هجومه الضاري في حرب (المستشفيات) التي صارت هدفا يوميا لقوى العدو الغاشمة.
أمس الاثنين 13 نوفمبر، أعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، تمركز آليات ودبابات للجيش الإسرائيلي بمحيط مستشفى (القدس) في مدينة غزة من جميع الجهات، وسماع أصوات قصف متواصلة، في ظل التحضيرات لإخلاء المستشفى.
وقالت الجمعية عبر منصة (إكس): (الآليات والدبابات الإسرائيلية تتمركز في محيط مستشفى القدس من جميع الجهات، وسماع أصوات قصف متواصلة في ظل التحضيرات لإخلاء المستشفى بمن فيه من مرضى وجرحى، ومرافقيهم والكوادر الطبية).
وكانت الجمعية قد أعلنت الأحد 12 نوفمبر، خروج (مستشفى القدس)، الذي تديره في قطاع غزة عن الخدمة، إثر نفاد الوقود وانقطاع التيار الكهربائي، ومنذ 3 أيام تفيد التقارير بأن القوات الإسرائيلية، تكثف من تواجدها في محيط (المستشفيات) شمالي قطاع غزة.
وفي وقت وقع فيه عشرات الأطباء في إسرائيل على عريضة طالبوا فيها الأجهزة الأمنية والجيش الإسرائيلي بقصف (المستشفيات) في غزة، وقال الأطباء الذين تأطروا تحت عنوان (أطباء من أجل الجنود) في رسالتهم إن من يخلط بين المستشفيات والإرهاب عليه أن يفهم أن (المستشفيات) ليست مكانا آمنا بالنسبة إليه، ويجب محاربة الإرهاب في كل مكان وبكل طريقة، على حد قولهم.
إسرائيليون يدينون قصف (المستشفيات)
وفي ردها على ذلك، قالت الجمعية الإسرائيلية أطباء لحقوق الإنسان: إنه حتى وإن صحت المعلومات التي تتحدث عن وجود بنية تحتية لحركة حماس تحت (المستشفيات)، فهذا لا يبرر قصف آلاف المرضى والنازحين الأبرياء في هذه (المستشفيات).
ولأن حرب (المستشفيات) صارت تعري وجه الكيان الصهيوني القبيح للعالم أجمع خلال الأيام الماضية، حيث انتفض الملايين في شورارع فرنسا وبريطانيا وأمريكا، فإن العدو الصيوني صنع أكذوبة جديدة في سلسلة أكاذيبه للتدليس على الرأي العام العالمي.
فأمس الاثنين عرضت كل قنوات التليفزيون الإسرائيلي إعلان الجيش الإسرائيلي، أن لديه (مؤشرات) تظهر أن مقاتلين من (حماس) احتجزوا في مستشفى للأطفال، في قطاع غزة، رهائن خطفوهم خلال هجومهم على إسرائيل في السابع من أكتوبر.
وقال المتحدث باسم الجيش (دانيال هاغاري)، مستندا إلى مقطع مصور، إنه في أسفل مستشفى الرنتيسي بشمال قطاع غزة، جمع الجيش الإسرائيلي (مؤشرات تدعو إلى الاعتقاد بأن (حماس) كانت تحتجز رهائن هنا كي يبرر حرب (المسشتفيات) في غزة.
إقرأ أيضا : قصف (المستشفى المعمداني) يحرك ضمير العالم، ولكن؟!
وفي إطار فبركة الأدلة قال (هاغاري) في مؤتمر صحفي: وجدنا زجاجة لرضاعة طفل أو قطعة حبل موصولة بكرسي، وظهر هاغاري في مقطع فيديو داخل المكان الذي أشار إلى أنه أسفل المستشفى.
وتجول فيه حيث كانت توجد دورة مياه مرتجلة، ومطبخ، وعدة كراسي، قائلا في وقاحة صهيونية معهودة: (إن هذه التجهيزات تشير إلى احتجاز رهائن في المكان، ولم يظهر أين يقع هذا المكان تحديدا.
ومنذ بداية الحرب في غزة التي دخلت شهرها الثاني تتهم إسرائيل حماس باستخدام (المستشفيات) لإخفاء مقارها ومنشآتها وقد تكرر هذا الاتهام مرارا على لسان هذا المتحدثت باسم الجيش الإسرائيلي، (دانيال هاغاري).
الذي قال في عدة مؤتمرات صحفية إن حماس تستخدم (المستشفيات) لأغراض إرهابية، مضيفا أن الحركة (تستغل المستشفيات لإخفاء آلتها الحربية).
حماس لا تستخدم (المستشفيات)
وقد ردت حماس بالنفي مرارا على التهم الإسرائيلية وكانت قد أصدرت بيانا في الخامس من الشهر الجاري، دعت فيه الأمم المتحدة لتشكيل لجنة دولية لزيارة المستشفيات في قطاع غزة والتحقق من ادعاءات إسرائيل.
وكما هو معروف فإن الآلة العسكرية قد قصفت في الأيام الأولى لحربها على غزة المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) في حي الزيتون بقطاع غزة، والذي أدى لوقوع مئات الشهداء والجرحى.
وأدانت منظمة الصحة العالمية (الضربة القاتلة) التي استهدفت (مستشفى المعمداني) في غزة، وطالبت بتوفير الحماية الفورية للمدنيين والرعاية الصحية في قطاع غزة.
وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية (تيدروس أدهانوم غيبرييسوس) على منصة (إكس): (تدين منظمة الصحة العالمية بشدة الهجوم على المستشفى الأهلي العربي).
إقرأ أيضا : مجزرة (المستشفى المعمدانى) تشعل غضب نجوم مصر والعرب
ونشرت الأمم المتحدة عبر منصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، منشورات أكدت فيها أن (المستشفيات) ليست هدفا، وأن المدارس والعاملون الصحيون والعاملون في المجال الإنساني والمدنيون والأطفال والرضع ليسوا أهدافا.
ومن بعد (المستشفى المعمداني)، قصفت قبل أيام في سياق حرب (المستشفيات) مجمع الشفاء في غزة حيث استهدف الاحتلال سيارات الإسعاف أمام بوابة مجمع الشفاء الطبي، مما أدى إلى سقوط عشرات المواطنين بين شهيد وجريح.
وكان من بين المصابين أطباء ومسعفون ومصابون ومواطنون مرافقون للجرحى تجمعوا حول سيارات الإسعاف في مدخل المجمع، حتى عاودت قصف مجمع الشفاء من جديد حتى أجهزت عليه وأخرجته من الخدمة.
بشاعة حرب (المستشفيات)
وربما بشاعة قصف (مجمع الشفاء) قد أثارت حفيظة شعوب العالم كله فخرجت الملايين في الشوارع، وفي فرنسا تحديدا أجبر المتظاهرون الفرنسيون الرئيس ماكرون للتراجع عن موقفه المؤيد لإسرائيل، ودفع متظاهري بريطانيا رئيس وزرائها إلى حافة الهاوية.
ظني أن بشاعة حرب (المستشفيات) ربما هى من أوخزت الضمير العالمي، ومن ثم خرجت الجماهير كي تضغط على الحكام، بعد أن بات واضحا فشل العدو الإسرائيلي في تحقيق أهدافه ونصره المزعوم على حماس.
وتظهر الأرقام المرعبة للفاتورة البشرية بين المدنيين في غزة عمق التضليل الإسرائيلي، فالجيش الإسرائيلي الذي (يعمل وفقا لأعلى معايير القانون الدولي – كما يزعم نتنياهو)، وبدعم عسكري ولوجيستي من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
يقصف قطاع غزة منذ ستة أسابيع تقريبا بشكل متواصل، يقصف الحجيش الإسرائيلي البنايات السكنية ويهدمها على رؤوس ساكنيها، يقصف المستشفيات والمدارس والملاجئ، يقصف النازحين الفارين من صواريخه ويحولهم إلى أشلاء.
لكن أحدا لا يصدق ما يردده قادة الاحتلال من أكاذيب، فلا مكان آمنا في القطاع، والرد على أكاذيب جيش الاحتلال جاء من شبكة CNN الأمريكية، التي نشرت تحقيقا استقصائيا قامت به.
جاء عنوان التحقيق: (صدقوا أوامر الإخلاء، ضربة جوية إسرائيلية.. قتلتهم في اليوم التالي)، ورصد كيف أن بعض الفلسطينيين في شمال غزة، الذين صدقوا أوامر الإخلاء التي صدرت عن الجيش الإسرائيلي ظنوا أنهم سيكونون آمنين.
بعض الفلسطينيين الذين نفذوا أوامر الإخلاء وهربوا من بيوتهم في شمال غزة، باحثين عن الأمن والسلامة، تعرضوا للمصير ذاته الذي هربوا منه: (قتلتهم ضربات جوية إسرائيلية في منطقة الإخلاء).
هذا ما خلصت إليه الشبكة الأمريكية، التي تعمل، شأنها شأن باقي المؤسسات الإعلامية الغربية على الترويج للرواية الإسرائيلية طوال الوقت، والواضح هنا أن وجود شهود كثر على الكذب المفضوح أجبر الجميع هذه المرة على الإقرار بالحقيقة.
(المستشفيات) والحرب اللاإنسانية
فمنذ أن بدأ العدوان، تستيقظ غزة على يوم جديد من أيام الحرب اللا إنسانية المستمرة على القطاع منذ 36 يوماً، تحول فيها القطاع الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم إلى مساحات من الدمار، وعلى رأسها (المستشفيات).
يخيم على سمائها بالنهار لون الغبار والدخان الرمادي القاتم، ويصبغ القصف العنيف ليلها بلون النيران التي تأكل الأخضر واليابس وتستهدف البشر والحجر.
الدمار والنيران الناجمة عن الغارات ليس كل ما يمكن رؤيته في غزة، فجنازات الشهداء لا تتوقف، ونزيف دماء الجرحى يسيل في كل مكان، وطوابير المياه والخبز والطعام والدواء توزع عشوائياً في طرق وأزقة محاطة بأكوام الحجارة.
ولم ينج من تلك المذابح الإسرائيلية حتى الصحفيين الذين ينقلون ما يجري، فحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة فإن القصف الإسرائيلي خلف 46 قتيلا من الصحفيين.
وقال المكتب الحكومي الفلسطيني في بيان إن (الاحتلال يتعمد استهداف الصحفيين بشكل مباشر، ومنهم من استشهد جراء هدم منازلهم فوق رؤوسهم هم وعائلاتهم).
إذ بلغ عدد المنازل التي دمرت على رؤوس الصحفيين وعائلاتهم وآلاف الفلسطينيين بقطاع غزة نحو 220 ألف منزل.
إقرأ أيضا : شيرين أبو عاقلة.. لتبقى ذكراك عنوانا للوحشية الإسرائيلية !
ومما لاشك فيه سيؤثر هذا الصراع في الإسرائيليين عاطفيا لعقود وربما لأجيال قادمة؛ ما سيترك بصمة من الصدمة والغضب والحزن، خاصة على أولئك الذين تأثرت أسرهم وأصدقاؤهم تأثرا مباشرا.
وتعد أبرز التحديات التي تواجه إسرائيل هى عدم قدرة جيش الاحتلال على تحقيق أي من الأهداف العسكرية، مما يشير إلى الأسبوعين القادمين اللذين أعلن (نيتياهوا) بأنهما سيضعان خط نهاية الحرب سيكونان الأكثر عنفا وشراسة ودموية على أهل غزة.
ومن هنا فلنتوجه غلى السماء جميعا متضرعين بالدعاء للمولى عز وجل أن يكشف الغمة عن شعب فلسطين، وخاصة أن نيتنياهو خاطب القادة العرب مطالبهم بالصمت إذا كانوا يخافون على مصالحهم.. أي عار هذا الذي يلحق بنا .. يارب سلم.