معركة (طوفان الأقصى) تكشف المستور في الساحة الغنائية!
كتب: أحمد السماحي
منذ اندلاع معركة (طوفان الأقصى) في السابع من أكتوبر الماضي، استعاد الجمهور المصري والعربي خلال الأيام الماضية نفحات من تراث الغناء الوطني المصحوب بقدر من الشجن الإبداعي الصادق.
ما يدعنا نسكب الدمع على أطلال ماض فنى عريق برع في التعبير عن قضايا الوطن ومازال زخمه ساريا حتى اللحظة.
بينما نجوم الغناء الحاليين من مطربيين وشعراء وملحنيين يقفون على حافة حلم الحرية عاجزين، عن التعبير عن (طوفان الأقصى) غير عابئين بالتعبير غنائيا عن مأساة ضخمة مهولة مثل مأساة الشعب الفلسطيني الشقيق.
لابد أنه قد أصابك عزيزي القارئ بعض من تلك اللحظات الوطنية العفوية الصادقة مغلفة برسائل قوية تبعث على الفخر والحماسة على إحدى الشاشات.
وأنت تستمع لروائع غنائية قديمة مثل (أخي جاوز الظالمون المدى، زهرة المدائن، أصبح عندي الآن بندقية موطني، الأقصى نادى، الحلم العربي، القدس هترجع لنا).
أيضا (عربية يا أرض فلسطين، وأختي وفاء، وصبرا فلسطين، ومدينة كل الجروح) وغيرها، هذه بعض أسماء أغنيات قليلة من تراث الأغنيات الوطنية التى ترددت بقوة في الفترة الأخيرة تزامنا مع معركة (طوفان الأقصى).
فخلال الأيام الماضية – كالعادة – لم تجد كافة وسائل الإعلام المسموعة والمرئية أغنيات تناسب أجواء وقوع المجازر التى يرتكبها العدو الإسرائيلي في (طوفان الأقصى) غير الأغنيات القديمة التى قدمت في سنوات الفتونة الفنية الغنائية.
نجوم الغناء وطوفان الأقصى
فالمتابع لبرامج الفضائيات ومحطات الإذاعات خلال الفترة الماضية وحتى الآن ربما
لا يجد غير بضع أغنيات قليلة جدا جديدة لبعض نجوم الغناء المصري والعربي مثل: (هاني شاكر، علي الحجار، لطفي بوشناق، أحمد الجميري، أحمد سعد، عزيز الشافعي، عبدالله رشاد، زياد برجي، محمد رحيم، حمزه نمرة، حميد الشاعري، ديانا كرازون، ميدو راشد).
والحقيقة أن كثرة عرض وإذاعة الأغنيات القديمة مع كل حدث طارئ في مصر والعالم العربي سواء بالإيجاب أو بالسلب، أو كان الحدث حزينا أو سعيدا، استوقفني كثيرا في ظل أحداث (طوفان الأقصى).
وأعتقد أنه استوقف كثيرين غيري، وهو ما أثار بداخلي أكثر من سؤال، أولها: هل الشعراء الكبار أمثال (عبدالفتاح مصطفى، وفؤاد حداد وبيرم التونسى، وبديع خيرى.
وصلاح جاهين، وعبدالوهاب محمد، وعبدالرحمن الأبنودي، والأخوين رحباني، ومجدي نجيب، وعبدالرحيم منصور، وأحمد فؤاد نجم، ونبيلة قنديل).
وغيرهم من شعراء العامية المصرية، كانوا منجمين؟ أم أنهم كانوا يدركون ما يضمره لنا المستقبل من تخاذل وتراجع إبداعي.
إقرأ أيضا : تضامنا مع (طوفان الأقصى).. وقفة مشرفة لنجوم الفن المصري
عندما عبروا بصدق من خلال أساطيرهم الغنائية التي لاتزال تسكن وجداننا على مر الأيام والليالي والنوائب التي تصيب الوطن العربي؟
فحقيقة الأمر أن ما كتبوه لوصف حالة ما فى العقود الماضية تكاد تتطابق حرفياً مع واقعنا الحالي.
وربما يرجع ذلك إلى أن العدو واحد، فمهما تغيرت الوجوه بتغير الأزمنة لا يتبدل وجه العدو البائس القمئ!.
وتبقى الحقيقة واضحة جلية في صدق ما قدموه من روائع غنائية تخاطب الوجدان في كل زمان ومكان، فلم يكن مبدعو الزمن الماضي يتعاملون مع الأحداث التى تمر على الوطن بمنطق (السبوبة) أو (النحت).
ولكنهم كانوا يعبرون بشفافية شديدة عن الحالة التي تمر بمصر والعالم العربي.
لهذا عندما يعاد ترديد أغنياتهم الآن من جديد تشعر، وكأنهم يعيشون معنا في نفس الظرف التاريخي الحاد بزخمه الوطني الذي يعكس براعة المصري والعربي.
والسؤال الذي نريد طرحه أين ذاكرة مصر الغنائية الآن؟ بمعنى أين المطربون الحاليون؟!
أغنيات (طوفان الأقصى)
والأجابة تقول: أن كثير من المطربيين يريدون تقديم أغنيات عن ما يحدث حاليا في معركة (طوفان الأقصى) بفلسطين لكن يقف عدم العثور على كلام قوي يصلح للغناء حائل بينهم وبين الحدث التاريخي الصعب الذي تمر به فلسطين اليوم!
وهذا ما اتضح لي عندما اتصلت بي صديقتي المطربة الشهيرة جدا منذ أيام لتسألني عن شيئا ما، فسألتها عن سر عدم مشاركتها في معركة (طوفان الأقصى) حتى الآن.
وهى المعروفة بمواقفها الوطنية الواضحة والصريحة، وغنائها في كل المناسبات التى تمرعلى العالم العربي؟!
فقالت لي بشيئ من المرارة: (مش لاقية كلام قوي يتناسب مع المجازر التى تحدث الآن من الجانب الإسرائيلي لأشقائنا الفلسطنيين!).
إقرأ أيضا : (طوفان الأقصى) يتجسد في ألبوم (يا قدس يا حبيبتي) تحية لشعب (فلسطين)
فزلزلني ردها! والسؤال المر الذي يفرض نفسه باحثا عن إجابة شافية: هل خلت مصر الآن من الشعراء الموهوبين الذين يستطيعون أن يعبروا عن فجيعة بحجم معركة (طوفان الأقصى).
ويوثقون بأشعارهم التاريخ الحديث بما يحمله بين طياته من مآس درامية غارقة في قمة المأساة، تماما كما سبق ووثق شعراء الماضي تاريخ مصر والعالم العربي المعاصر؟
الشعراء وطوفان الأقصى
الحقيقة أن هؤلاء الشعراء موجودون ، فما زال نهر الإبداع يجري، ومازال لدينا أكثر من جيل من شعراء العامية العظام.
مثل: (مدحت العدل، جمال بخيت، إبراهيم عبدالفتاح، بهاء الدين محمد، عوض بدوي، هاني شحاته، وائل هلال، بهاء جاهين، فوزي إبراهيم).
ومن الشباب الموهوبين (نادر عبدالله، هاني عبدالكريم، أيمن بهجت قمر، محمد جمعه، أمير طعيمه، خالد تاج الدين، عزيز الشافعي، نصر الدين ناجي) وغيرهم. لكن يبقى السؤال الشائك: ماذا يفعل كل هؤلاء الآن ؟! وأين أشعارهم؟ ولماذا هذا التجاهل التام لما يحدث؟ بل لماذا استسلموا لليأس؟!
إقرأ أيضا : حريق المسجد الأقصى يلهب أغاني (فلسطين) بحناجر الكبار والشباب ! (3)
لقد كان شعراء الماضي يحرضون بأشعارهم الشارع المصري، ويدفعون بالأمل والقوة والعزيمة في نفوس الجماهير التواقة للحرية.
ويراهنون بأشعارهم على المصرى البسيط، ويخاطبونه فى كثير من أشعارهم باعتباره وحده القادر على تذليل كافة الصعاب.
وكانوا بعيدا عن نشر أشعارهم على حناجر أم كلثوم أو عبدالحليم أو فريد الأطرش أو نجاة أووردة أو شادية، كنت تجدهم ينشرون أشعارهم الوطنية فى الجرائد المصرية ليدلوا بدلوهم في أي حدث يمر بمصرنا الحبيبة، أو بالعالم العربي.