هيثم أحمد زكي.. موهبة فنية مميزة اختصرها الزمن في 35 عاما !
كتب: محمد حبوشة
مرت أمس الثلاثاء 7 نوفمر الذكرى الرابعة لرحيل الفنان الشاب (هيثم أحمد زكي) – رحمه الله – الذي ورث موهبة التمثيل عن والده الفنان الكبير أحمد زكي، ووالدته صاحبة الوجه الملائكي هالة فؤاد.
ومن المفارقات العجيبة أن (هيثم أحمد زكي) رحل عن عمر 35 عاما وهى نفس عمر والدته (هالة فؤاد) التي رحلت عن نفس العمر 35 عاما أيضا، وبرحيل هذا الشاب في عز نضجه الفني طرح سؤلا كبيرا:
هل توريث صفات الآباء لأبنائهم من نافلة القول؟.
الإجابة: أنه لا جدال في توريث الآباء لأبنائهم بإثباتات العلم وأدلته وبراهينه، ولعل الموهبة هنا في حالة (هيثم أحمد زكي) هى صناعة وهبة ربانية لا مجال فيها للاجتهاد والبحث عنها والحصول عليها.
صحيح أن الفن خبرة، وهو يؤكد على مفهوم الخبرة الجمالية، ويجعل منها ظاهرة بشرية عامة تصاحب شتى خبراتنا اليومية العادية فليس هناك فاصل يعزل الخبرة الجمالية عن الحياة العملية.
ويخلع (جون ديوي) على الفن صبغة عملية ونفعية ووظيفية، وهى متباينة؛ فهناك من يمارس الإبداع لترتاح به ذاته القلقة مثل (هيثم أحمد زكي)، وهناك من يمارسه ليحقق ذاته، أو يرتزق.
كان (هيثم أحمد زكي) يرى أن فن التمثيل ليس مجرد نشاط أدائي في خدمة بعض الغايات الاجتماعية أو الحيوية أو الحضارية، ذلك أن الإبداع الفني سرور ولذة في المقام الأول.
وبعد تتحقق الغايات النفعية التي يحرص عليها المبدع من خلال الحرص على التجاوز بالإصرار وتطوير أدوات الإبداع، وأسباب الإنتاج الخيالي الحدسي، والاطلاع والبحث عن مكامن الجدة.
ووصولا إلى السرور واللذة والرضا عن الذات، ومعها الغايات النفعية، كان (هيثم أحمد زكي) يسعى لتطوير أدواته التي تنمي موهبته التي ورثها عن والديه، وهو بدا لنا واضحا من خلال أعماله السينمائية والتلفزيونية، رغم قصر المسافة الزمنية.
لقد وعى (هيثم أحمد زكي) منذ نعومة أظفاره ورطة المبدع حين يكون والده أو أمه مبدعين من قبله في ذات المجال، كما كان يدرك في الوقت ذاته أنه ليس شرطا أن تكون الموهبة المتوارثة مصنوعة، فقد يكون المورث علما، ويكون الوارث موهوبا.
(هيثم أحمد زكي).. ممثلا طموحا
وفي الذكرى الرابعة للفنان الشاب (هيثم أحمد زكي)، لابد لي أن أقول أنه كان – رحمة الله عليه – ممثلا شابا طموحا، أتقن أدوار ومثلها ببراعة شديدة ولم ينجح في وظائف أخرى في الحياة وهو الذي درس الإعلام.
قد تكون بنوته إلى (هالة فؤاد) التي من الصعب بل من المستحيل ألا تحبها خصوصا بعد موتها المفاجئ أيضا أن تكون رفعت رصيده في القلوب، إلى جوار بالطبع تعلمه على يد الأستاذ الراحل أحمد زكي.
ولكن يمكن لهذا النسب الفني أيضا أن يكون رفع التوقعات منه بشدة بشكل أضره ولم يفيده في التألق، بالإضافة إلى المقارنات المستمرة بالطبع بينه وبين والده.
اختلفت معه أو اتفقت، إلا أن وفاته المفاجأة كانت صدمة حقيقية للجميع حتى لمن لم يشاهدوه أو لم يتفاعلوا مع أعماله القليلة، حيث يشاء الله العليم القدير أن يتوفى في العمر نفسه الذي رحلت فيه والدته البريئة هالة فؤاد عن عمر يناهز 35 سنة.
كانت البداية الفنية للممثل الشاب (هيثم أحمد زكي) في مرحلة الشباب عام 2006، وربما يتم تصوير الأمر أنه جاء رغما عنه في فيلم (حليم)، والذي كان آخر أفلام الممثل الراحل أحمد زكي.
حيث كان في مراحل مرضه الأخير وكان المطلوب تقديم حياة (حليم) في شبابه ليقع الاختيار على (هيثم أحمد زكي) رغم عدم وجود أي سابقة تمثيل له من قبل، وقام بالفعل هيثم بتأدية الدور الذي لم يجد ترحيبا كبيرا إلا أنها كانت بداية قوية في فيلم من بطولة أحد رواد السينما المصرية والعربية.
أول بطولة لـ (هيثم أحمد زكي)
كان (حليم) أول فيلم بطولة حقيقية لـ (هيثم أحمد زكي)، وأبدع فيه بأداء تمثيلي مبهر، وتم إنتاجه عام 2007، وتعرض فيه لرسائل سياسية واجتماعية واضحة، إلا أن نقص خبرته الواضحة وعدم وجود دعم قريب منه أو نصائح من أشخاص لديهم خبرة جعلت المشروع لا يتلقى الحفاوة الكبيرة رغم أهمية الرسالة التي يقدمها.
وبعد غياب 3 سنوات كاملة عن الفن كأنه أراد هدنة أو إعادة ترتيب الأوراق أو ربما اكتفى بما وجده من أمور صعبة لاقتحام عالم الفن بقوة، يعود الفنان الراحل إلى الشاشة الصغيرة كضيف شرف في مسلسل (الجماعة).
ورغم الدور الصغير إلا أنه حقق علامة فارقة ليؤكد للجميع أنه يمكن أن يقدم أداء راقيا يختلف بشكل ما أسلوب والده الراحل ليبدأ في حفر أولى خطواته الحقيقية في السينما بفيلم (كف القمر).
وهو من الأعمال الأكثر أهمية في حياة (هيثم أحمد زكي)، فهو بطولة جماعية من مجموعة من ألمع الممثلين إلى جانب الإخراج العبقري لخالد يوسف والذي يجمع بين الإثارة والفكرة والتصوير المبهر.
بصمات (هيثم أحمد زكي) المختلفة
ووضع (هيثم أحمد زكي) بصمته المختلفة في هذا الفيلم لتنطلق العروض من بعدها ليقوم بأعما مهمة مثل (نقطة دم – 2011، و سكر مر – 2016، والكنز1 – 2017، والكنز2 – 2018)، ومسلسل (الصفعة – 2012.
وهو من المسلسلات التي حققت صدى واسعا للغاية في 2014، ويعيد (هيثم أحمد زكي) فيها إعادة اكتشاف نفسه بأداء رائع مع أشقائه، ويؤكد قدرته على تقديم ألوان وأشكال جديدة من الفنون.
مثل مسلسل (أستاذ ورئيس قسم) نقلة نوعية مهمة في مسيرة الفنان الراحل (هيثم أحمد زكي)، فيكفي أنه مع الزعيم عادل إما،م والذي كان المنافس الأقوى للراحل أحمد زكي، لتشعر معه أنك أمام عملاقين في عالم الفن خصوصا مع الاتجاه السياسي للمسلسل.
كان عام 2017 علامة فارقة أخرى في حياة (هيثم أحمد زكي) حيث حصد عنه جائزة أفضل ممثل شاب رغم أن البطولة على اسم الفنان محمد رمضان، ليؤكد هيثم اتجاهاته السياسية الواضحة في أعمال جادة لها هدف وقيمة.
فلم يكن الأمر بالنسبة له مجرد تجارة أو سبب للشهرة والتي لم يكن يفتقدها، ولكن أثبت أنه قادر على تقديم فن محترم يعيش ويدوم.
كما استطاع لفت المزيد من الأنظار إليه في مسلسلي (دوران شبرا، وكلبش 2)، لتنتهي آخر أعماله الفنية ومسيرته بمسلسل (علامة استفهام) مع محمد رجب تاركا الكثير من علامات الاستفهام التي ستكشف الأيام المقبلة عن إجاباتها.
في مثل أمس 7 نوفمر 2019، أنهى الموت دراما حياة الممثل المصري الشاب (هيثم أحمد زكي)، الذي عاش حياة مليئة بالفقد والحرمان، حتى مات وحيداً داخل منزله بمدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة).
وذلك إثر إصابته بهبوط حاد في الدورة الدموية، وسيطرت أجواء الحزن على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر وقتها، إذ نعاه الآلاف من متابعي هذه المواقع، وربط عدد كبير منهم بين ظروف وفاته ورحيل والدته الفنانة هالة فؤاد، في سن الـ 35، عام 1993.
وعبروا عن تعاطفهم مع الممثل الراحل، الذي يرى مقربون منه أنه أمضى حياة صعبة فقد فيها كثيرا من أفراد أسرته على مدار سنوات عمره القصيرة، حتى لحق بوالده (الإمبراطور) الفنان المصري الراحل أحمد زكي، لينهي الموت بذلك قصة آخر أضلاع مثلث أسرة أحمد زكي الفنية التي رحل أفرادها في ربيع العمر.
وفاة (هيثم أحمد زكي) جددت الأحزان
وفاة (هيثم أحمد زكي) المفاجئة جددت أحزان الوسط الفني وذكرتهم برحيل والديه، بعد مشواره الفني القصير الذي اجتهد فيه للخروج من ظل أبيه، وحقق رصيدا هائلا من حب الناس والزملاء.
وعبر عدد كبير من الفنانين المصريين في ذلك الوقت، عن حزنهم وصدمتهم الكبيرة بعد إعلان خبر وفاة (البلياتشو)، ونعوه عبر حساباتهم الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي بكلمات مؤثرة.
ورغم فشل فيلمه (البلياتشو) في تحقيق إيرادات كبيرة، كأول بطولة سينمائية مطلقة له، فإنه ظل يبحث عن اكتشاف نفسه، حتى برع في أداء أدوار درامية مميزة في عدد من المسلسلات المصرية في السنوات الأخيرة، حقق من خلالها شهرة لافتة.
وأثبت (هيثم أحمد زكي) أنه يمتلك موهبة حقيقية مكنته من البقاء في زخم المشهد الفني، ولم يكن الفنان الشاب الراحل متشوقا للنجومية على غرار أبناء جيله الذين سبقوه في أدوار البطولة المطلقة.
لأنه، بحسب وصفه في حوارات صحافية سابقة: (تشبع بالنجومية، لأنه نجل الفنان الكبير (أحمد زكي)، قائلاً: (عندما يراني الناس في أي مكان يحدثونني عن والدي أحمد زكي، لذلك أرى أن تشبعي بالنجومية هو عيبي الوحيد.
فعندما يكون والدك (أحمد زكي،) فهذا تحد كبير بالطبع (هاعمل إيه أكثر من اللي عمله؟!)، لذا كان يرى أن مقارنته بوالده، ظلم كبير له.
رحلة فنية قصيرة، صاحبها نجاحات وإخفاقات في حياة (هيثم أحمد زكي)، لكن صاحبها نجح في وضع بصماته، وقدم تجربة مستقلة بذاتها لا تشبه غيرها في الوسط الفني كله، حتى أقرب المقربين له.
لم يوقفها سوى الرحيل المفاجئ، صبيحة يوم 7 نوفمبر عام 2019، ليترك وراء كواليس وحكايات وأسرار، وكذلك أحلام وطموحات، لم يمهله القدر من تحقيقها، إذ كانت في جعبته الكثير من الأهداف التي توصله إلى القمة.
وفي النهاية لا نملك الدعاء للراحل الشاب (هيثم أحمد زكي) بالرحمة والمغفرة، جراء ما قدمه من فن راق خلال مسيرته القصيرة، ويبقى الأهم أن أعماله تليق بموهبة اختصرها الزمن في 35 عاما.