كتب: محمد حبوشة
الأمر المؤكد أن الدراما تؤثر في القيم والأذواق بل والكلمات، فكثير من أعمالها تتحول إلى أحاديث بين الناس، وأفكار تتحرك في المجتمع يتداولها أشخاص كثر؛ تماما كما جاء في مسلسل (كريستال) الذي انتهت حلقاته مؤخرا.
ويعد مسلسل (كريستال) واحدا من أهم أشكال الدراما التلفزيونية، التي يكمن تأثيرها في أنها تخلق جسرا من الترابط العاطفي بين الأبطال والمشاهدين، إذ يتحول أبطال المسلسل إلى رفقاء روحيين يأخذون حصة لا بأس بها من تفكير الناس وعواطفهم ويحتلون مكانا في مناقشاتهم.
مسلسل (كريستال)، يحمل قصة مشوقة سبق وعرضت بالتركية بعنوان (حرب الورود)، ويحكي العمل عن مصممة أزياء مشهورة تقع وابنة البستاني الذي يعمل في قصرها في حب الرجل نفسه.
وسرعان ما تتحول المنافسة بينهما إلى صراع مفتوح فتستخدمان كل طاقتيهما من أجل الفوز به، (جواد وفاي وعليا)، ثلاثة أشخاص تجمعهم قصة تدور في فلك الحب والانتقام والانكسار.
من خلال الدراما الاجتماعية العاطفية (كريستال) المقتبسة عن المسلسل التركي الشهير (Gullerin Savasi) أو(حرب الورود) والذي عرض على mbc1) منصة (شاهد)
هي حكاية ثلاثي، ترصد القصة حياتهم، هم (جواد وعليا وفاي)، حيث تنطلق (فاي/ ستيفاني عطاالله) مع (جواد/ محمود نصر) القادم لتقديم واجب العزاء إلى (عليا/ باميلا الكيك) التي توفي والدها للتو.
عند وصوله، يلتقي (جواد) صدفة بـ (فاي)، والتي تلفت انتباهه فوراً منذ اللقاء الأول، واعتبرته الطبيب الذي أنقذ حياتها إثر تعرضها لحادث سير بسيط، لتتخذ علاقتهما بعد ذلك شكلاً مختلفا.
ولم تحتج (فاي) إلى البحث عن بطلتها في الكتب والأساطير ولا في الأفلام والمسلسلات، لأن القدوة التي افتتنت بها في طفولتها والمراهقة، كانت أمامها في المكان الذي نشأت فيه.
هى ببساطة (عليا) سيدة القصر، التي تمثل القوة والجبروت، الهيبة والسلطة، فيما لا ترى فيها (عليا) في (فاي) سوى خادمة ومن هنا، تدور الصراعات بين هذا الثلاثي والمحيط الذي يجمعهم.
براعة (محمود نصر) في (كريستال)
على مدار 90 حلقة من المتعة التي لا تخلو من الإثارة والتشويق في (كريستال)، استطاع المخرج (هاكان أرسلان) أن يحعلنا نندمج مع تفاصيل القصة، وعلى بساطة فكرة المسلسل، فقد تمكن فريق العمل كاملا أن يشهد انتباهنا طوال وقت الحلقات.
في نهاية كل حلقة نجح المخرج في أن يجعلنا ننتظر في ترقب أحداث الحلقة القادمة، ليفك طلاسم القصة ببطء لا يجنح إلى التطويل بقدر من الإثارة والفاعلية التي تشجع على مواصلة المشاهدة بشغف أكبر.
إقرأ أيضا : محمد حبوشة يكتب: (محمود نصر) .. قدرة وتحمل فائقة في سباق الدراما
جسد الفنان السوري الشاب (محمود نصر)، شخصية (جواد) طبيب التجميل الذي تربطه علاقة وطيدة بصاحبة القصر تتحول مع الوقت إلى قصة حب، وظهر (نصر) في دوره هذا بتحد جديد بالنسبة له لما يحمل من خطوط شخصية يختلط فيها الخير والطيبة والحكمة.
وعلى حد قوله: (عندما قرأت النص لم أفكر بالعودة إلى النسخة الأجنبية من العمل، فاكتفيت برسم الشخصية بأسلوبي، إذ لم أرغب بالتأثر بما قدمه بطل العمل في النسخة الأصلية من (حرب الورود) الذي أخذ عنه (كريستال)
لقد بدت سعادة (محمود نصر) واضحة بهذا الدور وكان ينتظر بفارغ الصبر ردود فعل المشاهد حوله وحول العمل ككل، لهذا يضيف: (الجميل بهذه الشخصية هو أنها ترفض ارتداء القناع بأي شكل من الأشكال.
شخصية (جواد) صريحة وواضحة يصيبها بعض عدم التوازن عندما تقع في الحب. فينجر (جواد) وراء مشاعره مهملا تركيبته التي تنم عن عدم ارتكاب الغلط.
(ستيفاني عطالله).. طموحة ومتفانية
وجاء أداء (ستيفاني عطالله)، التي جسدت دور الفتاة الطموحة (فاي) تحمل في شخصيتها مزيجا من الخير والشر والحزن والفرح والكثير من الأحلام.
وفي هذا الصدد تقول: (أحببت هذه الشخصية كثيرا، لأنها تمزج بين البراءة والعقلانية، ولكن الحب يحولها إلى امرأة شرسة تدافع عن حبها حتى الموت.
(فاي) شخصية طموحة ومتفانية بعملها يأخذها الحب إلى طرقات ومطارح لا تشبهها مرات، فهل من الممكن أن تحارب حتى النفس الأخير؟ أو هل يمكن أن يلهيها عملها ومكائد تحاك ضدها عن هدفها هذا؟.
إقرأ أيضا : (ستيفاني عطالله) .. نجمة لبنانية قادمة على الطريق
أسئلة كثيرة ظلت مطروحة للإجابة عليها في الـ 90 حلقة التي يتألف منها (كريستال) وعما إذا النسخة العربية تشبه أحداثها الأجنبية، توضح (ستيفاني عطالله): (يرتكز هذا النوع من الأعمال المعربة على نفس القصة الأصلية.
ولكن تم تعديل بعض النقاط فيها كي تجاري مجتمعاتنا العربية، وما أستطيع أن أقوله للمشاهد هو أنه حتما سيتابع عملا مليئاً بالتشويق من حلقته الأولى حتى نهايته.
وتصف (عطالله) هذه التجربة التي خاضتها مع مجموعة من الممثلين بالحلوة: (لقد تكاتفنا جميعنا من أجل إنجاح العمل، وإيصاله للمشاهد على المستوى المطلوب.
إنها المرة الأولى التي أتعاون فيها مع (محمود نصر) وتشاركنا في التمارين وبتحضير المشاهد معا، لقد كانت تجربة جميلة لمسناها عن قرب (باميلا ومحمود وأنا) وأتمنى أن يلاقي العمل ردود الفعل الإيجابية التي نتمناها، وهو ما حدث بالفعل حتى نهاية (كريستال) رغم الانتقاد الذي طال الحلقة الأخيرة.
(باميلا الكيك).. جدارة الممثلة
أما (باميلا الكيك) التي تجسد شخصية (عليا) بجدارة الممثلة التي تملك الخبرة والحضور الطاغي، فهى على مايبدو معجبة بها كدور يستمتع الممثل بأدائه، إنها شخصية تظهر عكس ما في داخلها فتضع قناع القساوة مع أنها رقيقة وحساسة.
وتثني (باميلا الكيك) على تعاونها مع الممثلة (رولا حمادة) التي سبق وشاركتها مسلسل (جذور)، قائلة: (أشعر معها بالأمان وكأنها ملاكي الحارس، آخذ بنصائحها وأشكرها على كل مساندة تقدمها لي).
ومن اسم العمل (كريستال) يستطيع المشاهد أن يخمن المشاهد كمية الأحاسيس المرهفة التي تسكن شخصيات العمل، فهي تترنح بين الضعف والقوة وبين الخوف والقلق والخير والشر والانتقام والمسامحة.
فقد اجتهدت (باميلا الكيك) كي تحافظ على قلبها مصونة من أي خدش أو كسر، لأنها كريستالية لا تتحمل الخدوش فتنهار.
ولما لا وإن الكريستال نوع من أنواع الزجاج المعروف باسم زجاج الصودا والرصاص، وهو عبارة عن جسم صلب متجانس، قد يكون طبيعياً مثل الألماس، والياقوت، والكوارتز.
أو صناعياً مثل الياقوت الصناعي، والسيلينيوم، وهو يستخدم في العديد من التطبيقات، مثل تصنيع أواني المائدة، ويدخل في مستحضرات التجميل، والإكسسوارات وغيرها.
هى إذن حقائق عن (الكريستال) اتضحت صفاته في المسلسل، حيث يتضمن تركيبا كيميائيا محددا، حيث يتألف من عنصر كيميائي واحد، أو من مجموعة من العناصر، يحتوي على بنية بلورية دورية ثلاثية الأبعاد.
حيث تترتب الذرات أو الجزيئات بشكل دوري على شكل صفوف شبكية، لتشكل مستويات شبكيّة ثلاثيّة الأبعاد، كما جسدها فريق عمل (كريستال) في صورة مشاعر وأحاسيس تشتمل على خواص عددية متجانسة مثل الكثافة والتباين.
كما أن درجات انصهارهم محددة، حيث يمتلك كل ممثل وممثلة شارك في (كريستال) أشكال هندسية متعددة، وقد يكون شفافا، أو ملونا، أو منحوتا، أو مشبوكا، يعكس الأشعة الساقطة عليه.
فريق (كريستال) متميز للغاية
ظني أن الفريق التمثيلي لمسلسل (كريستال) كان يدرك جيدا أن طبيعة (الكريستال) ترتكز على بناء نوع الرابطة الكيميائية بين الجزيئات، لذا تحولوا إلى كريستالات مشتركة مثل الألماس، وكبريت الزنك.
كريستالات معدنية مثل معظم السبائك والمعادن، كريستالات شاردية مثل كلور الصوديوم، كريستالات جزيئية مثل السكر، يستخدم في العديد من التطبيقات، حيث استخدم منذ زمن طويل في علاج العقل، والأمراض النفسيّة.
وهو ما بدا لي ظاهرا في الانفعالات الداخلية التي عكست إلى حد كبير العلل الجسدية عند وضعه على موقع الألم، وكما استخدم قديما كتعويذة واقية من السحر، فقد استخدمه فريق عمل المسلسل على طريقة الكوارتز الوردي، الذي يرتبط بالعاطفة والشعور بالمحبة والثقة ويخلص الجسم من الضغط النفسي.
ولعلنا لمسنا جوانب كثيرة من خلال أحداث (كريستال) خصائص كثيرة مستمدة من طبيعة (الكريستال) تعزز الشعور بالهدوء الروحي، وضبط النفس، واستقرار العواطف، وتعزيز القدرة على النوم.
أبرز صفات (الكريستال) التي وضحت كثيرا في أداء (جواد، فاي، عليا) هى تلك المستمدة من حجر العقيق: الذي يتراوح لونه بين اللونين الأحمر والبرتقالي في الأداء، ويحتوي على خصائص تخلص الجسم من التوتر وتعزز الطموح.
وكذلك الفيروز: الذي يميل لونه إلى الأزرق الهادئ الذي يساعد على تهدئة الإنفعالات، كما استخدم في عصر النهضة الأوروبيّة من قبل السادة لحمايتهم أثناء القتال من خلال وضعه في حلقات، كما جاء في الملابس التي تميل في غالبيتها إلى هذين اللونين.
ربما تبدو المقارنة هنا بين صفات (الكريستال) وطبيعة أداء فريق عمل (كريستال)، بعيدة عن ذهن المشاهد، لكني لمست تلك الصفات مجسدة على الشاشة في تحولاتها النوارانية في ملامح (جواد، وفاي) تحديدا من خلال مشاهد الرومانسية التي تجمعهما.
وأخيرا: برع كل فريق عمل (كريستال) في الأداء (على سكر – الدكتور عامر، لين غرة – ورد، رولا حمادة – رحاب، آنجو ريحان – ندى، بلال مارتيني – تامر، فادي حواشي – أوس، ليا مباردي – هبة، إياد أبو الشامات – مالك فياض، صباح بركات – لمياء، عبد الرحمن قويدر – طلال، ناظم عيسى – سمير، جوان زيبق – رفيف، هيما إسماعيل – بيان)
خالد شباط.. (فاكهة كريستال)
وكان مسك الختام مع علي منيمنة (نديم – الكينج)، حيث تعامل بميزان حساسا للغاية على مستوى الصوت ولغة الجسد التي تؤكد براعته في الأداء العذب، وقد انعكس ذلك في تحكمه في انفعالاته ومشاعره الفياضة إلى حد الاحتراف.
أما خالد شباط في دور (باسل) فاعتبره فاكهة (كريستال) على الإطلاق، فهو الذي تماهى مع الشخصية حتى الذوبان، بحيث كان نجح في إقناعنا طوال الوقت بمرضه النفسي، حتى في لحظات وعيه كان يبدو ساحرا في أدائه العذب النقي.
إقرأ أيضا : خالد شباط.. عفوية الممثل المسكون بالموهبة
لقد برع (خالد شباط) بشخصية (باسل) المريض متلازمة (أسبرجر) إحدى اضطرابات طيف التوحد، وذلك بإتقانه لمحاكاة أعراضها من صعوبة الكلام والحركة بشكل طبيعي والتصرف بعاطفة طفل صغير.
رغم طول عدد الحلقات، جاءت أحداث (كريستال) تشويقية ومثيرة في حين تميز السرد الدرامي بالتصاعد الحاد، خاصة في ظل المفاجآت والتغيرات شبه التامة التي تعرّض لها الأبطال.
إذ مرّ غالبيتهم بمواقف استدعت منهم التحول 180 درجة وهو ما اتفق مع ثيمة الحب والانتقام، مما زاد الحبكة إثارة وجعل الأحداث غير متوقعة، وبالتالي حافظ على شعبية العمل وضاعف قاعدته الجماهيرية حلقة بعد أخرى.
عادة ما تكون تلك النوعية من المسلسلات عامرة بالخطوط الدرامية النمطية وشبه المُهلهلة لملء فراغ 90 حلقة أو أكثر، لكن أن تأتي جميعها دسمة وثرية ومتقاطعة بإتقان.
هذا هو ما ميز مسلسل (كريستال) الذي تضمن ثنائيات عديدة لم يتشابه أي منها في شيء رغم أن بعض الأبطال كانوا أطرافا في أكثر من ثنائية، ومن ثم لابد لي من تحية تقدير واحترام لهذا العمل الفاتن على كل المستويات الفنية.