بقلم: محمد حبوشة
المتابع لأحداث القصف الإسرائيلي في غزة وقتل الأطفال بدم بارد على الشاشة يوميا، لايستغرب كثيرا من أفعال أبناء صهيون، فهم يقومون بإرضاع (أطفال إسرائيل) القسوة والعنف والكراهية منذ الصغر في المدراس.
في دراسة شبه رسمية (إسرائيلية) تحت عنوان (تقرير الكراهية) التي أجراها صندوق (بيرل كتسلنسون) وشركة الأبحاث والاستطلاعات (فيغو) في (إسرائيل) في وقت سابق، أظهرت تزايد دعوات العنف ضد المواطنين العرب في المجتمع (الإسرائيلي).
ويأتي هذا خصوصا بين الأجيال الناشئة من (أطفال إسرائيل) التلاميذ والفتيان وطلاب المدارس والجامعات.
والخطير أيضا في تلك الدراسة، أن مفردات دعوات العنف المدونة بأقلام المتطرفين (الصهاينة) تحض (أطفال إسرائيل) على القتل، والتصفية، والكسر، والإبادة، والحرق وما إلى هنالك من مفردات عنفية وفاشية.
وأن (83%) من الدعوات لارتكاب عمل عنيف كتبها رجال، وأن (66%) من هذه الدعوات كتبها شبان تقل أعمارهم عن (30) عاما.
إن مؤشرات نتائج الدراسة إياها، تَدل على المزيد من الغرق المتتالي في قيعان الفاشية داخل المجتمع (الإسرائيلي) برمته، وحتى في أعلى مؤسسات الدولة العبرية الصهيونية.
والأمر لا يتمثل هنا فقط في كمّ القوانين وفحواها التي يجري سنها وتشريعها ضد المواطنين العرب، وآخرها قانون الإقصاء الذي طال النواب العرب في الكنيست، وإنما أيضا في كيفية طرحها، وتسويقها والتنظير لها.
وفي دورها بتأجيج مشاعر الكراهية والعنصرية ضد المواطنين العرب في (إسرائيل)، لتصبح في حقيقتها قوانين لتوليد العنصرية والكراهية وسيادة التطرف.
وفي حقيقة الأمر إن تلك الحالة المجتمعية يبدأ إنتاجها مع (أطفال إسرائيل) من المدارس، ومن المراحل الأولى وصولا للمراحل الجامعية.
المناهج (الإسرائيلية) تدعو للتطرف
حيث تُجمع غالبية الأبحاث والدراسات المتعلقة بالمناهج التعليمية (الإسرائيلية) في المدارس على أن المناهج (الإسرائيلية) تربي النشء على تنمية المشاعر المتطرفة منذ مرحلة الطفولة.
وعلى منهج العنف والحقد وغرس الكراهية وتشويه صورة العرب والمسلمين بصفة خاصة، وعلى المفاهيم المنطلقة أساسا من المرجعيات الدينية والثقافية اليهودية والصهيونية الوضعية.
فمثلا: كلمة (حماس – (Hamas تعني بالعبرية العنف أو الظلم، استخدم مصطلح العنف لأول مرة في سفر التكوين: (وَفَسَدَتِ الْأَرْضُ أَمَامَ اللَّهِ، وَ?مْتَلأَتِ الأَرْضُ ظُلْمًا)، وقد تكررت ستين مرة في العهد القديم.
هو دائما ما تستخدم لوصف العنف الجسدي (مثل التكوين والقضاة، وفي بعض الأحيان تشير إلى الشر الشديد (إشعياء)، وقد تشير إلى العنف اللفظي أو الأخلاقي، وفي بعض الأحيان يفسر كصرخة إلى الله في وجه الظلم (إرميا).
إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب: الصورة أصدق إنباءً من أكاذيب (إسرائيل)!
وهذا ما يفسر لنا كيف اتسم (الكيان الصهيوني) بالعنصرية والعدوانية وتكريس قيم الانصياع الكامل إلى التوجهات والإرشادات الواردة في أسفار التلمود، وتعاليم الشرّاح والمفسّرين من الحاخامات.
فضلا عن الاستعانة بالنصوص الدينية المُستمدة من التوراة لإضفاء الصبغة الدينية على تلك المفاهيم التي تلعب دورا كبيرا في صياغة الوعي لدى (أطفال إسرائيل) من الأجيال التالية من أبناء اليهود الصهاينة منذ فترات الدراسة الأولى وحتى الجامعية.
وعلى سبيل المثال، إن كتب المواد الاجتماعية كالتاريخ والجغرافيا في المناهج (الإسرائيلية) محشوة بالمغالطات التاريخية والجغرافية والإنسانية التي تحفل بها، وقد انشغلت بتعميق وغرس القيم والتوجهات العنصرية في عقول (أطفال إسرائيل).
خاصة أبناء المستوطنين والمهاجرين اليهود، من خلال التأكيد على مجموعة من القضايا ليجعلوها مع الوقت مسلمات عندهم، وهى تدعو صراحة للنزعة العنصرية العرقية.
حيث تعمد كتب الجغرافيا التي تدرس لـ (أطفال إسرائيل) بالصف السادس الابتدائي على سبيل المثال لمحو التسميات العربية للمكان، واستبدالها بتسميات عبرية، بينما تتسع الكتب بالشروحات حول (الكيبوتس، والموشافيم).
وذلك بالطبع على حساب القرى والبلدات والمدن العربية المُهجّرة والمدمرة وغير المعترف بها حتى تبقى هي الأخرى طي النسيان والتنكر.
إن تقديم قراءة وتحليل لمناهج التعليم التي يدرسها (أطفال إسرائيل) تدفعنا لملاحظة التالي: أولا: تركز المناهج على خلق مفاهيم يجري غرسها في نفوس التلاميذ والطلاب للحيلولة دون اندماج اليهود في المجتمعات المُختلفة.
(أطفال إسرائيل).. والهوية اليهودية
ودعوة لليهود من أجل التمسك بالهوية اليهودية، ومقاومة فكرة الاندماج في المجتمعات المختلفة بحجة التمايز، وهو الأمر الذي يستدعي أن يكونوا منعزلين عن الآخرين، حتى لا يتسبب ذلك في عرقلة مشروعاتهم المستقبلية.
ثانيا: يهودية التوجه التربوي، وذلك منذ قيام (إسرائيل) بسن قانون التعليم للدولة العبرية في عام 1953، والذي تنص المادة الثانية منه على (أن التعليم في دولة إسرائيل يجب أن يرتكز على قيم الثقافة اليهودية والولاء لدولة إسرائيل والشعب اليهودي، والعمل على تحقيق مبادئ الريادة في العمل الطلائعي الإسرائيلي.
ثالثا: التركيز على التوجهات العنصرية في المناهج التعليمية، وتقديم النظرة الاستعلائية تجاه العرب، وتزوير التاريخ الإسلامي.
فمن خلال عينات ونماذج مختارة من الكتب الدراسية المقررة على (أطفال إسرائيل) وهى التربية الدينية والتاريخ والجغرافيا والتربية العامة والأدبيات المتداولة في المدارس من قصص وروايات، نجد أن هذه الكتب الدراسية تسعى إلى تشويه التاريخ العربي والإسلامي.
رابعا: التركيز على التعليم الديني، واتخاذه منصة للتحريض على العرب وحتى على العالم بأسره، ولنا كم كبير من الأمثلة من خلال تحليل مجموعة من قصص الموجهة (أطفال إسرائيل) من اليهود في مرحلة الروضة عبر قصص الأطفال المطبوعة، سواء في المقررات الدراسية.
والقصص التي تحكى شفويا في (الكيبوتسات والمستوطنات)، وفي القرى الزراعية والمدن التي يقيم فيها الأطفال، حيث يبدأ التعليم بالتركيز على المفاهيم الدينية، واتخاذ التلمود أساسا للتعاليم اليهودية العبرية.
وذلك نظرا لتباين الثقافة التي ينتمي إليها اليهود الذين جاءوا من بيئات اجتماعية وثقافية مُختلفة.
خامسا: التركيز على احتواء الكتب الدراسية العديد من النصوص الدينية التي تشدد على يهودية القدس منذ قدم التاريخ.
للتأكيد لـ (أطفال إسرائيل) على أن الوجود اليهودي في فلسطين البلاد متواصل ومستمر ولم ينقطع.
سادسا: سعي المناهج (الإسرائيلية) لتجريد العرب من إنسانيتهم.
سابعا: استحضار تاريخ اليهود، وتوظيفه في بناء أدب يهودي يقوم على المظلومية تحت عنوان (لا ننسى.. ولن نغفر) لكي تبقى الأحقاد متوالية جيلا بعد جيل.
فظهر الأدب اليهودي الذي يدرس لـ (أطفال إسرائيل) يتحدث عن الاضطهاد النازي لليهود في أوروبا، ورصد ظاهرة التخفي بين يهود الشتات، وبالتالي نحن أمام ابتداع أدب يهودي مصطنع باللغة العبرية.
ثامنا: إن أهم ما يميّز التربية والتعليم في (إسرائيل) هو (عسكرتها) لدرجة تجعل الطالب، خصوصا في المراحل الإعدادية والثانوية جنديا.
وبهذا تتكامل المناهج مع التربية لتؤدي دورا واحدا هو (خلق جيل متطرف معبأ بكافة المبررات ليسلب ويغتصب حق الآخرين) من (أطفال إسرائيل) في المستقبل القريب والمنظور.
(أطفال إسرائيل) والشاباك
ولا يخفى مدى ارتباط المدارس (الإسرائيلية) بالجيش، بل إن الأمر يفوقه إلى حد تسلم ضباط متقاعدين من الجيش وجهاز المخابرات (الشاباك) وظائف إدارية في المدارس والعمل كمربين لطلابهم لغرس قيم العنصرية في نفوس (أطفال إسرائيل).
يعتقد بعض المختصين في إسرائيل بمجال التربية والتعليم، أن جهاز التربية والتعليم يمر في تحولات عدة، في مقدمتها تفشي حالة من التدين، أو لنقل تظهر فيه مظاهر من التدين من خلال مناهج وكتب تعليمية في مواضيع شتى.
وبخاصة الآداب والاجتماعيات، وكذلك ارتفاع نسبة الزيادة في تحويل ميزانيات كبيرة لمؤسسات تعليمية دينية، وأيضاً لنشاطات دينية في مؤسسات تعليم رسمية غير دينية قيمتها 210 ملايين شيكل في العام المالي 2016.
كما أن المناهج والبرامج والكتب التعليمية التي تقدم لـ (أطفال إسرائيل) تتعرض لمزيد من تغلغل مكونات ومركبات ومواضيع دينية، حتى أن كتب تدريس المواد العلمية، تحتوي على مضامين دينية، أو تلميحات وإشارات ذات صبغة دينية.
ولا يزال وزير التربية والتعليم الحالي كعدد من سابقيه، وكبار موظفي وزارته، متمسكين بأن إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية، وتغليب الجانب اليهودي من منطلق كونه متديناً أصلا.
ومن واجبه المحافظة على هذه التوليفة، بل يصرح ليل نهار أن تعليم اليهودية أهم بكثير من تعليم الرياضيات.
ونرى في الآونة الأخيرة نقاشا وجدلاً عاما في إسرائيل حول تعليم اليهودية في المدارس الرسمية، أي المدارس التي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية.
كثيرون من أولياء أمور (أطفال إسرائيل) تحلقوا في دوائر منددة ومعترضة على تغلغل مكونات دينية في كتب التدريس التي يتعلم بها أولادهم، في حين أن دوائر وحلقات دينية بأطيافها كافة تعتبر هذا الأمر نصرا لها.
لأنها بهذا التغلغل تفرض أجندتها العقائدية الدينية والسياسية معا على أحياز اعتُبرت إلى فترة ما ضمن حدود العلمانية في إسرائيل.
إقرأ أيضا : أم كلثوم تشعل أزمة في الشارع السياسي الإسرائيلي
النقاش أو الجدل الدائر في إسرائيل بهذا الخصوص، يتمحور حول مخاوف وشكوك قطاعات واسعة من العلمانيين من جر جهاز التربية والتعليم نحو التدين، وفرض أجندات أيديولوجية بعيدة كل البعد عمّا يفكرون به، ويعيشون حوله.
ومما لا شك فيه، أن التحولات داخل المجتمع الإسرائيلي باتجاه الانتشار الواسع للتيارات الدينية، لها كبير الأثر على العلمانيين.
ومن جهة أخرى، سعى العلمانيين إلى الحفاظ على أن تكون إسرائيل علمانية الحياة، كما تأسّست مع احترام أحياز جماعات دينية وغير دينية من منطلق كونها ديمقراطية، وأن يكون تعليم اليهودية في المدارس الرسمية على أساس كونه مادة ثقافية، وليست دينية، أما المادة الدينية الصرفة، فلتدرس في التعليم الديني.
مقابل هذا التوجه، يبرز توجه التيارات الدينية المنادية بتغليب التعليم الديني والتراثي المرفق على الجانب القائم.
أصبحت ظاهرة انتشار المضامين الدينية في مناهج وكتب التعليم، ودروس إلزامية في اليهودية، وجمعيات دينية تعمل داخل المدارس، بارزة ولافتة في الآونة الأخيرة (على الأقل في السنوات الخمس الأخيرة).
وهذا بفعل تنوع التيارات الدينية الناشطة على الساحة في إسرائيل، وعلى وجه الخصوص، تفاقم قوة التيار الحريدي.
هنالك أمثلة ونماذج كثيرة للتدين في المؤسسات التعليمية الرسمية؛ مثل أناشيد دينية في مناسبات دينية، أو ذات صفة قريبة من الدينية؛ مثل (يوم أورشليم)، وذلك لتعميق الارتباط في نفوس (أطفال إسرائيل) بهذه المدينة التي يشار إلى أنها عاصمة إسرائيل (الموحدة والأبدية)،
وأيضا نصوص ذات مضامين دينية في كتب التدريس مثل صلوات الاستسقاء في كتب تعليم الجغرافيا، وحظر ارتداء ملابس قصيرة في المدرسة، وأثناء الفعاليات فيها.
إذن العنف والقسوة وقتل الأطفال بدم بارد لم يأتي من فراغ في هذا المجتمع العنصري الذي يربي (أطفال إسرائيل) على كراهية العرب والمسلمين معززين ذلك بآيات من (التلمود المقدس) الذي يقوم على الباطل من الأساس.