بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
ألقت حرب (غزة) بظلالها على كل شيئ في حياة المصريين، بداية من تعلق عيونهم بشاشات التليفزيون يتابعون الأخبار، مرورا بدعوات المقاطعة لكل منتجات الدول التي تساند الكيان.
وانتهاء بالتبرع المادى والعينى والتطوع في قوافل الإغاثة من أجل تخفيف معاناة ذلك في قطاع (غزة) المنكوب والمحاصر منذ الانتفاضة الأولى التي اندلعت في ديسمبر من عام 1987.
ولكن تلك الانتفاضة التي كان فيها (الحجر) هو سلاح فلسطين الوحيد والتي استمرت بين تصاعد و هبوط لمدة ست سنوات أجبرت الكيان الصهيوني على التفاوض ليصل الى اتفاق أوسلو في عام 1993.
وإذا كانت الانتفاضة قد انتجت الاعتراف بالشعب الفلسطيني، وأن من حقه وجود دولة له، فقد نتج عنها أيضا بزوغ نجم حركة (حماس) في (غزة) كأحد اللاعبين الرئيسيين على ساحة مقاومة المحتل، لتنافس فيما بعد منظمة التحرير الفلسطينية على تمثيل الشعب الفلسطيني.
إقرأ أيضا : عصام السيد يكتب: لأجل (الدم الفلسطيني).. قررت ألا أكتب مقالى هذا الأسبوع !
امت الانتفاضة الأولى ست سنوات مليئة بالتظاهرات والعصيان المدنى الذى قوبل بعنف إسرائيلى مفرط، إلا أن نتيجة ذلك العنف لم تتعدَ 1162 شهيدا، واليوم وخلال أقل من شهر يقدم قطاع (غزة) ما يقرب من 10 أمثال ذلك العدد من الشهداء والمفقودين.
وذلك تحت وطأة انتقام الاحتلال الهمجى من الصفعة التي نالت من كرامته و مرغت كبريائه في هجوم السابع من أكتوبر الذى قامت به حماس، حتى بلغت وحشية المحتل أنه ألقى ما يزيد عن 20 ألف طن من القنابل وغيرها على القطاع خلال أربعة أسابيع.
ووسط الأحداث المتسارعة – التي صارت كرة لهب تكبر يوما بعد يوم – اكتشفت مصر أن الكيان الصهيوني يسعى بكل إصرار وجدية الى تنفيذ مخطط لتصفية القضية الفلسطينية عن طريق تهجير أهالى قطاع (غزة) إلى أرض سيناء المصرية.
(غزة).. وصفقة القرن)
وهو مشروع قديم كان يظهر ويختفى منذ عدة سنوات وتستّر تحت اسم ) صفقة القرن) في السنوات الأخيرة، ولكن مصر – قيادة و شعبا – رفضت ذلك المخطط ووقفت ضده بكل قواها.
والحقيقة أن الأحداث قد وحدت المصريين و زادت من تماسكهم – برغم خلافات تثور أحيانا حول جدوى هجوم السابع من أكتوبر بعد أن شاهدوا رد الفعل الجنونى واللانسانى للكيان الصهيوني.
لكن ذلك لم يمنعهم من الشعور بالفخر وهم يشاهدون رئيسهم يلقى محاضرة على وزير خارجية أمريكا تم تصويرها وإذاعتها في سابقة تحدث للمرة الأولى في تاريخ استقبال رئيس مصرى لأى مسئول أجنبى!
وتابع المصريون بكثير من التقدير الموقف الحاسم والحازم للقيادة السياسية الرافض لتهجير أهالى (غزة) برغم كل الشائعات المغرضة حول مليارات الدولارات التي ستنهمر عليهم وتنقذهم من أزمتهم الاقتصادية بمجرد التخلي عن (شوية رمل) أو (كام شقة) مغلقة في المدن الجديدة .
ولكن مصر لا يمكن أن تفرط في أرضها، كما أنها تسعى إلى حل القضية الفلسطينية وليس إلى تصفيتها.
وأمام هذا الموقف المبدئى توقع الجميع زيادة الضغوط على مصر – خاصة الاقتصادية – ولكن المصريون أظهروا أنهم على استعداد للتكاتف لدفع الثمن، ولكن كيف يدفعونه؟
إقرأ أيضا : عصام السيد يكتب: التليفزيون المصري .. تطوير أم تدمير؟!
إن الإجراءات التي ستتخذها الحكومة لمواجهة الأزمة الاقتصادية – التي ربما تزيد حدتها – لابد و أن تنبع من فكر مختلف، و طرق جديدة بعيدة عن الحل الوحيد الذى تلجأ له في كل مرة وهو أن تمد يدها في جيوب المواطنين.
وقد بدأت بالفعل بزيادة أسعار البنزين التي سترفع بالتالى أسعار وسائل النقل المختلفة و ينعكس هذا على مناحى أخرى كثيرة.
لم تفكر الحكومة – مثلا – في التخلي عن بعض الأنشطة الخاسرة والتي دخلتها منذ سنوات مثل مجال الإعلام والإنتاج الدرامى، فلم يسأل المسئولين أنفسهم: ماذا لو تركت الدولة هذا النشاط للقطاع الخاص واستفادت من الضرائب ومن الإعلانات المصاحبة لإذاعة تلك الأعمال، أليس هذا موردا أفضل من الخسائر المتتالية؟
صحيح أن الحكومة بدأت بالفعل في إجراءات ترشيد الإنفاق العام، فلقد وافق مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير على مشروع قرار رئيس مجلس الوزراء بشأن ترشيد الإنفاق العام بالجهات الداخلة في الموازنة العامة للدولة، والهيئات العامة الاقتصادية، حتى نهاية السنة المالية 2023– 2024.
(غزة).. والأزمة الاقتصادية
وذلك بهدف مواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية الحالية والتي ستتفاقم بالتأكيد نتاجا لظروف الحرب في (غزة) والتي لا نعرف لا متى ولا كيف ستنتهى، ويقضى مشروع القرار بتأجيل الصرف على أية احتياجات لا تحمل طابع الضرورة القصوى، مع تأجيل تنفيذ أية مشروعات جديدة لم يتم البدء في تنفيذها، ولها مكون دولاري.
والتوجيه لدى كافة الجهات الداخلة في الموازنة العامة للدولة للعمل على تنمية مواردها الذاتية لتلبية جانب من احتياجاتها لتخفيف الضغط على الاعتمادات التي يتم تمويلها بعجز خزانة عامة والتي يتم توفيرها من خلال وسائل الاقتراض المختلفة.
كما تضمنت الضوابط والقواعد ترشيد كافة أعمال السفر خارج البلاد إلا للضرورة القصوى وبعد موافقة رئيس مجلس الوزراء، أو في حالة تحمل الجهة الداعية لكافة تكاليف السفر وبعد موافقة السلطة المختصة، بالإضافة إلى حظر الصرف على تكاليف النقل والانتقالات العامة للسفر بالخارج أو صرف بدل انتقال.
كل هذه الضوابط و القواعد لا خلاف عليها، أما ما أصابنى بالدهشة أن قواعد حظر الصرف تضمنت نفقات الدعاية، وهو نفس الخطأ الذى تقع فيه الحكومة في كل مرة تضع فيها قواعدا لترشيد الانفاق، فليس كل العمل في كل الوزارات متشابه.
إقرأ أيضا : عصام السيد يكتب : أسئلة إجبارية .. لوزارة المالية؟!
فالعمل في وزارة الثقافة يحتاج إلى الدعاية، فأى عمل فنى بلا دعاية كالآذان فى مالطة أو كالبحث عن إبره فى كوم من القش، فلا فن بلا دعاية تخبر الجمهور وتحثه على المشاهدة والاستمتاع والتعلم ، وإلا صارت أعمالنا مجرد إهدار للمال العام.
وليس أمامنا سبيل سوى أن تصدر أوامر من مجلس الوزراء إلى تليفزيون الدولة، بأن يقوم بالدعاية لمسرح الدولة فكلاهما يتبع نفس الدولة، أو أن تقوم الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بنفس المهمة فهى تمتلك عدة قنوات تليفزيونية ولا يضيرها أن تخصص من خلالها عشرة دقائق يومية للدعاية لمسرح الدولة.
أو الحل الآخر أن يتم غلق المسارح إلى حين توفر بند الدعاية أو إلى حين اقتناع الدولة بأن الفنون حائط صد ضد الأفكار الظلامية والمتطرفة والفن المبتذل، وأن القوى الناعمة لها دور كبير وهام ومؤثر في المعركة القائمة.
من المتوقع أن تطول المعركة في (غزة) هذه المرة، وأن تكون الضغوط على مصر أقوى وأعنف، ولذا نحتاج لخطط مبتكرة تساعدنا على الصمود واحتمال القادم كى نقوى على الاستمرار.