بقلم: محمود حسونة
(الفنان ضمير أمته)، شعار يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ، ولا يمكن تبنيه بشكل مطلق، فالفنان إنسان مثل غيره من البشر، لا يتحكم كونه فناناً في تحديد مواقفه من أزمات الأمة، مثل أحداث (غزة).
بل تتحكم في ذلك جذوره وبيئته وتنشئته وتربيته والمبادئ والقيم التي يعتنقها، ولذلك فإن مواقف الفنانين ومعهم رعاة الفن متفاوتة تجاه حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في (غزة) على يد إسرائيل.
وربيبتها أمريكا وتابعيها من الدول الغربية، مستخدمة فيها أحدث ما أنتجته مصانع أسلحة القتل والدمار الأمريكية والأوروبية، وتساندها وسائل التضليل والتزييف الإعلامية الغربية.
بعض الفنانين المصريين والعرب انتفضوا غضباً مما يتعرض له أهل (غزة)، وعبروا عن ذلك بأساليب مختلفة وهؤلاء هم فعلاً لا قولاً ضمائر الأمة، والبعض الآخر حاول استغلال الأزمة والاتجار في همومنا.
إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف يكتب: قصف (غزة) بين موقف الداعرة ودعارة المواقف!
ونموذج ذلك هذا الذي يقول عن نفسه (نمبر وان) والذي خرج على الناس (ثائراً) بفيديو يدعو جيشنا للحرب ويسخر من تسليحه.
وإذا كان يدرك أبعاد ما يقول فإنه بذلك أصبح ممن يريدون إشعال المنطقة وتوسيع الحرب بما ينشر الخراب ويضيف للأزمات أزمات.
وإذا كان لا يعي ولا يدرك فليته يكتفي بإحصاء سياراته ونثر دولاراته في حمامات السباحة وتصوير نفسه وسط الحسناوات متوهماً أنه شهريار العصر والأوان.
البعض الثالث (عملوا نفسهم من بنها) وكأن الأمر يحدث في بلاد الواق واق وليس في (غزة) الفلسطينية التي تجاورنا شرقاً والتي كانت عبر التاريخ الامتداد الطبيعي لأمننا القومي، وكانت خلال فترات مختلفة تحت إدارة الدولة المصرية.
والأهم أن أهلها أهلنا، نشاركهم الدين واللغة والكثير من العادات والتقاليد، والأهم من الأهم أن المشاهد التي تنقلها إلينا الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي لضحايا المجازر من الأطفال والنساء والشيوخ تدمي القلوب المتحجرة.
الحرب الوحشية على (غزة)
وقد استفزت مشاعر الرأي العام في أربع جهات الأرض ليخرجوا متظاهرين غاضبين، وبينهم فنانون غربيون يصرخون بأعلى الصوت مطالبين بوقف هذه الحرب الوحشية على (غزة) ومنددين بالدعم الأمريكي والغربي غير المسبوق لإسرائيل فيها. ورغم كل ذلك فلدينا فنانين عميت قلوبهم وتحجرت مشاعرهم وتملكتهم الأنانية ولم تحرك داخلهم المجازر اليومية لإسرائيل ساكناً، فهرولوا وراء من يدفع لهم، يرقصون ويغنون ويقهقهون ويأكلون على كل الموائد وينظرون للأطفال الجوعى المحرومين من شربة الماء في فلسطين بلا مبالاة.
لدينا فنانون جعلوا من أنفسهم سلعاً تباع وتشترى بالمال، فقدوا آدميتهم وعرّتهم هذه الحرب الظالمة وكشفت أن من ماتت ضمائرهم لا يمكن القول بأنهم ضمائر أمتهم.
الفنانون أصحاب الضمائر الحية، بينهم من تبرعوا بالمال، وبينهم من ذهبوا إلى معبر رفح وشاركوا في تجهيز قوافل الإغاثة الانسانية.
ومنهم من طالبوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطعة الشركات والبراندات التي تجمع المال منا ومن غيرنا لتتبرع به لإسرائيل التي تستخدمه في إبادة الشعب الفلسطيني في (غزة).
ومنهم من ألغى حفلات تعاقد عليها لعدم قدرته على الغناء والفرح في زمن البكاء والحزن، ومنهم من شارك في وقفة احتجاجية نظمتها نقابته ضد الهمجية الإسرائيلية على أهل (غزة).
إقرأ أيضا : في عملية (طوفان الأقصى).. سفراء الأغنية العربية يساندون غزة بأصواتهم
أصحاب الضمائر الحية لم يكونوا فنانين فقط، ولكن كل قطاعات الشعب المصري والشعوب العربية التي عبرت بما تستطيع عن رفضها لما يحدث هناك في أرض الصمود والتصدي.
وكان بينهم رعاة للفن ومسؤولين تنفيذيين ورجال أعمال؛ وزارة الثقافة المصرية ألغت أو أجلت مهرجان الموسيقى العربية، وإدارة مهرجان الجونة السينمائي أجلته في بداية الأزمة أسبوعين.
وبعد أن أدركت أن حرب الإبادة ممتدة أجلته لأجل غير مسمى، وإدارة مهرجان قرطاج السينمائي في تونس أجلته تضامناً مع غزة، وفعاليات فنية وموسيقية تأجلت على امتداد الوطن العربي.
وفعاليات أخرى اعتبرت أن الأمر لا يخصها وانطلقت في موعدها من دون ذكر كلمة تضامن واحدة مع ما يحدث لشعب عربي وعلى أرض عربية حتى ولو كان ذلك من باب الرياء للرأي العام العربي الموجوع.
إبادة أهل (غزة) لا تشغلهم
الرأي العام لا قيمة له عندهم، وإبادة أهل (غزة) لا تشغلهم، المهم أن ينفذوا برنامجهم ولو على حساب القيم العربية الأصيلة.
أبواقهم الإعلامية مكلّفة بذبح من يعتذر لهم عن عمل تعاقد عليه قبل الأزمة، ومكلّفة بالتصدي لكل من تسول له نفسه انتقاد فعلهم الخارج عن اللياقة الإنسانية، ومكلّفة بتهديد ووعيد من يخرج عن إرادتهم.
فهم يعتبرون أنفسهم أباطرة هذا الزمن، ولديهم جيش اليكتروني وإعلامي يحاول أن يقنع الرأي العام بأن إلغاء فعاليات فنية خطيئة، وأن الحياة لا بد أن تستمر مهما حدث في هذه البقعة المحاصرة منذ عقود.
ولو سلمنا بما يروجون، فإن ذلك يكون مقبولاً في حالة واحدة، وهو تنظيم هذه الفعاليات لصالح (غزة)، يتم التبرع بأرباحها لصالح الأسر المشردة التي فقدت منازلها وأمتعتها، أو لصالح الجرحى الذين يتجاوزون 30 ألفاً، أو غير ذلك.
إقرأ أيضا : حسين نوح يكتب: في (الأرض المحتلة).. العار لقتلة الأطفال!
على أن تكون ديكورات حفلاتهم مستوحاة مما يحدث حولنا، وأن تتخلل هذه الحفلات كلمات تدعم المحاصرين.
وتتضمن أغان حماسية وطنية تشحذ همم الناس وتدفعهم للضغط على داعمي الصهانية سواء بالتظاهر أو بنشر جرائمهم على أوسع نطاق عبر مواقع التواصل، في هذه الحالة فقط يكون منطقهم مقبولاً وإلا فإنه منطق أعوج.
mahmoudhassouna2020@gmail.com