مدحت صالح يعيد رائعة فيروز (زهرة المدائن) لدعم فلسطين ولكن!
كتب : أحمد السماحي
لدعم ومساندة القضية الفلسطينية أعاد المطرب مدحت صالح منذ أيام غناء رائعة (زهرة المدائن) كلمات وتوزيع الأخوين رحباني، وغناء جارة القمر فيروز.
هذه الأغنية التى تعتبر ملحمة تروي تعانق الأديان السماوية في مدينة السلام، وتبشر بالغضب الساطع الذي حدث بالفعل هذه الأيام من الشعب الفلسطيني الباسل.
إقرأ أيضا : فيروز .. ملاك الغناء الثائر على مقام الدهشة الرحبانية
وقد طرح مدحت صالح أغنية (زهرة المدائن) على قناته الخاصة على (اليوتيوب) ولاقت ردود فعل جيدة حتى الآن، وأبدع المطرب كعادته عندما يُعيد غناء أغنية من أغنيات التراث.
وقدمها بشخصيته، وبشكل متميز للغاية، لكنه حذف من الأغنية واحد من أهم (الكوبليهات) وهو:
الطفل في المغارة، وأمه مريم وجهان يبكيان
يبكيان لأجل من تشردوا، لأجل أطفال بلا منازل
لأجل من دافع وأستشهد في المداخل، واستشهد السلام في وطن السلام
وسقط العدل على المداخل، حين هوت مدينة القدس
تراجع الحب وفي قلوب الدنيا استوطنت الحرب
الطفل في المغارة وأمه مريم وجهان يبكيان وأنني أصلي
مدحت حذف كوبليله من (زهرة المدائن)
ويجوز مدحت حذف هذا (الكوبليه) لأنه يقول (حين هوت مدينة القدس) حيث قدمت الأغنية لأول مرة عقب سقوط مدينة القدس بيد الاحتلال الإسرائيلي بعد نكسة الخامس من يونيو 1967.
وفي اعتقادي أن مدحت أراد أن تكون إعادة أغنية (زهرة المدائن) لبث الحماس في قلوب من يسمعها من الجمهور في هذا الوقت العصيب، كما قام بحذف أبيات أخرى من القصيدة والتى تقول كلماتها :
لن يقفل باب مدينتنا فأنا ذاهبة لأصلي
سأدق على الأبواب وسأفتحها الأبواب
وستغسل يا نهر الأردن وجهي بمياه قدسية
وستمحو يا نهر الأردن أثار القدم الهمجية
إقرأ أيضا : ننفرد بنشر المحذوف من نشيد (راجعون) لفيروز
وبعيدا عن المحذوفات التى حدثت، لفت انتباهنا في (زهرة المدائن) الإستخدام الرائع للكورال والذي تولى الإشراف على الغناء الجماعي فيه أسامة الخولي، وتولى التوزيع وقيادة الأوركسترا المايسترو تامر غنيم.
يحسب لمدحت صالح أنه ذكر الأجيال الجديدة بواحدة من أروع الأغنيات التى قدمت عن القدس، وما تزال تتربع على عرش أغنيات القدس حتى بعد أكثر من خمسين عاما على طرحها.
تحليل (زهرة المدائن)
تنطلق الأغنية من حالة خشوع وجداني وروحي، يمزج بين طقوس العبادة، التي تختزل المكانة الدينية للقدس، في التراثين المسيحي والإسلامي، وبين الرحيل الرمزي إلى المدينة عبر نظرات الحزن التي تستجلي مأساة السقوط في يد الاحتلال من خلال هذه الكلمات:
عيوننا إليك ترحل كل يوم تدور في أروقة المعابد
تعانق الكنائس القديمة وتمسح الحزن عن المساجد
يا ليلة الإسراء يا درب من مروا إلى السماء
عيوننا إليك ترحل كل يوم وإنني أصلي
إقرأ أيضا : غادة السمان تكتب عن فيروز
بعدها تنعي الأغنية، قيم السلام والعدل والحب التي ترمز إليها القدس، والتي سقطت بسقوطها في قبضة الأسر، عبر نبرة وجدانية وتراجيدية، ويرسم اللحن تضاريسها.
ويعمق مناخها، فإن الإيمان بالمقاومة واسترداد الحقوق، سرعان ما يعلن عن نفسه، عبر انقلابٍ جذري في اللحن والبناء الموسيقي، ومن خلال رؤية تفجر عناصر الغضب، وتلهب الشعور الوطني والديني في نفس المستمع.
قصة (زهرة المدائن)
عن ظروف تقديم هذه الأغنية يقول المبدع الكبير (منصور الرحباني): في عام 1967 كنا نستعد لإحياء حفل منوعات لمهرجانات الأرز.
ونظرا لحدوث النكسة وسقوط مدينة القدس بيد الاحتلال الإسرائيلي بعد نكسة الخامس من يونيو، كان لابد أن نعبرعن شعورنا فيما حدث، فكتبنا أغنية (زهرة المدائن)، وقمنا بتلحينها وتسجيلها.
وقررنا أن تغنيها فيروز في المهرجان لأول مرة، مع أغنيتها الجديدة (سكن الليل) كلمات الشاعر الكبير جبران خليل جبران، وتلحين الموسيقار محمد عبدالوهاب.
وطلب مني (عاصي) بذكائه المعتاد، أن أسمع عبد الوهاب أغنية (زهرة المدائن) لمعرفة رأيه فيها، وبالفعل استمع الأستاذ إلى الأغنية، وبعد الاستماع صمت ثواني وقال: (ما فيهاش حاجة جديدة، فيها علم!).
استمعنا إلى رأيه بحب فهو الأستاذ الكبير الذي تعلمنا منه، لكن رأيه أصابنا بخيبة أمل!، وذهبنا إلى المهرجان فاقتصرت أكثر البروفات على أغنية (سكن الليل).
إقرأ أيضا : صوت فيروز وأم كلثوم أعلى طاقات الأصوات
وليلة المهرجان غنت فيروز (سكن الليل)، و(زهرة المدائن) ففوجئنا بأن الجمهور تجاوب بشكل كبير مع (زهرة المدائن)، واستقبل (سكن الليل) التى كانت تقدم لأول مرة أيضا بشكل عادي.
ويومها عاتبنا الأصدقاء (سعيد فريحة، وسليم اللوزي، وجورج جرداق) في الاستراحة ولامونا على هذا الكمين الذي نصبناه لعبد الوهاب، بوضع (زهرة المدائن)، و(سكن الليل) في البرنامج نفسه.
وعبثا حاولنا إقناعهم بأن الأولى موضوعة قبل الأخرى، وأن عبد الوهاب نفسه استمع إليها فلم يقتنعوا، وأعتقدوا أننا أشرار!.
السؤال الحائر حول (زهرة المدائن)
السؤال الذي نطرحه الآن هل ستصمت ريما الرحباني ابنة (عاصي الرحباني، والسيدة فيروز) على غناء مدحت صالح لهذه لأغنية (زهرة المدائن)، خاصة أن ريما هى الحارس الأمين على تراث والدتها؟ أشك!، وهذه ما ستظهره الأيام القادمة!