بقلم الدكتور: مدحت الكاشف*
شهد تاريخ فنون (الأداء) على اختلاف أشكالها على مرّ العصور العديد من المصطلحات، وفي بعض الأحيان يهتم المؤدون بالاستفادة من هذه المصطلحات فى إنماء وعيهم بفنهم أو من باب الثقافة والمعرفة.
سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي أحيان أخرى يعتبرها البعض من هؤلاء المعنيون بـ (الأداء) ليست ذات صلة بفنهم بشكل مباشر، وأنها فقط ترتبط بعلاقة وثيقة بفن كتابة المسرحية، أو ربما بفن المخرج، أو السينوغراف.
ولكن لما كان فن (الأداء) هو العنصر الرئيس في العملية المسرحية، فبدونه لاتقوم للعرض المسرحي قائمة، وفي الوقت الذي يمكن فيه أن يستغني العرض المسرحي عن المؤلف والمخرج والسينوغراف، لايمكن أن يستغني عن الممثل والمتفرج والمكان الذي يجمعهما.
إقرأ أيضا : د.مدحت الكاشف يكتب: الإبداع .. رؤية حول الحرية
ومن ثم، فهناك ضرورة تفرض على الممثل التعامل مع المفاهيم المتعلقة بالدراما والإخراج و(الأداء)، على اعتبار أنه هو الذي يضطلع بمهمة تحقيقها، ومعظم هذه المصطلحات جرت العادة الحديث عنها لاسيما من قبل النقاد والمنظّرين.
مع الحديث عن فن المسرحية من حيث هى نص مكتوب وفق عدد من القواعد التي وضعها منظرون سابقون من الفيسلسوف اليوناني أرسطو وحتى الآن.
ومنها مصطلح (التطهير – Catharsis) الذى ﹸيعد من أعقد المصطلحات التى نحتها أرسطو والتى أثقلت كاهل الممثل بمهام جسيمة، حيث قصد به أن التراجيديا تساعد المشاهد على التخلص من الانفعالات،عن طريق إثارة هذه الانفعالات الداخلية بمؤثر آخر، وهذا المؤثر هو الخوف والشفقة.
حيث من خلال مفهومه للمحاكاة حدد (أرسطو) ردود فعل المشاهدين في ثلاثة اتجاهات أولهما الخوف من الموت أو الهلاك، وثانيهما شفقة المتفرجين على البطل الضحية.
وثالثهما: تطهير المتفرج من مشاعر الخوف والشفقة عن طريق إثارتهما، ومن ثم، فإن أرسطو رأى أن تجسيد الصور المؤلمة من شأنه تغيير وضع المتفرجين، نحو الأفضل غالباﹰ.
(الأداء) في التراجيديا
فالتراجيديا تساعد على تطهير النفوس من الانفعالات المكبوتة، أو الكامنة، في (الأداء)، ألا وهى الخوف والشفقة، وذلك عن طريق إثارة هاتين العاطفتين عند المشاهد الذى يعيش التجربة التراجيدية التي يجسدها الممثلون على المسرح.
وتهتز عواطفه خوفاﹰ وشفقة أمام العواطف التي تعرض أمامه، عن طريق الشخصيات، إن هذه العواطف موجودة في نفس ذلك المشاهد، بل وموجودة فى الإنسانية كلها.
وتختلف التفسيرات حول مفهوم التطهير على مر العصور، مما تفتقت عنها عدد من النظريات كما ذكر الدكتور إبراهيم حمادة في مجمل تحقيقه وتعليقه على كتاب أرسطو فن الشعر.
وأهم هذه التفسيرات التى تفيدنا في تدريب الممثل على (الأداء) لكي يقوم بمهامه المنوطة به من وجهة نظر أرسطو، التفسير الذي تقدمه النظرية الإحلالية التي ترى أنه في العادة ما يتمثل المشاهد نفسه في إحدى الشخصيات المأساوية.
تلك التي تعاني الأزمة المعذبة، وبعد الانتهاء من مشاهدته للمسرحيه يداخله نوع من السرور الذي ينتج عن شعورين أولهما أن الأحداث المفجعة لم تحدث له على المستوى الواقعي.
والثاني هو أن متاعبه الذاتية لا تتشابه مع الكوارث المأساوية التي رآها، وأنها يمكن أن تحدث للآخرين، وهناك النظرية السادية التي ترى أن تطهيراﹰ يحدث في نفس المشاهد.
إقرأ أيضا : د. مدحت الكاشف يكتب : الفنون والقيم الاجتماعية
عندما يتمتع برؤية الآخرين يتعذبون أمامه، وتتضاعف هذه المتعة حين يتحقق من أن مايراه فوق خشبة المسرح ماهو إلا مجرد نوع من (الأداء) الفني، وليس الحياة الواقعية التي يعيشها.
لتأتي النظرية التعليمية التي تقدم تفسيراﹰ مؤداه أن المتفرج عندما يرى معاناة البطل مجسدة على المسرح من جراء ميوله الشريرة التي أدت به إلى طريق الهلاك.
فهو يتعلم كيف يتجنب الإتيان بسلوكيات أو تصرفات مشابهة في حياته الواقعية حتى لاينال نفس العقاب، إلا أن النظرية التماثلية تفترض أن التطهير يحدث للمتفرج في حياته الواقعية بطريقة مماثلة لما حدث لشخصيات المسرحية.
أما النظرية الطبية في هذا المجال فتقدم تفسيراﹰ يتوقع أن عملية إثارة عاطفتى الخوف والشفقة، عند بعض الناس، قد تؤدى إلى وصولهم إلى حالة مرضية.
ومن ثم، فهى تفترض، أنه عن طريق تقديم نفس كمية هاتين العاطفتين، أو بكمية أزيد، ينتج عنها نوع من الإرتياح، ربما يشعر معه الشخص المستشفى بنوع من المتعة تعيد إليه توازنه الإنفعالي الصحي.
شكل لعبة (الأداء)
وهو ما تؤكده النظرية التجريبية التي رأت أن المتفرج سوف يستمتع بمجرد خوضه لتجربة الانفعالات التي تقدم له في شكل لعبة (الأداء) عن طريق الممثل، موضوعة في إطار من الصور المرعبة التي تثير الشفقة.
دون أن يضار هذا المتفرج على المستوى الشخصي، وهو ما يفسره علم النفس المرضي الذي يرى أن التطهير ما هو وسيلة لإبعاد القلق، والتعقيدات التي تعتمل في نفس الإنسان المريض، وعملية الإبعاد هذه لايكون لها التأثير المطلوب.
إلا إذا تم التعرف عليها عن طريق الإثارة والاستبصار، ولذا تم استخدام أسلوب التحليل النفسي لعلاج بعض المرضى النفسيين، الذي يعتمد على القيام بعملية تطهير مشابهة للعرض المسرحي التراجيدي حسب تحليل أرسطو.
إقرأ أيضا : د. مدحت الكاشف يكتب: الدور الاجتماعي والنفسي لفن الأداء التمثيلي
إلا أن عملية التطهير من جانب التحليل النفسي غالباﹰ ماتحدث لفرد واحد، وهو المريض،أما في حالة العرض المسرحي فمن المفترض أن تحدث عملية التطهير لعدد كبير من الناس.
الذين يمثلون جموع المتفرجين في المسرح ، وما يهمنا في هذا المقام هو التطهير وفق تفسير النظرية الدرامية التي ترى أنه في الحياة الواقعية الكثير من الأحداث الحزينة التي تثير في نفوس الناس خوفاﹰ وشفقة.
ولكن لأن هذه الأحداث لا توحد بينها ولا منطق، فإنها تسبب للآخرين نوعاﹰ من الإحباط الذهني ، يتركهم في حالة من الإضطراب والاختلال النفسي.
* أستاذ بأكاديمية الفنون