بقلم: بهاء الدين يوسف
لا صوت هذه الأيام يعلو على المآسي التي يعيشها أهلنا وإخواننا الفلسطينيين في (غزة) بسبب وحشية جيش الاحتلال الإسرائيلي وقادة الدولة الصهيونية الذين فقدوا البصيص المتبقي من عقولهم عقب نجاح عملية طوفان الاقصى في تعرية كل المزاعم التي عاشوا عليها طوال عقود.
أصدقك القول أنني لا أجد أي معنى أو طعم لأي قضية فنية او اعلامية في هذه الأيام لا علاقة لها بقضية (غزة) وما يتعرض له سكانها من عمليات إبادة جماعية.
ولهذا تفهمت جدا موقف الفنان (محمد سلام) حين اعتذر عن بطولة مسرحية كوميدية استعراضية ضمن مهرجان الرياض في السعودية مضحيا بالمقابل المالي الكبير (ما يقرب من 4 ملايين جنيه في أسبوع أو اثنين).
لأنه لم يستسغ أن يقدم كوميديا وغناء بينما هناك من اشقائنا من يقتلون ويصابون بشكل يومي على مرمى بصرنا في (غزة)، في حين أن الناجين من تلك الهجمات مشغولون بتشييع ذويهم ممن استشهدوا في الهجمات المتتابعة.
أتذكر هنا نقاشا دار بيني وبين صديق وزميل عزيز قبل أيام قليلة حول موقف (سلام) الذي رأيته محترما ومقدرا، ليس لاعتذاره عن تقديم المسرحية ولا تضحيته بالمقابل المالي الضخم.
(سلام) ومأساة (غزة)
ولكن لأنه ببساطة كان صادقا مع نفسه، بينما رآه الصديق نوعا من المزايدة على زملائه، وكان بامكانه ان يقدم المسرحية ويتبرع بدخله منها لصالح مساعدة سكان (غزة) المنكوبين.
وهي وجهة نظر تستحق النقاش خصوصا في تلك الفترة الرمادية من عمر وطننا العربي حيث بات كل تصرف موضع شك وكل موقف يحتمل العديد من التفسيرات وربما التأويلات حسب هوى وتوجه المفسرين.
قناعتي الشخصية بصدق مشاعر (محمد سلام) نابعة من ملامح وجهه وهو يعلن اعتذاره في ذلك الفيديو الذي انتشر في وقته.
فلا تلمح في كلماته أو وجهه افتعالا مبالغا فيه مثلما فعل آخرون من أهل الفن دون ان تشعر بأي صدق في دموعهم التي انسالت أمام الكاميرات، وفي نفس الوقت لا تحمل كلماته مزايدة رخيصة على أحد.
هو يتحدث عن نفسه فقط ولا يحمل الآخرين ما لا يحتملون، كما أنه الوحيد تقريبا الذي اعتذر عن مهرجان ضخم معروف أصحابه ومواعيده.
مع كل ما قد يجلبه عليه اعتذاره من ظلال داكنة على مسيرته الفنية التي لا تزال في بدايتها بعكس أغلب الفنانين الآخرين الذين أعلنوا او سربوا عبر منصات إعلامية مختلفة أخبار اعتذارهم عن مهرجانات وجولات فنية مختلفة دون تعريف محدد لتلك الجولات والمهرجانات.
لسنا في محكمة للتفتيش على النوايا وتحديد من الذي اعلن اعتذاره مستندا على مشاعر صادقة ومن أعلن ذلك لركوب (الترند) إلا أنني أظن أن أي مشاهد يمكنه التماس الصدق من الافتعال في مثل هذه المواقف.
(غزة) فرصة للمزايدة
كما أنني لا أمنح نفسي إذنا بالحكم على من واصلوا عملهم كالمعتاد تحت دعاوى مختلفة منها أن ما يفعلونه عمل مثل باقي الاعمال وأنهم (فاتحين بيوت) من عملهم هذا.
أو أن الدنيا لا يجب ولن تتوقف بسبب المجازر الوحشية التي يتعرض لها أهلنا في (غزة)، وعلى الجميع أن يواصل حياته والاحتفاظ بالغصة في حلقه، إذ أن كل كل شخص من حقه اتخاذ ما يعتقد أنه القرار الصحيح، وعليه أن يتحمل تبعاته لاحقا إذا كان له تبعات.
لكن المزعج قليلا هو وجود فنانين لم يروا في كل ما يحدث من قتل وترويع للأطفال والنساء والمدنيين في (غزة) سوى فرصة للمزايدة على المشاعر الانسانية المتأججة من أجل ركوب الترند وحصد المزيد من آعجاب المغيبين.
في تصرف يخلو من أي قيمة إنسانية أو أخلاقية، ويكشف في مضمونه عن انتهازية بالغة لا ترى في الأشخاص والقضايا والمواقف سوى وسائل أو أدوات لكسب المزيد من النجاح أو الثورة دون حساب للمشاعر الإنسانية.
وظني أن لدينا فنانين عرب بلغوا مرحلة من الانتهازية تمكنهم من أن يقدموا دروسا خصوصية فيها للإيطالي (نيكولو ميكافيلي) صاحب فلسفة المبدأ الشهير و(الحقير) الذي يقول: (إن الغاية تبرر الوسيلة).
والذي يستخدمه علماء النفس لوصف نزعة شخص ما إلى أن يكون قادراً على فصل ذاته من مفهوم الفضيلة التقليدي، وبالتالي يكون قادراً على خداع الآخرين والتلاعب بهم، فكم فنانا عربيا في رأيك يستحق دخول نادي الميكافيلية؟!