بقلم: محمد حبوشة
بدون المخرج المسرحي (خليل طافش) لا يمكن للمسرح الفلسطيني أن يعيش، فهو من قاده في الشتات وحدد معالم طريقة الإبداعي، وهو من تعلق به الجميع فن فعل المسرح الجاد والمقاوم بلا استثناء.
فالمخرج (خليل طافش) هو تحمل مسؤولية ليست قليلة عن العرض المسرحي الفلسطيني، فهو المسئول عن النص، وعن الممثلين وتمثيلهم، وعن الجمهور عندما يضحك لمواقف لا تستدعى الضحك.
والمخرج المسرحي (خليل طافش) هو المتحدث الرسمي باسم كل العاملين في المسرح الفلسطيني لأكثر من 50 عاما، وعادة ما يكون رأيه هو المرجع قبل أي فنان آخر.
وهو بذلك المخرج المسرحي الذي يحمل على كتفه مسئولية اجتماعية كبيرة، لكنه أيضا وفى المقابل يمتلك قدرا أكبر من الحقوق في عرض المأساة الفلسطينية على نحو تراجيدي معبر عن حجم الكارثة.
ويبدو لي المخرج (خليل طافش) شخصا موسوعيا، يلم بالموسيقى وبالفنون التشكيلية، وبتقنية المسرح، بل وبقضاياه وأموره التنظيمية، والإدارية والتكنيكية.
ونستطيع أن نسأل عن عمل المخرج (خليل طافش): هل هو عمل صعب أم أنه سهل كما يبدو!؟ ونجيب بأنه عمل سهل لو فهمنا الإخراج على انه (صنعه)، وهو صعب لو فهمناه باعتباره (فنا)!
إقرأ أيضا : (نسرين طافش): قلبي مع الشعب الفلسطيني الحبيب
وبالطبع فان المخرج (الصنايعى) مثل (خليل طافش) لابد له من شئ ما من المعرفة، ولكن هل تعوض الطاقة الموهبة في حالة غيابها، أم أنها ـ ودون مواربة ـ وقاحة؟
فالشخص الخالي من الاستعداد الطبيعي (الموهبة) للإخراج لن يصبح مخرجا جيدا أبدا، وفى أحسن الأحوال ، فان طيبة القلب، وبعض الثقافة والقدرات المكتسبة يمكنها أن تصنع من (خليل طافش) مخرج (صنايعى) مفيدا.
ولكن الموهبة الطبيعية التي تتوفر عند المخرج بدون عقل واع، أو بدون ثقافة واسعة، بدون القدرة على التنظيم، والقدرة التربوية (كمعلم) ، كل هذه تعطى نتائج ليست أفضل بكثير من العقل بلا موهبة!، على عكس (خليل طافش) الذي يمتلك موهبة حقيقية.
المخرج الموهوب (خليل طافش)
فقط يمكن مساعدة المخرج الموهوب مثل (خليل طافش) على اكتشاف موهبته، ودفعه نحو إيجاد حلول طرفية، مع إبعاده عن الوقوع في الأخطاء الجسيمة.
فهناك بعض القدرات الإخراجية يمكن تدريبها وتطويرها وتعميقها أو توسيع مداركها، فهو شخص له إذن موسيقية، لذا يبدو غير فاقد لحس المراقبة (قوة الملاحظة)، أو عديم الخيال.
فإذا كان فاقدا لحس الفكاهة، وللحرارة وللشعور بالإيقاع وما شابه، وقد ينظر شخص ما إلى تخصصنا هذا من موقع متعال وبالطبع فانه من المستبعد أن يصدق ادعاءنا بأنه من أصعب التخصصات في العالم.
قد يتصور البعض أنني أبالغ في تضخيم دور المخرج (خليل طافش)، إلا أنني أعتقد أن هذا ليس صحيحا، فالحياة نفسها أظهرت أن وجود المخرج ، لا يبخس أي فنان آخر حقه.
ولا في أي ظرف من الظروف، لان أي مشكلة إخراجية لن تهم أي إنسان ولن تعنيه إذا لم توجد أصلا، ووسيلتها في الوجود هى بالطبع الممثل الحي الذي يتعامل معه (خليل طافش).
إقرأ أيضا : نسرين طافش: لهف قلبي على سوريا الحبيبة
وفى اعتقادي أنه لا يوجد هناك أي تناقض ما بين المخرج الجيد والفنان الجيد لدى (خليل طافش)، فالتناقض والصراع عادة ما يكون ما بين المخرج غير الموهوب (المنحوس) وأي مجموعة مبدعة حية.
المسرح عند (خليل طافش) فن غير قابل للنقل، فليس معنى أن يقدم إخراج عبقري لمسرحية ما في غزة، وأن يصبح من الممكن أو من السهل تقديمها بنفس الطريقة وبنفس النجاح في مدينة أخرى كدمشق أو القاهرة أو بيروت.
وهكذا فكل مسرح لـ (خليل طافش)، وان كان أيضا يقدم وهو في مكانه حلولا لقضايا عامة، قد تصل في عموميتها، إلى حد أنه عليه أن يدفع شعبا بأكمله نحو المثل الأيديولوجية العليا، أو قد يكتفي بمحاولة النفاذ إلى قلب معاصريه لتوجيه أرواحهم نحو الجانب الحساس والرقيق فيها.
وفى ظني أننا مع (خليل طافش) يجب أن نعمل فورا على وضع مقاييس معينة تصلح كمفاتيح (كوديه) لقوانين الإبداع ، بحيث لا يمكن للشخص الذي لا يمتلك الاستعداد الضروري للعمل الفني.
تجربة المخرج (خليل طافش)
وأن يملك حق الاشتغال بمهنته المسرحية بدونها، ونحن ملزمين بهذا العمل، وإلا فانه من الواضح أن المهنة ـ وكالعادة ـ ستضرب في صميمها ، في قلب العملية الإبداعية للمسرح.
وإذا راقبت تجربة المخرج المسرحي (خليل طافش) فإنك لابد وأن تلحظ أنه من الضروري أن يكون المخرج قادرا على العمل مع سيكولوجية الممثل ـ الإنسان ، وهو مضطرا إلى هذا ، حتى يمكنه ـ بالاشتراك مع الممثل ومن خلاله ـ أن يوقع الصدى المطلوب في نفوس الجمهور.
وهذا العمل عند (خليل طافش): (أي إرسال مشاعره الفنية والإنسانية عبر مشاعر شخص آخر هو الممثل ، لكي تصل إلى شخص ثالث هو المتفرج) هو موضع تناقض وازدواج صعب، يتطلب واعيا عميقا لسيكولوجية الإنسان وبقدراته الروحية.
نشأ (خليل طافش) وترعرع في معسكر الشاطيء للاجئين بقطاع غزة، ودرس المسرح في القاهرة وتخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة عام 1969.
وكانت بدايته مع فرقة (حركة فتح المسرحية) منذ عام 1969، وأثناء مهرجان المسرح العربي في الرباط عام 1974، كان أول من دعا إلى تشكيل فرقة قومية عربية تضم فنانين من أنحاء الوطن العربي خلال مؤتمر صحفي.
إقرأ أيضا : نسرين طافش تعيد ألق الدراما السورية بـ (جوقة عزيزة)
لكن هذه الدعوة لم يلتفت إليها أحد في حينه إلى أن جاء الفنان المغربي الطيب الصديقي وأقام الفرقة في أوائل الثمانينات، وفي عام 1970 ومع بداية أحداث أيلول في الأردن، توقف نشاط (فرقة فتح المسرحية) فترة من الوقت.
إلا أنها استطاعت وبفضل مجهودات شبابها وقيادة (خليل طافش) أن تعيد نشاطها من جديد وكان ذلك خلال عام 1971، أي بعد سنة من التوقف، وكانت العودة أكثر موضوعية وأكثر فعالية حيث كانت هناك مجموعة من الشباب الذين يملكون الرغبة والخبرة ولديهم مؤهلات علمية أكاديمية في فن المسرح.
(خليل طافش) و(فرقة فتح المسرحية)
وحينها قام (خليل طافش) بتطوير (فرقة فتح المسرحية) لتصبح فرقة (المسرح الوطني الفلسطيني) كي تكون أكثر شمولية للفلسطينيين، وكانت البداية ترويجاً لأفكار منظمة التحرير الفلسطينية التي تبنتها.
حيث قدمت عروضا كثيرة تدعو إلى الثورة وتمجد الشهادة وتحث الناس على الصمود، إلا أن الفرقة سرعان ما استقطبت بعض المسرحيين الفلسطينيين الخريجين والذين تلقوا دراستهم في عواصم مختلفة، مثل الفنان (عبد الرحمن أبو القاسم )الذي كان يعمل في فرق مسرحية سورية وغيرهم كثيرون من المسرحيين والمثقفين.
وأثناء تولي (خليل طافش) إدارة الفرقة، قدمت مسرحية (محاكمة الرجل الذي لم يحارب) للشاعر الكبير (ممدوح عدوان) من إخراج الفنان الفسطيني (حسن عويتي).
وقدمت في مهرجان دمشق المسرحي الرابع عام 1972 ومهرجان الجامعة الأول للفنون المسرحية، كما زارت الفرقة تونس والجزائر وعرضت في أكثر مدنها وقراها.
وجاءت مسرحية (العصافير تبني أعشاشها بين الأصابع) تحت عنوان (الكرسي) لمعين بسيسو من إخراج (خليل طافش)، بداية جديدة للإبداع وللانطلاق نحو العالم، ولاقت المسرحية نجاحاً كبيراً في الأوساط العربية، ومثلت فلسطين في مهرجان المسرح العربي في الرباط بالمغرب عام 1974.
وحققت صدى كبيراً في أوروبا حتى وصفتها صحيفة (لوموند الفرنسية) بأنها أهم المسرحيات التي عالجت قضية فلسطين، وأشادت الصحيفة بالمسرحية فقالت (في النص جمال شعري والإخراج رائع جدا)، في إشارة للمخرج (خليل طافش).
إقرأ أيضا : نسرين طافش .. طاقة نورانية في قلب دراما رمضان
ونتيجة لهذا النجاح، استقطبت الفرقة عددا أكبر من الفنانين الفلسطينيين الأكاديميين والهواة، فانضم إليها (يوسف حنا وداوود يعقوب وأكرم شريم وزيناتي قدسية من الأردن).
كما انضم إليها أيضا (حسن عويتي وبسام لطفي وسعيد المزين ويعقوب أبو غزالة وزهير الحسن وحسين أبو حمد ومفيد أبو حمدة وتيسير إدريس) وغيرهم، إضافة إلى الفنانين السوريين الذين ساهموا في تقديم الأنشطة المسرحية مثل (فواز الساجر، سعد الله ونوس، ممدوح عدوان، نجاح سفكوني) وغيرهم.
(خليل طافش) مؤسس المسرح الجامعي
كما يعد (خليل طافش) مؤسس المسرح الجامعي بدمشق سنة 1972، حيث قدم مسرحية (مهاجر بريسبان) للكاتب (جورج شحادة)، هذا المسرح الذي قدم عدد من المواهب الذين أصبحوا فيما بعد من نجوم الفن الدرامي أمثال (داوود جلاجل ورشيد عساف وفيلدا سمور) وغيرهم.
كما يعتبر (خليل طافش) مؤسس المسرح الموريتاني الذي استفاد من خبرته في الفترة ما بين 1977 وحتى التحاقه بالسلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 ليتولى إدارة دائرة التنشيط المسرحي بوزارة الثقافة، وتقاعد عام 2003.
من أهم مسرحيات (خليل طافش) مسرحية (الكرسي) عن (العصافير تبني أعشاشها بين الأصابع)، للشاعر الفلسطيني (معين بسيسو)، ومسرحية (العنب الحامض) للكاتب البرازيلي (غوليرميه فيجويريدو).
وأيضا: مسرحية (الجسر) عن (جسر آرتا) للكاتب جورج ثيوتوكا، ومسرحية (مهاجر بريسبان) للكاتب جورج شحادة.
يعتبر المسرح الفلسطيني واحدا من أهم المسارح العربية والذي كان له دور كبير في نشر الثقافة في كل الوطن العربي على يد (خليل طافش) إضافة غيره ممن كان لهم دور الأساسي في الحفاظ على الهوية الفلسطينية من الاندثار على مدار قرابة القرن من الزمان.
عدد كبير من النجوم العرب في مطلع القرن الماضي كانت شهرتهم من خلال اعتلاء خشبة المسرح الفلسطيني في القدس ويافا وذلك لأهمية هذا المسرح والدور الكبير الذي كان يلعبه في حقبة مهمة من تاريخ الوطن العربي.
وصنع المسرح الفلسطيني على يد (خليل طافش) وغيره شخصية المناضل الفلسطيني المثقف الذي لم ينكسر وحول خشبة المسرح إلى ميدان مهم لحفظ الهوية وحب الأرض، وكان ذلك ظاهرا في معظم الأعمال المسرحية تاريخيا.
يقول المخرج والممثل والكاتب المسرحي الفلسطيني علي أبو ياسين: (المسرح مثله مثل باقي أدوات الثقافة الفلسطينية، الكتابة والصورة والفن التشكيلي والسينما، فدورنا هو من خلال ما نقدم من ثقافة وفن هو تعزيز الهوية الفلسطينية.
فضلا عن التمسك بأرضنا ودحض الرواية الاسرائيلية خاصة في الفترات الأخيرة لأننا نلاحظ ان هناك هجمة صهيونية على تراثنا علاوة على أرضنا، وأضاف أبو ياسي: هناك محاولة سرقة للثوب والأكل وكل أدوات الجمال الذي ورثناها عن أجددنا.
وتابع: (هم (المحتلون) يحاولون سرقة ليس الهواء الذي نتنفسه ولكن حكايا الجدات والسم والإبرة التي كن يطرزن بهما أثوابهن).
وأوضح أبو علي أن المسرح الفلسطيني مر بعدة مراحل مهمة وهي: مرحلة ما قبل النكبة والتي شهدت نهوضا ثقافيا كبيرا، وقال: (العديد من أبناء شعبنا لا يعلمون أنه كان في يافا وحيفا والقدس فقط 15 مسرحا، وكان العرض الذي كان لا بد أن يكتب له النجاح يجب أن يقدم على مسارع حيفا ويافا).
وأضاف أن (العديد من نجوم مصر مثل يوسف وهبي وجورج أبيض وأم كلثوم وعبد الحليم وقفوا على مسارح فلسطين، وتابع: (كان هناك نهضة فلسطينية كبيرة، وكان في القدس وحدها 15 فرقة مسرحية”.
وأشار أبو ياسين إلى أنه بعد النكبة انحصر العمل المسرحي نتيجة النكبة والهجرة، ولكن في بداية ستينيات القرن الماضي عاد المسرح ليلتقط أنفاسه ويقدم عروضا رمزية لها دور مناهض للاحتلال.
(خليل طافش) رائد المسرح الوطني
وقال: (بعد سنة 1965م تشكل مسرح الثورة الفلسطينية (المسرح الوطني) الذي تكون في الخارج وكان من أهم رواده (خليل طافش) وحسين الأسمر.. وغيره من الأندية والمدارس بأيدي بعض الفلسطينيين).
وأي دارس لتاريخ المسرح الفلسطيني لا يستطيع أن ينكر عامل الفرق المصرية والشامية والأجنبية التي زارت فلسطين بين أعوام 1920- 1930، أمثال فرقة جورج أبيض والريحاني وعلي الكسار.
تأسس المسرح الوطني الفلسطيني على يد فنانين درسوا المسرح أكاديمياً أمثال (حسين عويني، وخليل طافش، ونائلة الأطرش، وحسين الأسمر)، وقدم المسرح في بدايته (محاكمة الرجل الذي لم يحارب) .
وقدم حسين الأسمر مسرحية (حلم فلسطيني) من تأليف رشاد أبو شاور، حيث يقوم مضمونها على فضح القوى الداخلية والخارجية التي تقف في وجه تحقيق الحلم الفلسطيني في العودة إلى فلسطين.
بعد قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، حدث نشاط ملحوظ في المشهد المسرحي، وهذا النشاط وإن لم يكن يدل على مضمون الأعمال المسرحية المقدمة؛ إلا أنه كان يضع البدايات لمسرح فلسطيني في قطاع غزة، وإن كان المسرح في غزة لم يؤسس على أسس علمية.
وقد أنتجت الفرق المسرحية في غزة مجموعة من المسرحيات، على سبيل المثال مسرحية (العنب الحامض) من إخراج خليل طافش، ومسرحية (السيد بيرفكت) من إخراج حسين الأسمر.
وفي الشتات، قامت منظمة التحرير الفلسطينية بدعم (جمعية المسرح العربي الفلسطيني) التي قدّمت مسرحيات وطنية رومنسية تؤجج من خلالها المشاعر، وتستقطب أنظار الجماهير العربية المتعاطفة مع الفلسطينيين وثورتهم.
إقرأ أيضا : نسرين طافش .. “أيقونة” الرومانسية العربية
مثل مسرحية (شعب لن يموت) لسعيد مزين، ومسرحية (الطريق) لنصر الدين شمّا، وطافت هذه المسرحيات في عدد من البلدان العربية، وحققت استقطاباً كبيرا فوق المتوقع.
ثم تطورت أعمال هذه الفرقة التي أصبح اسمها لاحقاً (فرقة المسرح الوطني الفلسطيني)، واستقطبت عدداً من الفنانين الفلسطينيين الدراسين لعلوم المسرح، منهم (خليل طافش، حسن عويتي وحسين الأسمر.
خليل طافش و(الكرسي)
وشارك في أعمال هذه الفرقة (انتصار شما، محمد صالحية، بسام لطفي، داود يعقوب، حسين أبو حمد، زيناتي قدسية، عبد الرحمن أبو القاسم وزهير حسن، وقدّمت الفرقة الكثير من الأعمال.
وشاركت في العديد من المهرجانات المسرحية، ومن أبرز أعمالها: (محاكمة الرجل الذي لم يحارب) لممدوح عدوان، و(الكرسي)، و(العصافير تبني أعشاشها بين الأصابع) لمعين بسيسو، و(الحلم الفلسطيني) لرشاد أبو شاور، و(لكع بن لكع) لإميل حبيبي، و(المؤسسة الوطنية للجنون) لسميح القاسم.
وتبعتها أعمال كثيرة أخرى لكتاب فلسطينيين وغير فلسطينيين كانت تحقق حضورا مهما عند عرضها في دمشق، أو في المهرجانات العربية.
هذه المسرحيات التي سعت للابتعاد تدريجيا عن الحماسة الرومانسية وتقديم الفلسطيني بالصورة التقليدية (الضحية، أو السوبرمان)، والاتجاه نحو اللغة المسرحية الجمالية المتقدّمة من دون أن تسقط المضمون الاجتماعي.
بدأت بالتدريج تفقد عناصر أساسية من أعضائها لأسباب سياسية، أو معيشية، كما بدأت تنحصر عروضها في المهرجانات، والنخب الثقافية.
وعموما، فإن التجربة المسرحية الفلسطينية بالمنفى، في ظل منظمة التحرير، وتحت قيادة (خليل طافش) وغيره، أسهمت بقوة في تأكيد الهوية الثقافية الفلسطينية، ولكنها كانت أقل تأثيرا في الحياة اليومية للفلسطينيين العاديين.
(خليل طافش) وهوية المسرح الفلسطيني
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للمخرج المسرحي الكبير (خليل طافش) الذي يبلغ من العمر 80 عام الآن، فلا يمكن الحديث عن المسرح الفلسطيني وهويته بمعزل عن التاريخ المعاصر للشعب الفلسطيني في القلب منه (خليل طافش).
ولا يمكن الحديث عن هذا المسرح بمعزل عن العواصف التي هزت حياة الفلسطينيين كما جسدها (خليل طافش) في مسرحه.
وعن النكبة التي حولت وطنا وشعبا إلى قطع منفصلة وتجمعات كبيرة تقاوم محاولات تفسيخها، وتمزيق نسيجها الاجتماعي، وإذابة هويتها، وخنق روحها في معازل وسجون كبيرة، ولا يوحدها سوى العذاب والحلم والأمل الذي حققه (خليل طافش) مسرحيا.
هذا الواقع بما اكتنفه من ثورات وانتفاضات ومواجهة مستمرة، ولد في لحظات المد آمالا كبيرة، وفي لحظات الانكسار والانحسار خيبة واحباطا، كما خلف مناخا يتسم باليأس حينا وبالتفاؤل أحيانا على يد (خليل طافش).
سواء لدى من تم نفيهم إلى مخيمات اللجوء، أو من صمدوا في أرضهم وقاوموا وحشية المحتل. وهو واقع فرض على الأفراد والجماعات توترا دائما وصراعا داخليا مستمرا بين حالة الأمل وحالة الخيبة.
فالفلسطيني الباحث عن هويته والمتمسك بها داخل الوطن، هى الموضوع الأساسي الذي عالجه (خليل طافش) سواء كان يعاني الضغوط الهائلة التي تضعه أمام خيارين؛ القبول بالاحتلال كأمر واقع والخضوع لسياساته وإجراءاته، أو مقاومته وتحمّل النتائج القاسية.
أما الفلسطيني خارج الوطن، فهو أمام قبول الاندماج والذوبان في المجتمع الذي نفي إليه، أو رفض الاندماج والتمسك بهويته والانتماء لوطنه، وتحمّل العواقب) تماما كما جاء في مسرح (خليل طافش).
الواقع الجديد الذي نشأ في داخل المناطق التي أقامت فيها إسرائيل دولتها، كان كارثياً على من صمدوا فوق أرضهم مثلما تجسد في مسرح (خليل طافش)، كان الهدف الأول لهؤلاء الحفاظ على وجودهم.
ولا سيما الجسماني أولاً، والهدف الثاني الحفاظ على هويتهم وكيانهم، بمقاومة محاولات الطمس والتشويه والأسرلة، في ظل هذا الوضع، تعرض المسرح الفلسطيني الجنيني لضربة عنيفة، وأصبح الفنانون والمثقفون مطاردين كما حال السياسيين.