حمدي قنديل الرجل الذي عاش مرتين ودافع بقوة عن فلسطين!
كتب: أحمد السماحي
في زمن الانحطاط العظيم والفرقعات الإعلامية الكاذبة الذي نعيش فيه هذه الأيام، والذي حول معظم (الاعلاميين) إلى مهرجين بائسين مهمتهم الترويج للانحطاط!، نتذكر الإعلامي الكبير (حمدي قنديل).
خاصة أن الإسفاف، والهبوط، و(تعبئة الهواء) بكلام تافه لا يغني ولا يثمن من جوع، لرفع نسب المشاهدة، واختطاف الوعي، وتخدير الضمائر هو ديدن إعلامي هذه الأيام.
ومن خلال باب (صورة وذكرى) نستحضر رحيل الإعلامي الكبير( حمدي قنديل) الذي تمر غدا الأربعاء الذكرى الخامسة لرحيل هذا الفارس النبيل الذي غادرنا في الأول من نوفمبر عام 2018.
والذي كان صاحب موقفا ثابتا وحاسما، خصوصاً تجاه المقاومة وفلسطين التى تئن وتتألم وتتوجع هذه الأيام.
رحل (حمدي قنديل) بعدما ملأ الشاشات بحضوره الصاخب، وكان الشاهد المميز، منذ الخمسينيات على مراحل وانعطافات سياسية مهمة، تناولها في مذكراته (عشت مرتين).
(حمدي قنديل) وأقوال الصحف
قدم (حمدي قنديل) العديد من البرامج منذ ظهور التليفزيون بدأها بـ (أقوال الصحف)، واستمر في تقديم البرنامج حتى عام 1969،عندما تم تعيينه مدير عاما لاتحاد الإذاعات العربية.
وفي عام 1971 غادر منصبه احتجاجاً على تفتيش حكومي للموظفين التقنيين.
ومع ظهور الفضائيات، انتقل إلى فضائية art في برنامج (مع حمدي قنديل)، لكنه لم يستمر في هذا البرنامج سوى ثلاثة أشهر فقط.
حيث اختلف مع المديرين في القناة حول مقابلات كان مخططاً لها مع الرئيس الليبي معمر القذافي، وطارق عزيز، وزير الخارجية ونائب رئيس مجلس الوزراء في نظام صدام حسين.
ثم ظهر (حمدي قنديل) في برنامج (رئيس التحرير) على القناة الفضائية المصرية، و(قلم رصاص) على قناة (دبي).
إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف يكتب: استغاثة (نجلاء فتحي) ومرض النخبة المصرية!
لم تتحمله الدولتان بسبب مواقفه الصلبة، وآرائه الحاسمة التي ظهرت بقوة خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2003، إذ قررت الحكومة المصرية إيقاف برنامج (رئيس التحرير).
بعدما هاجم (حمدي قنديل) مواقف الحكومات العربية وصمتها على ما يحدث في فلسطين، بعدها غادر مصر إلى الإمارات، تاركاً خلفه شعبية كبيرة واحتراماً من الجميع.
في الإمارات، بدأ برنامجه (قلم رصاص) الذي استمر خمس سنوات، قبل أن يتم إيقافه كذلك من دون إبداء أسباب من جانب الإدارة هناك، لكن مواقف (قنديل) السياسية كانت هى السبب الوحيد لهذه المغادرة المفاجئة وإن لم تعلن الأسباب رسمياً.
انكسر القلم الرصاص ولكن ما زالت كلمات وكتابات صاحبه (حمدي قنديل) عالقة في أذهان الجميع.
زهرة في حياة (حمدي قنديل)
منذ أسابيع قليلة تحدثت نجمتنا الكبيرة نجلاء فتحي عن سرقة لوحة (عاش هنا) المتعلقة باسم زوجها الإعلامي الراحل (حمدي قنديل)، فى مصر الجديدة، وهو ما استجابت له وزارة الثقافة سريعا.
وأرسلت أحد العمال الفنيين لإعادة تركيب اللوحة من جديدة على منزل الإعلامى الكبير (حمدى قنديل).
هذا الموقف النبيل من نجمتنا نجلاء فتحي تجاه زوجها، أرجعني بالذاكرة إلى الكلمات التى كتبها (حمدي قنديل) عنها في كتابه الوحيد (عشت مرتين).
حيث قال عن بداية تعارفهما وزواجهما: (في عام 1991 طلب مني الكاتب الكبير سعد الدين وهبة رئيس مهرجان القاهرة السينمائي أن أكون عضوا باللجنة العليا للمهرجان.
وأثناء ذلك كان التليفزيون المغربي ( 2M) أوفد فريق تصوير لتغطية أخبار المهرجان وإجراء مقابلات مع عدد من الفنانيين، كانت من بينهم نجلاء فتحي.
إقرأ أيضا : سر مقابلة الرئيس التونسي (الحبيب بورقيبة) لنجلاء فتحي وحسين فهمي!
وطلب مني صديقي المخرج المغربي أن أرتب موعدا مع نجلاء فتحي لاستضافتها، وحصلت على تليفون منزلها واتصلت بها عدة مرات حتى وجدتها.
وعندما حدثتها في المقابلة وافقت، ولكنها اعتذرت عن عدم إجرائها في منزلها لأنها كانت تعدل في ديكوراته، فاقترحت أن يجري الحديث في حديقة الفندق الذي يقام به المهرجان.
ولكنها خرجت باقتراح آخر وقالت: لماذا لا يكون ذلك في بيت شقيقتي في الدقي، وهو قريب منكم؟
وفي المساء جاءني اتصال تليفوني من اللواء محمد السكري وكيل اتحاد التنس، وكنت قد قابلته منذ سنوات في نادي اليخت وقال لي: (ألا تعرف أن نجلاء فتحي شقيقة زوجتي؟).
قلت له: إنها أول مرة أعرف فيها ذلك، فقال إنها أبلغته بمكالمتي وإنه يدعوني لزيارته مع فريق التصوير في الغد لتناول فنجان شاي قبل أن أعود للمغرب.
وكان يظن أنني مقيم هناك وأنني أعمل مع البرنامج، فأعتذرت لارتباطات أخرى، وأفهمته أنني لا أعمل في البرنامج ولا أقيم في المغرب، فدعاني للعشاء في الأسبوع التالي.
(حمدي قنديل) و(دمي ودموعي وابتسامتي)
يقول (حمدي قنديل): الحقيقة أنني منذ تركت العمل في التليفزيون المصري عام 1970 وأنا بعيد عن أهل الفن، وحتى في تلك السنوات كانت صلتي بهم محدودة.
ثم أتى غيابي أكثر من عشر سنوات في باريس فعزلني تماما عنهم، لم أحضر طوال تلك الفترة عرضا مسرحيا واحدا ولا شاهدت أيا من الأفلام الجديدة.
ولم أكن أعرف من أفلام (نجلاء فتحي) سوى (دمي ودموعي وابتسامتي)، لذلك حاولت البحث عن أي من أفلامها الأخيرة، وبعد أن حصلت عليه تذكرت أنه ليس لدي جهاز فيديو في البيت.
ذهبت إلى العشاء وأنا في غاية القلق خشية ألا أجد موضوعا مناسبا أحدثها فيه، عندما نلتقي، لكننا عندما التقينا ذهب كل هذا القلق تماما.
وأول ما لاحظته بعد أن جلست أن الكل يناديها بـ (زهرة) وعندما سألت قالت إن اسمها الحقيقي هو (فاطمة الزهراء)، ودهشت أنها بسيطة للغاية في ملبسها وتلقائية في حديثها.
وعندما علمت منها أنها تعرف باريس جيدا، انطلقنا نتحدث عن ذكرياتنا فيها كما لو كنا قد زرنا كل شبر فيها معا، ولم يأت ذكر السينما إلا عندما كنا نتناول القهوة بعد العشاء.
وقالت إنها أنتجت فيلما اسمه (سوبر ماركت) قبل عامين، وإنها سعيدة بهذه التجربة على الرغم من أنها لم تربح من ورائها شيئا، ثم تداركت وقالت: (لكن ما خسرتش.. أنا شاطرة برضه!).
وما فاجأني حقا هو أنها لا تمت بصلة للصورة النمطية للنجمة السينمائية التى كانت في ذهني.
وعندما أوشكت أن أغادر، وعدتها أن أتصل بها حتى أحدثها عن انطباعي عن فيلم (سوبرماركت) بعد أن أشاهده، ولكنني كنت قد قررت أن ألقاها مرة ثانية!.
لقاءات متكررة لـ (حمدي قنديل) و(زهرة)
يستكمل (حمدي قنديل) ذكرياته فيقول: وذهبت وأنا على يقين أنها ليست شاطرة فقط، ولكنها ذكية ومرحة، وذات شخصية قوية، وأنها ستضفي على حياتي بهجة لم أعرفها منذ وصلت إلى القاهرة.
وهكذا تكرر اللقاء عدة مرات، حتى جاء الصيف فذهبت مع ابنتها الوحيدة (ياسمين) لتقضي أسبوعين في العجمي، وعندما علمت أنها صديقة لزوجة صديقي رجل الأعمال ممدوح مرسي.
الذي يقضي شهور الصيف في فيلته هناك، حجزت أنا الآخر غرفة في فندق بالإسكندرية، وواظبنا على اللقاء كل يوم، اكتشفت وقتها أن بيننا الكثير مما يجمعنا.
فهي كانت تصحو مبكرا، وكانت تحب السفر، وتجيد لعب الطاولة، كما أنها تنفر من حفلات وسهرات المجتمع، وكانت تتابع جيدا الشأن العام.
وتميل إلى نهج اليسار على الرغم من أن جمال عبدالناصر أمم أرض والدها (حسين بك فتحي)، الذي كان من أعيان الفيوم، كانت المرأة التى تطلعت للارتباط بها.
نجلاء تطلب الزواج من (حمدي قنديل)
عندما عدنا إلى القاهرة في سيارتي كانت معنا (ياسمين)، وكانت في نحو الرابعة عشرة من عمرها، ولم أجد صعوبة في التفاهم معها، بل إنها راحت تداعبني ونحن في الطريق.
بعد نحو أسبوعين من عودتنا من الإسكندرية، وجدتها تكلمني في أحد الأيام في التليفون في الصباح، وكنت قد أعتدت على هذه المكالمة منها بعد أن تصحب (ياسمين) بنفسها إلى المدرسة.
سألتها: (عملتي كام لفة في النادي النهاردة؟!) قالت: (كتير، أكتر من اللازم)، فلما سألت عن السبب قالت: (لأنني كنت بافكر في موضوع مهم).
وسألتها خير؟! فاجأتني قائلة: (أنا حاتجوزك النهاردة!) أخذت أردد دون أن أدري: (عظيم، عظيم) فباغتتني بسؤال عملي: (إنت مش معاك بطاقة؟) قلت لها: (إنني لم أستخرج بطاقة شخصية بعد).
فطلبت مني أن أحضر إلى منزلها في الخامسة بعد الظهر ومعي جواز السفر، وقالت (موافق ولا حنرجع في كلامنا؟) قلت لها: موافق أكيد.
وهكذا تم زواج نجلاء فتحي من (حمدي قنديل).