بقلم الشاعر الكبير : إبراهيم رضوان
عندما عاد الرئيس الراحل (السادات) من إسرائيل كنا كمثقفين في غاية الغضب بسبب هذه الزيارة التي كنا نعتبرها خيانة!
يومها اتصل (السادات) بصديقي المطرب محمد نوح، وطلب منه أغنيه عن السلام، تذاع في تليفزيونات مصر بشكل متصل.
وبعد حصوله علي جائزة نوبل كما وعدوه، ستترجم إلي كل لغات العالم، و تنشر في كل صحف العالم، وتذاع علي كل القنوات العالمية.
واشترط (السادات) أن يكتبها نفس الشاعر الذي كتب أغنية (مدد مدد..شدي حيلك يا بلد) الذي هو أنا.
إتصل بي محمد نوح، ليبشرني بالخبر، وكانت المفاجأة بالنسبة له، رفض كامل للفكره من جهتي.
وقلت له: (عندك مليون شاعر، يتمنوا يكتبوا عن التطبيع، إنما أنا لأ بدون مناقشه أو تراجع).
نوح فضل يبص عليا باستغراب ثم قال: (هو أنت مفكر يا إبراهيم إني موافق علي التطبيع، أو على الزيارة، لأه وألف لأه!.
إقرأ أيضا : حسين نوح يكتب : أمي (الحاجة نوحة) والرئيس السادات
لا يمكن!، أنا أكتر منك بالنسبة لزيارته لإسرائيل، أقولك علي سر؟!، (السادات) عرض عليا أروح معاه، مش هاقولك رفضت لأني ما أقدرشي أرفض، لكن اعتذرت!، الراجل بيعتبرني صديقه.
وقال عليك يا إبراهيم في مجلة (أكتوبر)، أنك بتعبر عن فكره بدون ما يذكر اسمك).
قلت لنوح: (أنا لا باعبر عن فكره، و لا ليا دعوة بالسلطة نهائيا، هو حر في اللي بيعمله، بس أنا ضده، وانتهت الجلسة.
وبعد أيام، كنت في جوله بالمنصورة أنا و خطيبتي، التي أصبحت زوجتي بعد ذلك، لفتت نظري أن نوح يغني في تليفزيون أحد الذين يبيعون الأجهزة الكهربائية.
توقفت علي الفور، استمع لنهاية الأغنية لأكتشف أنها من كلماتي، لكنني لا أذكرها جيدا، بعد دقيقة واحدة أعادوا الأغنية.
تتر بداية الأغنية يحمل اسمي بالبنط الكبير، والأغنية تحمل اسم (السلام)، قلت لخطيبتي : (أنا لم، ولن أكتب عن السلام، الذي يعتبر تطبيعا بيننا، و بين ألد الأعداء.
وبعد دقائق تذكرت أن الأغنية التي يغنيها علي أساس أنها أغنيه للسلام، ليس لها علاقه بهذا الموضوع، ولكنها أغنيه كانت مرفوضه رقابيا بعنوان (الله الله يا بدوي، وجاب الأسرى)!.
سلام.. سلام لـ (السادات)
لكن ماذا فعل نوح بكلمات الأغنية؟!، قام بحذف جملة (الله الله يا بدوي وجاب الأسر))، واستبدلها بجملة (سلام..سلام).
ثم أكمل بقية الأغنية التي ليس لها علاقة بالسلام، والتي انتشرت بشكل غريب، و كانت تذاع في الدقيقة الواحدة، ألف مرة.
كلمات الأغنيه تقول :
كورال: الله الله يا بدوى وجاب الأسري
وزرعنا ف ليل الخوف غلة
وملينا من النيل القلة
نوح: الفارس راجع بالدبلة
والحارس سيفه صبح فلة
سبحانك يارب القدرة
الله الله يا بدوى وجاب الأسري
إسرج للعيد شمعة جديدة
إطفى الأحزان والتنهيدة
وإن شفتك يا بلدى سعيدة
هاعطيكى كمان حب زيادة
وكفايه عليكى سنين مرة
الله الله يا بدوى وجاب الأسري
إقرأ أيضا : تحية كاريوكا .. خبأت الرئيس السادات، وعبدالناصر أفرج عنها، ووصفها بـ 100 رجل !
أذكر أن بعض الأشخاص كانوا يقولون لنوح و نحن نركب سيارته: (الفارس سيفه صبح فلة يا نوح، يادي الفضائح) وهم لا يعلمون أن المؤلف بجانبه!
هنا حدثت مشكله بيني وبين نوح الذي قال لي: (عارف ها يجرالي إيه لو رفضت أغني غنوة (السادات) شخصيا هو اللي طالبها، هاتسجن وهاتمنع من الغناء طول العمر!.
ترضاها يا إبراهيم، وزي ما أنت بتقول ألف شاعر يتمنوا يكتبولك الأغنية، برضه فيه ألف مطرب، نفسه كان يكلفه بغناء أغنيه عن السلام.
ويتمني كده يا إبراهيم، أنا فاهم البلد أكتر منك، وفاهم (السادات) أكتر، وما تنساش أنك لسه خارج من المعتقل من مدة بسيطة، ومش عايزك ترجع له تاني)!.
(السادات) وجائزة نوبل
لم أطلب من نوح ثمنا للأغنية، لأن قلبي كان يشعر أن المشاكل ستدخل بيننا بسببها.
حصل (السادات) على جائزة نوبل مناصفة مع (بيجن)، اتصل بنوح، وأخبره بذلك قبل أن ينشر الخبر في الصحف!.
وكلفه أن يغني أغنيه أخري تضاف لهذه الأغنية لأن هذه الأغنيه ستصدر علي وجه من الاسطوانة، قال له نوح أن عنده أغنيه اسمها مصر.
إقرأ أيضا : الذكرى المئوية للمتصوف الشرير صلاح منصور، الذي أحبه السادات، وأرعب السلال!
سأله السادات هل هي للمؤلف الذي كتب (مدد مدد..شدي حيلك يا بلد) وكتب أغنية (السلام) الأولي؟!
أجابه نوح بالنفي، فقال له (السادات): (أنا عايز الشاعر اللي كتب مدد، وأغنية السلام، عايزه يكتب أغنية الوجه الآخر من الاسطوانة، عارف الإاسطوانة دي هايتوزع منها كام نسخة؟: 4 ملايين نسخة!
كلفني نوح بكتابة أغنية أخري للسلام، اعتذرت له، ولأن (السادات) مصمم، أن يكون الشاعر الذي سيكتب الوجهين هو أنا، تصرف نوح بذكاء شديد!.
ماذا فعل؟! اختار أغنية لي عن السلام، وليس التطبيع، وقام بتسجيلها، وتسليمها مع الأغنية الأخري لرئاسة الجمهورية.
بعدها شهدت المحاكم أكثر من قضيه بيني وبين نوح، وللحديث بقية…