فضيحة (الصهيونية العالمية) التى منعت إذاعة أغنية (جميلة بوحيرد)!
كتب : أحمد السماحي
المجازر الوحشية التى تشنها إسرائيل حاليا على الشعب الفلسطيني والتى أطلق عليها معركة (السيوف الحديدية) ردا على (طوفان الأقصى) ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة في سجل (الصهيونية العالمية)!
فالمتابع لممارسات (الصهيونية العالمية) يجد أنها مثل الأخطبوط لها أذرع في كل مكان، وإليكم هذه القصة الفنية عن أغنية (جميلة) التى نشرت في مجلة (الإذاعة) في شهر مارس عام 1959 .
والتى تؤكد أن (الصهيونية العالمية) تتنفس كذبا، وتتعاون كلها في سبيل دعم مصالحها وتعزيز قبضتها على مناطق نفوذها.
(الصهيونية العالمية) وأغنية جميلة
كتب محرر مجلة (الإذاعة) قائلا: (جميلة بوحيرد البطلة الجزائرية التى هزت ضمير العالم، مازالت تقض مضاجع الاستعمار الفرنسي وأعوانه في كل مكان، رغم إنهم أودعوها غياهب السجون.
جميلة التى خلد الأحرار بطولتها وتغنى الشعراء بكفاحها لايزال المستعمرون يرتعدون كلما سمعوا اسمها يتردد على الشفاه، ويحاولون بكل ما في وسعهم من قوة أن يخفوا هذا الاسم الذي كشف وحشيتهم ونذالتهم.
وهذه فضيحة جديدة تكشف عن مدى التعاون الذي يجري بين الإستعمار بكل صوره وأهدافه، إنها فضيحة تظهر للعالم كيف يعمل الاستعمار وأعوانه من (الصهيونية العالمية) لؤأد كل صوت يرتفع ممجدا الحرية والكفاح.
جميلة.. (لف الليل قلبا معذبا)
الحكاية ببساطة أن الشاعر المصري (ممتاز السيد سلطان) الذي يقيم في الكويت كان من بين الملايين الذين هزت قصة كفاح (جميلة بوحيرد) وبطولتها الوطنية مشاعره، فأوحت إليه بقصيدة رائعة بعنوان (جميلة لف الليل قلبا معذبا) كتبها باللغة الإنجليزية.
وقام بنشرها في صحف الكويت، وإذاعتها له محطة (صوت العرب) وإذاعة برلين أكثر من مرة، لأنها تتحدث عن ظلم الاستعمار الفرنسي بالتضامن مع الصيونية العالمية.
كما نشرتها أكثر من خمس عشرة مجلة وجريدة في أنحاء العالم، واختاراتها وزارة المعارف في الكويت لتدرس في مدارسها.
(الصهونية العالمية) وجي فيكري
في فبراير عام 1958 سافر الشاعر ممتاز سلطان إلى بيروت حيث التقى بملحن أمريكي زنجي، ومغنية أسترالية تدعى (جي فيكري) فعرض عليهما إخراج قصيدته هذه لحنا وغناء.
وبالفعل قبلا الفكرة، ولكن الملحن ما لبث أن عاد إليه بعد أيام ليعلنه بأن صديق له يعمل في السفارة الأمريكية نصحه بالابتعاد عن المشاكل السياسية!.
وقالت المغنية الأسترالية أن السفارة الفرنسية اتصلت بها ونصحتها بعد نشر الخبر بعدم الاشتراك في مثل هذا العمل، وهنا تبدو مطاردة الصعهيونية العالمية لكل فكر يدعو للحرية والاستقلال.
إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب: الصورة أصدق إنباءً من أكاذيب (إسرائيل)!
لكن هذه المناورات لم تثن الشاعر المصري عن تنفيذ فكرته وإخراج أغنيته إلى عالم الوجود، إذ قابل الملحن اللبناني الشاب توفيق الباشا، وعرض عليه القصيدة فسعد بها، وقرر تلحينها.
واتفق الباشا مع مغنية الأوبرا اللبنانية (سامية ساندري) على غنائها، وتم تسجيل الأغنية في ستوديوهات شركة التسجيلات اللبنانية.
بعد الانتهاء من تسجيل الأغنية سافر الشاعر بعد ذلك إلى اليونان حيث عرض على إحدى شركات الأسطوانات تسجيلها وطبعها، لكنها رفضت على زعم أنها تمس موضوعا سياسيا، فسافر إلى ألمانيا ولكنه لم يوفق أيضا نظرا لضغوط مارستها الصهيوينة العالمية.
(الصيونية العالمية) وكولومبيا جرامافون
عندئذ توجه ممتاز سلطان إلى فينيا حيث أعجبت شركة (كولومبيا جرامافون) النمسوية بالأغنية إعجابا شديدا، وتعاقدت مع صاحبها على طبع 1300 أسطوانة منها، وتوزيعها على كل الشركات مقابل 140 دولار يدفعها صاحب الأغنية على أن يتقاضى 5% من ثمن كل اسطوانة تباع في الأسواق.
وعاد الشاعر إلى عمله في الكويت بعد أن وقع العقد، منتظرا طبع الأسطوانات وتوزيعها، لكن بعد أيام تلقى ممتاز سلطان خطابا من الشركة النمسوية التى تبين أنها وكيلة لشركة (صوت سيده) الإنجليزية قالت فيه:
(بعد تقدير الأمر مرة أخرى يؤسفنا أننا لن نستطيع طبع أغنيتك عن (جميلة بوحيرد) إذ ليس هناك بلد واحد في أوروبا يفضل شراء هذه الأغنية!)، وهذا كان بايعاز من (الصهيونية العالمية) التي كان نفوذها ممتد في أوروبا
أصابع (الصهيونية العالمية)
بحث الشاعر ممتاز سلطان عن الحقيقة، فتبين له أن كل ما أدعته الشركة كذب، حيث أن (الصهيونية العالمية) تلعب بأصابعها من وراء هذه الفضيحة الجديدة للاستعمار، حيث ثبت للشاعر المصري أن اثنين من الصهيونيين يشتركان في الهيئة الاستشارية لشركة (صوت سيده).
وهكذا ثبت أن الاستعمار الفرنسي والاستعمار البريطاني وضيعة الاستعمار، و(الصهيونية العالمية) تتعاون كلها في سبيل دعم مصالحها وتعزيز قبضتها على مناطق نفوذها.
نبذة عن (جميلة بوحيرد)
كان الطلاب الجزائريون يرددون في طابور الصباح: (فرنسا أمناً) لكن الطالبة (جميلة بوحيرد) كانت تصرخ وتقول: (الجزائر أمناً)، فأخرجها ناظر المدرسة الفرنسي من طابور الصباح.
وقام معاقبتها عقاباً شديدا،ً لكنها لم تتراجع وفي هذه اللحظات ولدت لديها الميول النضالية ضد المستعمر الفرنسي الغاصب والمحتل لأرض الجزائر.
وكان دور جميلة النضالي يتمثل في كونها حلقة الوصل بين قائد الجبل في جبهة التحرير الجزائرية ومندوب القيادة في المدينة (ياسيف السعدي) الذي كانت المنشورات الفرنسية في المدينة تعلن عن دفع مبلغ مائة ألف فرنك فرنسي ثمنا لرأسه!
إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب: (جولدا).. كذبة إسرائيلية سينمائية جديدة
ونظراً لبطولاتها وشعبيتها وسط المقاومة الجزائرية، أصبحت (جميلة بوحيرد) المطلوبة رقم 1 للجيش الفرنسي إلى أن تم فعلا القبض عليها عام 1957 عندما سقطت على الأرض تنزف دماً بعد إصابتها برصاصة في الكتف.
بدأت رحلتها القاسية مع التعذيب بالصعق الكهربائي لمدة ثلاثة أيام، وكانت تغيب عن الوعي، وحين تفيق وتسترد وعيها تقول (الجزائر أُمُنا)، ومع ذلك تحملت آلام التعذيب الشديد.
ولم تعترف (جميلة) بأسماء أو أماكن وجود رفاقها المجاهدين، قبل أن تقدم إلى محاكمة صورية و صدر ضدها حكم بالإعدام.
وأثناء المحاكمة وفور النطق بالحكم رددت جملتها الشهيرة: (أعرف أنكم ستحكمون على بالإعدام لكن لا تنسوا أنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم، ولكنكم لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة).
وتحدد يوم 7 مارس 1958 لتنفيذ الحكم، لكن العالم كله ثار واجتمعت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بعد أن تلقت الملايين من برقيات الاستنكار من كل أنحاء العالم وطالبوا بإطلاق سراحها.
تأجل تنفيذ الحكم، ثم عُدّل إلى السجن مدى الحياة، وبعد تحرير الجزائر، خرجت (جميلة بوحيرد) من السجن مع بقية الأسرى المقاومين عام 1962، وتزوجت محاميها الفرنسي الشهير (جاك فيرجيس).