بقلم: محمد شمروخ
قبل وقوع أحداث (غزة) الأخيرة كنا نتعجب من المواقف الحادة حيال مصر من جانب كثير من المؤسسات السياسية والإعلامية وإثارة الغبار دائما، مع حديث مستفز موجه إلى الدولة المصرية وكأن تلك المؤسسات تملك الوصاية عليها.
هل عرفنا الآن لماذا كان كل هذا التضييق والتشويه والحروب الإعلامية الشرسة من جانب مؤسسات دول غربية مازالت تعتبرها مصر دولا صديقة؟!
فمن التغافل أن نظن أن ما كان يحدث من مواقف حادة من كيانات غربية لها سمعتها، كالكونجرس الأمريكي والبرلمان الأوروبي أو في الخطاب الإعلامي الغربى ضد مصر، خاصة من هيئة البي بي سي البريطانية.
كل ذلك غير بعيد عن الضغوط التى كانت ومازالت تمارس عليها لإنفاذ مشروع تهجير أهل (غزة) لتوطينهم في سيناء، ولو بشكلٍ مؤقت كما ادعوا؟!
فإسرائيل لدى دول الغرب ليست دولة صديقة او حليفة بل هى امتداد لهم في قلب الشرق الأوسط أو بالحرى قلب العالم.
فمطالب إسرائيل عندهم كمطالبهم تماماً، والاعتداء على إسرائيل يعتبر اعتداء على دول أوروبا أو الولايات المتحدة وحلفائهم في بقية العالم!
ولا تنسوا أن سيناء في العقيدة الدينية لإسرائيل هى جزء من كيانها المرسوم في العهد القديم بوعد الرب لإبراهيم أن يعطى نسله من نهر النيل إلى نهر الفرات!، كما أنها ذات أهمية كبيرة لها من الناحية العملية، بعيدا عن نصوص الكتاب المقدس.
إقرأ أيضا : نجوم مصر والعالم العربي ينتفضون مع (طوفان الأقصى)
ومنذ تأسيسها تصدر إسرائيل نفسها أمام المجتمع الدولي المعاصر كدولة مدنية، إلى درجة نشر التباهي بأن كثيرا من الداعين إلى قيامها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وعلى رأسهم هرتزل نفسه، كانوا ملحدين ولا يكفون عن إعلان سخريتهم من العقائد والعادات الدينية اليهودية.
وكذلك معظم مؤسسي دولة إسرائيل نفسها حتى أن (بن جوريون) كان يجهر بأنه يعتبر العهد القديم أساطير شعبية مجمعة حتى أنه كان يستهزئ ببعض المحرمات في العادات اليهودية!
ووجود إسرائيل نفسها كان بقرار وسعى غربيين، كذلك حمايتها، كما أنها تأسست وسارت على النموذج (الأوروأمريكي).
جرائم إسرائيل في (غزة)
فمن السذاجة أن ننتظر من الحكومات الغربية أى إدانة لإسرائيل مهما فعلت، أيا بلغت جرائمها ضد الفلسطينيين في الضفة أو (غزة) أو لاعتداءاتها المتكررة على المقدسات الإسلامية، لاسيما تدنيس المتطرفين اليهود واقتحاماتهم شبه اليومية للمسجد الأقصى.
حتى صار كطقس مقدس يحرصون على القيام به شأن بقية الطقوس المعتادة!، ولا يتم ذلك في الخفاء بل على مرأى ومسمع من العالم كله.
فلا تحسبن العالم صامتا متخاذلا حيال ذلك، بل هو داعم ومشجع، حيث يرى أن إسرائيل المتحضرة اليوروأمريكية، تعيش وسط محيط من الإرهابيين بعدما صار نعت إرهابي قابلا للتصديق على أى عربي مسلم في بلاده أو خارج بلاده!.
لذلك لم يجد (نتنياهو) من يراجعه في تصريحه بأن حرب إسرائيل على (غزة) هى حرب ما الحضارة ضد الهمجية!
ولابد أن نعترف بأن الشخصية الثقافية الغربية مهما بدا عليها من تحضر، إلا أنها بسبب جذورها الفكرية البرجمانية تستبيح أى دماء وتستسيغ أى دمار وتبرر أي احتلال، ما دام قد تم باسم الحضارة في مقابل التخلف والمدنية ضد الهمجية!
إقرأ أيضا : علي عبد الرحمن يكتب: (الأمريكي العجوز).. والطوفان، والقبة !
والسوابق التاريخية جلية لا تخفى على متابع يقظ، عبر قرون الاستعمار الأوروبي للعالم، منذ ذلك العصر المسمى بعصر النهضة، فقد تم إبادة شعوب وتدمير حضارات وطمس هويات وتهجير مجتمعات، تحت عنوان (مواجهة التخلف والهمجية).
حدث ذلك في الأمريكتين وأستراليا ونيوزيلندا وإفريقيا وجزر المحيطات، إلى درجة الإبادة الجماعية والاستعباد والتطهير العرقي، دون أن يتحرك الضمير الإنساني لديهم.
بل الذي تحرك هم جماعات التجار والمستثمرين ليحتلوا أرض هؤلاء (الهمجيين)، ويطلقوا على بقاياهم اسم (السكان الأصليين)، أرأيت كيف أنه لم يشفع لهم اعتراف السادة الجدد الضمنى بأن هؤلاء هم أصحاب الأرض الأصليين؟!
لذلك لن يجدى إثبات أن سكان فلسطين في غزة أو غيرها من العهود الغابرة كانوا من العرب، أمام الضمير الغربي، لن يجدى في شئ، فإبادة سكان الأرض الأصليين وتهجيرهم ومعاملة الباقين على أنهم (آثار بشرية لسلالات على وشك الانقراض) هو أمر له سوابقه الثابتة في أشد سجلات الإنسان سواداً في التاريخ القريب.
التهجير لأهل (غزة)
فحتى القرن التاسع عشر، ومع بدايات استثمارات البترول المبكرة، كان الملياردير (روكفللر) الأمريكي، يقوم بتهجير قرى بكاملها، ولو اضطر لإبادة المقاومين من سكانها، في فنزويلا بأمريكا الجنوبية، مبررا ذلك بالبحث عن البترول في الأراضي التى استولت عليها شركاته تحت الهيمنة الطاغية للولايات المتحدة الأمريكية!
ومازالت آلة الحرب الغربية طوال عهودها تبرر لنفسها ارتكاب كل أنواع الجرائم الإنسانية دون أى تردد وضد أى شعب من شعوب الأرض!.
ألم تر أنه لم يمر مئة عام بعد على جرائم الحروب وقتل الآلاف ومئات الآلاف والملايين حول العالم؟!. فأي ضمير سنخاطبه إذن؟!
إقرأ أيضا : (فلسطين).. أطلقت شرارة الثلاثي (أم كلثوم ونزار وعبدالوهاب)
ولن يبقى أمامنا إلا أن نستمسك بحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه وفي دولته، وبحق كل شعب ألا يفرض عليه تهجير أو تسكين كما يحدث حاليا في (غزة) – ولا نلتفت للتهديدات مهما كانت مستفزة.
بل هى فرصة ذهبية أمامنا لنستغل ما حدث لرأب التصدعات التى أصابت الشخصية العربية في العقود الأخيرة من جراء الفتن التى كانت تقبل علينا كقطع الليل البهيم، فلا نرى حتى أكف أيادينا.
حتى إذا ما طوحناها في الظلام، انهالت الضربات منا علينا، دون أن نرى وجوهنا التى صفعناها بتلك الأيدى المشرعة في الظلام الحالك.