بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
ازدادت خطوات (فطين عبد الوهاب) السينمائية رسوخا.. تراكمت خبراته.. أصبحت بصمته أكثر تميزا ووضوحا، بدءا من فيلم (الآنسه حنفى)، مرورا بـ (إسماعيل ياسين في الجيش، إسماعيل ياسين في الطيران، إسماعيل ياسين في الأسطول).
وما يليها من أفلام هذه السلسلة لينتقل إلى (ابن حميدو)، ثم (امسك حرامي، العتبة الخضراء) ليضيء اسمه بشده بعد ذلك في فيلم (إشاعة حب).
بطبيعته المغامرة – والمغامرة نصف الإبداع يبدأ (فطين عبد الوهاب) في تجربته الجديدة مع كوميديا الفانتازيا وفيلم (الفانوس السحرى)، حيث (مصطفى) الفقير يخرج له من الفانوس القديم عفريت ليحقق له مطالبه من الثراء و المنصب العالى في شركته التي كان يعمل بها فراشا.
ليبدا الصراع حينما يقرر غريمه – النابلسى – كشف سره (فيصل النابلسى) إلى الفانوس ويسرقه، ويبدا العفريت في خدمته و محاربة (مصطفى) في مباراة كوميدية تتجلى فيها التغيرات الحادة في حياة كلا الطرفين من النقيض إلى النقيض.
لا ننسى مشاهد خروج (عفركوش بن برتكوش) من الجن الأخضر، الضخم الأصلع عارى الصدر بصدى صوته المعدنى، وتحوله في لحظات إلى طفل يبكي، و تغير موقفه من مساند لمصطفى الى مساند لغريمه.
اللعبة المفضلة لـ (فطين عبد الوهاب)
وتحول الفقير إلى غنى و الغنى إلى فقير، والفراش إلى مدير والمدير إلى فراش.. لتستمر اللعىة المفضلة (فطين عبد الوهاب) وهى لعبة كوميديا التناقضات، وبمناسبة عفركوش فقد قام بدوره الفنان الملاكم محمود فرج و الذى سبق مشاركة (إسماعيل في الجيش).. شوربه دى و لا مش شوربه يا مجانص؟: شوربه يا فندم).
وللمفارقة فمحمود فرج الذى لبى طلبات الثراء الفاحش كعفركوش قد توفى عام 2009 متأثرا بحالته النفسية بعد قطع المياه عن منزله لعجزه عن سداد الفاتورة نظرا لحالته المادية السيئة.
بخاصة أنه كان مصابا بمرض السكر الذى افقده بصره وإحدى قدميه، وفي الفانوس السحرى تلتصق بالذاكرة مشاهدا مثل: حالة الذعر التي أصابت (النابلسى) الذى يرتدى معطفا وقبعة وشاربا يحيل المشاهد إلى صورة (ستالين) بجبروته.
إقرأ أيضا : محمد عبد الواحد يكتب: (فطين عبد الوهاب).. مصنع الكوميديا (2)
لكنه حين رؤيته (عفركوش) للمرة الأولى ترتفع قبعته في الهواء وتصيب صوته حشرجة هائلة لتتحطم صورة جبروت (ستالين) والعودة إلى جبن النابلسي، و (فطين عبد الوهاب) بعبقريته يكفيه مشهد واحد لأى ممثل ليجعلها لقطة حياته التى لن ينساه بها المشاهد.
مثل الكومبارسات وهم يضربون بعضهم في الحفل، والفنان محمد رضا الذى يظهر للمرة الاولى في لقطته كطبيب أمراض عصبية، واللقطات القليلة للخادم (عوكل) الفراش (مشتاقين يا جمييل).
ويمر قطار (فطين عبد الوهاب) السريع على محطات (حلاق السيدات، البنات والصيف) الذى يتكون من ثلاثة قصص أخرها يقوم به (عبد الحليم حافظ) وإخراج (فطين عبد الوهاب)، ليقفز بعد ذلك بخطة هائلة الاتساع الى رائعته (آه من حوا).
(فطين عبد الوهاب) وأيقونات الحياة الريفية
ورغم أن فيلم (آه من حواء) ممصر عن مسرحية شكسبير (ترويض النمرة)، إلا أن (فطين عبد الوهاب) قد جعله إحدى أيقونات الحياة الريفية في عزبة مصرية خالصة المظهر والجوهر بشخصيات مغرقة في الواقعية.
وفي هذا الفيلم يتألق (فطين عبد الوهاب) في رسم تفاصيل الشخصيات منذ أول مشهد، فتبدو منذ أول لقطة شراسة وعصبية (أميرة) وهى تفرمل أمام الحيوانات لتضرب كلاكسات متوالية زاعقة صارخة وهى تسب وتلعن.
كما تظهر جنبات شخصية (دكتور الحمير) بصبره الواسع مع حزمه القاطع في لحظة حينما يفرمل فجأة ويعيدها إلى سيارتها المعطلة على جانب الطريق، لتعود بعدها أعلى عربة كارو وهي على خيلائها واضعة ساقا على ساق أعلى كوم القش تملأ الفضاء غضبا وتصب اللعنات على الجميع.
كما تظهر براعة (فطين عبد الوهاب) في رسم الحركة و توجيه الممثلين والتركيز على تعبيرات الوجوه في توقيتاتها المميزة، لاننسى وجه الممرض البيطرى (زنفل) بضحكته الواسعه وأسنانه الضخمة بينما في الخلفية يعلو نهيق حمار!
إقرأ أيضا : محمد عبد الواحد يكتب: (فطين عبد الوهاب).. مصنع الكوميديا (3)
كذلك مشهد سقوط (أميرة) في شربة دواء الحمير وما يليها من مشاهد رحلاتها المكوكية بين الحمام و السرير وتفاصيل مشاهد أخذها لحقنة الحمير الضخمة ووضع اللجام المعدنى على وجهها وهى تستسلم لزنفل ذاهلة كأى حمار مريض!
والفيلم كسائر أفلام (فطين عبد الوهاب) لايقل الشغف بمتابعته مهما تكرر عرضه لأنه لا يعتمد على كوميديا اللفظ والإفيهات وإنما على عناصر سينمائية بصرية وسمعية تحتفظ بطاقتها الكوميدية دون انتقاص مع التكرار.
ويؤكد (فطين عبد الوهاب) أيضا في هذا الفيلم أنه صانع لنجومية الكومبارس من لقطة واحده لتظل هى لقطة العمر لهذا الكومبارس طوال حياته، مثلا لا نستطيع أن نتذكر اى مشهد آخر للكومبارس الذى أدى دور (حلمى فهمى نظمى).
ولا الممثل الذى أدى دور ابن خالة (أميرة) بميوعته المتناقضة مع رجولة (رشدى اباظة).. الحق يا جدو دا كان بيضرب (أميرة).. كذلك اللقطات المحدودة للممرض (زنفل).
في الحلقة القادمة: الجوانب الإبداعية عند (فطين عبد الوهاب) في أفلام أخرى.