بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان
تعددت زياراتنا للقاهرة أنا وصديقي حسين سند للأستاذ (كمال الطويل)، الذي اعتبرته نجم المستقبل، وأيضا كان يستقبلنا الشاعر (زكريا أمان)، في حجرته المتواضعة في شارع زين العابدين بالسيدة زينب.
ورغم صداقتي مع حسين سند لم أذهب معه لمحمد الموجي، ولا لبليغ حمدي نهائيا، كان يذهب وحده خصوصا أنه كان يعرف (أم أمين) زوجة الموجي، لأن شقيقها الحاج ابراهيم العيسوي الذي مات محترقا في قطار الصعيد مقيم في طلخا.
وإبنه سمير العيسوي صديق لنا جميعا، يعود حسين من عند بليغ أو الموجي متأخرا، لنظل نسمعه حتي الصباح.
وكانت الشقة التي يقيم فيها زكريا أمان، عبارة عن 5 حجرات، كل حجره بها حوالي 10 طلاب، كلهم في جامعة الأزهر، ينتظرون عودة حسين سند، ليسهروا معنا حتي الصباح يستمعون له.
أصبح حسين هو قضيتي الأولي، لأنني كنت مؤمنا جدا بموهبته، تركت كل شئ وتفرغت له، لكنني لاحظت شيئا في منتهي الغرابة!، وهو أنه يصل لبليغ أوالموجي بعد الموعد المتفق عليه، مما كان يغضبني داخليا.
في الفترة التي كنا نقضيها في المنصورة نسهر حتي الصباح على نيل طلخا قبل أن تسرقه النوادي التي ججبته تماما، كان حسين يغني بصوت مرتفع فجأة تصبح شبابيك عمارات التجديف مفتوحة.
كمال الطويل: ثقة حسين زادت
وكل شباك به أكثر من مراهقة تنتظر حسين حتي تسمع صوته الساحر، لاحظ الأستاذ (كمال الطويل) أن ثقة حسين زادت عن حدها.
لذلك كان يقول لي دائما أخاف على الفنان من ضعف ثقته في نفسه، وأخاف عليه من زيادة الثقة في نفسه أيضا.
أخبرني حسين أن الأغاني طويلة جدا، وكان يتعجب من سرعة حفظه للألحان التي كان يضيف لها بعض الجمل الموسيقية دون أن يشعر بليغ أوالموجي.
لذلك عندما تكلمت معه في تأخيره عن مواعيده معهما قال لي بإعجاب شديد : (بليغ ليلة جوازه من وردة ساب كل المعازيم ومنهم عبد الوهاب، وسافر بيروت وكلمهم من هناك).
إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان يكتب: قال لي (كمال الطويل) سأدفع ثمن الأغنية عن (هاني شاكر)!
أقول له بس دا بليغ حمدي العبقري اللي ممكن نغفرله أي حاجه، وأنت يا حسين لسه بتقول يا هادي!.
كان مذهولا من أنه يتعامل كما كان يقول مع أهرام مصر الثلاثة، كنت سعيدا وأنا أسمع لحن بليغ في أغنيتي الطويله جدا (يظهر بأني كبرت جدا يا حبيبتي علي الهوي).
و كنت سعيدا بأغنيتي لتي ستعتبر أطول أغنيه يلحنها الموجي والتي تقول كلماتها:
أغراب
آه من النهاردة سكته، باردة ممله ضيقة
آه من النهاردة هاقولك ايه
صمت القبور بيلفنا ساعه اللقا
خلص الحديث وما عادش شيء بيشدنا
شوك الملل في كل حته في أرضنا
كنا أنا وانت زمان..
دلوقتي يا ريت شيء رابطنا ببعضنا
إسمع، نكون اخوات بقى
آه م النهاردة سكته، باردة، ممله، ضيقة
……………………….
نفس المكان، نفس القمر
نفس الغيطان، نفس الشجر
نفس السما
نفس الوجوه اللي ف طريق
الحب والإخلاص وجوه
تشبه وجوهنا زمان وجوه
متبسمه
لكن النهاردة بصلي، وهابصلك
شايف وجوهنا مضلمه
الحب مش لقيا، أداء واجب وبس
الحب روح، وضمير، وحس
الحب راحه، بص للي جنبنا
ماشيين بفرحه مرتاحين
الحب نسمة صيف بتروي التعبانين
الحب بحر موده للي عطشانين
غنيوه للي حزنانين
أنغام في سمع المجروحين
الحب مش هو اللي جمعنا النهارد ة
عشان ما نمشي قلقانين من غير كلام
الحب مش أحلام بتفضل عمرها أحلام
أبدا دي أحلامه مع الإخلاص
بتصبح رغم أي جبال صعا متحققه
آه من النهاردة سكتة، باردة، ممله، ضيقة
آه م النهاردة هاقولك ايه
صمت القبور بيلفنا ساعة اللقا
……………………….
أغراب أنا وانت صبحنا في اللقا أغراب
ريح السكوت أخذتنا من ثاني لأحضان الصحاب
من بعد مانسينا الصحاب أصبحت كاره قعدتك
وصبحت كاره قعدتي، وبقيت بخاف من نظرتك
وبقيت تخاف من نظرتي كل العيون فيها اتهام
فيها كلام م مستحيل ..تتحمله دنيا الكلام
نفسي اسألك، وانت كمان لكننا من غير لسان
علشان ما بنصليش ومش داريين بشيء ..
مستنيين ليه الأدان علشان بيبان الجنه حالفه ما
تنفتح للي انتهوا بندق ليه فوق البيبان
بكره ما هش زي النهاردة، النهاردة مستحيل
هايشيل دقيقه شبه زمان
فك الإيدين من بعضها خطوه فراقنا مدها
واسمحلي أهمسلك بهمسه أخرانيه، وننتهى
لو يوم رفعت إيديا بتحيه بريئه ردها
واعرف بأن الورد كان مش راح يموت.
لو كان ليلاتي يتسقي
آه م النهاردة، سكته، باردة ممله، ضيقة
آه م النهارده هاقولك ايه
صمت القبور بيلفنا ساعة اللقا
إن كنا هانسمي اللي بيننا ده لقا.
حسين سند وبليغ والموجي
وتمضي الأيام، وتكبر الفرحه في قلوبنا، وطلب مني الأستاذ (كمال الطويل)، أن أرسل له (حسين سند)، حيث اتفق مع بليغ و الموجي أن يجلسوا معه جميعا، حتي تكون البدايه مدروسة و محددة.
فرح حسين جدا، وفرحت أكثر، وجاء الموعد، حجزت في (السوبر جت) المتجه إلي القاهرة تذكرتين، لي ولحسين سند.
إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان يكشف لـ (كمال الطويل) حقيقة زنزانة مصطفى أمين
انتظرته فتأخر عن الموعد، سبقته وجلست علي الكرسي الذي حجزته، وبجواري الكرسي المحجوز له، اقترب موعد انطلاق الأتوبيس.
واستأذنت من السائق أن ينتظر عدة دقائق، فجأة لمحت حسين يمشي بهدوء شديد جدا، ومعه شاب لا أعرفه، دخل حسين الأتوبيس، وقدم لي الشاب الذي معه علي أنه شقيق زوجته.
لاحظت أنه لم يحلق ذقنه، نظرت علي قدميه، لأكتشف أنه يلبس شبشب حمام، مازلت أذكر لونه الأخضر، قلت له: (فيه ايه يا حسين؟).
قال لي أن شقيق زوجته، سيذهب معي إلي القاهره بدلا منه، قلت له أنني متجه للقاهرة من أجلك، فلماذا أسافر وحدي؟!
قال لي بمنتهي الهدوء: (كل شئ نصيب)، وقفت، واتجهت إلي باب الأتوبيس، غادرت المحطة، ومشي معي صامتا فترة طويلة وسألته مجددا: (فيه إيه يا حسين؟!).
أخبرني أن أسرته رفضت انضمامه للوسط الفني خوفا عليه من الانحراف، وعلي ما أظن قالوا له أن الغناء حرام!.
وخيروه بين العمل كمطرب، وبين أن يكون مع العائلة فاختار العائلة، أخرجت من جيبي التذكرتين، وقمت بتمزيقهما بعصبية شديدة.
كان حزينا لأنني لم أترك تذكرة لقريبه، طال الطريق بنا، ومشينا في صمت لم يقطعه إلا صوت حسين وهو يغني أغنية بليغ: (يظهر بأني كبرت جدا يا حبيبتي على الهوي)، وأغنية الموجي والتي عنوانها (أغراب).
لم يكن هذا حسين سند، ولم تكن الألحان لبليغ أو الموجي، استمعت لحسين، وبداخلي أكثر من شيئ يجعلني أكره كل ما كتبته له!، كنا كأننا نمشي في جنازة صداقتنا.
انقطعت صلتي بحسين سند
وبالفعل انقطعت صلتي تماما بحسين سند، إلا أن قابلته بالصدفه، ليخبرني أن الأطباء أجمعوا أن حنجرته في خطر، وأن عليه أن يمتنع عن التدخين نهائيا، نظرت إلي يده فوجدتها تحتضن سيجارة قبل أن تنتهي أشعل منها سيجارة أخرى.
ليقول لي: (إوعي تفكر أن موضوع ابتعادي عن الطويل، وبليغ والموجي) كان سهل علي أنا بأموت كل يوم مليون مرة.
جرحي من تصرفه منعني فترة طويله من مقابلته، إلي أن التقينا بالصدفه مرة أخري، ليخبرني أنه أصيب بجلطة، نجاه الله منها.
وأن الأطباء منعوه من التدخين السيجارة التى كانت ما زالت في يده، قلت له: (بداخلك ميول انتحاريه يا حسين)، وانقطعت صلتي به مرة أخرى.
كان إلحاح صديقي الكاتب المبدع (محمد عبد الواحد) هو الذي دفعني أن أكتب الحلقة الأولي عنه، والحلقه أعجبت صديقي الكاتب (أحمد السماحي) الذي طلب مني تليفونه، بحثت عن رقمه فلم أجده عندي، وبعد بحث وجدته عن طريق صديق مشترك بيننا.
اتصلت به، ألوه، أيوه يا حسين، أزيك، مش عارف صوتي يا حسين لأ مش عارفه!
قلت له: أنا إبراهيم رضوان!
إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان يكتب: مع (كمال الطويل).. ذكريات المعتقل!
كانت المفاجأة حيث قال لي: (إبراهيم رضوان مين؟!) فرددت عليه: (ابراهيم رضوان صديقك يا حسين، وعشرة عمرك، مش فاكر رحلاتنا للطويل وبليغ و الموجي؟!)
شعرت أنه يختنق، وهو يقول لي: (مستحيل تكون إبراهيم رضوان، دا مش صوتك؟!)
كدت أقول له، ما هو اللي أنا سامعه ده يا حسين برضه مش صوتك، أخبرته أنني كتبت عنه حلقة من ذكرياتي في بوابة (شهريارالنجوم)، وسأكتب الثانية اليوم.
لاحظت أنه في وادي، وأنا في وادي آخر، سألته هو انت تعبان يا حسين؟! قال لي: أيوه، عندك ايه؟ عندي جلطة، الأولانية عاندت، شربت سجاير، الجلطة الثانية جاتلي شديدة جدا، خلتني للأسف أبطل السجاير!.
وعامل ايه دلوقتي يا حسين؟ تعبان جدا، على فكرة صوتك لما قولتلي عامل ايه يا حسين، هو صوت إبراهيم رضوان!.
بعد ساعات نشرت الحلقة الأولى، و بها نصف حكاية حسين سند مع الفن، أرسلتها له علي الواتس، لاحظت أنه لم يستوعبها كاملة.
أخبرته أن الأستاذ (أحمد السماحي) يريد أن يتحدث معه، أخبرني أن المكالمة ستسعده جدا، انتهت المكالمة.
وأغمضت عيوني، وكأنني أسمع مئات الشبابيك، التي كانت تفتح من خلال المراهقات ليستمعوا له، وهو يغني في الشارع الذي لاحظت أنه حزين عليه.
ووجدتني أقول:
يا بحر يا معشوق قلبى..
واقف بصلى بشوق جنبى
فى السجده.. تلمس فى جبينى
فى الركعه تغسل فى عيونى
واللى ما بينك وما بينى..
ما حكيته يوم إلا لربى
……………………….
يا بحر.. واتوضيت حاضر..
و ندهتلك.. قولتلى حاضر
كان فيه قمر حاضن موجك..
ويايا ولبسنا فى تا
بس الزمن أصبح غادر
فى السجدة.. تلمس فى جبينى..
فى الركعة.. تغسل فى عيونى
و اللى ما بينك وما بينى..
ما حكيته يوم إلا لربى
……………………….
يا بحر خلينى فى حضنك..
أحط حزنى على حزنك
واحكى لشطك عن حالى..
أغسل على شطوطك شالى
ما انزلشى ليك إلا بإذنك
فى السجدة.. تلمس فى جبينى..
فى الركعة.. تغسل فى عيونى
واللى ما بينك وما بينى..
ما حكيته يوم إلا لربى
……………………….
يا بحر كنا بنتلاقى..
وانت ما بيننا بتتشاقى
نحضن هواك.. تحضن فينا..
ننسى فى حضنك أسامينا
ترتاح نفوسنا المشتاقة
فى السجدة.. تلمس فى جبينى..
فى الركعة.. تغسل فى عيونى
واللى ما بينك وما بينى..
ما حكيته يوم إلا لربى
……………………….
يا بحر.. ساعدنى أكمل..
أنسى جراحى وأتحمل
أرمى على كل شطوطك..
أشجانى وافطر من توتك
وعشان عينك.. أتجمل
فى السجدة.. تلمس فى جبينى..
فى الركعه.. تغسل فى عيونى
واللى ما بينك وما بينى..
ما حكيته يوم إلا لربى
……………………….
يا بحر كنا بنتلاقى..
وانت ما بيننا بتتشاقى
نحضن هواك.. تحضن فينا..
ننسى فى حضنك أسامينا
ترتاح نفوسنا المشتاقة
فى السجدة.. تلمس فى جبينى..
فى الركعة.. تغسل فى عيونى
و اللى ما بينك وما بينى..
ما حكيته يوم إلا لربى
……………………….
ولم يعد لحديث حسين سند بقية