بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
كانت كل قرارات وزير الثقافة الأستاذ الدكتور عبد الواحد النبوى تسير عكس اتجاهات الوزارة و(المثقفون) في عصر الوزير الذى سبقه الأستاذ الدكتور جابر عصفور، فلم يقم بتوفير ميزانية لمهرجان (المسرح التجريبى).
ولم يقم بأى جهد في مسألة إغلاق المسرح القومى بسبب اشتراطات الحماية المدنية، بعد أقل من شهرين من افتتاحه في احتفال ضخم حضره رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب.
وظل المسرح مغلقا لفترة طويلة برغم وعود الوزارة بإعادة افتتاحه فى 7 مواعيد متتالية، لم يتم في أي منها إعادة الافتتاح المزعوم ، و لم يحاسب المسئول المباشر عن هذا الفشل أو حتى مقصرا واحدا.
و لم يتم افتتاح مسرح السلام الذى انتهت أعمال تجديده، وكأن هناك تعمداً أن تخرج المسارح الكبرى من الخدمة، بل إن المسارح التي كانت تعمل كان يتم إغلاقها لأى سبب – و لأوهى سبب – في مزايدة واضحة على موقف الدولة.
فالوزارة كانت تعلن الحداد وتغلق الانشطة بسبب أي أحداث إرهابية، فى حين أن الدولة نفسها لم تعلن الحداد!، أما شهر رمضان – و هو الشهر الذى يجتذب المشاهدين – فقد قررت الوزارة اقتصار الأمر فيه على نشاط الندوات وإلغاء جميع العروض!
وعلى الفور تسربت أخبار أن تلك طلبات القوى المتشددة التي سارعت بتهنئة الوزير في بداية توليه الوزارة.
إقرأ أيضا : عصام السيد يكتب: 30 دورة من المهرجان التجريبي
ولم يتوقف الأمر عند ما يخص المسرح وحده، فالصراع مع أمين المجلس الأعلى للثقافة الأستاذ الدكتور محمد عفيفى الذى انتهى بعدم التجديد له أصاب (المثقفون) بخيبة الأمل لجودة أداء الدكتور عفيفى ولشهرته كمثقف و مؤرخ وباحث أكاديمى، ولعلاقته الطيبة بكافة (المثقفون) على اختلاف اتجاهاتهم.
وزاد من خيبة الأمل أن الوزير اختار بدلا منه أستاذا جامعيا يمتلك جمعية أهلية للثقافة والتراث في إحدى المحافظات النائية، وهو ما يتعارض مع مهام منصبه، وازداد (المثقفون) نفورا حين أعلن هذا الأستاذ بأن المجلس الأعلى للثقافة سيمد نشاطه إلى الاقاليم.
وهو ماينم عن جهله بطبيعة عمل و مهام المجلس، فتلك مهمة جهاز آخر فى الوزارة هو هيئة قصور الثقافة، كما أعلن الأمين الجديد عن عزم المجلس الدخول فى مشروع (المليون كتاب).
وهو من النظرة الأولى مشروع وهمى لأن مشروع (الألف كتاب) استغرق سنوات، كما أن هدف المشروع يتشابه مع مشروع (مكتبة الأسرة) الذى تموله عدة وزارات و تصدره جهة أخرى تابعة لوزارة الثقافة هى هيئة الكتاب.
إلى جانب أن القائمة المعلنة فى الصحف عن الكتب التى ينوى طبعها كلها من كتب التراث، وأصغر كتابها سنا هو المرحوم عباس العقاد، وقد اختار له كتاب الأخلاق الذى كان يُدرّس فى المدارس الثانوية في الخمسينات، و لذا أحس (المثقفون) أن الرجل خارج العصر!
(المثقفون) والعداء مع الوزير
وفوجئ (المثقفون) أن التغييرات لم تقتصر فقط على الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة بسبب العداء بينه وبين الوزير، بل توالى مسلسل تجريف الوزارة من كل قياداتها الناجحة، والاتيان بقيادات جديدة.
إما أنها لا تعلم عن مهام الوزارة شيئا أو هناك (تعارض مصالح) بين نشاطاتها ووظائفها، أو اتهامات بالانتماء إلى قوى الإخوان – الى جانب اتهام الوزير نفسه بهذا، ولكن ما أجج الموقف أكثر كان إعلان الوزير عن التعاون مع وزارة الأوقاف.
بالطبع لم يكن (المثقفون) يرون عيبا فى التعاون مع وزارات الدولة المختلفة، فالدكتور جابر عقد عدة اتفاقيات تعاون مع وزارات: السياحة، والشباب، والتربية والتعليم، والتعاون الدولى، والأوقاف.
ولكن جاء الدكتور النبوى ليُفعّل اتفاق الأوقاف فقط مصرحا بأن مهمة وزارة الثقافة تجديد الخطاب الثقافى، وأنها ليس لها علاقة بـ (تجديد الخطاب الدينى) برغم أنها كانت دعوة من السيد الرئيس لمجابهة الأفكار المغلوطة التى يعتنقها المتشددون، بل صرح الوزير بأن وزارة الثقافة ستقدم محاضرات وندوات فى الجوامع.
على الفور ثارت في أذهان (المثقفون) أسئلة كثيرة: لماذا يتجه الوزير إلى الجوامع ويترك أكثر من 500 موقع ثقافى تابع لقصور الثقافة 80 % منها مغلق أو لا يرتاده أحد؟!
وهل ستتيح الندوات فى الجوامع للمحاضرين الحديث عن مجددى الخطاب الدينى مثل الشيخ محمد عبده أو حتى رفاعة الطهطاوى؟، فكيف إذن سيتحدثون عن الدكتور طه حسين أو الشيخ على عبد الرازق الذى أثبت أنه لا خلافة فى الاسلام؟
هل يجرؤ أحد في مناخ تلك الأيام الحديث عن تلك الشخصيات داخل الجامع؟، وبرغم الحرب على الإرهاب التي كانت على أشدها هل يستطيع أحد أن يتكلم داخل الجامع عن فرج فودة أو نصر حامد أبو زيد أو حتى نجيب محفوظ؟
إقرأ أيضا : عصام السيد يكتب: الدورة الـ 30 من (المهرجان التجريبى): ماهو التجريب؟!
انتاب (المثقفون) إحساس قوي بأن الحكومة تسلم مفاتيح الثقافة لجماعات الإسلام السياسى فى مواءمة سياسية أو ربما مصالحة، وأنها بذلك تخون ثقة (المثقفون) فيها وتخون مبادئ 30 يونية.
خاصة أن وزير الثقافة لم يقف عند حد تجريف الوزارة وتسليمها للأوقاف فقط، ولكنه ايضا أغلق كل الملفات المعلقة التى على مكتبه وتكاد أن تكون منتهية من عصر الدكتور جابر، مثل ملف استلام اصول السينما المصرية من وزارة الاستثمار.
(المثقفون) يقودون العمل الثقافى
وهو ما سيضمن عائدا ضخما للوزارة لو تم تكوين شركة قابضة تتولى إدارة تلك الأصول، وملف تطوير المجلس الأعلى للثقافة تمهيدا لأن يقود (المثقفون) بأنفسهم العمل الثقافى بعيدا عن تغييرات الوزراء والحكومات حفاظا على الهوية القومية لمصر.
وملف إصدار قانون حقوق الملكية الفكرية الذى سيحقق دخلا كبيرا للفنان والمبدع المصرى ويحافظ على حقوق المبدعين المصريين والدولة المصرية، كما تقاعس عن تفعيل ملف مجلس أمناء المسرح القومى الذى أنشأه الدكتور جابر توطئة لفصل المسرح القومى عن بقية المسارح.
وذلك تحريرا له من اللوائح البيروقراطية من أجل انطلاقة جديدة تواكب العصر وترفع عن كاهل الدولة أعباء كثيرة وترفع عن رقاب المسرحيين قوانين بالية لا تصلح للعملية الفنية، ولهذا أسماه (المثقفون) وزير الملفات المعلقة.
لم يهتم الوزير سوى بالافتتاحات والصور وأصر على وجوده في كل مناسبة أو فعالية، حتى عندما تم افتتاح معرض للكتاب بمحافظة المنوفية ولم يكن موجودا، أصر على اعادة افتتاحه بعدها بثلاثة أيام، ونشرت الصحف خبر افتتاح المعرض مرتين!
لم يجد (المثقفون) بدا من التحرك، فبدأت الكتابات على وسائل التواصل الاجتماعى والنشر بالصحف، ثم تحولت تلك الكتابات إلى بيانات ومناشدات للحكومة، ثم اجتمعت مجموعة من (المثقفون) والفنانين على المنضدة الشهيرة لكاتبنا الكبير وحيد حامد في احد الفنادق على نيل القاهرة.
إقرأ أيضا : مهرجان المسرح التجريبي.. الحزن يسيطر على ختام الدورة الثلاثين
ضمت الأساتذة: الشاعر (سيد حجاب والكاتب إبراهيم عبد المجيد، والمنتج محمد العدل، والمخرج خالد يوسف، ونقيب السينمائيين مسعد فودة، ورئيس اتحاد النقابات الفنية عمر عبد العزيز، والفنان التشكيلى محمد عبلة، ومهندس الديكور فوزى العوامرى، والمخرج عصام السيد).
وبعد اجتماع طويل، قرروا طلب مقابلة عاجلة مع رئيس مجلس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، حملها إليه الكاتب الكبير وحيد حامد.
فماذا تم في اجتماع المثقفين، وهل استجاب لهم رئيس الوزراء؟
لهذا حديث آخر…