* إلهام شاهين كانت هى ضوء الشمس الذي أنار (ألفريدو) وأعطت بثقل وجودها وقوة تعبيرها كل المعاني والإنفعالات التى توصل رسالة العمل للجمهور
* قدم أحمد فهمي مشاعر متناقضة كثيرة عبر عنها بفهم ووعي، وأدى دوره بعفوية وحب وحنان
* ندى موسى بالغت في أداء بعض المشاهد وأشعرتني أحيانا أنها ليست دكتورة، ولكنها بنت لاهية غيورة
* لم يقدم عابد عنان وفتوح أحمد وإنجي كيوان أي جديد في أدائهم، فأدوارهم كانت باهتة، وتقليدية
* ضربة مبدعة محكمة يوجهها صناع المسلسل للجمهور ليفيق من غيبوبته ويرحم وبعطف على من حوله.
كتب : أحمد السماحي
(مشاعر تشاور، تودع، تسافر، مشاعر تموت، وتحي مشاعر، يادى، يادى، يادى المشاعر) هذه مطلع أغنية المطربة شيرين عبدالوهاب، التى سيطرت على مشاعري وإحساسي أثناء وبعد مشاهدتي للمسلسل المتميز (ألفريدو).
(ألفريدو)، سبب لي حالة من الشجن الشديدة التى سيطرت على مشاعري حتى بعد انتهاء عرضه، حتى أننى لم أستطع الكتابة عنه بعد انتهاء عرضه مباشرة بسبب (الوجع) الشديد الذي سببه لي.
فقد تعاطفت بشدة مع بطلته (سوسو) المليئة بالرقة والبراءة والتى تخاطب الزهور وتطلق عليها أسماء فهذه (سكرة)، وهذه (جمالات)، وهذه (صوفيا)، وهذا (عم صابر).
وقد أثرت (سوسو) فى جدا، لأنها ليست غريبة عني، وقد شاهدتها عن قرب ورأيت آلامها وعذابها وخجلها، وحالة السرحان والتوهان والدموع التى كانت تنزل بصمت عندما يُذكرها من حولها بما نسيته.
أو يقول لها إنك وضعتي الكتاب في الثلاجة بدلا من المكتبة!، لهذا تعذبت كثيرا أثناء مشاهدتي لهذا المسلسل.
ورغم عذابي لم أستطع أن أترك حلقة واحدة من (ألفريدو)، رغم الوجع الذي كانت تسببه لي كل حلقة خاصة فيما يتعلق بحالة (سوسو) الذي كانت تسوء من حلقة إلى أخرى.
(ألفريدو).. والمشاعر الإنسانية
المشاعر، والعلاقات الإنسانية، ووصل صلة الرحم هي البطل الرئيسي في مسلسل (ألفريدو) قصة الدكتور مصطفى محمود، وتأليف عمرو محمود ياسين، وإخراج عصام نصار، وبطولة (إلهام شاهين، أحمد فهمي، ندى موسى، عابد عنان، أمير شاهين، إنجى كيوان، وإيمان السيد)، وغيرهم.
لهذا لاحظت أن من تجاوب أكثر مع أحداث (ألفريدو) هم الجمهور الذي مازال يعيش بمشاعره، والذي لم تتغلب عليها بعد الناحية المادية التى توغلت في حياتنا وسيطرت وأفسدت كل ما هو جميل فيها.
إقرأ أيضا : إلهام شاهين .. وغباء الكتائب الإخوانية (بطلوع الروح) !
تدور أحداث مسلسل (ألفريدو) حول الأستاذة ثريا أو (سوسو) مدرسة اللغة الإنجليزية التى ضحت بنفسها والسفر مع زوجها من أجل البقاء مع أولاد شقيقها (يوسف) الأطفال الثلاثة (فريد، ومصطفى، وفرح).
والتى قبلت مختارة أن تدفن نفسها بين أربعة جدران لكي تسهر على تربية أولاد شقيقها، وبعد سنوات طويلة يكبر الصغار، وتصيب الحياة بعضهم مثل (مصطفى، وفرح) بالإنتهازية والأنانية.
ويبقى (فريد) وفيا ومحبا وحنونا لعمته (سوسو) التى أصابها مرض (الزهايمر) وأثر على حياتها، وعلاقاتها بمن حولها.
(ألفريدو) وخطوط أخرى
هذا هو الخط الرئيسي في المسلسل وحوله مجموعة من الخطوط الفرعية مثل صراع مريم وسارة على حب فريد، وصراع مريم مع طليقها الفاسد الدكتور (مازن) الذي يريد العودة لها لينعم بثروة والداها، وطلاق فرح من زوجها وسرقتها لخاتم عمتها حتى تنفق على نفسها وبيتها، فضلا عن الشغالة زينب وعلاقتها مع طليقها وابنها وأمها.
منذ الحلقة الأولى مهد مؤلف (ألفريدو) بذكاء من خلال مشاهد بسيطة ومكثفة لمرض بطلته بالزهايمر ووضح هذا عندما سألت الشغالة عن ساعتها، والتى تكتشف بعد سؤالها بثواني أنها في جيبها.
ثم مشهدها في المطبخ وهي تعد صينية بطاطس، وتفاجأ من الشغالة بأنها أعدت نفس الصينية أمس، فتنهر الشغالة وتقوم غاضبة وهى خجولة من نفسها وتقول مثل الأطفال: (والله ما أنا عاملة حاجة!).
إقرأ أيضا : الإخوان الإرهابية تشن هجوما ضاريا على إلهام شاهين !
ونصل لذروة الحلقة الأولى في واحد من أجمل وأقوى واعذب مشاهد المسلسل عندما يتصل (فريد) من إيطاليا بعمته (سوسو) التى خرجت من المنزل وحدها وبدون علم أحد.
وبعد عودتها يدور بينها وبين فريد حوار رائع، عبرت فيه (سوسو) عن ألمها واستسلامها وعجزها عن مواجهة الواقع القاسي.
وبرهن حوار (ألفريدو) على قوة موهبة إلهام شاهين التى كانت كالشهاب الناري مليئة بالموهبة والصدق واعية بكل أبعاد دورها وإمداداته، ويبدأ الحوار كالتالي :
فريد: أنت كويسة؟!
سوسو: أنا مش كويسة، أنا مكنتش عارفة أرجع يا فريد، وخفت أوي، ومكنتش عارفة أعمل أيه، ولا أكلم مين؟!، أنا كنت تايهة!، قوللي ايه اللي بيحصلي!.
ثم تعود حبيبتي وتتماسك وتقول له بصوت هامس: أوعى تقول لحد أني كنت تايهة!.
وبكل حنان الدنيا يمسح فريد دموعه ويقول لها : أنتي مكنتيش تايهة يا سوسو!
في هذا المشهد استطاعت إلهام شاهين أن تبكي مصر كلها، خاصة أن هذا المرض اللعين ليس بعيدا عن أي أحد مننا.
مشاهد مستر سين أخرى
لم يكن مشهد المحادثة في مسلسل (ألفريدو) هو (مستر سين) الوحيد الذي أكد قوة وعظمة موهبة إلهام شاهين، ففي كل حلقة هناك مشهد مؤثر ورائع مثل مشهدها في الحلقة الخامسة وهي لا تعرف (فريد) وتطلب منه عدم إيذائها.
وكذلك مشهدها وهى تلعب الشطرنج مع (زينب)، وتسأل عن (الزهر) وعندما تخبرها زينب بأنه شطرنج وليس طاولة، تقول وهي مترددة وخجولة: عارفة طبعا!.
ومشهدها الإنساني الرائع المليئ بالعفوية والبراءة في الحلقة السادسة عندما ذهبت لفريد المطعم.
وقالت له وهى في حالة زهايمر: (حسين جوزي يا سيدي عايزني أسافر معاه، مش هسافر طبعا، يوسف سيبكم أنت واخواتك أمانة في رقبتي، مش هفرط فيكم أبدا، عايز يسيبني مع ألف سلامة، هروح أقوله الكلام ده في وشه!).
(سوسو): حاسه إني بخرف ساعدوني
كما لا يمكن أن ننسى مشهدها المؤثر في الحلقة الثامنة من (ألفريدو) وهى تبكي ويسألها فريد: مالك يا سوسو؟!
سوسو: مضايقة يا يوسف!
فريد: أنا فريد يا سوسو مش يوسف
تنهار في البكاء وتقول: مش فاكره، ومش هفتكر حاجة، كل حاجة عيزاها مش فكرها، ساعدوني، ساعدوني، حسة أنى بخرف!.
أما مشهد موت (سوسو) الصادم في الحلقة الأخيرة من (ألفريدو)، فكان صعبا ومؤلما، ولا أريد تذكره، ورغم صعوبته للمتلقي لكن أدته المبدعة إلهام شاهين بتمكن شديد، وأرجعوا وشاهدوا كيف عبرت بحركات جسدها، وبوجهها تعابير مؤلمة.
إلهام شاهين.. مبدعة (ألفريدو)
طوال حلقات المسلسل العشرة من مسلسل (ألفريدو) ظهرت إلهام شاهين أمامنا دون مكياج وبثياب بسيطة لتقدم دورها بصدق وانفعال حقيقي مستعملة نبرة خاصة في الصوت دافئة وحزينة وخجول أحيانا، مختزلة في حركاتها.
وكانت هى ضوء الشمس الذي أنار العمل كله، وأعطت بثقل وجودها وقوة تعبيرها كل المعاني والإنفعالات التى أراد المؤلف والمخرج والمصور أن يعبروا عنها، وأوصلتها ببساطة وعمق للجمهور.
عمرو، ونصار و(ألفريدو)
في مثل هذه المواضيع المهمة التى تضع الإصبع على الجرح ليس هناك ضرورة لأن يظهر المخرج عضلاته، عصام نصار مخرج (ألفريدو) برهن على أنه يعرف كيف يختار مواضيعه، وكيف يعبر عنها بقوة وبساطة.
وامتاز بحسن خلقه الجو بكل تفاصيله ودقائقه ومنحنياته، هذه البراعة في رسم الجو، والدقة في إختيار الأماكن، وهذه القدرة السلسة في تحريك الكاميرا، وتوزيع الكادرات، مع مصور فهم دقائق عمله فهما دقيقا فرسم لنا لوحات متميزة طوال الحلقات.
أما عمرو محمود ياسين مؤلف (ألفريدو) فأكد قدرته على التعبير عن الكثير بالقليل من الكلام، وعالج مشكلة خطيرة تعاني منها بيوت مصرية وعربية كثيرة، ودق من خلالها ناقوس الخطر.
كما قدم النجم أحمد فهمي، مشاعر متناقضة كثيرة عبر عنها بفهم ووعي، وأدى دوره بعفوية، وحب، وحنان، وتنقل بين المشاعر الكثيرة سواء غضب أويأس أوانفجار أو رقة بكل عذوبة.
أما ندى موسى، بالغت في أداء بعض المشاهد وأشعرتني أحيانا أنها ليست دكتورة، ولكنها بنت لاهية غيورة، تهتم بملابسها أكثر من اهتمامها بمتطلبات دورها، كما كانت تتصرف بحمق وطيش، عندما حاولت مريم الاقتراب من حبيبها فريد!.
أميرشاهين كان في أفضل حالاته التمثيلية، وعبر بشكل واعي وذكي عن الدور، وكان مثال للخسة والندالة والانتهازية، لهذا ربنا جزاه بما فعله بعمته، من خلال خيانة زوجته (سلمى) له!
والحقيقة أن (أمير) ممثل موهوب يحتاج لفرصة حقيقية لإثبات مواهبه، وليس دورا صغيرا كما أعتدنا أن نراه مع الأسف الشديد في كثير من الأعمال.
ولم يقدم (عابد عنان، وفتوح أحمد وإنجي كيوان) أي جديد في أدائهم، فأدوارهم كانت باهتة، وتقليدية، ولم تحمل أي جديد لهم.
(ألفريدو).. ضربة مبدعة
مسلسل (ألفريدو) ضربة مبدعة محكمة يوجهها المنتج أحمد عبدالعاطي الموهوب في انتقاء موضوعات أعماله التى يقدمها، والتى يثري بها الساحة الفنية، والكاتب عمرو محمود ياسين، والمخرج عصام نصار.
وأيضا النجمة إلهام شاهين لجمهور يغفو من تبعات مسلسلات الفشار والأكشن والإثارة لكي يجعلوه يستفيق مذعورا وينظر حوله ليرى و(يطبطب) ويحنو على من حوله من كبار السن، خاصة من مرضى (الزهايمر).