بقلم: محمد شمروخ
إنه أمر خطير جداً جداً يدعو للقلق، أن تستمع إلى شاب مصري، فتراه متحمساً لقضية (فلسطين) ومتضامنا مع كفاح ومقاومة الشعب الفلسطيني في كلا من الضفة الغربية وقطاع غزة.
ومع ذلك لا تجد عند هذا الشاب، معلومات حقيقية عن القضية الفلسطينية، إلا مجرد الحماس دون ان تكون لديه أي خلفية تاريخية عن الصراع العربي الإسرائيلي.
الغريب أن قضية (فلسطين) على أهميتها، لم تشرح بشكل كاف للأجيال الجديدة التى تجهل كثيرا عن تاريخ (فلسطين)، مما يوقعهم في الحيرة عند الاستماع إلى وجهة النظر الإسرائيلية او الغربية المساندة لها.
ولكن الوجه الأكثر خطورة مما سبق الى درجة الفزع، هو أن بعض الشباب، لاسيما خريجي المدارس الأجنبية في مصر نفسها ممن التقيت ببعض منهم على فترات متقطعة.
معلومات مغلوطة عن (فلسطين)
تنتشر بينهم معلومات مغلوطة عن تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي والذي صار يوصف بالصراع الفلسطيني الإسرائيلى ثم أخيرا مجرد نزاع بين سكان غزة وبين إسرائيل، لكنها هى نفسها خطة الاختزال وتضييق حلقات الصراع والتى تعكس الموقف الغربي حيال أزمة (فلسطين).
فهم لديهم اعتقاد بأن إسرائيل لها حق ناريخي في الأرض الفلسطينية وأن العرب من أجداد الفلسطينيين الحاليين، قد احتلوا البلاد، ومن ثم فالحق الإسرائيلي سابق على الحق العربي في فلسطين، هذا إن كان للعرب حق بعد وصفوا بالمحتلين!
إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب: (جولدا).. كذبة إسرائيلية سينمائية جديدة
هذا ما في عقول بعض أبنائنا من الذين يعيشون بيننا!
أما عن بعض من أبناء المصريين الذين يعيشون في الخارج، فمن لقيته منهم وحدثني عن رؤيته، فأمره أكثر خطراً وأشد إيلاماً.
وما يجرى حول أزمة (فلسطين)، يوازيه مخططات لانتزاع بلاد عربية أخرى من جذورها العربية باختراع انتماءات عرقية واختلاق قوميات قزمية ما أنزل الله بها من سلطان، يجرى من خلالها محاولات مضنية لتفتيت المجال العربي حول فلسطين وتنشغل الشعوب العربية بالبحث عن هويات أخرى.
تلك إذن الكرة الخاسرة لو أفلحوا فيها!
الخلفية الثقافية عن (فلسطين)
ومن المنتظر أن تتكون مثل هذه الخلفية الثقافية المشوشة عن قضية (فلسطين) والتى لا يواجهها على أرض الواقع التعليمي الرسمي أو الثقافي العام، إلا مقاومة هشة تستند إلى شعارات ثورية ومؤثرات عاطفية، لا تزيد عن جمل محفوظة واتخاذ مواقف حماسية تخاطب العاطفة دون العقل.
فالعاطفة ولو كانت متأججة، فمن اليسير التأثير عليها وتغيير مجراها بصورة أو بمقطع فيديو او بشائعة أو بمعلومة تتدثر بعلم زائف، لتتحول تلك العاطفة من النقيض إلى النقيض، دون اى منطق سوى الاندفاع الأهوج وراء المشاعر البدائية الساذجة.
وأما من الجانب العملى، فليس ثمة ردود عملية أو تاريخية أو علمية، إلا على المستويات الأكاديمية التى تكاد تنغلق على المتخصصين.
إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب : فيلم عربي .. حيلة إسرائيلية مكشوفة
فأين نحن من نشر الحقائق عن تاريخ (فلسطين) القديم الذي يربطها بالانتماء العربي منذ أن سكنتها القبائل العربية القديمة، ولا سيما قبيلة كنعان التى كان اسم البلاد نفسها منسوبا إليها، بل إن سبق كنعان وكثير من القبائل السامية والعربية الأخرى للوجود العبرانى ، أمر مقرر بنصوص العهد القديم ومصادر الديانة اليهودية نفسها.
فالمصادر اليهودية وعلى رأسها العهد القديم وكتابات المؤرخين اليهود مثل (يوسيفوس فلافيوس)، لم تنكر وجود قبائل سبقت هجرة خليل الله إبراهيم (عليهم السلام) وأولاده وأحفاده في أرض فلسطين.
اورشليم نفسها كانت من تأسيس اليبوسيين وينسب اسمها إلى معبودهم (سالم) فجاء الاسم (أورسالم) الذى نطقه العبرانيون (أورشليم).
وهناك عدة دراسات علمية حول تاريخ (فلسطين) بأقلام باحثين غربيين منصفين رفضوا بالأدلة العلمية والآثار التاريخية، الروايات الأسطورية التى تقوم عليها الدعابة الصهيونية، تمت ترجمتها إلى العربية، منها على سبيل المثال ما كتبه الفيلسوف الفرنسي المعاصر الشهير روجيه جارودى (فلسطين أرض الرسالات).
وهنا كتاب كيث وايتلام (اختلاق إسرائيل القديمة) والذي كشف في صراحة، عن اضطهاد علماء آثار وأنثربولوجيا وطردهم من كراسيهم العلمية – مع الأخذ في الاعتبار أنهم ليسوا من العرب او المسلمين.
وذلك بسبب دراساتهم حول (فلسطين) وتوصلهم الى عدم وجود أية أدلة تاريخية حول ما تروج له الدعاية الإسرائيلية عن تأريخ أرض الميعاد، كذلك إخفاء أو (إسكات التاريخ الفلسطيني) حسب تعبير المؤلف والذي جعله عنوانا فرعيا لدراسته التى طبعها في كتاب.
………………………………..
الدعاية الإسرائيلية عن (فلسطين)
هذا من الناحية الدراسية، أما من الناحية الدعائية، فلم يتم إانتاج عمل عربي يشار إليه بالبنان، يمكن الاستناد إليه بارتياح ليقف في وجه الدعاية الصهيونية أو لإبراء ذمة صناعة السينما والدراما العربية سوي مسلسل (التغريبة الفلسطينية)!
فلن تجد الا بضع أفلام لا تزيد عن أصابع اليدين ولا يذكر منها عمل مؤثر واحد وحتى الجيد منها لم يلق دعابة وانتشار كافيين، بل أنى فوجئت بفيلم اسمه (أرض السلام)، بطولة فاتن حمامة وعمر الشريف تجرى أحداثه في إحدى القرى الفلسطينية ولم يحدث؛ ولو بالمصادفة؛ أن شاهدت هذا الفيلم من قبل ولا أدرى ما الذي يحول دون ذلك!
وقبل فيلم أرض السلام بعامين، كان هناك فيلم أكثر شهرة بطولة فاتن حمامة أيضاً اسمه (الله معنا) وكان عن صفقة الأسلحة الفاسدة في حرب (فلسطين)، وقد شاهدت هذا الفيلم على شاشة التلفزيون مرة واحدة منذ فترة طويلة تعود إلى آواخر السبعينيات ولكن لم يصادف أن شاهدت هذا الفيلم مرة أخرى!
إقرأ أيضا : (حزنهم يوم فرحنا)
هناك أيضا أفلام قريبة العهد، مثل (أصحاب ولا بيزنس) سنة 2001، كما جاءت القضية الفلسطينية عرضاً ضمن أحداث فيلم محمد هنيدي الشهير (صعيدى في الجامعة الأمريكية) سنة 1998، وكذلك في فيلم (همام في أمستردام) في سنة 1999 وأيضا في (عندليب الدقى) سنة 2008.
ولكن في الأفلام الثلاثة لمحمد هنيدى كان الحديث عن قضية (فلسطين) أمرا عارضا ولم يكن من صميم اى من قصص تلك الأفلام ولا اتصل بأحداثها اتصالا مباشرا، بل كان من الممكن الاستغناء عنها دون أدنى تاثير على مجريات الفيلم.
لكن ربما جاء ذكر قضية (فلسطين) في الأحداث كتأكيد على عدم إهمال أو نسيان القضية، حتى لو كان الفيلم كوميديا، وقد تم استغلال الأفلام أفضل استغلال للدعاية لصالح القضية والتأكيد على أنها لن تموت.
والحديث عنها ليس للعب على مشاعر الجماهير كما قد يفسره البعض، إذ ان هذه الأفلام الثلاثة قد نجحت نجاحاً باهراً ولا تزال تشاهد بالحماس نفسه، وحتى الآن كلما ذكرت (فلسطين) هفت القلوب اليها مجددة العهد والذكرى.
كذلك الأمر كان في سنة 2006 في فيلم عادل إمام (السفارة في العمارة)، لكن بمساحة أكبر وارتباط أشد جوهرية بالأحداث، غير أن الطابع الكوميدى كان هو الغالب، وقد نجح الفيلم أيضا نجاحا كبيرا.
صحيح أن الدراما التفزيونية العربية اهتمت بعض الشيئ كما جاء في الملحمة الرائعة (التغريبة الفلسطينية)، والتي تأتي بمثابة (أيقونة دراما القضية) عندما رسمت صورة واقعية للنضال الفسلطيني المنسى وأعمال المقاومة المبكرة.
ثم مسلسل (عائد إلى حيفا)، الذي يعرض تجربة جرح وطن، وعذاب إنسان عانى قهراً وظلماً وحرماناً وتشرداً، لكنه يحمل أمل العودة الساكن في الوجدان.
وكذلك الحال مع مسلسلات (الشتات، حدث في دمشق، سليمة باشا، حارة اليهود، بوابة القدس، الطريق إلى القدس)، وهى ستة مسلسلات تعبر بصدق عن تحول الشتات اليهودي المزعوم لشتات فلسطيني غير محتمل.
لكن كان لابد من السير على هذا النهج، مع ضرورة العمل على مشروعات لإنتاج أعمال سينمائية ودرامية تكون مشكلة (فلسطين) في القلب منها ومن خلال المواد المقدمة يتم مواجهة الدعاية الإسرائيلية المضادة وإبطال مفعول دعايتهم الخبيثة.
………………………………..
الحق التاريخي في أرض (فلسطين)
ولا أدرى لماذا تراجعت البرامج والفقرات التى تخصص لشرح القضية الفلسطينية وتسليط الأضواء على التاريخ الحقيقي لـ (فلسطين)، مع الاستعانة بدراسات غربية تكشف محاولات تزييف التاريخ والدعاية المكثفة لنشر ثقافة الحق الإسرائيلي التاريخي في أرض (فلسطين).
كذلك ما يتردد على ألسنة إعلاميين عرب عن إسرائيل كواحة ديمقراطية وللتقدم الحضاري وحياة تتسم بالحرية، ليراها الشباب العربي كنموذج يحتذى به بينما هو يعانى من عكس كل ذلك في بلاده.
إقرأ أيضا : إسرائيل تحاول السيطرة على محتوى منصة (نيتفلكس)!
ولكن حتى مع الإقرار بأن إسرائيل دولة تقوم على التعدد الحزبي وتداول السلطة، وأنها أيضا ثمرة من ثمرات الحضارة الغربية، إلا أن هذا حجة عليها وليس لصالحها، فلماذا إذن كل هذا التعسف تجاه سكان فلسطين من العرب، مع مداهمات المسجد الأقصى مع وضع قيود على الدخول إليه والصلاة فيه، مع تكرار الاعتداء على حرمات المساجد الأخرى وجرائم بشكل يومي لا تعد ولا تحصى؟!.
هذا ولا نريد الآن الدخول في مناقشة تفاصيل نموذج الحياة الغربية الذي لا يحلو لكثير من الناس عندنا – ومنهم عدد مخجل من كبار المثقفين والكتاب والمفكرين- إلا ممارسة الدونية حياله!.
والخلاصة إن المقاومة من النواحي الفنية والثقافية والتعليمية والإعلامية، تحتاج إلى كثير من الجهد وسوف تكون لها نتائج مبهرة إذا وجهت إلى فئات الشباب الذي يعانى كثيرا من التشويش الفكرى، يسبب ما يبث في وعيه بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، من دعايات بطرق متعددة على مواقع شبكة الإنترنت المنكفئ عليها أعداد هائلة من هؤلاء الشباب.
وذلك من خلال فيديوهات ومواقع تدعي أنها مواقع معرفية وأخرى تتخذ الطابع العلمى واخرى تقدم دراسات تاريخية يتم حشوها بمعلومات مزورة عن (فلسطين)، بل حتى الألعاب الإلكترونية لم تخل من هذه الدعاية التى نتركها تنفرد بعقول شبابنا لتحشوها بما يجعلهم متقبلين لطرح أى مشروعات تقدمها إسرائيل بعد ان يرسخ في عقولهم انها صاحبة حق وداعية سلام.