بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
في مارس 2015 تولى الأستاذ الدكتور عبد الواحد النبوى منصب وزير الثقافة خلفا للأستاذ الدكتور جابر عصفور ليصبح الوزير رقم 11 في سلسلة وزراء ثقافة ما بعد الثورة (منهم ثلاث مرات للدكتور صابر عرب و مرتين للدكتور جابر عصفور) و على الفور تقدمت له الإدارة الجديدة لـ (المهرجان التجريبى) برئاسة الاستاذ الدكتور سامح مهران.
بطلب تخصيص ميزانية للدورة التي سيعود بها المهرجان تحت مسمى (مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى )، والتي تحدد لها أن تقام في 23 نوفمبر 2015 بعد تأجيلات كثيرة بسبب ضيق الوقت.
كان الرد القادم من مكتب الوزير أنه أرسل إلى وزارة المالية في طلب (تعزيز) و في انتظار الحصول عليه !!
كان الإحساس أن تلك حيلة و ذريعة لعدم عودة (المهرجان التجريبي)، فمن المفترض أن ميزانية الوزارة بها بند خاص بالمهرجانات ولم يتم الصرف منه إلا قليلا، فلماذا يتم طلب ميزانية جديدة من وزارة المالية؟
إقرأ أيضا : عصام السيد يكتب: 30 دورة من المهرجان التجريبي
وهل الظروف التي تمر بها مصر في ذلك الوقت تسمح بتلبية ذلك الطلب؟، وعلى الرغم من شكوك البعض في إمكانية عقد الدورة بسبب تقاعس الوزارة عن تدبير الميزانية من داخلها كانت إدارة المهرجان (المهرجان التجريبي) تعمل بجد ونشاط معتقدة أنها تقوم بمهمة وطنية لتغيير صورة مصر عالميا.
من بلد تظن بعض الأنظمة أنه يحكمه إنقلاب عسكرى إلى بلد قام بثورة جديدة لتعديل مسار ثورته الأولى ، التي استولى عليها فصيل واحد حاول إعادة الوطن الى العصور الوسطى.
ولذا بذلت إدارة (المهرجان التجريبي) أقصى جهدها لإعادة بناء شبكة علاقات مع المراكز الثقافية الدولية العاملة في مصر، و مع التجمعات المسرحية العالمية المؤثرة، وكذلك بالمهرجانات العالمية الأخرى.
وإنشاء قاعدة بيانات تضم طرق التواصل مع تلك الجهات أو الأفراد المسئولين عنها، وحاولت توفير وسائل اتصال حديثة وأجهزة تمكنها من العمل، فطلبت من الوزارة عدد من أجهزة الحاسب الآلى و الطابعات و خط تليفون دولى الى جانب خط إنترنت. وأن توفر في المقر – الذى هو عبارة عن غرفة واحدة – ظروفا إنسانية للعمل كإصلاح المكيفات ووجود مقاعد وخلافه، واستطاعت الوزارة توفير القليل من المتطلبات بعد جهد و وقت طويل.
تخلت الوزارة عن (المهرجان التجريبي)
فلقد تخلت كل جهات الوزارة عن (المهرجان التجريبي) وسعت إلى التخلص من مسئوليته وكأنه يتيم لا يجد من يتكفل به، فمقر (المهرجان التجريبي) داخل مبنى قطاع الإنتاج الثقافي، ولكن المهرجان ليس تابعا له.
وبالتالى لا يمكنه توفير المتطلبات، لذا طلبت إدارة (المهرجان التجريبي) من مكتب الوزير أن يتولى مسئولية تلك المتطلبات، فتم تحويلها إلى ديوان عام الوزارة، الذى قال أن المهرجان في مبنى قطاع الإنتاج وعليه توفير المتطلبات.. و هكذا.
و أمام الحماس الشديد لإدارة (المهرجان التجريبي) تكفل أعضاء مجلس الإدارة بما قصّرت فيه الوزارة، فتم استخدام التليفون الشخصى للدكتور سامح مهران في إجراء المكالمات الدولية، كما تبرع بجهاز لاب توب للعمل عليه.
وتم جمع تبرعات من الأعضاء لإصلاح المكيفات ودفع فاتورة التليفون الأرضى – التي انقطع عنه الخط بسبب عدم تسديد الفاتورة لسنوات – و ذلك حتى تكون هناك إمكانية لتوصيل نت فائق السرعة.
إقرأ أيضا : عصام السيد يكتب: الدورة الـ 30 من (المهرجان التجريبى): ماهو التجريب؟!
ولم يخل الأمر من بعض المفارقات المضحكة، حيث اكتشف بعض أعضاء مجلس الإدارة بعد فترة أنهم كانوا ضحايا لموظف يجمع منهم – أحيانا – تبرعات لتسديد أشياء دفعتها الوزارة بالفعل، فتوقفوا عن الاستعانة به!!
وسط كل هذا كانت تجرى معركة خفية بين غالبية المثقفين والدكتور النبوى وزير الثقافة، بدأت سُحُبها تتجمع منذ اليوم الأول له، فعندما تمت الإطاحة بالدكتور جابر عصفور من منصب وزير الثقافة اعتقد كثير من المثقفين أن هذه الإطاحة تمت لترضية الجبهة السلفية، والجناح المتشدد فى الأزهر الشريف، بسبب صدامات الدكتور جابر بهما.
وساهم على ترسيخ ذلك الاعتقاد أن الجبهة سارعت بالترحيب الشديد بالوزير الجديد، وكان أول مهنئيه يونس مخيون رئيس حزب النور السلفى. كما عبر أحد الأصوات المتشددة بالأزهر عن فرحته بتعيين أحد أبناء جامعة الأزهر في هذا المنصب، وقال أنه سيتم التنسيق بين الوزير وبين الأزهر فيما يخص أمور الثقافة!!
وانتشرت سريعا بين أوساط المثقفين تقارير نُسبت لجهات أمنية ونشرت فى الصحف بأن الوزير إخوانى، وعندما نفى رئيس الحكومة (المهندس إبراهيم محلب) علمه بتلك التقارير لم ينف التهمة ذاتها وخاصة أنه ثبت فعليا أن الوزير من عائلة إخوانية وشقيقتاه ترتبطان بعلاقة زواج بقيادات إخوانية فى مسقط رأسه، أما الوزير نفسه فقد علل التهمة بانه صراع مابين (أجهزة سيادية) كان هو ضحيته!!
المثقفون تصدوا لوزارة الثقافة
كان لدى المثقفين حساسية بالغة تجاه هذا التيار خاصة أنهم أول من تصدوا له، واعتصموا ضده في وزارة الثقافة وساهم اعتصامهم في الحشد لثورة 30 يونيو، ولكنهم تغاضوا عن الأمر لإحساسهم بخطورة المرحلة وبضرورة التكاتف مع الدولة، وحتى لا تكون هناك معارك بين مكونات جبهة 30 يونيو، و لكن مع أول مشكلة تواجه الوزير كان أداؤه سيئا للغاية.
ففي حادثة تقع في مصر لأول مرة، قامت إحدى المدارس بحرق بعض الكتب في مشهد عام لم يحدث إلا في ألمانيا النازية، ويعيد إلى الأذهان مشهد حرق مكتبة بغداد على يد المغول أو حرق كتب ابن رشد على يد المتشددين.
وعلى الفور أصدر المكتب الصحفى لوزير الثقافة بيانا ضد الواقعة، هذا البيان أعاد ثقة المثقفين في الوزير، و كن عندما بررت المدرسة ماحدث بأنها أحرقت كتبا إخوانية ظهر وزير الثقافة على التليفزيون لينفى علمه بالبيان الصحفى لوزارته.
وكأنه مع حرق الكتب لينفى عن نفسه تهمة الانتماء للاخوان، ثم زاد الطين بله عندما صرح بأن هذا تم فى وزارة التربية والتعليم ولاعلاقة لوزارته بما حدث فى وزارة أخرى، و كأن الحكومة هي جزر منعزلة.
إقرأ أيضا : مهرجان المسرح التجريبي.. الحزن يسيطر على ختام الدورة الثلاثين
ولكن المكتب الصحفى قال: إن البيان تم عرضه على الوزير قبل إصداره (وهو الامر الطبيعى والمنطقى)، فتمت التضحية بالصحفى والشاعر الاستاذ محمد بغدادى المستشار الاعلامى للوزير الذى قدم استقالته وخرج ليكتب على صفحات مجلة روزاليوسف كواليس العمل بالوزارة والصراعات داخلها.
ولكن أخطر ماكتب كان عن (خطة الوزير لتدمير المجلس الأعلى للثقافة) وهو أكبر كيان داخل الوزارة وعمودها الفقرى.
كانت بوادر تلك الخطة قد ظهرت بعد وقوع عدة مشاكلات مع الأستاذ الدكتور محمد عفيفى، أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، و لكن حسنو النية أرجعوها إلى غيرة الوزير من الاحترام الذى يكنه الأمين العام للدكتور جابر عصفور كمثقف مستنير.
والذى يبدو أن الوزير قد جاء ليسير عكسه تماما، إلى درجة أنه قيل أنه لم يفتتح (مؤتمر الرواية) بسبب أن التحضير له تم بالكامل فى عصر الدكتور جابر، متناسيا أن هذا المؤتمر العربى الكبير الذى توقفت القاهرة عن عقده منذ سنوات.
والذى يمثل حشدا لقمم الكتابة الأدبية في الوطن العربى يمثل ذراعا من أذرع القوى الناعمة المصرية القادرة على تغيير الصورة الذهنية لمصر بعد 30 يونيو.
وعلى مستوى آخر كانت ميزانية (المهرجان التجريبى) مازالت في علم الغيب، وظل مكتب الوزير يردد نفس العذر بأنه أرسل الى وزارة المالية في طلب تعزيز وفي انتظار الرد.
وأمام ضيق الوقت المتبقى على بداية الدورة الجديدة اضطرت إدارة (المهرجان التجريبي) أن تصدر بيانا بتوقيع رئيسه لتعلن تأجيل الدورة الى العام القادم ، خاصة وأن المعركة التي كانت في الخفاء بين المثقفين والوزير أخذت تطفو إلى السطح وتصبح واضحة وجلية..
و لذلك حديث آخر…