بقلم الكاتب والأديب: محمد عبد الواحد
وكانت أولى الخطوات الحقيقية فى مشوار (فطين عبد الوهاب) فيلم (الآنسة حنفى) من بطولة (إسماعيل ياسين) ومشاركة (ماجدة، جمالات زايد، عبد الفتاح القصرى، زينات صدقى).
حيث نتابع الشاب (حنفى) المحافظ إلى حد الرجعية والتي يمارسها بحزم مع شقيقتيه، أثناء مشاركة (حنفى) في حفل تداهمه آلام شديدة ينتقل على أثرها إلى المستشفى ليكتشف هناك ضرورة إجراءه لعمية جراحية ليتحول بعدها حنفى إلى امرأة.
يصبح بالبيت ثلاثة نساء – حنفى و شقيقتيه – تبدأ شقيقتيه في مساعدته بعد التحول وذلك بتدريبه على الأمور النسائية في الملابس والزينة بمواقف أدارها (فطين عبد الوهاب) لتنتج أكبر قدر من الكوميديا المصاحبة لتطور الشخصية والكاشفة عن مكنوناتها.
تتعقد الأحداث أكثر حينما يبدأ التنافس بين صديقى (حنفى) السابقين وهما أبو (سريع الجزار و حسن)، فنتابع ميل حنفى – الآنسة فيفى – أكثر إلى أبو سريع، ويتجلى ذلك بخاصة في مشهد يناجى فيه أبو سريع (الآنسة حنفى) من الشارع إلى الشباك توازيا مع مشهد روميو و جولييت الذي لعبه (فطين عبد الوهاب) بمهارة.
إقرأ أيضا : من أسرار النجوم .. فطين عبدالوهاب تقدم لخطبة فاتن حمامة !
وقد بدت على حنفى كل أمارات الأنوثة من خجل وتعبيرات نسائية حركية ولفظية دفعت أبو سريع لطلب يد حنفى من أبيها الذى يرفض، يهربان سويا لإتمام الزواج بعيدا ليعودا بعد فترة و قد اصبح حنفى مدام أبو سريع حاملا ليلد عدة توائم.
تظهر لمسات (فطين عبد الوهاب) في كل مشهد، فقد اختار للرجل الذى سيتحول إلى امرأة وجه (إسماعيل ياسين) الأبعد عن الجمال النسائى وصاحب أشهر شلاضيم في السينما المصرية ليقع في غرامها رجلين.
كما تظهر بصمات (فطين عبد الوهاب) الخاصة في تهيئة الأجواء البصرية والحركية داخل بيت حنفى لإضفاء المزيد من المعانى والدلالات مثل النافذة التي يغلقها حنفى المتزمت بالمسامير ليسعى جاهدا – بعد تحوله الى أنثى – إلى فتحها ثانية بكل السبل.
كذلك في مشهد الشرفة التي تشهد مناجاة (الآنسة حنفى) وحبيبها الجزار الضخم فظ الملامح (رياض القصبجى)، والذى بلغ به العشق حد المرض والهزال.. في نفس الوقت يؤدى (فطين عبد الوهاب) دور الفرامل ليمنع (إسماعيل ياسين) من الهبوط إلى مناطق الابتذال والمبالغة أو الكوميديا الرخيصة بمبرر التحول النسائى.
(فطين عبد الوهاب) ومعايشة الشخصية
بل زاد في التدقيق معه على التدرج في المعايشة للشخصية النسائية خلال تحولها مثل طريقته في ارتداء الجوارب الحريمى، وغسيل الملابس، والأسلوب الحريمى في جذب الرجل الحبيب، وطريقة الاعتراض، والاحتجاج، والغيرة، والتمنع.
ومن خلال التعبير بمشاعر أنثوية يتم التوظيف الدقيق لطبقات الصوت المختلفة ليظهر جليا أهم ملامح صناعة الكوميديا عند (فطين عبد الوهاب) وهى الاعتماد على التناقضات.
فالتحول إلى فتاة مرغوبة من رجلين يبدأ من وجه (إسماعيل ياسين) وشلاضيمه، والمناداة بفتح النافذة يبدأ به وهو الذى أغلقها من قبل بالشاكوش والمسامير، بالإضافة الى التناقض بين مشاعره كمسيطر على المرأه الى مشاعره كامرأة يتم السيطرة عليها.
والتناقض بين مشاعر أصدقائه ناحيته بالزهد فيه إلى تنافسهم والرغبة في الزواج منه، ومن مشاعره كرجل متزمت إلى مشاعره كمدام أبو سريع.
إقرأ أيضا : سعيد أبوبكر كان وراء زواج فطين عبدالوهاب من ليلى مراد
بعد أن ظهرت شخصية (فطين عبد الوهاب) في فيلم (الآنسة حنفى) بدا تأكيدها بقوة في أشهر سلسلة أفلام تحمل اسم ممثل واحد وهي سلسلة (إسماعيل ياسين في…).
بلغ عدد أفلام سلسلة (إسماعيل ياسين في…) 15 فيلما خلال 7 سنوات، أى بمعدل فيلمين كل عام، أفضلها ماقدمه عن الجيش والعسكرية بهدف تقليص الحاجز بين الشعب والجيش، وتشجيع الشباب على الالتحاق به.
لذا كان هناك دعما مستمرا لهذه السلسلة من إدارة التوجيه المعنوى بالقوات المسلحة، حتى أن الرئيس جمال عبد الناصر قد حضر العرض الأول لأول أفلام السلسلة (إسماعيل ياسين في الجيش)، والتي شملت أفلامها معظم أسلحة الجيش مثل البحرية والطيران بالإضافة إلى البوليس.
بلغت تكلفة الفيلم الواحد حدود (15 ألف جنيه) وهى مبلغ زهيد بالمقارنة بإيراداته، وهذه ميزة أخرى لكل أفلام (فطين عبد الوهاب)، وهي قلة التكلفة مع ارتفاع الإيرادات حيث أن البضاعة الحقيقية كانت في الإخراج الفكاهى.
ذكر (أحمد رمزى) أن فيلم ابن حميدو لم يتجاوز (10 آلاف جنيه)، لكنه حقق إيرادات مذهلة مما جعل المنتجين يتهافتون على الاستعانة دائما بـ (فطين عبد الوهاب).
على الرغم من أن سلسلة (إسماعيل ياسين في…) كان الهدف منها دعائيا إلا أن (فطين عبد الوهاب) قد مزجها بالكوميديا وبغطاء من التشابكات الاجتماعية والعاطفية تماما كما يخفى اللحم العظام.
الغريب أن المخرجين الآخرين اللذين أخرجوا لإسماعيل ياسين بعضا من أفلام سلسلة (إسماعيل يس في…) مثل (حلمى رفلة ونيازى مصطفى وحسن الصيفى وحماده عبد الوهاب) لم يترك أيا منهم نجاحا مثلما فعل (فطين عبد الوهاب).
أفلام (فطين عبد الوهاب) العابرة
من أفلامهم (إسماعيل ياسين في دمشق، إسماعيل يس في السجن، إسماعيل ياسين في متحف الشمع، إسماعيل ياسين للبيع، إسماعيل ياسين يقابل ريا و سكينة، مغامرات إسماعيل ياسين)، وقد كانت هذه الأفلام فقاعات تتلاشى في أقصر وقت بعكس أفلام (فطين عبد الوهاب) العابرة للأجيال بابتسامة متجددة ومنها:
(إسماعيل يس في الجيش)، وقد شاركه البطولة (سميرة أحمد،عبد السلام النابلسى، رياض القصبجى)، وإسماعيل هو صبى شيخ الحارة المكلف بالبحث عن الشباب المطلوب استدعائهم للتجنيد ليكتشف انه بنفسه مكلوب للتجنيد.
وفي مركز التدريب تبدأ أولى المواجهات التاريخية بينه وبين (الشاويش عطية) الذى يشرف على تدريبه، ليكتشف كلاهما فيما بعد أنهما يشتركان في حب فتاه واحدة.
يستخدم (الشاويش عطية) كل سلطاته في الضغط على إسماعيل لإيقاعه في أخطاء تتم مجازاته عليها، لكن أصدقاء إسماعيل يتصدون لكل خطط (الشاويش عطية)، لتاتى النهاية بفوز إسماعيل بفتاته، بينما تتم محاكمة (الشاويش عطية) وإنزال رتبته لاستخدامه السلطة العسكرية في أمور شخصية.
وهنا يستمر (فطين عبد الوهاب) في الاعتماد على تكنيك المتناقضات.. السلطة أمام الضعف.. كما أنه نجح في الخروج من فخ المباشرة بجعل الحياة العسكرية خلفية لأجواء الحداث الاجتماعية والعلاقات الإنسانية وليس العكس.
في فيلم (إسماعيل ياسين في الطيران) من بطولته أمام (آمال فريد، نجوى فؤاد،عبد المنعم إبراهيم، رياض القصبجى) يستمر في تطوير لعبة المتناقضات، فالتوأمان أحدهما بالغ الشجاعة وهو طيار في الجيش مشهور بالبطولة الفائقة والالتزام العسكرى.
بينما الآخر جبان يعمل كومبارس في السينما ويقع في حب راقصة لا تتجاوب معه كونها تحلم بالزواج من طيار، ينتهز إسماعيل فرصة سفر أخيه الطيار للزواج فيرتدى ملابسه ليبدا بالفعل إعجاب الراقصة به إلا أنه يفاجا باستدعائه للمطار كونه موجودا ولم يسافر للزواج.
فلا يجد إسماعيل مهربا من تنفيذ الأوامر، لتبدأ في المطار والطائرة مفارقات كوميدية مثل تعديله لرقم الطائرة السليمة بالمعطلة، وبكاء (الشاويش عطية) حينما يراه جالسا على مروحة الطائرة التي تدور به وهو يصرخ مستغيثا معبرا عن حبه العميق له رغم معاناته الدائمة من تصرفاته.
تناقض أيضا بين الظاهر الوحشى للشاويش وطيبة قلبه الطفولية، وغيرها من المفارقات الكوميدية التي انطبعت في ذاكرتنا تدعمها براعة (فطين عبد الوهاب) في اختيار الزوايا الملائمة لتحقيق التأثيرات المطلوبة لكل موقف، وتوظيف المونتاج في القطع المناسب بين اللقطات في تسارع محسوب للوصول الى كل ذروة.
(فطين عبد الوهاب).. قمة النجاح
يصل (فطين عبد الوهاب) إلى قمة النجاح في أفلام هذه السلسلة في فيلم (إسماعيل ياسين في الأسطول) بطولته أمام (أحمد رمزى، محمود المليجى، زينات صدقى، رياض القصبجى)، فالبناء الدرامى أكثر إحكاما، حيث في المقدمة نتعرف على ثلاثة شباب يقدمون على الالتحاق بالجندية لدوافع مختلفة وكل منهم يبدو غير صالح لهذه الحياة العسكرية (التناقض).
فأولهم الدونجوان الثرى (أحمد رمزى) الذى يتقدم للجندية للتخلص من فتاته التي تلاحقه بطل الزواج منها وهو على يقين بانه لن يقبل و يقبل (التناقضات)، والثانى هو الشاب المتدين ضعيف البصر الذى لا يتحدث إلا بالعربية الفصحى، واستغلها (فطين عبد الوهاب) كجانب كوميدى.
بيقولك ايه يا عسكرى؟.. انه يسأل ماهو البرطوس؟)، وهو ضعيف الجسم والبنية (تناقضات)، والثالث هو سمعة.. الجبان إلى أقصى درجة، نتابع في الفيلم الثلاثة شخصيات اثناء انصهارهم في بوتقة الجيش وتطورات شخصياتهم إلى ما يشبه الأبطال.
لينسج (فطين عبد الوهاب) مع هذه التحولات في الشخصيات خيوطه الذهبية من كوميديا ذات عبقرية خاصة متنوعة الجوانب، ويضفر كل ذلك مع خيوط الصراع مع (عباس الزفر) الثرى ذو النفوذ والرجال، الذى يضغط على عم سمعة الفقير الضعيف (المتناقضات) ليتزوج من ابنته حبيبة سمعة.
وبتذكر اسم الفيلم تهدر في خلفية الذاكرة ماكينات ومواتير البوارج الحربية وأبواقها المميزة لتنقلنا بكامل حواسنا الى موقع الحدث بمنتهى السرعة ورهافة الإحساس، ومن المشاهد العديدة التي نجح فيها (فطين عبد الوهاب) في توظيف الكوميديا ليس للضحك فقط وإنما للكشف عن جوانب الشخصية.
مشهد سمعة وهو في الطابور يستعد لإلقاء نفسه في ماء البحر، وكلما اقترب دوره يتراجع للخلف، حتى ينتهى بالوقوف وراء الشاويش المشرف على الطابور، ليكشف مدى الجبن المتحكم في أعماق الشخصية.
و ينجح الفيلم في التطور المنطقى الكوميدى بالشخصية من بدايات محددة إلى نهايات على النقيض تماما، مع الاعتناء بكل مشهد حركيا و تعبيريا، بالإضافة إلى الإيقاع المنضبط في تطور الأحداث.
بنجاح سلسلة (إسماعيل ياسين في…) استطاع (فطين عبد الوهاب) التأسيس لامبراطورية الكوميديا.. استعدادا لمراحل قادمة أكثر نضجا ونجاحا نتابعها في مقالات قادمة…