بقلم: محمد حبوشة
حسنا فعل مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، أن احتفل بمئوية الفنان الكبير الراحل (توفيق الدقن) في دورته الـ 39 والتي تقام حاليا في الفترة من 3 إلى 8 أكتوبر على أن يتسلم درع التكريم نجله ماضي الدقن.
ينظم المهرجان حفلا تكريميا خاصا لروح الفنان (توفيق الدقن) بمناسبة مرور مئة عام على ولادته بحضور نجله ماضي الذي يتسلم درع التكريم ونسخة من كتاب يروي سيرته الشخصية والفنية أعده الناقد طارق مرسي.
وفي مناسبة تكريمه نقول: أن من أهم مزايا فن التمثيل عند (توفيق الدقن)، أن الأدوات التي استخدمها عمله (أي أدوات التعبير) ليست منفصلة عنه كما هى الحال لدى الرسام (ألوان)، الموسيقي (الآلة التي يعزف عليها).
إن الممثل (توفيق الدقن) ذاته يعتبر أداة تعبيره، وهو في ذات الوقت خالق ومخلوق، أي مبدع ولوحة إبداعية، ولكي نفهم هذه الازدواجية يجب أن نحدد أو نعرف بماذا تتلخص لعبة الممثل.
إن جوهر فن التمثيل لدى (توفيق الدقن) هو في خلق الممثل للشخصية الدرامية من خلال خلقه لمختلف الأفعال والأحداث الإنسانية التي تميز الشخصية، لذا كان يلم بالعواطف والمواقف والدوافع الإنسانية حتى يتمكن من القيام بأدواره على نحو جيد، وأن يكون قادرا على التعبير عن هذه العناصر حتى يتم للمشاهدين فهمه.
(توفيق الدقن) من الممثلين الذين يملكون القدرة على الإحساس الصادق والتعبير المتقن والقيام بأدوارهم على نحو جيد يتسم بالإبداع الحقيقي ولهذا أصبح (جوكر أدوار الشر الكوميدي) بحيث أصبح لايبارى على شاشة السينما.
وقد تمكن (توفيق الدقن) من أن يترك بصمة واضحة بخلطه بين الشر والكوميديا في ثوب مثير للغاية، فقد برع في الشر المطلق التي تستهويه الأدوار الصعبة والمركبة، خاصة الدور الذي يجمع بين الشر والأبعاد النفسية.
(توفيق الدقن) ولد 3 مايو 1923
الفنان المصري الراحل (توفيق الدقن) ولد في الثالث من شهر مايو وذلك في عام 1923، واسمه الكامل هو (توفيق أمين محمد الدقن) وهو من مواليد محافظة المنوفية وتحديدا في قرية (هورين) في بركة السبع، نشأ في أسرة متدينة مكونة من خمس بنات وأربعة أولاد وكان والده يحبه بشدة.
لم يكن توفيق عاشقا للفن أو هاو له فقد كان يميل إلى الرياضة ولعب كرة القدم والسلة والبوكس، وكان كما يقول عن نفسه شابا منضبط منضم إلى جمعية الشبان المسلمين في المنيا وبعدها في مصر، إلا أن الصدفة لعبت دورها في تغيير مسار حياته ليكون واحد من أشهر نجوم السينما المصرية والعربية، ونجم مسرحي من الطراز الأول.
دخل الدقن إلى عالم الفن عن طريق الصدفة، عندما كانت تنظم جمعية الشبان المسلمين احتفالا فنيا، ومسرحية فتغيب أحد أبطال العرض بسبب مرضه، وأثناء بحثهم عن شخص يؤدي الدور، مر الدقن من أمام الفنانة (روحية خالد) لتصر على أن يقوم هو بهذا الدور، وقامت بإقناعه بنفسها بعدما رفض عرض صديقه رئيس الفرقة.
إقرأ أيضا : حجاج أدول يكتب: ابن حميدو فيلم مفرح مبهج رائع!
بعد حصوله على البكالوريا عمل مديرا في مصنع للألبان لمدة خمسة أشهر، حتى استطاع والده الذي كان يعمل مفتش إداري في النيابات أن يعينه في نيابة المنيا ككاتب، وهو نفس العام الذي توفي فيه والده ليصبح الدقن مسئولا عن أسرة بأكملها ويقرر أن ينتقل هو وأسرته إلى القاهرة، فيستبدل عمله بنيابة المنيا بعمل آخر في السكة الحديد.
أثناء وجوده في القاهرة كان له صديق هو الفنان (صلاح سرحان)، كما تعرف على عدد آخر من الفنانين من بينهم (فريد شوقي، عبد المنعم مدبولي)، وشجعه الجميع على الالتحاق بمعهد الفنون المسرحية والذي كان مولودا جديدا يبحث عن طلاب لعامه الأول، ولكنه فشل مؤكدا أن اللجنة كانت تريد عددا معين واختارتهم من بين الفنانين الذين لهم ثقل في الوسط الفني ومحترفين للفن مثل الفنانن فريد شوقي وصلاح سرحان.
وفي السنة الثالثة من المعهد فوجئ توفيق بأغرب تلغراف رآه في حياته، كان التلغراف من الفنان المسرحي الكبير زكي طليمات يستدعيه ليلتحق بالدفعة الثالثة للمعهد، لينجح توفيق في هذا العام دون اختبار حقيقي، وبعد تخرجه التحق بالمسرح الحديث، ثم انضم لفرقة الفنان إسماعيل ياسين، وبعدها أصبح موظفا في المسرح القومي.
(توفيق الدقن).. أكثر من 100 مسرحية
قدم توفيق عدد كبير من الأعمال المسرحية التي تجاوزت المائة عمل، منها روايات كانت بطولته المطلقة، أبرزها (الفرافير، انتهى الدرس يا غب، سكة السلامة، المحروسة، البلدوزر).
على عكس السينما التي لم تمنحه البطولة المطلقة إطلاقا ولكنها صنعت منه نجما كوميديا، ووضعته بين الأشرار الظرفاء، الذين يجسدون أدوار الشر ومع ذلك لا يستطيع الجمهور أن يكرههم، بسبب خفة الظل التي يضفيها على الشخصية والإفيهات التي ظلت حتى يومنا هذا راسخة في ذهن الجمهور.
ومنها بدأ (توفيق الدقن) مشواره الفني في فترة الخمسينات، وتحديدا عندما كان طالبا في المعهد العالي للفنون المسرحية، حيث قدم عدة أعمال فنية صغيرة أثناء فترة دراسته، قدم أول دور له في عام 1951 وهو دور صغير في فيلم (ظهور الإسلام).
ثم شارك بعد ذلك في فيلم (السبع أفندي) في عام 1951 أيضا، وشارك أيضا مع الفنانة شادية والفنان إسماعيل ياسين وذلك في فيلم (الستات ميعرفوش يكدبوا) والذي تم عرضه في عام 1954.
كما كان له دور متميز في فيلم (ابن حميدو) مع الفنان إسماعيل ياسين والفنان أحمد رمزي وهند رستم، وجسد فيه شخصية (الباز أفندي) التي لا تنسى ولا تنسى الإفيهات التي تضمنها الفيلم ومنها (صلاة النبي أحسن).
توالت أعمال (توفيق الدقن) الفنية وتنوعت فقد قدم للسينما والتلفزيون والمسرح المصري ما يزيد عن 350 عملا فنيا متنوعا، فلا ننسى دور أمين في فيلم (سر طاقية الإخفاء) مع الفنان الراحل عبد المنعم إبراهيم والفنانة زهرة العلا والذي تم عرضه في عام 1959، وشارك في أفلام (ألمظ وعبده الحامولي) عام 1962، و(أدهم الشرقاوي) عام 1964.
كما جسد دور الموظف سيء الخلق في فيلم (مراتي مدير عام) مع شادية وصلاح ذو الفقار والذي تم عرضه في عام 1966، وشارك أيضا في فيلم (شنطة حمزة) عام 1967، كما كان له دور مميز في فيلم (البحث عن فضيحة) مع عادل إمام وميرفت أمين والذي تم عرضه في عام 1973.
وأيضا في نفس العام أفلام (مدرسة المشاغبين، البحث عن فضيحة)، ثم شارك في أفلام (في الصيف لازم نحب) عام 1974، (ممنوع في ليلة الدخلة) عام 1975، (ضربة شمس) عام 1980.
(توفيق الدقن) قدم دور الأب المظلوم
تألق كثيرا في فيلم (على باب الوزير)، حيث قدم دور الأب الذي يعمل موظفا شريفا ولكنه يسجن ظلما، وذلك مع عادل إمام والفنانة صفية العمري والنجمة يسرا والذي تم عرضه في عام 1982، ثم شارك في فيلم (سعد اليتيم) عام 1985.
أما آخر أعماله الفنية قبل وفاته هو فيلم (المجنون) الذي تم عرضه في عام 1988، ثم عرض له مسلسل بعد وفاته وهو مسلسل (بعد العاصفة)، لكنه رحل عن عالمنا وترك لنا ثروة كبيرة من أعماله الفنية المتنوعة والمتميزة.
وعلى مستوى الدراما التلفزيونية فقد شارك في كثير من المسلسلات ومنها مسلسلات: (أحلام الفتى الطائر، الحقيقة.. ذلك المجهول، غريب في المدينة، محمد رسول الله – جزء الأول، مارد الجبل، الرجل ذو الخمسة وجوه، القط الأسود، هارب من الايام، نور الإسلام، مفتش المباحث، الفلاح، الحائرة، ألف ليلة وليلة – الجزء الأول، نهاية العالم ليست غدا).
اشتهر الدقن خلال مشواره الفني بتقديم دور اللص والبلطجي (العربيد)، ولأن الجمهور وقتها كان يتأثر بآداء الفنانين لدرجة لا تجعلهم يفصلون بين حياته الخاصة وبين ما يقدمه على الشاشة، فكان ينعته البعض (باللص السكير).
حتى وصل إلى والدته أن ابنها أصبح سكير ولص، فصدقت الأم واعتقدت أن ابنها (الملتزم) ضل طريقه في القاهرة، وقبل أن يستطع شرح الأمر لها ماتت غاضبة منه وعليه.
واشتهر كثيرا بأدوار الشر وعرف بلقب بلطجي الشاشة، تميز بأدائه الرائع وصوته الذي تميز عن باقي الفنانين وإفيهاته التي ما زالت حتى الآن راسخة في أذهاننا والتي اشتهر بها كثيرا.
لم يحظ بأدوار البطولة المطلقة فى طوال فترة عمله فى الفن، إلا أنه لم يقدم دورا إلا وترك بصمة فيه، بل وإن بعض الجمل التى رددها وإفيهاته الشهيرة يحفظها الجمهور عن ظهر قلب حتى الآن، حيث كان المخرجون يتركون له المساحة الكافية ليرتجل ما يريد من أفيهات.
ولا ينسى الجمهور جملته الشهيرة (أحلى من الشرف مافيش.. يا آه يا آه)، وكانت هذه الجملة ارتجالية من تأليفه الشخصى، ويقال إن الدقن كان شخصا عفويا وتلقائيا ويتمتع بسرعة بديها عاليا، فعندما كانت يعرض عليه دورا جديدا كان يدرس الشخصية جيدا ويخترع لها أسلوب حوار ولزمه خاصة بها.
واستطاع توفيق العمل بهذه الطريقة أن يجعل لنفسه مكانه وسط أكبر نجوم الشر فى ذلك الوقت، وهما فريد شوقى ومحمود المليجى، ومازالت إفيهاته تقال حتى الآن بعد مرور كل هذه السنوات فمنذ فيلم (أحبك يا حسن) الذى ذكر فيه هذا الإفيه والذى تم عرضه فى عام 1958.
وشاركه البطولة شكرى سرحان ونعيمة عاكف وحورية حسن وعبد المنعم إبراهيم واستيفان روستى، وقصة وتأليف وسيناريو وإخراج حسين فوزى وحوار زكريا الحجاوى، حيث جسد الدقن دور (عبده دانص) بلطجى الحارة لكن خفيف الظل.
صدمتان في حياة (توفيق الدقن)
صدم توفيق الدقن صدمة كبيرة حين هاجمه الشيخ عبد الحميد كشك الشيخ المتشدد فى إحدى خطبه بمسجده بحدائق القبة وقال: (اللغة السيئة التى تجتاح الشارع اليوم واللى تودى فى داهية هي اللغة بتاعة توفيق الدقن اللى بوظت العيال وفسدت الأخلاق).
أيضا عندما بدأ المخرج العالمى مصطفى العقاد تقديم فيلم (الرسالة) رشح البعض توفيق الدقن للقيام بدور (أبو لهب)، ورفض المخرج مصطفى العقاد اختياره، ولما سئل عن السبب قال (خايف على سمعة الإسلام منه)، مما أغضب الدقن فى ذلك الوقت لأنه كان يتمنى تقديم هذه الشخصية.
من الجوانب الخفية فى حياة توفيق الدقن مسألة الإنتماء السياسى.. ورغم أن هذا الجزء لم يكن مطروحا بقوة إلا أن مواقف محددة للراحل الكبير تشير إلى فطرته السليمة ووطنيته فى اختيار مواقفه وانحيازه الدائم لكل ما هو مصرى وهى المواقف التى لم يزايد بها فى أى وقت من الاوقات.
لا يعلم الكثيرين أن جماعة الإخوان المسلمين حاولت بقوة ضم الفنان الكبير (توفيق الدقن) لها، وقتها كانت الخطة – والتى استمرت حتى الآن – ضم النجوم والمشاهير للجماعة لضمان المزيد من التأثير واقناع أعداد كبيرة بالإنضمام للجماعة.
فى بداية الأربعينات لجأت جماعة الإخوان لفكرة تبييض الوجه وأعلنت عن تأسيس فرقة مسرح بقيادة (عبدالرحمن البنا) شقيق مؤسس الجماعة، لتقدم عروض فنية مستوحاه من التاريخ وتخدم فى الوقت نفسه على أهدافهم نحو الإنتشار والتوسع كخطوة نحو التمكين.
وقتها التقى (البنا) بالفنان الكبير الراحل (توفيق الدقن) وطلب منه الإنضام للفرقة وأن يكون بطل المسرحية الجديدة، بأريحية شديدة وذكاء فطرى سأل الدقن عن البطولة النسائية، ومن ستقف أمامه على خشبة المسرح؟
وكان الرد مفاجأة لا توجد بطولة نسائية وإذا كان ولابد وفيه دور لسيدة ممكن نلبس أى شاب من ولادنا ملابس امرأة ويقوم بالدور، كانت هذه إجابة سيد قطب على السؤال.
بضحكته الشهيرة العالية رد توفيق الدقن) وقال (دا مايبقاش مسرح ولا فن)، ورفض الانضام للفرقة رغم المبلغ الكبير جدا المعروض عليه للقيام ببطولة المسرحية، وفشلت محاولة الإخوان فى ضم توفيق الدقن لها عن طريق فرقتهم المسرحية، ونجحت فى ضم آخرين.
(توفيق الدقن).. صاحب موقف سياسي
ويمكننا القول أن الـ 100 مسرحية التى قدمها على خشبة المسرح لم يخلو منها موقف سياسى واضح رافض للظلم والفساد والإفساد، ففي مسرحية (السبنسة) يناقش الثنائى الناجح جدا (الدقن – وهبة) من جديد رغم التهديدات الظاهرة والباطنة قضية الظلم والاتهامات الملفقة لعدد من الشباب من خلال عسكري يعثر على قنبلة في طرف القرية.
هذا ماقدمه (توفيق الدقن) فى المسرح، فماذا عن السينما، هل غابت السياسة عنه ؟، الحقيقة أن توفيق الدقن استطاع أن يفرض موهبته وشخصيته على الأدوار التى تصدى لها فى السينما كما المسرح.
سواء كانت تحتل حيزا كبيرا من الأحداث أو عابرة، فقدرته التمثيلية كانت مثار الإعجاب بشكل دائم، ومن خلال جمل بسيطة وعبارات قليلة، أضاف لشخوصه ثقلا وقيمة ما كانت لها أن تحصدها لولا وقوفه خلفها ودفعها من ظلاميتها وهامشيتها إلى بقع أرحب من النور والاضواء.
وقد استعان في ذلك بثقافة حياتية وفهم جيد لتلك الأنماط البشرية التى تناولها ودون أن تفقد مزاياها الاصيلة، بل كان يحرص على إضافة ما يتلاءم معها من تفاصيل صغيرة تعبر بها إلى بر الأمان.
على سبيل المثال فى فيلم (القاهرة 30) عام 1966 للمخرج صلاح ابو سيف نجد المعلم (شحاتة الترك) الذى يدفع ابنته دفعا للرذيلة، وكأنه يفعل شيئا مشروعا، وبأريحية يغلب عليها الثقة والشعور بالرضا مستخدما تعبيرات وإشارات تجعل المتلقى يتغافل ولولا قليلا عن قبح المسعى مستسلما لعبقرية الأداء.
وفى فيلم (ليل وقضبان) 1973 للمخرج أشرف فهمى، تبدو القسوة والشدة ملامح كاشفة لشخصية تعشق الإيذاء من خلال الصول (الشرنوبى) الذى ينجح فى فرض سطوته على المساجين، حتى تمتد لمأمور السجن الذى ينجح فى تكبيله وتقييده ليصبح الآمر الناهى على الجميع.
أما فى (يوميات نائب فى الأرياف) عام 1969 رجل السلطة الذي يرسخ للفساد والمحسوبية، ويحرك الاحداث وفق إرادته ضاربا بالقانون واللوائح عرض الحائط.
ويبدو الأمر متكرر فى (نداء العشاق) عام 1960عندما يجسد دور (رجب) ملاحظ البنات والذى يستغل حاجتهن للعمل ويدير الامور وفق مصالحه، أما دور (الدباغ) ضابط القلم السياسى فى فيلم (فى بيتنا رجل) عام 1961 لكمال الشيخ كان علامة بارزة فى تاريخه الفنى.
ويعتبر (توفيق الدقن) أكثر من أجاد تقديم هذه النوعية من الأدوار، إنها صور عديدة للشر، جاء تناولها متماشيا ومواكبا للظروف الاجتماعية والثقافية لكل شخصية على حده، والملفت للامر انها جميعا صارت فى اتجاهات مختلفة لتصل إلى منطقة الاجادة والتميز.
(توفيق الدقن) والأدوار الهامشية
الخلاصة عندما نبحر فى شخوص (الدقن) نجده نجح فى ترويج العديد من الأدوار الهامشية والتى كانت تحتاج لممثل محترف قادر على تقديمها بشكل يثير الدهشة والتوهج، وربما هذا ما كان يدفع كبار المخرجين للجوء إليه ليفك لهم طلاسم شخصيات بدت على الورق باهتة.
مثل شخصية (عبد الشكور) فى (الفتوة)، والذى على غير المعتاد كان هو رغم ان البطولة ليست له هو صاحب المشهد الأخير فى الفيلم عندما يقول: (هو كل الناس عايزة تبقى فتوات.. أمال مين اللى هيضرب)!
والأمر نفسه تكرر فى دور (شيكو) فى فيلم (بورسعيد)، و(حاكم عكا) فى (الناصر صلاح الدين عام 1963، و(بدران) فى (أدهم الشرقاوى) عام 1964، وحتى (الباز افندى) فى (ابن حميدو) عام 1957، و(عبده) في (درب المهابيل) عام 1955، والأرض 1970.
أيضا برع (توفيق الدقن) في أفلام (خرج ولم يعد علام 1984، (المذنبون) عام 1976، (مولد يا دنيا) 1976عام، (الشيطان يعظ) عام 1981، (سعد اليتيم) عام 1988).
وكلها أعمال متميزة لم تقاس فيها أدواره بمساحة الدور أو حجمه، فلم يكن يشغل باله هذه الأمور، لأنه يصنع منها ومضات تزين تاريخه السينمائى، ويكفى (توفيق الدقن) فى عدم اهتمامه بمساحة الدور أن نشير هنا لمشهدين فقط فى فيلم (ضربة شمس) عام 1980 للمخرج محمد خان.
فقد أثبت (توفيق الدقن) أن الكبار يصنعون الأدوار ويحلقون بها ويعطون الدرس بأن القيمة تأتى دائما بتراكم السنين وتلال الخبرات المتعاقبة التى اكتسبها عبر رحلة طويلة من الابداع، فلم يتجاوز ظهوره دقيقتين علي أكثر تقدير.
ورغم ذلك كان الأداء بارعا ومن أسهل طريق وصل للذوبان في مشهد عابر يسجل في تاريخ الأداءات الرفيعة.
وبقى لي أن أقدم تحية تقدير احترام لروح هذا الفنان العظيم، فالمؤكد أن أعمال (توفيق الدقن) السينمائية تحتاج لعدة مشاهدات وكثير من المراقبة والتدقيق حتى نكتشف الجوانب المضيئة والتى تم إغفالها عن عمد.
فعبقرية (توفيق الدقن) لا يمكن أن نوجزها فى تلك اللزمات والإيفيهات التى تلقى رواجا كبيرا بين جموع الجماهير والمنتشرة بكثافة على مواقع اليوتيوب والتواصل الإجتماعى والكوميكس، وتزاحم تلك الإفيهات حتى اليوم عمالقة الكوميديا، ومنها (البلنس فليكسيلنس، يا آه يا آه، العلبة دي فيها إيه، أحلى من الشرف مفيش، أنا راجل لعين يا أخى).
فالأمر لم يكن يتطلب خفة ظل فقط، بل قدرة على التواصل مع الجماهير وفهم جيد لرغباتهم ومدى استيعابهم لما سيلقى عليهم، دون أن يخطئ الهدف وتصبح (اللزمة) مدعاة للملل والضجر مع كثرة المشاهدة.
فى النهاية يبقى السؤال الأكثر إرباكا: هل نال (توفيق الدقن) ما يستحقه من شهرة ونجومية وتحليق؟، واقع الامر يقول إنه لم ينل حقوقه كاملة، وتعرض لظلم مارستها عليه السينما الكسول والنمطية والاستسهال من المخرجين فى الظاهر، وفى الباطن أن التعليمات كانت دائما ألا ينال (توفيق الدقن) أكثر من ذلك.
ورغم كل ذلك فإن ما حققه من حب وتقدير واحترام وخلود لدى جماهيره، إضافة إلى اسمه وتاريخه ناصع البياض يجعل منه موهبة رفيعة وصلت لأرفع مراتب النجوم واحتل بها الصفوف الأولى باقتدار لا يقبل الشك أو التأويل، فرصيده داخل قلوب الجماهير لن يفنى وفى حالة ازدياد بشكل دائم.. رحمة الله عليه.