بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح
منذ أفلام (شارلي شابلن) العظيم والمسيس الواعي واهتمت (السينما) بالإنسان وعلاقته بالمجتمع وأحلامه وتطلعاته، فقد أخذت (السينما) من الحياة.
فحين تعرض (شارلي شابلن) في أفلامه إلى القضايا الاجتماعية وأثر السياسه علي المواطن وكيف تحول الإنسان إلى ماكينة ومرة أخرى تعرض إلى طمع الإنسان وطموحه حين ينطلق فيتحول لديكتاتور.
فنجد فيلمه عن (هتلر) ثم نتابع ماذا قدمت (السينما) فيما بعد فنجد أنها لم تترك الإنسان وصراعه مع الشر فمنذ (جوني ويسمولر) في أفلام (طرزان) والصراع بين البشر والغابة وحيوانات لا تعرف الرحمة.
إقرأ أيضا : حسين نوح يكتب حالة تستحق الانتباه في السينما!
وكل ما تصبو إليه هو البقاء بكل الطرق وعدم الرحمة ودون تعقل أو موانع فنجد البقاء للأقوى ويأكل الكبير الصغير بلا هوادة ثم نجد أفلام (السينما) الأمريكية وهى تقدم صراع الإنسان ضد ملوك وامبراطوريات ظلم العبيد والفقراء، فنجد (هرقل) يحارب من اجل الضعفاء وينتصر.
ونتذكر فيلم (سبارتاكوس) تم انتاجه عام 1960 أنه حامي العبيد والمصارع الذي خاض الثورة ضد الرومان، بعد أن كانت تقام المباريات بين العبيد وتصل إلى قتل بعضهم البعض فقط من أجل متعة المشاهدين من أباطرة الرومان.
يفكر (سبارتاكوس) ورفاقة ويقررون الهروب ويحاربون الطغيان بكل الطرق وقد انضم إليهم كثير من العبيد والمظاليم في كل أنحاء البلاد.
وقف أمام ملوك الرومان وكانت نهاية (سبارتاكوس) ومن معه معلقين أمام جموع من الشعب تشاهد مدى الظلم من جبروت الإنسان لأخيه الإنسان إلا أن شخصية سبارتاكوس أصبحت مثال للتضحية ونصرة الحق ورفع الظلم.
ويعتبر الفيلم من علامات (السينما) الأمريكية وهو من بطولة (كيرك دوجلاس)، ومن إخراج ستانلي كوبر وقد اصبح سبارتاكوس رغم أن الاحداث كانت في القرن الأول قبل الميلاد.
فقد اعتبر الفيلم رمزاً لكل ما هو ثوري ومتمرد وهنا تأكيد آخر أن جمهور (السينما) دائماً متعطش لنصرة المظلوم، لقد تحولت ملحمة (سبارتاكوس) من الملاحم التي أثرت التاريخ الإنساني، فقد كان لها أبعاد ومعاني عظيمة يتم استلهامها حتي الان.
(السينما) في الغرب الأمريكي
ونجد أفلام (السينما) في الغرب الأمريكي تقدم ظلم الأقوياء وسيطرة العصابات فنجد البطل ينتصر للمظاليم، وكما حدث في فيلم (العظماء السبعة) للنجم (يول براينر)، ومعه (ستيف ماكوين وشارلز برونسون وجيمس كوبورن وروبرت فون)، والعبقري (إيلي ولش) زعيم العصابة الذي ينتظر موعد الحصاد كل عام للهجوم على الفلاحين المكسيكيين الفقراء.
وأخذ المحصول كل حصاد ولكن ينتصر الفيلم حين يلتقي الفلاحون المظاليم بحكيم القرية لطلب النصيحة، ويقول لهم كلمة واحدة أكدها المخرج بكلوز بوعي (قاتلوا).
وهنا يتواصلون مع رماة أمريكيين مهرة من الغرب الأمريكي وتتكون مجموعة السبعة للدفاع عن القرية ووضع خطه لتآمينها وإقناع المزارعين ويساعدوهم علي الرماية والقتال بكل ما لديهم من إمكانات.
وحين تأتي العصابة ورغم الأعداد التي تفوق أعداد المقاتلين في القريه ينجح المزارعون والسبعة في إبعاد العصابة، ومرة أخرى تحاول العصابة، ولكن في النهاية ينتصر الحق والمزارعون.
وتضاف قيمة عظيمة من الفيلم وهى النضال من أجل الأرض والحق ، والانتصار كان حليفهم، وهنا يبتهج الجمهور فقد انتصر الحق ثم يمتد هذا خط (السينما) إلى الآن ويعتمد علي انتصار البطل المعدم الذي يقف في وجه الظلم.
إقرأ أيضا : داوود عبد السيد .. شاعر السينما الذي أبهرنا بأسلوبه الفريد في الإخراج!
ومنذ أفلام (إيدي ميرفي) بطل أفلام الكاوبوي و(ريتشارد ويدمارك، و(چين هاكمان) وأفلام (كلينت ستود) في مرحلة ما بعد الكاوبوي، وبعد (الطيب والشرس والقبيح).
ومن أجل مزيد من الدولارات فقد انتقل إلى مرحله سائق العربات الكبيرة لنقل البضائع وأحياناً يرافقه قرد ويتعرض لظلم التجار، وأحيانا رجال العصابات، ولكن ينتصر السائق ويبتهج جمهور (السينما) لنصرة المظلوم.
أفلام (السينما) لفريد شوقي
وهنا نتذكر أفلام (السينما) لفريد شوقي (سائق نص الليل) وعادل إمام أفلام (الغول والمنسي والارهاب والكباب)، وحتي في المسرح نجد (شاهد ما شفش حاجة من أكبر النجاحات الجماهيرية، إنه انتصار المظلوم والذي يتعاطف معه مظاليم كثر.
قدمت السينما المصرية الكثير من الأفلام لكبار الكتاب فتزرع وبوعي قيمآً للجمهور فقد أصبحت الدراما في (السينما) تخترق البيوت، وبعد أن تذهب الجماهير إلى دور العرض نجد السينما تأتي الينا في منازلنا من خلال التليفزيون لتقدم قيماً ومعاني كثيرة منها إيجابي يخدم العقل الجمعي.
وأتذكر علي سبيل المثال فيلم (في بيتنا رجل) للكاتب الكبير إحسان عبد القدوس وإخراج هنري بركات، وكيف قدم لنا قيم الصداقه والنبل والتضحية من أجل الوطن.
تلك هى السينما الواعية، فقد نال الفيلم موقعا في قائمة أهم مائة فيلم في (السينما) المصرية عن استحقاق.
ولايمكن أن ننسي فيلم (الأرض) للقدير عبد الرحمن الشرقاوي ونتذكر أغنية (الأرض لو عطشانة، نرويها بدمانا، واللقطة الكلوز الكبيرة لـ (أبوسويلم) ويديه متمسكة بالأرض وهو يسحل.
مشهد لاينساه كل من شاهد الفيلم، ثم نأتي لفيلم آخر أتابعه ويتابعه كثيرون حين يعرض في التليفزيون إنه فيلم (الزوجة الثانية)، القصة من تأليف أحمد رشدي صالح، وتم انتاج الفيلم سنة 1967.
الفيلم يحكي عن عمدة يبحث عن وريث لأرضه، فهو لم ينجب ولد ومن هنا يقنع زوجته أن يتزوج من أي فتاة أو امرأة في القرية، ولكن تقع عيونه على خادمة لديه ومتزوجة.
وبجبروت السلطة يقنع زوجها الفلاح الأجير المطحون على تطليقها، ويتزوجها جبراً وعنوة من خلال تهديد الزوج بتلفيق تهمة له، ولكن تسخدم زوجة الأجير كل حيل النساء حتي لا يتمكن العمدة منها، وتستمر علاقتها بزوجها، ويصاب العمدة بالشلل وقد علم أن زوجته الجديدة حامل وهو لم يعاشرها ويموت قهراً وتقرر الزوجة إرجاع حقوق المظاليم لأصحابها في القرية.
(السينما) والجشع والاستبداد
فيلم (الزوجة الثانية) يقدم قيم نصرة المظلوم على الجشع والاستبداد والجبروت والتوحش، وقد قدم الفيلم قيمة مضافة في (السينما) بجانب انتصار المظلوم وعودة الحقوق، وأيضاً ناقش قضية دينية جدلية هى وجوب طاعة ولي الأمر على لسان شيخ القرية وعدم وقوع طلاق المكره.
وتلك إسقاطات ذكيه لكاتب مستنير مثقف، فلا ننسى جملة شيخ القرية (وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم)، وهنا يتفتق ذهني لسؤال لماذا كانت (السينما) في الستينيات والسبعينيات وأوائل الثمانينات تقدم كثيراً من أعمال تحمل معاني وقيم للمواطن.
إقرأ أيضا : محمد حبوشة يكتب : رد قلبي .. أيقونة الرومانسية في السينما المصرية
وحدث ذلك في وقت كانت القراءة من هوايات الشباب والكبار، وكانت المكتبات المدرسيه تفتح في الإجازات الصيفية ومعها تقديم الأنشطة الفنية لهواة الفنون والموسيقى، وكنا نقرأ لكثير من كتاب مصريين وعالميين ونشاهد أعمال (السينما) ومسرحيه لكبار الكتاب.
ويأتي السؤال الجوهري: لماذا أصبح ما يقدم الينا من فنون وخصوصاً الدراما الآن أعمال كثير منها لايقدم قيم ولاعظة للشباب، وتركناهم مع شبكات التواصل الاجتماعي فلم يبقي إلا قليل من كتاب.
وأصبحت السينما في كثير من الأحيان لاتجد روايات وقد تم تقديم وإعادة بعض أعمال كبار الكتاب، ولكن وبكل موضوعيه النتيجة كانت لصالح الأعمال الأصلية، ولهذا أصبحنا في أشد الحاجه إلى فرز واهتمام بما يقدم للشباب.
فهم عماد المستقبل والمشهد الإقليمي والعالمي يفرض علينا أن نهتم بتنمية قيم الولاء والانتماء عبر أفلام (السينما).. حفظ الله مصر تستحق كل الولاء.