* محمد عبدالوهاب سبب مجيئي للقاهرة، وبسبب السنباطي توقف عن التلحين لي
* بسبب رفضي للمشاهد العاطفية في فيلم (العيش والملح) ظهرت نعيمة عاكف في السينما.
* أول أغنيتين في مشواري هما (حول يا غنام)، و(يا جارحة قلبي) عام 1947
* لحن السنباطي لي (يا لعبة الأيام) وبسبب كثرة أسفاري أعطاها لوردة
* جمال عبدالناصر كان يعتبر الأغنية التى تعيش على شفاه الناس أفضل ألف مرة من ألف جريدة
* غنيت (بدى عريس) لموكب عبدالناصرمن بلكونة بيتنا فوقف وحياني برأسه.
أجرى الحوار: أحمد السماحي
رحلت (نجاح سلام) بجسدها، لكني سيظل فنها الخالد باق إلى الأبد، فهي ليست مجرد مطربة كبيرة، بل هي مدينة فنية في حد ذاتها!، والغناء عندها ليس فقط وسيلة للإمتاع والترفيه، بل هو ثقافة راقية، ونوع من النضال، ومواكبة نبيلة لتاريخ أمتها العربية.
قدمت مئات من الأغنيات المتميزة التى لن تمحو من الذاكرة، وسنظل نردد، وستردد الأجيال القادمة (يا أغلى إسم في الوجود، وأنا النيل مقبرة للغزاة، وعايز جواباتك، وبرهوم حاكيني).
فضلا عن و(الحب ايه أسراره، وأهلي على الدرب، وواحدة من عشرة، لبنان درة الشرق، يا طاير يا طير، أنا الجريحة يا عرب أنا فلسطين، سوريا حبيبتي) وغيرها من الروائع التى لا تنسى).
إقرأ أيضا : تعرف على الأغنية التى كتبت لنجاح سلام، واشترتها نعيمة عاكف، وغنتها صباح (1/2)
تلك الروائع التى إنحازت فيها (نجاح سلام) إلى القيمة والمعنى، حيث أمنت بأن الفن هو علم وفن وأسلوب حياة، يرتقى بأذواقنا ويسمو بأرواحنا.
في الجزء الأول من الحوار توقفنا عند رأيها فيما حدث في مصر وقت إجراء الحوار، ورأيها في غناء هذه الأيام، وسر خلود أغنيات جيلها، وظروف غنائها لأغنية (يا أغلى اسم في الوجود).
وأكدت (نجاح سلام) أن الفنان الذى لا يبصم في مصر كأنه لم يغن حتى لو كان ضاربا في البلاد العربية والأوروبية، والآن ندخل في صميم الحوار الفني.
بداية (نجاح سلام) في السينما
* ست نجاح لورجعنا للوراء بطريقة “الفلاش باك” السينمائي وأعدتك للبدايات الأولى، من هم الأشخاص الذين ساعدوك في مشوارك الفني؟
** (نجاح سلام): أشخاص كثيرين أولهم والدي ووالدتي، فأبي (محي الدين سلام) علمني جيداً ولم يجعلني أمتهن الفن إلا بعد اتمام دراستي، لأنه كان يقول: (الفن علم، والفنان المثقف يجيد انتقاء الكلمات ويرتقي بذوق الجمهور).
كما كان لوالدتي الفضل في المحافظة على، اذ كنت عندما أُطلب لحفلة كانت تسأل عمن معي؟ وعن روادها والمسؤولين عنها؟، لذلك نشأت في بيئة فنية سليمة.
إقرأ أيضا : ” عايز جواباتك”.. أيقونة “نجاح سلام” الخالدة
ثانيا مجموعة من الملحنيين أولهم الموسيقار الكبير رياض السنباطي صاحب الفضل في تعليمي الأداء الجيد، والذي لحن لي عدة أغنيات وقصائد من أجمل ما غنيت في حياتي.
وأيضا الملحن أحمد صدقي الذي لحن لي في بداية مشواري أغنية (يا عيني فين قلبي) التي نجحت بقوة، ورددتها معي الجماهير في كل مكان، وكان آخر لقاء بيننا أغنية (لو الهوا يحكي عن العشاق) التي كتبها عبدالفتاح مصطفى لأم كلثوم لكنها رحلت قبل غنائها.
ولا يمكن أن أنسي الملحن محمد الموجي صاحب رائعة (يا أغلى اسم في الوجود)، وأخيراً الجمهور العربي لثقته ومحبته لصوتي.
* هل تتذكرين أول أغنية في مشوارك الفني؟
** نجاح سلام: أغنيتان سجلتهما في وقت واحد هما (حول يا غنام)، و(يا جارحة قلبي) عام 1947، سجلهما لي والدي وأنا ما زلت في بدايات المرحلة الدراسية، بعد أن وجدني مولعة بالفن، حتى أنني كنت ألحن وأغني المواد الدراسية.
(نجاح سلام) ومحمد عبد الوهاب
* ما هي ظروف حضورك إلى القاهرة؟
** الموسيقار محمد عبدالوهاب هو سبب مجيئي للقاهرة، ففي عام 1948 كان والدي محيي الدين سلام مديراً للإذاعة اللبنانية، وفي أحد الأيام سمعته يقول لوالدتي: (إن عبدالوهاب سيزور الإذاعة غداً هو والشاعر بشارة الخوري)، فطلبت منه أن يصطحبني معه لأرى عبدالوهاب.
وفي اليوم الثاني كنت بالفعل أقف في الصفوف الخلفية لحشد فني يضم عمالقة الأدب والفن في لبنان، ومن وقت لآخر أقف على أصابع قدمي لأنظر إلى عبدالوهاب الذي شاهدني وسأل عني فقدمني والدي إليه.
وفجأة قال لي عبدالوهاب: (هل صوتك جميل؟)، فقلت له بسرعة: نعم، وغنيت له من أغانيه أغنيتي (ايه جرى يا قلبي)، و(أنت وعزولي وزماني).
فغضب والدي من تصرفي، لكن عبدالوهاب قال له: (إن الصوت الجميل نعمة من الله سبحانه وتعالى، وإن لبنان مليء بالمهندسين والدكاترة والمحامين لكن من يمتلكون الصوت الجميل قلة)، فاقتنع والدي بكلامه لاسيما أنني تحدثت بعد ذلك مع كبير عائلتنا (صائب بك سلام) وأقنعته هو الآخر باحترافي الفن.
وفي نهاية زيارته للبنان طلب عبدالوهاب من والدي التوجه بي إلى القاهرة، وبالفعل حضرنا إلى القاهرة، واتصل عبدالوهاب بشركة (نحاس) لإعطائي دور البطولة في فيلم (العيش والملح) مع إبن أخيه المطرب الجديد آنذاك (سعد عبدالوهاب) في أول تجربة سينمائية له.
وبالفعل بدأت تمثيل الفيلم لكني وجدت فيه مشاهد عاطفية، وأنا كنت صغيرة جدا، فرفضت أنا ووالدي تمثيلها، فاستعان مخرج الفيلم حسين فوزي بالوجه الجديد نعيمة عاكف لتمثيل الدور بدلاً مني!
* لحن لك الموسيقار محمد عبدالوهاب لحن (سكة السعادة) في فيلم (ابن ذوات) لماذا لم تتكرر ألحانه لك؟
** (نجاح سلام): لأنني كنت منحازة لحزب الموسيقار رياض السنباطي وإلى جملته اللحنية، وكنت أشيد بألحانه في كل مكان، فأغضب هذا عبدالوهاب، لا سيما أنه كانت بينهما منافسة شريفة وجميلة لمصلحة المستمع.
وبعد ذلك تزوجت الفنان الشامل (محمد سلمان) وسافرت معه إلى لبنان، وحدثت أحداث كثيرة في حياتي ولم ألتقِ مرة أخرى بألحان عبدالوهاب.
(نجاح سلام) ورياض السنباطي
* كيف تعرفتِ بملحنك المفضل الموسيقار الكبير رياض السنباطي؟
** (نجاح سلام): تعرفت إليه في لبنان حيث غنيت أمامه (شوقيات أم كلثوم) التى لحنها لسيدة الغناء العربي، وكان عمري ثلاثة عشر عاماً، وعندما سمعني سألني: (أين تعلمت الغناء؟) فقلت له: (والدي هو الذي علمني مع نجيب الشلفون الذي دربني على الصولفيج) فقال لي: (لو احترفتِي الغناء سألحن لك أعمالاً عظيمة).
وبعد حضوري لمصر أوفى بوعده، وكان أول لقاء بيننا عبر أغنيتين من أعظم ما غنيت هما (عايز جواباتك)، و(أنا النيل مقبرة للغزاة)، وتوالت الأعمال مثل (أمة الحق، ويا ظالم، وعيون البرتقال) وغيرها من الألحان التي وصلت إلى 40 لحناً، وأعتبر نفسي سنباطية النغم والأداء، فالسنباطي كان ملحنا غيرعادي، وجملته اللحنية رائعة وراقية.
* لحن لك السنباطي لحنين هما (يا لعبة الأيام)، و(عايزة قلبك) لكن وردة وفايدة كامل غنتهما، وكانا سبب شهرتهما الكبيرة، لماذا لم تقومي بأداء هذين اللحنين؟
** (نجاح سلام): لأنني في تلك الفترة، بداية الستينات لم أكن أمكث كثيراً في القاهرة، وكنت منتشرة على مستوى العالم العربي للغناء في الحفلات، وعندما عرض علي السنباطي (يا لعبة الأيام) و(عايزة قلبك) حفظت الأخيرة.
لكن حدثت خلافات بيني وبين المسؤولين في شركة (صوت القاهرة) المنتجة للأغنيتين، وسافرت وعندما عدت وجدتهما انتشرتا بصوت وردة وفايدة كامل!.
* من هم الملحنون أصحاب العلامات المضيئة في مشوارك الفني بعد السنباطي
** (نجاح سلام): من لبنان (فيلمون وهبي، وعفيف رضوان، وشفيق أبو شقرا)، ومن مصر(أحمد صدقي، ومحمد الموجي).
* هل صحيح أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر شهد ميلاد رائعتك (أنا النيل مقبرة للغزاة)؟
** (نجاح سلام): صحيح ففي عام 1956 وأثناء العدوان الثلاثي على مصر، كنت أسجل مع السنباطي أغنية (أنا النيل مقبرة للغزاة)، وفجأة دخل علينا الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وعندما عرف اسم الأغنية وموضوعها.
حينئذا قال كلمة لا أنساها حتى اليوم: (هذه الأغاني هى الصواريخ الهدامة التي نطلقها على إسرائيل، وهذا النشيد بمثابة المدفعية الثقيلة لنا، وهذا هو الفن الذي نحتاجه في هذه اللحظات الخطيرة من تاريخ أمتنا).
وبالفعل وبعد نجاح هذه الأغنية وقف (موشي دايان) في الكنيست الاسرائيلي وقال: (أوقفوا هذا الصوت إنه يهز عرش إسرائيل).
(نجاح سلام) والجنسية اللبنانية
* في فترة من الفترات تعرضت (نجاح سلام) لحملة شرسة من دعاة الانفصال وأعداء العروبة، وارتفعت أصوات عديدة تطالب بسحب الجنسية اللبنانية منها، ما هى ظروف وملابسات تلك الحملة؟
** قالت (نجاح سلام) ضاحكة: (يا الله شو عرفك هالخبرية!، بص يا سيدي): أثناء وحدة مصر وسوريا قدمت أغنية بعنوان (بدي عريس أسمر عربى/ شرط من المتحدة طلبى/ بدى خدوده تفاح شامى/ وبدى شفايفه فستق حلبى/ يا مين يلبى لى طلبى).
وفي إحدى الحفلات التى حضرها الزعيم جمال عبدالناصر أضفت كوبليه تحية له يقول (الداردارك يا أبوخالد ونحنا ضيوف/ ومن عتمة الدار راح بتشعشع أنوارك). وحينما سمع الجمهور هذه الجملة ضجت القاعة بالتصفيق والتهليل، ووقفوا على الكراسى، أما (عبدالناصر) فقد قام من البنوار الذى كان يجلس فيه واختفى، فظننت أنه ذهب غاضبا، لكني فوجئت به على خشبة المسرح، أمامى وسلم على.
وقلت له: (ياريت يا ريس تزورنا بلبنان)، فقال لى: (أنا جاى من لبنان اليوم مبقاليش ساعات)، فقلت له: (حقيقى يا ريس)، فقال نعم: (حينما سمعت صوتك عرفت لبنان جميلة أد إيه)، وقد حفرت هذه الجملة بقلبى مدى الحياة.
وفى أول حفل لي في لبنان غنيت هذه الأغنية بناء على طلب الجماهير، وفي اليوم التالي تصدر اسمي عناوين الجرائد ومانشيات الصحف بعضهم كتب: (نجاح سلام تدعو عبدالناصر لاحتلال لبنان)!، رغم أنني لم أغن الكوبليه الذي قدمته تحية لعبد الناصر.
والبعض الآخر طلب سحب الجنسية اللبنانية مني، وذلك بسبب أنى قلت في حفل سابق: (الدار دارك يا أبو خالد، ونحنا ضيوف)، وقامت الدنيا ولم تهدأ على، ووضعت تحت الإقامة الجبرية ستة أشهر بلبنان، لأننا للأسف لدينا طائفية بلبنان!
ورغم كل ما حدث لي صممت على موقفي وغناء الأغنية فى كل مكان، وبعد هذه الحملة كان عندى حفل بكازينو لبنان فجاءنى تهديد: (لو طلعتى على ها الحفلة بنقتلك!)، فصممت أن أذهب، وقلت: (شرف لى أن أموت شهيدة عبدالناصر)، وبمجرد أن صعدت على المسرح، ضج المسرح كله بالتصفيق والتحية، وكلهم بلا استثناء طلبوا منى أغنية (بدى عريس).
* إلى هذا الحد كنت وجيلك تعشقون جمال عبدالناصر؟
** (نجاح سلام): نعم عبدالناصر كان زعيما عربيا حقيقيا، وحبنا له كان من القلب، وبادلنا عبدالناصر الحب، واعتبر الفنانيين ثروة قومية، وسندا له، وكان يعتبر الأغنية التى تعيش على شفاه الناس أفضل ألف مرة من ألف جريدة.
ويعى أن السياسة تتكامل مع الفن وتسانده، خاصة إذا كانت قضاياها عادلة ووطنية، وليست نفاقا أجوفا، ولهذا قدمت له موال من كلماتى وغنائى، أقول فيه: (يا الله ندر على لو صف عمرى ميه / على عكازى باجى لمصر/ حتى أغنى بعيد النصر/ للمتحدة العربية).
كما قدمت له أغنية أثناء بناء السد العالى قلت فيها: (عبدالناصر يا جمال للغرب بتعطى أمثال/ قالوا السد العالى مال قلنا أممنا القنال).
وفى إحدى الأيام علمت أن موكب عبدالناصر سيمر من تحت بيتي آنذاك بالقرب من فندق سميراميس، فأشتريت ميكروفونا، وفتحت الشباك، وأثناء مروره أخذت أغنى أغنية (بدى عريس) فأوقف عبدالناصر موكبه وحياني برأسه، فهتفت له الجماهير.
في الحلقة القادمة:
* المخرج العالمي “مصطفي العقاد” كان يجلس على سطح بيته ليسمع صوتي
* تنبأت بكل ما حدث فى فلسطين من خلال قصيدة (يا زائراً مهد عيسى)
* أطالب (آمال ماهر) بالتركيز على شخصيتها، وعدم الغناء لأم كلثوم مرة ثانية!
*وهذا رأيي في (أصالة، وأنغام، ولطيفة، وشيرين عبدالوهاب، ووائل كفوري، وملحم زين، ووائل جسار)