بقلم: بهاء الدين يوسف
عنوان المقال يشغلني منذ فترة طويلة خصوصا وأنا أطالع يوميا حفنة اخبار أقل ما يمكن أن توصف به أنها تفهة لا تحمل أي مضمون ولا قيمة لا للقارئ ولا للصحيفة أو الموقع أو القناة التي تبثها، وتفاهة (الإعلام) وإعلام التفاهة.
نعم نحن مسؤولون بدرجة كبيرة عن تسطيح وعي الجمهور العربي وتمهيد الأرض أمام ظهور حفنة من الفنانين معدومي الموهبة وفي أحسن الأحوال ضعافها، لا يملكون ثقافة ولا رسالة ولا أي شيء سوى دفتر شيكات يسترضون به أشباههم من أهل مهنة (الإعلام) التي يبدو أنها في طريقها للعودة الى نفس المفهوم الذي بدأت به في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين “مهنة من لا مهنة له“.
إقرا أيضا : تفاهة الإعلام العربي الغارق في بحار القضايا السطحية !
المقال – حتى يطمئن قلبك – ليس دفقة سخط موجهة ضد شخص أو جهة ما بقدر ما هو محاولة أحسبها شجاعة لمواجهة أنفسنا نحن معشر (الإعلام) والإعلاميين وحاملي الأقلام ومراجعة أخطائنا.
عسى أن تكون بداية جديدة لنظرة مختلفة منا نحو مهنتنا التي اقتربت بشدة من أن ينطبق عليها حكمة السيد (أحمد عبد الجواد) في فيلم بين القصرين (بضاعة – في حالتنا مهنة – أتلفها الهوى).
قبل أن أشرع في كتابة المقال تابعت على مدى أيام ما يكتب في المواقع الإلكترونية وما يذاع في الفضائيات وكانت الحصيلة مخجلة للغاية، فأغلب الأخبار خصوصا الفنية منها لا ترتقي حتى في أدنى معايير (الإعلام) إلى مستوى الخبر.
عمرو أديب و(ياسمين صبري)
ولعل آخرها الحوار اللوذعي الذي أجراه عمرو أديب مع (ياسمين صبري) قبل يومين، انتظرت أن يعطينا أديب مناسبة لإجراء الحوار في هذا التوقيت الذي ترزح فيه البلاد تحت طائلة من الصعوبات المعيشية المتنوعة فلم يقل شيئا.
مضمون الحوار نفسه لا يختلف كثيرا عن ذلك الحوار اللوذعي الآخر الذي ظهر في أحد مشاهد فيلم (لعبة الست) لنجيب الريحاني وتحية كاريوكا، حين انبرى أحد الصحفيين الفنيين ليسأل كاريوكا بعد أن أصبحت راقصة مشهورة (أين ترعرت سيدتي؟!).
إقرأ أيضا : علي عبد الرحمن يكتب: تحديات الإعلام المصري
فكل ما قالته (ياسمين) لا يزيد كثيرا عن تلك الأحاديث التي ليست فقط لا تفيد أحدا من المشاهدين ولكنها تستفز المشاعر المأزومة لدى العديدين بشكل سافر، إذا قالت إنها زوجة يتمناها أي شخص في الدنيا.
وأن كيم كاردشيان تمسك التراب ليتحول ذهبا، وكل هذا وسط تعبيرات عمرو أديب المعتادة الموغلة في الانبهار والاندهاش من فصاحة ما يقال من ضيوفه الذين لا يقولون شيئا غالبا.
ماذا حدث لـ (الإعلام) العربي كله في العقود الأخيرة؟! سؤال يحتاج إلى أبحاث علمية وأكاديمية معمقة لكنني استطيع استخلاص بعض الإجابات من واقع خبرتي الطويلة في مجال (الإعلام).
الإعلام والسوشيال ميديا
وأبدأ بمصيبة السوشيال ميديا التي حولت الإعلاميين من صانعين للخبر وموجهين للرأي العام إلى لاهثين وراء (الترند) حتى يحظى الخبر أو الفقرة التليفزيونية بأكبر قدر ممكن من المتابعة، وما يترتب عليها من إعجاب أو مشاركة أو تعليق.. إلخ.
اجتياح الواقع الافتراضي لحياتنا وإعلامنا العربي ترتب عليه تحول الكثير من الأشخاص المؤثرين على السوشيال ميديا إلى ضيوف أحيانا وصناع محتوى غالب سواء ضمن فريق الإعداد او تحرير الأخبار أو حتى تقديم البرامج.
وذلك دون أن يتلقى هؤلاء تدريبا متخصصا أو على الأقل يحصلون على دورات توعية بالدور الإعلامي والرسالة التي يجب أن يقدمها للناس، ففي هذا الزمن لا صوت يعلو على صوت الترند والفولو وغيرهما.
للامانة فان دخول غير المتخصصين لسوق العمل في (الإعلام) بدأ قبل ظهور السوشيال ميديا بسنوات طويلة وتحديدا في تسعينات القرن الماضي، حين كانت بعض المجلات الفنية التي تصدر في أوروبا تستعين بمصورين هواة وأتباع الفنانين لتزويدها بصور مختلفة وحبذا لو كانت ساخنة للفنانين.
إقرأ أيضا : الإعلام المصري في قبضة (أسد جريح) لايسمح بالاقتراب من عرينه!
ثم يقوم محرري تلك المجلات بكتابة بضعة سطور عامة لتحويل الصور إلى موضوع صحفي، ثم تطور الأمر لتبدأ تلك المجلات في بيع أغلفتها لمن يدفع بحيث يمكن لأي شخص مهما كان نكرة أن يتصدر غلاف مجلة كذا طالما أنه دفع (المعلوم)، ومن هنا كانت بداية صرعة شراء الصحفيين والمجلات.
أعلم أن ما كتبته لا يمكن أن يلخص المشكلة الآخذة في الانتشار بشكل مرعب، لكنه محاولة كما قلت في بداية المقال لمواجهة أنفسنا نحن معشر الإعلاميين بما ارتكبناه في حق الجمهور والفن وفي حق أنفسنا أيضا.
لدرجة أن أي فنان أصبح لا يفكر مرتين قبل أن يكيل الإهانات لكثير من الصحفيين الفنيين مثلما فعل مخرج وبطل فيلم (فو فو فو) مؤخرا حين دخلا في وصلة تهكم على صحفي.
ومثلما كنا محط سخرية العالم حين سافرت فتاة غير مؤهلة لتغطية حفل الأوسكار قبل سنوات ووقفت تسأل (ليوناردو دي كابريو) بكل ثقة (what about your first Oscar) ليصاب الرجل بحالة من الذهول وهو يرد عليها متعجبا (what aboutit) قبل أن ينتبه إلى ثقافة صاحبة السؤال الشرق أوسطية ويقول مبتسما (إنها جائزة عظيمة).