كتب: محمد حبوشة
رغم التشديد والتأكيد على أهمية وجاذبية (الدراما التاريخية) والدينية التي تشهد إقبالا متواصلا من الجماهير العربية في حال عرضها، إلا أنها أصبحت عصية على شركات الإنتاج العربية، كما أن هناك تحديات عديدة تواجه صناع هذه النوعية من الدراما.
وعلى الرغم من أن من الثابت أن الدراما التاريخية استطاعت أن تمزج بين السرد الدارامي والتشويق والإثارة وبين وقائع حقيقة ما زال لحدوثها تأثيره على مجريات الواقع الذي نعيشه اليوم.
ومن ثم يمكن أن تكون عودتها فرصة جيدة للمعرفة والاستمتاع بعمل فني متميز يؤكد الهوية العربية والإسلامية، وهو أمر في غاية الأهمية الآن لاستعادة أمجاد العرب التاريخية في هذا الزمن الصعب الذي يشهد تمزقا عربيا كبيرا.
وهذا يلزمنا بأن نعرض لأهم المسلسلات التاريخية التي لعبت دروا تثقيفيا في حياتنا المعاصرة، لكننا لابد أن نرصد أبرز أسباب عزوف شركات الإنتاج عن صناعة الدراما التاريخية والدينية، والتي تتلخص في الآتي:
أولا:غياب التمويل:
(الدراما التاريخية) تحتاج ديكورات وملابس مكلفة جدا، وتصوير بشكل مغاير لما يحدث في المسلسلات الاجتماعية العادية، وكذلك أعمال الجرافيكس، وكل ذلك يحتاج تمويل ضخم جدا وهو أدى بالضرورة إلى التراجع في انتاجها.
ثانيا: عدم وجود الممثل الذي يتقن اللغة العربية الفصحى:
لا يوجد في جيل الوسط وجيل الشباب من يتقن اللغة العربية، ولو شاهدت المسلسلات الاجتماعية الحالية، ستجد من ينطق القاف (كاف)، والطاء (تاء)، والثاء (سين)، والذال (زاي)، وهم يتحدثون بعامية مصرية عادية.
كذلك لو تابعنا في الدراما كيف يتحدثون اللهجة الصعيدية، ويدمجون معها النطق القاهرة لحرف (الجيم) وغيره، فهم حتى لا يتقنون تقديم لهجة الصعيد، فما بالك بمسلسل تاريخي لا يمكن تقديمه إلا بلغة عربية فصيحة، لا خلل فيها.
ثالثا: غياب كتاب السيناريو التاريخي:
تستند كتابة السيناريو في الواقع إلى قواعد شديدة الدقة، ومن هنا يصعب على كتاب السيناريو الشباب الالتزام بها، كما أن خيارات بطل الرواية والغريم، وتحديد الشخصيات الثانوية، وتعريف الأهداف، كلها عراقيل تشكل المسار الذي يسمح ببناء حبكة تثير اهتمامنا.
بيد أن حبكة شديدة الإتقان لا تدعمها شخصيات مثيرة تنذر بجعل المتفرج باردا، فقصتك ينبغي أن تحملها إذن شخصيات قوية تخاطب المتفرج، والقارئ على حد سواء، بحقيقتها وتماسكها، وهى بالطبع عناصر يفتقدها كتاب الشباب الحاليين في صناعة (الدراما التاريخية) كما ينبغي لها أن تكون.
رابعا: الأزهر والمؤسسات الدينية:
يتخوف أي مقبل على (الدراما التاريخية) يتناول شخصية دينية، من ردود فعل الأزهر، الذي أصبح يرفض تماما ظهور الصحابة، رغم ظهورهم في أعمال سابقة، قبل أن يتوغل فيه الفكر الوهابي، ولنا في فيلم (الرسالة) عبرة، ولكنه رغم منع الأزهر له، جمع 100 مليون دولار في قاعات العرض، رغم أن تكلفته لم تتجاوز وقتها 10 مليون دولار.
سحر النص في (الدراما التاريخية)
ولا شك أن للنص في (الدراما التاريخية) سحره الأخاذ الذي يسلب الألباب ويأسر القلوب، طالما توافرت فيه العوامل المؤدية إلى ذلك، وكثيرا ما سعى المبدعون إلى هذا التأثير، لما يحدثه لديهم من لذة ونشوة على غرار ما قاله الشاعر الأكبر المتنبي: (ويسهر الخلق جراها ويختصم).
لكن، وبظهور الكاميرا والتسجيل أو ما يعرف بالدراما والسينما ازداد تأثير الصورة لتوضيح النص، وزاد معه التفاعل من المتلقي الذي يشاهد النص وكأنه وليد لحظته، فتنفعل به نفسه، ويتعاظم معه إحساسه.
والمقصود بالصورة هنا الصورة الناطقة، وليست الصامتة، فالصورة الناطقة استطاعت أن تبعث حياة أخرى في النص الأدبي، شعرا أو نثرا، حين تعاد كتابته على يد سينارست مبدع مثل (يسري الجندي، ومحفوظ عبد الرحمن، عبد السلام أمين، محمد جلال عبد القوي، أمينة الصاوي، لميس جابر).
حيث استطاعوا بأقلامهم مع كاميرا (إبراهيم الصحن، حسام الدين مصطفي، أحمد توفيق، إسماعيل عبد الحافظ، حاتم على، شوقي الماجري) وغيرهم أن يظهرو وجها من وجوه الثقافة العربية في مناحي عدة.
ومن بين الأعمال الدرامية التاريخية المميزة، كان هناك مجموعة من المسلسلات من مصر وسوريا والأردن، استطاعت أن تقدم التاريخ المصري والعربي الثري المليء بالأحداث بوجهات نظر درامية مشوقة.
وأولا: نعرض لبعض وليس كل نماذج الدراما التاريخية والدينية المصرية، التي تظل ضاربة في الجذور، تعاقبت عليها العصور والأزمنة، وكانت دوما صامدة فحملت تنوعا ثقافيا وكانت منطلق للحضارة والعلم، حاولت تلك الأعمال الدرامية أن ترصد هذا التنوع الحضاري.
الدراما التاريخية) لا إله إلا الله
يتناول المسلسل رحلة القدماء المصريين في البحث عن الإله، وتقديس الكهنة للفراعنة قديما، كما يعرض إلى عقيدة التوحيد، حياة كهنة اتبعوا الأنبياء مثل سيدنا (إدريس) الذين ورفضوا عبادة الملوك أو تقديسهم، وهو من تأليف أمينة الصاوي، وإخراج أحمد طنطاوي.
وأيضا (الدراما التاريخية) محمد رسول الله، وهو مسلسل تاريخي ديني من إنتاج شركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات، مكون من خمسة أجزاء يروي قصص عدد من الأنبياء ابتداء من النبي إبراهيم انتهاء بالنبي محمد – صلى الله عليه سلم.
متضمنا في طي الأحداث البشارات التي وردت علي لسان الأنبياء بالنبي الخاتم وما جاء في الكتب السماوية المنزلة عليهم من نعوته وصفاته، ثم تتوالي الأحداث حتى تنتهي ببعثته وانتصار دعوته، وهو يعتبر من أفضل المسلسلات الدينية واستخدم فيها خدع تلفزيونيه كثيرة فهى وجبه ثريه بالمعلومات الدينية .
المسلسل مأخوذ عن سلسلة محمد رسول الله والذين معه للأديب عبد الحميد جودة السحار وكتب له السيناريو والحوار الشاعر الغنائي عبد الفتاح مصطفى وأخرجه أحمد طنطاوي في الأجزاء الثلاثة الأولي منه، ثم أحمد توفيق في الجزء الرابع ثم نور الدمرداش في الجزء الخامس والأخير.
(الدراما التاريخية) عمر بن عبد العزيز
مسلسل استقى العلم وتأثر بالصحابة، ولذلك كانت سنوات ولايته شاهدة على ولائه وإيمانه بمباديء الإسلام، وتم منحه لقب (خامس الخلفاء الراشدين)، فهو الخليفة الأموي (عمر بن عبد العزيز الذي كان واليا على دمشق بعد انتقاله إبليها وعزله عن إمارة المدينة المنورة.
واستطاع عبر هذه النوعية من (الدراما التاريخية) أن يعيد للحكم أسسه، فعمد إلى العدل والمساواة وعزل الولاة الظالمين، وتخلص من استبداد الحكم وأعاد للشورى أهميتها ومكانتها.
ولعل تجسيد شخصية لها هذا الثقل في التاريخ الإنساني والإسلامي، لم يكن أمرا هينا، ولذلك يعتبر المسلسل من أعمال (الدراما التاريخية) التي يمكن اعتبارها من بين الأفضل.
تم تقديمه على الشاسة عام 1994 بتجسيد (نور الشريف) المتميز للشخصية الرئيسية، وشاركه البطولة (عمر الحريري ورشوان توفيق وهالة فاخر ومديحة حمدي)، من تأليف عبد السلام أمين، وإخراج أحمد توفيق.
الدراما التاريخية (هارون الرشيد)
مسلسل تاريخي مصري، عرض عام 1997، ويعرض قصة الخليفة العباسي ويصور أيام الدولة الإسلامية في عهد الدولة العباسية ومجدها التاريخي، ولكنه يركز على الجانب الشخصي من حياة الخليفة العباسي، والذي اشتهر بحبه للنساء، ليتناول قصص حبه وصراعات الحريم داخل القصر
ونفس الأمر ينطبق على (الدراما التاريخية) مسلسل (عصر الأئمة – 1994)، حيث يتناول المسلسل سيرة الأئمة الثلاثة (الشافعي والإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل)، أنتجه التلفزيون المصري عام 2014 وضم عدد كبير من الممثلين واستعرض سيرة كل إمام وأهم ما قدمه في الفقه والتجديد الذي أحدثه.
وقام ببطولة المسلسل (حمدي غيث وإبراهيم يسري وكمال أبو رية وفايزة كمال وتيسير فهمي ومنال سلامة)، كتب القصة والسيناريو والحوار الدكتور بهاء الدين إبراهيم، وأخرجه حسام الدين مصطفى.
أما مسلسل (رجل الأقدار) فهذه الدراما التاريخية ترصد التحول الذي شهدته حيلة الصحابي عمرو بن العاص، كيف كان معاديا للإسلام ومعارضا لسيدنا محمد، ثم الإيمان والدخول في الإسلام، وقدرته على أن يكون مدافعا قويا وقائدا عسكريا حقق للإسلام الانتشار في دول مختلفة، من بينها مصر والشام، كان له عقلية حربية فذة وبسالة وقوة لا مثيل لهما.
استعد نور الشريف لأداء الدور على مدى 3 سنوات، وشاركه البطولة (سوسن بدر وأيمن عزب وحنان مطاوع وخليل مرسي)، من تأليف سامي غنيم وإخراج وفيق وجدي، وأنتجته مدينة الإنتاج الإعلامي عام 2003.
(الدراما التاريخية) الطارق
مسلسل (الطارق – 2004) من (الدراما التاريخية) العربية التي عرضت الوقائع والأحداث من خلال تتبع السيرة الذاتية، وفي هذا المسلسل نتتبع سيرة طارق بن زياد، القائد العسكري المسلم الذي تمكن من فتح الاندلس ونشر الإسلام في إسبانيا مستغلا الصراعات السياسية وضعف حكامها، لتقوم فيها واحدة من أهم فترات الحكم الإسلامي.
يجسد لنا سيرته (ممدوح عبد العليم)، وشاركه (خالد زكي وجومانا مراد، ومجموعة من الممثلين العرب منهم (نادين سلامة ومكسيم خليل ورضوان عقيلي ومنى واصف)، تم إنتاجه عام 2004، من تأليف وكتابة يسري الجندي، إخراج أحمد صقر.
مسلسل (على باب مصر- 2006)، يحكي أنه بعد أن أنهى الاجتياح المغولي حكم الدولة العباسية، صار الدور على أهل الشام ومصر الذين فزعوا من حجم الدمار الذي أحدثه هولاكو خان ليتوسع بإمبراطوريته المغولية.
ونظرا لضعف الحكام والأمراء العرب يعمل (قطز) على تجهيز الجيش والبحث عن مؤيدين وداعمين يمكنهم أن يساندونه في هزيمة التتار على باب مصر، أنتج المسلسل اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري عام 2006، وقام ببطولته يوسف شعبان ورغدة وعائشة الكيلاني وجلال الشرقاوي، كتبه محمد جلال عبد القوي وأخرجه هاني إسماعيل.
(الدراما التاريخية) بوابة الحلواني
ومن هذه الأعمال: مسلسل (بوابة الحلواني- 1992 لـ 2001) على مدار أربعة أجزاء، نتعرف على الحقبة التاريخية في مصر التي كان يتولى خلالها الخديوي إسماعيل حكم مصر، ومع قراراته وتوسعاته كما جاءت في هذه (الدراما التاريخية).
وكذلك إخفاقاته نلمس التأثير الذي تركته على المجتمع المصري من خلال أسرة (الحلواني) التي تعيش بقرية الفرما – بورسعيد حاليا – ونرى يومياتهم وردود أفعالهم على ما يحدث في مصر.
كتب السلسلة محفظ عبد الرحمن وأخرجها إبراهيم الصحن، وضمن عدد من الممثلين من بينهم (محمد وفيق وأحمد راتب وعلي الحجار وشيرين وجدي وعبد الله غيث وصلاح قابيل).
ومسلسل (جمهورية زفتى – 1998) الذي يتحدث عن واحدة من الوقائع التاريخية الملحمية التي عايشها المصريون، فهو عن مدينة زفتى في محافظة الغربية – في الفترة قبيل ثورة 1919- التي كانت ترزح تحت وطأة سيطرة الإقطاعيين وملاك الأراضي وسيطرتهم على المزارعين وأهالي القرى وقمعهم إلى جانب قوت الاحتلال الإنجليزي.
ولكن قرر أحدهم أن يتمرد ويرفض ولكنه يُقتل، فيغضب الأهالي ويقررون الاستقلال، ويصمدون أمام القوات الإنجليزية حتى يتم الاتفاق في النهاية على تحقيق مطالب أهل المدينة بترحيل الإقطاعين والقبض عليهم.
تم عرض الملحمة التي تنتمي إلى نوعية (الدراما التاريخية) في 25 حلقة من إنتاج التلفزيون المصري عام 1998، من بطولة (ممدوح عبد العليم وكمال أبو رية وصابرين ومحمد منير وحسن حسني)، تأليف يسري الجندي وإخراح إسماعيل عبد الحافظ.
(الدراما التاريخية) الملك فاروق
مسلسل (الملك فاروق- 2007)، تلك (الدراما التاريخية) التي تتطرق إلى واحدة من أكثر الأوقات الحرجة في تاريخ مصر الحديث، عندما تولى الملك فاروق حكا مصر، وهو ما زال شابا لا يملك كثير من خبرة الإدارة والفهم بأمور السياسة.
واجهت فترة توليه كثير من التشويه، خاصة، وأن ثورة يوليو خلعته من منصبه، ولكن جاءت أداث المسلسل منصفة إلى حد كبير تعرض شكل الحياة السياسية في مصر خلال هذا الوقت بتكليفات تشكيل الحكومة والنواب والخلافات مع الملك وأهم ملامح علاقته بعائلته.
نال المسلسل 6 جوائز ذهبية من مهرجان القاهرة للإعلام العربي، تم إنتاجه من قبل شبكة mbc عام 2007، أخرجه المخرج السوري حاتم علي، وكتبته لميس جابر بإشراف من المؤرخ يونان لبيب رزق، واستطاع المسلسل أن يحظى بشعية كبيرة ومشاهدات ضخمة، قام بالبطولة (تيم حسن ووفاء عامر وعزت أبو عوف وصلاح عبد الله).
مسلسل (نابليون والمحروسة – 2012) وهو من نوعية (الدراما التاريخية) التي سلطت الضوء على كيف كانت تبدو القاهرة عندما قرر نابليون بونابرت أن يقتحمها بجيوشه؟ كيف كان يقضي أهلها يومهم؟ ما هي مشكلاتهم؟.
يحاول المسلسل أن يجيب عن هذه التساؤلات من خلال عمل درامي يوثق لوحدة من أهم النقلات التاريخية في التاريخ الحديث لمصر، فيرصد بداية دخول الحملة الفرنسية لمصر والصراع الاجتماعي والسياسي وهزيمتها في النهاية.
قام ببطولة المسلسل (ليلى علوي وشريف سلامة ووفرح يوسف وهادي الجيار)، كتبت أحداثه عزة شلبي، وأخرج المخرج التونسي شوقي الماجري، وتم إنتاجه عام 2012.
في الحلقة القادمة نستعرض أبرز المسلسلات التاريخية السورية