(أيام الغضب).. أيقونة (منير راضي) التي أعطت أكبر الجوائز لـ (إلهام شاهين)!
* يقدم الفيلم نماذج بشرية مختلفة تم قهرها لأسباب مختلفة
* (أيام الغضب) هو أقوى بداية لمخرج جديد في السنوات الأخيرة
* قدمت إلهام شاهين مشاهد معدودة أفضل أدوارها على الإطلاق
* سعيد عبدالغني كان اكتشافا حقيقيا لممثل مدهش ومفاجئ حمل الفيلم كله على كاهله
كتب : أحمد السماحي
رحل يوم السبت الماضي 22 سبتمبر المخرج الموهوب (منير راضي)، عن عمر يناهز الثمانين عاما، وهو المخرج الوحيد من بين خريجي معهد السينما – كما ذكر الناقد السينمائي (سامي السلاموني) – الذي لم يقترب من الإخراج طوال نحو خمسة عشر عاما منذ تخرجه.
فلم يعمل (منير راضي) في الأفلام التسجيلية مثلا، ولا في التليفزيون، رغم أنه ينتمي لعائلة (راضي) أنشط العائلات الفنية التى لا يتوقف أفرادها عن العمل في أكثر من مجال فني.
ولعل هذا نفسه كان سببا قويا في احتجاب هذا المخرج الموهوب، أو تأخر إقدامه على العمل لأنه فيما يبدو كان يكتفي بالبقاء في ظلال هذا النشاط الفني العائلي، حتى استغرقه طوال هذه السنوات.
وهى مدة طويلة جدا يمكن أن تتعطل فيها أدوات الفنان إلى أن تصدأ، لأن السينما ممارسة عملية مستمرة لابد أن تتعامل مع الواقع أولا بأول لكي تكتمل خبرات المخرج نفسه.
وتنضج من فيلم إلى فيلم، لأنه ليس شاعرا أو روائيا يمكن أن يجلس في البيت وينتج، ولكن لا أحد ينكر في نفس الوقت أن ظروف السينما في حقبة الثمانينات لم تكن سهلة أو مريحة حتى بالنسبة لكبار مخرجينا.
سلم لنا ع الترماي
بدأ (منير راضي) مشواره السينمائي مع الإخراج عام 1989 بفيلم (أيام الغضب) الذي عرض مع قلة من الأفلام الجيدة التى تع على أصابع اليد الواحدة، ومجموعة كبيرة من أفلام المقاولات.
واستقطب (أيام الغضب) مشاهدة جماهيرية ضخمة، وكتابات نقديمة مهمة، وحصلت نجمته إلهام شاهين على أكبر عدد من الجوائز عن دورها القصير جدا في هذا الفيلم والتى لا تزيد عن 7 مشاهد.
كما نجحت بقوة في الشارع المصري أغنية (سلم لنا على الترماي) كلمات الشاعر المبدع سيد حجاب، وألحان سامي الحفناوي، وغناء نجاح الموجي، التى رددها وقتها كل فئات الشعب المصري.
فكرة تؤرق بشير الديك
كان السبب الرئيسي في نجاح الفيلم فضلا عن جهد المخرج (منير راضي) قوة موضوعه الذي يستكمل فكرة أساسية تشغل ذهن وتؤرق مؤلفه الكاتب الكبير بشير الديك منذ قدم (سواق الأتوبيس)
وهى التحولات الخطيرة التى حدثت لعلاقات الأسرة المصرية وقيمها الأخلاقية والعاطفية منذ السبعينات، نتيجة للسعار المادي المحموم الذي أصاب المجتمع المصري كله.
وما ترتب أيضا على الهجرة المكثفة للشباب المصري للعمل في الدول العربية مما أدى بالضرورة إلى تفسخ الكثير من الهيكل الأخلاق التقليدي الراسخ للأسرة المصرية.
وهي فكرة تلح بقوة على الكاتب والسيناريست بشير الديك حتى أنه عالجها في فيلم أخرجه هو بنفسه هو (سكة سفر).
مصر حلوة قوي من فوق
(مصر حلوة قوي من فوق) يبدأ المخرج (منير راضي) الفيلم وينتهي بهذه الجملة وما بين الأولى والأخيرة تدور أحداث فيلم (أيام الغضب) الذي يدورحول مغترب مصري يدعى إبراهيم (نور الشريف) يعود إلى الوطن بعد سنوات طويلة من الغربة.
والشقاء يحدوه شوق كبير للقاء زوجته (صفاء) – وهي ابنة عمه أيضا – التي كان قد عقد عليها قبل سفره لكنه لم يدخل بها، وكان خلال سنوات غربته يبعث لها كل ما يكسبه من مال لكي تشتري وتجهر شقة تكون عشا للزوجية
لكنه يفاجئ أن تعبه طوال سنوات الغربة استولت عليه زوجته وابنة عمه التى لم يدخل بها، وتعيش حياة سعيدة مع رجل آخر، بعد أن حصلت على الطلاق، وعندما يطالب إبراهيم بحقه تتهمه الزوجة بالجنون، بينما يقف عمه عاجزا عن الكلام لا ينطق بكلمه.
أيام الغضب وشرائح مقهورة
عندما يثور إبراهيم يحملوه بالقوة والزيف إلى مستشفي الأمراض العقلية، وفي المستشفى نشاهد نماذج بشرية مختلفة تم قهرها لأسباب مختلفة، منها الشاب المثقف الذي يحلم بتعمير الصحراء، والموظف الذي حملوه مسئولية جريمة فساد ما، فأصبح كل همه أن يبحث عن السجائر.
وكذلك الشاب الصعيدي الذي يكتب خطابا لأمه يرجوها أن تزوره، والشاب الذي أصابه جنون كرة القدم فتصور نفسه حكما يطلق الصفارة باستمرار، وأيضا الشاب المحطم تماما حتى ارتضى أن يصبح أداة بطش في يد (ضيا) ممرض العنبر الفاسد المتوحش الذي يبتز الجميع ويضربهم ويجبرهم على التسول.
ويرتكب كل أشكال القهر بما فيها إجبار المرضى على تناول دواء قاتل ينهك قواهم، ونكتشف بالصدفة أن زوجته هي ممرضة أيضا في عنبر النساء تمارس نفس الفساد.
وعندما تجئ إلى المستشفى الفتاة الريفية الجميلة (سميحة) والتى يسوقها أبوها كالبهيمة بعد أن فقدت عقلها هربا من زوج عربي ثري باعها له، يغتصبها (ضيا) مقابل قطعة لحم، وعندما تحمل تجهضها زوجة (ضيا) الممرضة حتى تقتلها، وتستمر الأحداث على هذا النحو حتى يحل (المجانين) مشكلتهم بأنفسهم.
وبالتمرد الدموي بقتل الممرض الطاغية بقيادة (إبراهيم) الذي يهرب، ويلجأ إلى الحل الدموي هو أيضا حين يقتل الرجل الذي صنع به كل هذا، ويغمغم بجنون حقيقي هذه المرة، وهو يراقب القاهرة من عربة السجن، ويقول جملته التى سبق وذكرها وهو في الطائرة (مصر حلوة قوي من فوق)، ولكن دلالتها هذه المرة أكثر جرحا ومأساوية!.
سامي السلاموني و(أيام الغضب)
كتب الناقد السينمائي الكبير نقد مهم عن فيلم (أيام الغضب) في مجلة (الإذاعة والتليفزيون) في شهر سبتمبر عام 1989، ننشر منه بعض الأجزاء: ما يغفر لـ (منير راضي) تقاعسه كل تلك السنوات في حق نفسه وموهبته هو أنه صبر وقاوم طويلا دون أن يسلم حلمه وما تعلمه لتطويه نهائيا ظلال اليأس والنسيان.
وإنما استطاع أن يستدمع قواه وعلى آخر نفس كما يقولون، وقبل فوات الوقت ليقدم فيلمه الأول والمتأخر جدا، بحيث يدهشنا إلى أقصى حد بجرأته، ومستواه المتقدم، بحيث لو كان قد انتظر كل هذا الوقت ليصنع (أيام الغضب) بالذات، فإن المخرج كان على حق اذن، والفيلم يستحق كل هذا الانتظار.
والمدهش أكثر أن يختار المخرج أسوأ لحظات الإنتاج المصري ودار العرض المصرية ومزاج المتفرج المصري، لكي يقدم هذا الموضوع بالذات، وبهذا الأسلوب بالتحديد.
منتهى الجدية والصرامة إلى حد القسوة والتجهم، ودون تقديم تنازل أو إغراء واحد للمتفرج، وكأنه ينفي بهذه الشجاعة أي اتهام سابق بالتخاذل أو فقدان الهمة، خاصة وهو المنتج أيضا.
وفي أولى محاولاته التى يتحمل مسئوليتها كاملة بمفرده، وقد يفقد فيها كل ما يملك، فمن الذي يريد الآن في ذروة السوقية والسخف أن يذهب إلى فيلم يصدمه إلى حد (الصفعة)!
أيام الغضب والأداء التمثيلي
يستكمل السلاموني وجهة نظره فيقول: لست أبالغ إذ قلت إن (أيام الغضب) هو أقوى بداية لمخرج جديد في السنوات الأخيرة، فـ (منير راضي) متمكن من أدواته تماما في موضوع يدور في مكان مغلق، مما يمثل تحديا لأي مخرج.
ونجح (منير راضي) في إدارته للممثلين حتى ينتزع منهم أفضل مستوياتهم التى تدهشنا بالنسبة لـ (إلهام شاهين) بالذات التى قدمت في مشاهد معدودة أفضل أدوارها على الإطلاق، وتؤكد أنها ممثلة موهوبة أكثر بكثير مما تقوله كل أفلامها، ثم (سعيد عبدالغني) الذي كان إكتشافا حقيقيا لممثل مدهش ومفاجئ حقا حتى حمل الفيلم كله على كاهله.
وحتى الأدوار الصغيرة لممثلين مثل (أمل إبراهيم، وعلاء ولي الدين، ومحمد الصاوي، وسعيد الصالح) كلهم كانوا رائعين.
……………………………………………..
أهم الأحداث الفنية التى حدثت عام 1989 كما جاءت في كتاب (وقائع السينما المصرية في مائة عام) للناقد السينمائي علي أبوشادي.
** تم عرض 48 فيلما، وشهد العام ميلاد مخرجين فقط، هما منير راضي الذي قدم (أيام الغضب)، وإبراهيم الموجي الذي قدم (المرشد)، وعرض فيلم (أيام الغضب) في مسابقة مهرجان دمشق السينمائي الدولي وحصلت إلهام شاهين على جائزة أحسن ممثلة، كما فاز نجاح الموجي بجائزة أحسن ممثل.
** تم عرض فيلم (الإرهاب) إخراج نادر جلال عن قصة للكاتبة حسن شاه، وهو أول فيلم مصري يحمل عنوانه كلمة (الإرهاب)، وتورط صناعه في إدانة عملية تورط مصر ضد الوجود الههيوني في مصر.
** حصل فيلم (الأرجواز) للمخرج هاني لاشين، على الجائزة الأولى من مهرجان فالنسيا، وعقد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي دورته الثالثة عشر دون مسابقة رسمية.
** حصل المخرج مختار أحمد علي على جائزة الدولة التشجيعية عن فيلمه التسجيلي (الطين)، وحصل الفيلم التسجيلي (قوافل الحضارة) إخراج علي الغزولي على الجائزة الثانية في مهرجان تيوتوجراد بيوغسلافيا.
** أعلن صندوق دعم السينما نتائج مسابقته السنوية بقوز فيلم واحد فقط وهو (عنبر الموت) إخراج أشرف فهمي، وحصل على عشرين ألف جنية.
** حصل فيلم (أحلام هند وكاميليا) لمحمد خان على جائزة أحسن فيلم من المركز الكاثوليكي، وتحولت الثقافة الجماهيرية إلى هيئة عامة وتغير إسمها إلى الهيئة العامة لقصور الثقافة، وتم إلغاء صندوق دعم السينما وإدماجه في صندوق التنمية الثقافية.
** انعقد المهرجان القومي الثاني عشر للأفلام التسجيلية والقصيرة بالإسماعيلية في شهر أبريل وفاز فيلم (إيقاع الحياة) لعطيات الأبنودي بالجائزة الذهبية، وفيلم (إنجي) لمحمد شعبان بجائزة لجنة التحكيم الخاصة.
** تم إفتتاح قصر السينما بجاردن سيتي بالقاهرة في 16 نوفمبر وهو أول قصر ثقافة متخصص في السينما به ثلاث قاعات للعرض، ومكتبة سينمائية متخصصة وقاعة للإستماع للموسيقى، وبلاتوه للتصوير، وأطلق على القاعات أسماء سعد نديم، وشادي عبدالسلام، وأحمد بدرخان، وفريد المزاوي، وفؤاد الظاهري، وأحمد كامل مرسي.
……………………………………………..
الأفلام التى عرضت عام 1989 حسب موسوعة الأفلام العربية للناقد السينمائي محمود قاسم.
عرض عام 1989 مجموعة كبيرة من الأفلام وإن كانت أقل من عام 1988 الذي عرض فيه 56 فيلم، لكن عام 1988 عرض 48 فيلم فقط هي (يا عزيزي كلنا لصوص، صراع الأحفاد، الدنيا على جناح يمامه، عنبر الموت، انتحار مدرس ثانوي، بستان الدم، كابوس، عائلة مشاغبة جدا، جيران آخر زمن، عريس في اليانصيب، احنا اللي سرقنا الحرامية، أرملة رجل حي
والصعايدة جم، المعلمة سماح، ثمن الغربة، حارة الحبايب، خيانة، عليش دخل الجيش، الوحوش الصغيرة، الغني والفقير، الحقونا، حارة برجوان، المغتصبون، جحيم تحت الماء، المشاغبات في خطر، المولد، باب شرق،
وأولاد خطر، الكداب وصاحبه، فتوات السلخانة، كتيبة الأعدام، أيام الغضب، لست قاتلا، فضيحة العمر، اعتصاب، قلب الليل، الإرهاب، ولاد الأيه، واللعب بالنار، المرشد، الفتى الشرير، العجوز والبلطجي، العميل رقم 13، كراكيب، الأرجواز)
……………………………………………..
بطاقة فيلم أيام الغضب
إنتاج : راضي كالر للإنتاج والتوزيع السينمائي
مدير الإنتاج : ملاك توفيق
قصة وسيناريو وحوار: بشير الديك
موسيقى تصويرية : مصطفى ناجي
مونتاج : أحمد متولي
مكياج : أحمد حسن، وجمال رضوان
كوافير : علي محمد
ملابس : علي عزت، وعليه أحمد
ريجسير: مصطفى شميس
مصور : مجدي راضي
مهندسا الديكور: صلاح مرعي وعادل المغربي
بطولة (نور الشريف، يسرا، إلهام شاهين، سعيد عبدالغني، نجاح الموجي، محمد خيري، محمد لطفي، صلاح نظمي، أمل إبراهيم، حمدي يوسف، فيفي يوسف، محمد أبوداود، محمد الصاوي، مخلص البحيري، مروة الخطيب، علاء ولي الدين) وغيرهم.