بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
أصدر الدكتور جابر عصفور قرارا وزاريا بإنشاء مهرجان دولى للمسرح تحت اسم مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر و(التجريبى) برئاسة الأستاذ الدكتور سامح مهران.
وقوبل هذا القرار بكثير من الاعتراضات بسبب تعارض ظنه البعض بين مصطلحى المعاصر و(التجريبى)، بل قال البعض انهما متناقضان ولا يجوز الجمع بينهما.
ومضى الكل يفسر كلا من المصطلحين على هواه أو حسب خلفيته الثقافية و المعرفية، وبرغم أن ردود كل من الأستاذ الدكتور سامح مهران والدكتور حازم عزمى، على تلك الاعتراضات كانت ردودا علمية قوية مدعومة بكثير من الأسانيد والأبحاث لكن الهجوم لم ينقطع.
وأعتقد أن قلة قليلة كانت تناقش أمر المهرجان (التجريبي) بشكل علمى، أما الباقين فقد انقسموا لثلاث فئات : الأولى ترى ضرورة عودة المهرجان باسمه الأصلى، ولذا اعترضت على إضافة مصطلح المعاصر، والثانية ضد عودة المهرجان أيا كان اسمه.
إقرأ أيضا : عصام السيد يكتب: الدورة الـ 30 من (المهرجان التجريبى): ماهو التجريب؟!
أما الفئة الثالثة – و هى أقلية – أدمنت الاعتراض على كل شيء وأي شيء خاصة لو لم تكن لها مصلحة مباشرة أو استفادة مادية من ورائه، و تلك فئة ابتلينا بها وصارت موجودة في حياتنا على كافة المستويات الفنية و الثقافية وحتى الاجتماعية.
وكأنهم أثر من (الآثار الجانبية) للثورة، و بعيدا عن كل تلك المناقشات لم يعلم أحد – سوى قلة – أنه لولا تعديل الاسم لما عاد المهرجان!
بدأت أولى خطوات الإعداد لدورة جديدة من المهرجان في عام 2015 بأن يتم توفير مقر له يمارس من خلاله العمل، و برغم صدور قرار وزارى أن يكون المقر هو المقر السابق للمهرجان (التجريبي)، الذى كان يحتل الدور الثانى من مبنى قطاع الإنتاج الثقافي.
إلا أن الدكتور (مهران) عندما توجه إلى هناك فوجئ بوضع شاذ وغريب، فقد استولى قطاع الإنتاج على كافة الغرف الموجودة بالدور الثانى كاملة، ووضع فيها مكاتب لموظفيه، و لم يبق سوى غرفة واحدة هى مكتب رئيس المهرجان!
ويبدو أن رئيس قطاع الإنتاج الذى أصدر قرار الاستيلاء هذا – بعد الثورة – قد خشى غضب الأستاذ الدكتور فوزى فهمى رئيس المهرجان (التجريبي) السابق فأبقى علي مكتبه فقط.
مكتب (التجريبي) مخزنا
وعندما تم فتح المكتب فوجئ (مهران) بأنه تحول الى مايشبه المخزن، فقد جمعت فيه كمية ضخمة من شرائط الفيديو الخاصة بالعروض التي تقدمت إلى دورات سابقة وبعض السيديهات.
في حين أنه لم يتم العثور على أي ملفات تخص الشئون المالية أو الإدارية للمهرجان (التجريبي)، باستثاء ملفات تضم بعض جداول عروض الدورات الأخيرة، بل إن الكنز الأكبر للمهرجان و هى مطبوعاته التي كان يتهافت عليها الجميع من مسرحيين مصريين وعرب فلم تكن كلها موجودة.
فهناك قليل من نسخ من عناوين محدودة، وضعت بشكل عشوائى وغير مصنف، في مكتبة متهالكة، في غرفة أخرى تخص سكرتارية رئيس المهرجان (التجريبي)، ضمن الغرف التي استولى عليها موظفو قطاع الإنتاج!
إقرأ أيضا : عصام السيد يكتب: 30 دورة من المهرجان التجريبي
كان وضع المقر مأساويا بكل المقاييس، تكييف لا يعمل ومقاعد متهالكة، والشرائط تملأ المكان في ظروف تخزين سيئة تهدد بتدميرها، وطلب المخرج الكبير ناصر عبد المنعم إهداء كافة شرائط الفيديو والسيديهات للمركز القومى للمسرح على أن يتولى المركز ترميمها و نقلها الى نظام (الديجيتال) واتاحتها للباحثين.
لأنه غير مصرح بعرضها عرضا عاما حسب قوانين الملكية الفكرية، ومع ذلك استطعنا الاستفادة من تلك الشرئط – فيما بعد بسنوات – بعرض بعضها في دورة اليوبيل الفضى للمهرجان دون التعدى على تلك القوانين من خلال ندوات اسميناها ذاكرة (المهرجان التجريبي).
عبثا حاول الدكتور (مهران) استعادة بعضا من الغرف الخاصة بالمهرجان (التجريبي)، ولكن هيهات ، فلم يجرؤ مسئول واحد على أن يعرّض نفسه لغضب الموظفين المتوقع من جراء إعادة تكديسهم مرة أخرى، وإخلاء غرف المهرجان (التجريبي) التي استولوا عليها.
واتضح من هذا التصرف أن المهرجان (التجريبي) أصبح يُنظر له على أنه (نشاط زائد عن الحاجة)، بعد أن كان نشاطا رئيسيا تشارك فيه الوزارة كلها، وازداد الأمر صعوبة بعد نقل إدارة المهرجان القومى للمسرح – بشكل مؤقت – إلى نفس المكتب، فصارت تلك الغرفة كسوق إمبابة في يوم جمعة شديد الحرارة.
ميزانية المهرجان (التجريبي)
ومع التخطيط لدورة جديدة أصبح البحث عن ميزانية للمهرجان (التجريبي) أمرا حتميا، ولكن لم يستطع أحد أن يجيب عن السؤال: أين ميزانية المهرجان؟، وكيف صرفت في السنوات التي توقف فيها المهرجان؟
فقد كان الجميع يتخيل أن هناك ميزانية ثابتة للمهرجان (التجريبي) ضمن ميزانية وزارة الثقافة التي تخصصها الدولة كل عام، ولكنه كان مجرد خيال فقط، فلم يعثر أحد على بند من بنود موازنة الوزارة يحمل اسم المهرجان (التجريبى)، بعكس مهرجان القاهرة السينمائى.
إقرأ أيضا : عصام السيد يكتب: سامى خشبة .. مفكر وناقد من عصرنا (1)
ومضت رحلة طويلة للبحث عن تلك الميزانية ومن أين كانت تأتى، ولم نجد أحدا يملك إجابة شافية أو وافية!، فلا أوراق أو ميزانيات أو قرارات يمكن ان تستند إليها إدارة المهرجان لاسترجاع تلك الميزانية التي قدرها البعض بأحد عشر مليونا من الجنيهات و زادتها الشائعات الى 14 مليون في زمن كان فيه سعر الدولار 5 جنيهات.
وفي النهاية أفتى بعض الموظفين بأن كل جهة من جهات الوزارة كانت تتحمل جزءا من الميزانية في النشاط الذى يخصها، فمثلا يتحمل المجلس الأعلى للآثار – وقت كان تابعا لوزارة الثقافة – قيمة مطبوعات المهرجان من كتب ونشرات ودعوات التي يطبعها في المطبعة التابعة له، وتقدم دار الأوبرا وقطاع الإنتاج مسارحها للمهرجان دون مقابل.
وهكذا، ولكن الجزء الأكبر من الميزانية كان يتحمله صندوق التنمية الثقافية الذى كان يرأسه الوزير، وجزءا آخر من بند (المهرجانات) الذى كان يوجد في موازنات كل قطاعات الوزارة (قبل أن يصبح بكامله تحت سيطرة قطاع مكتب الوزير).
تمويل المهرجان (التجريبي)
حاولت إدارة المهرجان (التجريبي) أن تعود الى هذا النظام في تمويله، ولكنها فوجئت بأن صندوق التنمية الثقافية يعانى ماديا بعد فصل الآثار عن وزارة الثقافة، فلقد كان مصدر تمويله الرئيسى – الذى يقدر بالملايين – يأتي من نسبة مخصصة من إيرادات الأماكن الأثرية و المتاحف تبلغ 10 %.
وتوقف تحويل تلك النسبة بعد أن أصبح للآثار وزارة منفصلة، وفشل جميع وزراء الثقافة في استعادتها، وخشى رؤساء الوزراء أن يعيدوها خوفا من مظاهرات اندلعت بين موظفي الآثار!.
أما باقى قطاعات الوزارة فقد تقاعست عن المساعدة ولم تجد إرادة وزارية تجبرها على ذلك خاصة في ظل عدم استقرار الوزارة وكثرة تغيير وزرائها، فلقد صادف ذلك التوقيت تولية الأستاذ الدكتور عبد الواحد النبوى مقعد الوزارة بدلا من الأستاذ الدكتور جابر عصفور.
لذا تقدمت إدارة المهرجان في عام 2015 بموازنة متواضعة للغاية لتنفيذ الدورة الثالثة والعشرون من عمر المهرجان (التجريبى) تتضمن عددا محدودا من العروض والضيوف وبدون طباعة للكتب بعد أن فشلت في تدبير تمويل لها.
إقرأ أيضا : عصام السيد يكتب : سامى خشبة .. شجاعته وحُسن إدارته (2)
في نفس الوقت كانت لجان المهرجان (التجريبي) تعمل بجد شديد – برغم الظروف الصعبة التي تواجه إدارة المهرجان – ومن ضمن تلك اللجان كانت لجنة المشاهدة التي لم يتقدم لها سوى 60 عرضا فقط لتختار من بينها، واقترحت الأستاذة الدكتورة هدى وصفى رئيسة اللجنة في ذلك الوقت أن تراسل إدارة المهرجان المراكز الثقافية الأجنبية مطالبة بتفعيل بروتوكولات التعاون الثقافي بينها و بين مصر.
ولكن الموقف السياسي لبعض الدول كان ضد مصر في ذلك الوقت بسبب فهم خاطئ لما جرى في 30 يونيو.
وكان هذا سببا قويا يجعل من إقامة الدورة الجديدة ضرورة سياسية حتى نتمكن من تغيير الصورة، فحضور وفود من دول مختلفة سيثبت لهم أن ما حدث في 30 يونيه كان بإرادة جماهيرية، ولكن الأحداث أخذت طريقا مختلفا!
و لتلك الأحداث حديث آخر…