نكشف المحذوف من رائعة (التليفون) لـ (عبدالهادي بلخياط)، ونزار قباني
المطرب الحقيقي يمتلك حساً استثنائياً بالكلمة التي يغنيها، فهي لابد أن تتسرب إلى أعماقه، وتذوب في وجدانه، ويجب ألا تكون زائدة، أو مكررة، أو ثقيلة على الأذن، وإلا رفضها على الفور وطلب من الشاعر مؤلف الأغنية تغيير هذه الكلمة أو ذلك المقطع، فى هذا الباب سنتوقف مع بعض الأغنيات التى تم تغيير بعض كلماتها، أوحذفها.
كتب: أحمد السماحي
قدم عملاق المغرب (عبدالهادي بلخياط) العديد من الروائع التى لا تنسى، سواء في الغناء باللهجة العامية المغربية، أو باللغة العربية، وانفتح على العديد من المدارس اللحنية سواء المغربية أو العربية.
ومن القصائد المهمة التى قدمها عبدالهادي بلخياط قصيدة (التليفون) التى كانت أول لقاء يجمعه بالشعر السوري الكبير نزار قباني، وألحان عبدالرحيم السقاط الذي كون ثنائيا ناجحا مع (بلخياط) في العديد من الروائع منها (قطار الحياة، حكاية حب، الصورة) وغيرها.
هذا الأسبوع في باب (محذوفات الأغاني) نتوقف عند رائعة (التليفون) التى كتبها نزار قباني في ديوان (أنت لي)، ولحنها عبدالرحيم السقاط، وقام بغنائها (عبد الهادي بلخياط) الذي حذف مع السقاط بعض الكلمات التى يمكن أن يكون بها إيحاءات جنسية.
قصيدة التليفون لـ (عبد الهادي بلخياط)
اليوم سننشر القصيدة كاملة كما كتبها نزار قباني، وستجدون الكلمات المحذوفة مكتوبة باللون الأحمر:
همستكِ الحلوة في الهاتف
أحلى من المعزَفِ والعازف
لثغاءُ.. قولي. إنّني ذرَّة ٌ
على عقيق الأحمر الواجف..
لا تقطعي سحبة قيثارةٍ عني
دمي للموعد الخائف
حنجرة ٌرائقة، زقزقت
في مسمعي، كالوتر الراجف
من صاحب الميعاد؟ مجهولة ٌ
تمثـَّلت كالحُلـُمِ الطائف
فم يناديني حنون الصدى
إلى لقاءٍ، مزهر ٍ، وارفِ
أكاد استنشق.. رغم المدى
رائحة القميص والسالف
لهاثـُها عندي.. وأنفاسها عندي
وحمَّى صدرها العاصف
قد التقينا قبل أن نلتقي
على شريطٍ ، دافيءٍ، عاطفي
تفجـَّر السلكُ ندىً.. واكتسى
براعماً.. من بوحك الخاطف
إن توجدي وحيدة ً.. ليلة ً
فزقزقي… قلبي على الهاتف
نزار شاعر التليفون
تعد تجربة (نزار قباني) الشعرية أكثر التجارب الشعرية العربية الحديثة انتشاراً في الوطن العربي، وأكثرها إثارة للجدل النقدي والإعلامي، لم يتوقف النقد عند حدود نتاجه الشعري بل اهتم بشخصية الشاعر.
فلقـب بألقاب كثيرة من أهمها (شاعر المرأة، وشاعر النهود، وشاعر الإباحية، وشاعر الفجور، والشـاعر التاجر، وشاعر الهزيمة، وشاعر التناقض، وشاعر القضية، والشاعر الملتزم)، وغيرها من الألقاب.
إقرأ أيضا : تعرف على الذي حذفه وأضافه (عبدالهادي بلخياط) إلى قصيدة (فاروق شوشه)
هذا الألقاب تكشف عن مواقف أيديولوجية تجاه الشاعر إنساناً وشاعراً، فتحول النقد عند هؤلاء وأولئك إلى هجاء أو إلى مدح، وشجع هؤلاء وأولئك اعتراف الشاعر بتناقضاته!، وتحولاته، وجنونه، واعتزازه بهذه الصفات.
ولم يتوقف عند تأكيد ذلك إعلامياً، بل تعداه إلى تأكيده شعرياً، إذ يؤكد أنه فعل ذلك نكاية بسيوف الانكشارية، ويعلن ولاءه المطلق للنهود، ويعدها منطلقاً لتحرر جسد المرأة وإخراج عواطفها من السرية إلى العلنية.
ومن هنا واجهت الدارسين صعوبة الفصل بين شخصية نزار قباني الإعلامية، وشخصيته في الحياة اليومية، وشخصيته الشعرية، وهكذا فعلى الرغم من سهولة تجربته الشعرية، من حيث لغتها وموضوعها، إلا أنها غدت من أكثر التجارب الشعرية العربية المعاصرة غموضاً.
إذ من السهل جداً القبض علـى مضمونها الظاهر، ولكن القبض على الوجه الخفي في شعره والذي يختبئ تحت عباءة الرمز يكاد يكون مستحيلاً.
كلمات عن عبدالهادي بلخياط
(عبدالهادي بلخياط) أحد أعمدة الأغنية المغربية، حيث يعتبر إلى جانب (عبد الوهاب الدكالي) من أهرامها، وتمكنوا من التربع على عرش الأغنية المغربية لمدة تقارب 50 سنة.
عشق (عبد الهادي بلخياط) الموسيقى منذ صغره مما دفع به لمغادرة مدينة فاس، ويستقر بالدار البيضاء، ونجح بسرعة غريبة في الوصول إلى قلوب المغاربة بمساعدة الإعلاميين محمد قوينح، والمعطي بن قاسم، وفرض أسلوبه الجديد في الساحة الغنائية بحنجرته الدافئة وألحانه الجميلة.
حضر (عبد الهادي بالخياط) إلى مصر في منتصف الستينات وقضى فيها ثلاث سنوات من 1965 إلى 1967 وعرفه العديد من المصريين، لكن حدوث نكسة 1967 جعلت الأوضاع الغنائية في مصر سيئة مما دفعه للعودة مجددا للمغرب.
إقرأ أيضا : المحذوف من رائعة “الشاطئ” لـ “عبدالهادي بلخياط”
لمع نجم (عبد الهادي بلخياط) لسنوات عديدة فقدم خلالها روائع عديدة كـ (يا بنت الناس، أنا فقير، دراهم يومي معدودة، والقمر الأحمر، وفي قلبي جرح قديم، والشاطئ، وميعاد، وعاوني ننساك، وماتقابش بي، وقطار الحياة) وغيرها الكثير من الروائع التى لازالت تتردد كل يوم وكأنها من التراث المغربي.
قدم (عبدالهادي بلخياط) أغنية (المنفرجة) بعد اعتزاله الفن، وتفرغه للعبادة فقد أصبح إمام مسجد بمدينة الدار البيضاء، فجعل من أغنية (المنفرجة) قطعة عالمية بعد أن أعاد توزيعها واضاف لمساته الفنية عليها.
نبذة عن ملحن التليفون
أهدى الملحن والمطرب المغربي الرقيق (عبدالرحيم السقاط) المغاربة والعرب العديد من الروائع الغنائية المحفورة في الوجدان من بينها (ما بقيتي عندي في البال) للحبيب الإدريسي و(علاش يا غزالي) التي أداها المطرب الراحل المعطي بنقاسم.
والعديد من الأغاني الخالدة مثل (بلغوه سلامي) و(عيني علاش الدموع) من أداء عبد الوهاب الدوكالي، و(شفت الخاتم وعجبني) لنعيمة سميح، و(كأس البلار) و(خسارة فيك غرامي) من غناء فتح الله لمغاري، وغيرها الكثير.