عمرو أديب .. إعلامي مثير للجدل، يمتلك الكاريزما والمهنية!
بقلم: محمد حبوشة
يعتبر الإعلامي (عمرو أديب) المثير للجدل الآن وفي كل حين دائما، واحدا من المذيعين الذين يملكون حرفية الإعلام عن كثب، طبقا لمفهوم الإعلام كما أفصح عنه (غريغوري باتسن): هو التباين الذي يصنع التباين، وفي زمن يشهد تسارع وتيرة انتشار الأخبار، ازدحام الجرائد وكثافة التدوينات.
وفي بيئة عربية يتحكم في إعلامها، أوجد الإعلام للكل فضاء للتعبير، للإخبار، كسرا للزمكانية تصلنا المعلومات والأحداث أولا بأول، وبهذا يعتبر الإعلام الجديد مرحلة متطورة فتحت الفرص من خلال وسائله وأدواته للكل أن يكون إعلاميا، لكن ليس على وتيرة (عمرو أديب) الاحترافية في مخاطبة الجماهير العريضة.
لكن كيف ينبغي أن يكون حال الإعلامي مثل (عمرو أديب) الذي يصنع هذا التباين؟ في عالم إعلام اليوم الذي بات لغة وتوجها وتربية، بل أضحى يسهم بقدر هائل في تشكيل مفردات هذا الجيل؟
وبالعودة قليلا والتمعن الجيد في الوظائف والمقاصد الحقيقة التي يعنى بها الإعلام بمختلف وسائله نلحظ تعديا صارخا من الذين تسميهم وسائل الإعلام اليوم إعلاميين، إلا أنني لا أعتبر كل من يبث معلومة أو خبرا إعلاميا، فالمواصفات والمقومات التي تعبر عن كون الإعلامي إعلاميا ناجحا لم تعد تتوفر إلا في قليل على رأسهم الإعلامي القدير (عمرو أديب).
فهل يدرك فعلا إعلاميو اليوم المسؤولية المنوطة بهم؟ إن الإعلام من وجهة نظر (عمرو أديب) ليس مهنة من لا مهنة له كما تعرف اليوم القنوات توظيفا للأجمل والأكثر رشاقة، بدل الأكفا.
ينتهج (عمرو أديب) بعد أصبحت الرداءة تسحوذ على أغلب ما يبث، لغة خاصة تعتمد على الموضوح والشفافية في معالجة القضايا على جناح الفكاهة تارزة والسخرية من الواقع المرير تارة أخرى.
إقرأ أيضا : (حقك طبعا يا عمرو بيه)
فـ (عمرو أديب) يعمد أن يصنع الإعلامي وعيا ويغير قناعة ويغرس سلوكا بات يقاوم ضحالة الفكر، فالجهود الإنتاجية تضيع اليوم بسبب السياسيات الفاشلة بدل أن توجه لنهجِ تخطيط إعلاميٍ رشيد يحترم المتلقي ويعتبره محوراً هاماً في العملية الإتصالية.
لهذا فهو يضع نصب عينه ضرورة إرضاء المشاهد الذين أصبح مشتتا في ظل تعدد القنوات ومصادر المعرفة المتنوعة، وذلك تلبية للحاجياته الفكرية، الثقافية والمعرفية، التي يتعطش لها المشاهد.
عمرو أديب يقدس الموضوعية
فالإعلامي (عمرو أديب) هو من النوع الذي نريد اليوم، هو من يؤمن بأن الرسالة الإعلامية الهادفة يجب أن تصل للمتلقي عبر مرسل يقدس حدود الموضوعية ويتقن معالجة الأخبار والمعلومات بعقلية لا تؤمن بسياسة الولاءات، بل بروح المبادرة مع الإحساس بجسامة المسؤولية الاجتماعية التي تفرضها المهنة أخلاقيا.
يسير (عمرو أديب) في العادة على الأشواك الصعبة، مدركا أننا نحن نعيش رحلة البحث عن إعلامين يؤمنون بالحرية والاستقلالية، يملكون من الجرأة، النزاهة والشفافية قدراً شاسعا.
نعم نبحث فعلا عن إعلاميين يحترمون العقول باحترام الأذواق والخصوصيات، وإعطاء الثقافة، اللغة، القيم والأخلاق مبلغها الحقيقي في كل مادة إعلامية تنتج عبر الشاشة التي أصبحت مفتوحة على مصراعيها.
يؤمن (عمرو أديب) أننا نريد إعلاما متقيدا بضوابط أخلاقيات المهنة، والثقافة البناءة التي تساهم في بناء الإنسان وتحفظ موروثه، نحن بحاجة ماسة اليوم لإعلامي يوسع سعة نظره بدقة وشمولية في آن واحد وهو ما يفعله من خلال إطلالته المميزة عبر برنامج (الحكاية) على قناة (mbc مصر).
وفي الواقع فإن (عمرو أديب) دأب على أن يكون صاحب السبق في قيادة التحولات المجتمعية والسياسية والاقتصادية وكل القضايا المفصلية، ليسير بأوطان ينشد أبنائها التغيير كمواطنين.
وهكذا نأمل وجود إعلامي مثله يسعى لتقديم محتوى فني مناسب، يليق بتحديات المرحلة التي نعيشها، يقف مسؤولا أمام التحديات متبنيا صورة إيجابية لحركة التنمية مع الاعتراف الكامل بالمشاكل أو الإخفاقات.
إقرأ أيضا : (حجر عمرو وبيض العرافة)
وإذ نحتاج إلى رسالة تعالج المحتوى الإعلامي ليكون إعلاما معبرا عن كل فئات المجتمع واهتماماته في إطار الحفاظ على القيم والمبادئ التي تحفظ للمجتمع وحدته وتصون للوطن خصوصيته، فإن (عمرو أديب) يقوى على تقديم إعلاما قادرا على النقد والسهر على المصلحة العامة.
المهنة الإعلامية لها من القدسية التي تحفظ لها أهدافها النبيلة ووظائفها التنموية والتوعوية عند (عمرو أديب)، فالإعلامي الذي لا يتحلى بالموضوعية وكثير من المصداقية، لا يخول له أن يلبس عباءة الإعلامي المميز الذي يحمل على عاتقه هم الأمة، وهو بلاشك واحدا من هؤلاء الذين يدركون تلك القدسية.
إن (عمرو أديب) لا يعطي أي قيمة لرأيه وأفكاره وهو غالبا ما يورط نفسه في متاعب ومشاكل نتيجة اللامبالاة التي تسيطر عليه، كل ما يعنيه هو أن يشعر بأن التصرف معه سيكون إيجابياً مهما كان الأمر.
عمرو أديب يراهن على الرأي العام
وعلى هذا الأساس يتعامل مع مصادره ومحاوريه على الحديث وإبداء رأيه بحرية والتجاوب معه، وإعطاء قيمة وتقدير لما يقول، والاهتمام بأدق تفاصيل حديثه، كما أنه يشرح وجهة النظر له، فالهدف في النهاية هو كسبه بهدف كسب الرأي العام.
ولد (عمرو أديب) بمدينة المحلة الكبرى، محافظة الغربية، ودرس في كلية فيكتوريا، ثم التحق بكلية الإعلام، جامعة القاهرة، وهو الابن الأوسط للسيناريست الشهير وشيخ كتاب السيناريوفي مصر (عبد الحي أديب)، صاحب البصمة الكبيرة في تاريخ السينما المصرية، وهو شقيق الإعلامي الكبير(عماد الدين أديب) الذي اعتزل العمل كمقدم للبرامج، كما أنه له شقيق أخر وهوالمخرج “عادل أديب.
ورغم أنه تخرج في مدارس (فيكتوريا كولدج) إلا أن حياة البذخ التي قد يظنها البعض وثيقة الصلة به قد تبدو بعيدة إلى حد ما عن شخصيته؛ حيث قضى فترة طفولته وشبابه في قصور الثقافة بالسيدة زينب والمنيرة وجاردن سيتي، ليصادق الكثيرين من (ولاد البلد) والذي هوأحدهم.
إقرأ أيضا : الإعلام المصري في قبضة (أسد جريح) لايسمح بالاقتراب من عرينه!
ومن هنا تصبح شخصيته أقرب إليهم من أصدقائه المترفين، قبل أن يلتحق (عمرو) بكلية الإعلام جامعة القاهرة والتي تخرج منها عام 1986 متخذا أخيه الأكبر (عماد) قدوة، حيث كان (عماد) مشهورا في كلية الإعلام بعد حواره الشهير – حين كان طالبا بالكلية – مع الرئي (السادات) بصحبة زميله، الكاتب الصحفي الكبير الراحل (عمرو عبد السميع).
وعلى الفور واجهت (عمرو أديب) المشكلة الكلاسيكية حيث كان يقارن دائما بشقيقه الأكبر (عماد) الذي انتشر بعدها في الصحافة العربية كالبرق، وحاول كثيرا (عمرو) أن يبدو مختلفا وصاحب أسلوب متميز بعد تخرجه فاهتم أكثر بالعمل في الصحافة المكتوبة.
عمل (عمرو أديب) في بداية حياته الصحفية في مؤسسة (روزاليوسف) لفترة وقد كان رئيسا لتحرير جريدة (البلد) – أولى تجاب الصحافة المستقلة في مصر – وتأتيه الفرصة للعمل كمقدم برامج في قنوات (الأوربت)، حيث بدأ بتقديم برنامج ليلة أوربت.
عمرو أديب و(الأوربيت)
وكان من اكتشاف المخرج والمنتج الشهير (طارق الكاشف) الذي يملك أدوات التفكير الناجح، والذي استشعر في (عمرو أديب) مادة خام لإعلامي ناجح، فبدأ في مايو عام 2000 تقديم أولى حلقات برنامج التوك شو (القاهرة اليوم) برفقة المذيعة (نيرفانا إدريس) والتي كانت تعمل في التليفزيون الكويتي.
وشكل الاثنان ثنائيا ناجحا رغم اختلافاتهما التي كانت تظهر على الهواء أمام الجمهور، ورغم أن البعض كان يرى في (عمرو) في بادئ الأمر مذيعا متصنعا يريد الاستظراف، إلا أنه طور من أدواته وصار أكثر اهتماما بالحديث عن أمور أكثر أهمية تتعلق بشئون الناس أكثر من الحديث عن الموضة والطبيخ والأخبار الغريبة.
وبدأ نجم (عمروأديب) يبزغ أكثر مع أسلوبه المتميز بالبساطة في التعبير الذي جعل الناس يكفون عن المقارنة بينه وبين أسلوب شقيقه (عماد) الرصين الهادئ بعكس (عمرو) المتمرد والمندفع خفيف الظل.
صنع قاعدة جماهيرية رهيبة في مصر والعالم العربي رغم أن برنامجه يذاع على قناة مشفرة ذات ثمن، لكن مهارة (عمروأديب) صعدت بالبرنامج إلى قمة برامج التوك شو العربية عبر عدد من الاستفتاءات الشهيرة في الصحافة والإعلام وعلى شبكة الإنترنت.
إقرأ أيضا : علي عبد الرحمن يكتب: تحديات الإعلام المصري
وصعد (عمروأديب) بنفسة إلي مصاف الإعلاميين البارزين والمميزين في العالم العربي وليست مصر فقط وجعلت المسئولين في شبكة الأوربت يضمون قناه البرنامج إلى باقة أغلى ثمناً من باقاتهم.
ولكن هناك يوجد ممن لا يملكون الكثير يشاهدون (عمرو أديب) يوميا عن طريق (وصلات الدش) المسروقة غير عابئين بمشروعيتها، ولكنهم يريدون فقط مشاهدة هذا الرجل كل ليلة، الرجل الذي طالما يتحدث بلسانهم وعنهم، رجلا تارة متمسكا بمبادىء مواطن مناصرا لحقة يمد يده لكل من يلجأ اليه كيفما استطاع، وتارة أخري رجلا يتميز بالبساطة والتلقائية محب للحياه تسعد من تعليقاتة ومواضيعة المختلفة.
عمرو أديب و(القاهرة اليوم)
جاءت شهرة برنامجه بين الأوساط الدنيا في الشعب المصرى بكل طبقاته خصوصا بعد انتشار (وصلات الدش وقنوات الكابل) في مصر، حيث أن شبكة (أوربت) هى شبكة خاصة ولا يمكن مشاهدة قنواتها، باستثناء برنامج (القاهرة اليوم) في شهر رمضان، إلا باشتراك شهرى كبير بالنسبة لدخل المواطن المصرى البسيط.
وقدم (عمروأديب) الكثير من الحلقات المهة، وكانت هناك حلقة فارقة بصحبة الصحافي (أحمد موسى) مدير تحرير تحرير الأهرام الحالي والإعلامي أيضا، حلقة كانت غاية التميز عن مقتل الفنانة (ذكرى) في 2003 جعلت العالم العربي يلتفت أكثر إلى البرنامج وإلى مقدمه.
حيث كان من المقرر أن يكون زمن هذه الفقرة ثلاثين دقيقة لكنها استمرت ثلاث ساعات كاملة لتقدم تغطية مختلفة وشاملة عن كل البرامج التي قدمت عن نفس الموضوع؛ ليصير برنامج (القاهرة اليوم) حديث الناس، ويصبح (عمروأديب) ملء السمع والأبصار.
ثم توالت الأيام والحلقات الناجحة لـ (عمروأديب) الذي يحلو له أن يقول في حالة الكوميديا المميزة له مصحوبة بشيء من التواضع حين يسأل عن نجاحه: (لوجبت قرد وقعدته مكاني يقدم البرنامج 8 سنين أكيد لازم ينجح).
إقرأ أيضا : الإعلام المصري بحاجة إلى يد حانية من جانب الرئيس السيسي
ومع توالي الأحداث السياسية في مصر بدءا من تعديل المادة 76 من الدستور بدأ صوت (عمروأديب) يصبح أكثر اختلافا لينتقد الحزب الوطني في أخطاءة والاستفتاء على المادة في حلقة استثنائية استمر في تقديمها 12 ساعة كاملة، ثم يصبح (عمروأديب) نجم من نجوم الأعلام في الوطن العربي.
وتصبح شخصية (عمروأديب) هى الشخصية المرغوبة التي يحبها الناس على اختلافهم خاصة حين يهاجم أوينتقد مسئولين نافذين في الدولة مستندا على حق، ومن هنا بدأ (عمروأديب) في التربع على قلوب مشاهديه مع إعطائه مساحة أكبر من الحرية في اختيار موضوعاته التي سيتكلم فيها بنفسه بعيدا عن إعداد البرنامج.
ولا يمانع في الدخول في معارك كلامية على الهواء مباشرة من أجل الوصول للحقيقة، وعبر العديد من الحلقات تميز (عمروأديب) بثقة الجمهور الشديدة به والتي جعلتهم يتبرعون في أحدي حلقات البرنامج بأكثر من 13 مليون جنيه لصالح الحالات الصعبة والحرجة التي يرعاها البرنامج ويساهم في حل مشكلاتهم المرضية والاجتماعية.
ويعتبر الكثيرون (عمروأديب) إعلامى مثقف ومميز يعبر عنهم بأسلوبهم العادى فلا هو فتى وسيم ولا رجل حكيم إنما رجل مصرى خفيف الظل كثير الكلام، يصلح أن يكون أفضل من يعبر عنهم.
عمرو أديب وأم كلثوم
ولقد كانت لـ (عمرو أديب) عدة تجارب في الفن أيضا، حين رأة المخرج (محمد فاضل) كممثل مختلف، فيسند له دور (مصطفى أمين) في فيلم كوكب الشرق الذي دار حول قصة حياة (أم كلثوم).
واستعان به المخرج (مجدي أبوعميرة) في إحدي حلقات مسلسل (قضية رأى عام) مؤديا دور لا يختلف عن دوره الحقيقي وهو كإعلامي يناقش قضية أثارت الرأي العام.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للإعلامي (عمرو أديب)، الذي يعتبر هو أكثر ما يلفتني ويبقيني مشدوده في إصغاء لإعلامي على شاشة تلفزيون، مايميز شخصيته بشكل متكامل، فبالكاريزما أستطيع أن أخمن في نفسي ماسينطق به من مواضيع سواء كانت هامه أو غير ذلك.
فهناك لغة يتحدث بها (عمرو أديب) عبر جسده ومظهره وأناقته تجعل أي مشاهد أو مستمع يبقى في حالة إصغاء إلى نهاية حديثه الممزوجه بالثقافه العامه التي تميز تفكيره حيث يتنقل بين الأفكار بسلاسه، وبسرعة بديهه وذكاء حاد ولمعة عيون تخطف الزمن في ثواني لنباهته في تدارك أخطاء غير مقصودة، لدرجة تجعل من المشاهد أو المستمع لايشعر لما حصل وكأنها لوحه ممزوجه بالفكاهه وروح النكته.
إقرأ أيضا : فشل الإعلام المصري في حماية (الجمهورية الجديدة) !
فبصوته نبرات متدرجه تعكس معزوفة موسيقيه تطرب آذان مع سمعها وبحروفه الواضحه ترتاح أذناي لسماع مايلقي من كلمات وألحان عذبه بحنجرته، أما عندما يطرح مايدور بفكره بثقة وعزة نفس تجعل المشاهد بعيدا عن الالتباس في فهم مايطرح، مما تمكنه من الهدوء التام في قلبه تمنعه من البحث عن مصدر آخر لسماع مايدور من أحداث
كم أن لت (عمرو أديب) طريقته الخاصه وحضوره الذي يستطيع من خلاله التأثير بالمشاهد، ولكن هناك صفات مشتركه يجب أن تتوافر عند الجميع أهمها أن يكون محبا لعمله، ومؤمنا بنجاحه يمتلك الجرأة، والشخصية القوية، ولا يخشى المواجهة الحوارية، ويتحلى بأخلاقيات الصحافة من مصداقية، وشفافية، ومرونة.
ويبقى (عمرو أديب) يطور نفسه، ويتعلم من تجارب غيره، ويستفيد من خبراتهم، ويتفادى أخطاء بعضهم متواضعا، وتلقائيا غير متصنعٍ يحترم المهنة، ويفي بمتطلباتها، ويتصف باللباقة، والابتسامة، ويحرص على بث روح المرح بين طاقم العمل ككل على جناح العفوية التي تعد من أهم صفاته كإعلامي الناجح.