بقلم الشاعر الكبير : إبراهيم رضوان
قلت للأستاذ (كمال الطويل) عندما طلب من أن أحكي له عن حزب الوفد الذي ينتمي إليه، و حياتهم داخل معتقل طره السياسي، قلت له أن حزب الوفد لم يكن له وجود أساسي في معتقل طره السياسي!.
العنابر التي كانت مشهورة هى عنابر الإخوان المسلمين، وعنابر المكفراتيه الذين لا يعترفون بالإخوان علي أساس أنهم سبحان الله كفره، و لا يعترفون بالحكومة، ولا بجمال عبد الناصر لأنهم كفره أيضا، كان منهم (شكري مصطفى) أمير التكفير الذي قتل الشيخ الذهبي.
إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان يكتب : كمال الطويل وعبدالحليم حافظ في خلية سرية
يضحك الأستاذ (كمال الطويل) ضحكة مخلوطة بالتعجب، قلت له أن المكفراتيه رفضوا استلام مرتباتهم من الحكومة الكافرة، و كانوا يعملون في أي مهنة تساعدهم علي المعيشه داخل المعتقل رغم وجود أساتذة الجامعة والعلماء بينهم، حتى أن (مصطفي شكري) كان يرسم الفاكهه علي الخيش ليبيعها لنا،على أساس أن الفاكهة ليس بها روح، وحلال رسمها.
من العنابر المشهورة أيضا عنبر الشيوعيين الذي رفضت أن أكون علي قوته، رغم أن به (صلاح الحسيني) الذي يحبني، والصحفي (سعد هجرس) الذي يكرهني وأكرهه، وأصطدم به دائما، والمثال العالمي الذي يحمل نفس إسم سعد هجرس يخبرني أنهم جميعا أصدقاء له.
أقول للأستاذ (كمال الطويل): يوجد أيضا عنبر اليهود، والغريب أنهم كانوا جميعا مصريين، وكانو يتحاشون التعامل معنا، رغم أنهم وضعوا لنا تليفزيون كبير نسهر عليه، وكانوا تحت أمر أي أحد، يطلب منهم مجلات جنسية، أو مجلات سكس!.
وكان هناك عنبر النشاط المعادي، والذي استغرب أهل الشيوعيه من اختياري له، لكي أقيم به، لأن به حثالة المعتقلين، فلسطينيين من الذين حاولوا دخول مصر بدون تصريح، ومعتقلين من غزة، ومعتقلين اعتقلوا من أجل نكته، ومن من أجل رسالة لعبد الناصر، يشتمه فيها.
كمال الطويل وعبد الفتاح حسن
ومجموعه كبيرة اعتقلت بسبب شكاوي ضدهم، ومعظمهم اعتقلوا بدون تحقيق، وحتي أتخلص من وجودي بينهم أقمت لنفسي حجره في نهاية العنبر بالبطاطين و الحبال.
أكمل حديثي للأستاذ (كمال الطويل) عن الجزء الذي يريده أقول، أما عن حزب الوفد فكان أشهر من فيه اثنين الوزير (عبد الفتاح حسن) المنعزل عن الجميع باستثناء هذا الشخص القصير جدا الذي يجلس معه ليل نهار ليلعبا الطاوله.
ولأنني كنت أهوى المشي هربا من الحشرات اللعينة الموجوده بالبرش كنت أمر عليهم عشرات المرات لأجد هذا الشخص قصير القامة يوجه للوزير السابق أبشع الألفاظ كلما أمسكه في (خانة اليك).
إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان يكتب: أنا و كمال الطويل وعسكري المرور!
أو أمسكه في منطقه تجبره على الإستسلام كنت أتعجب من قلة أدب القصير واستسلام الوزير لوقاحته، حتي أنه كلما هزمه في عشرة كاملة يتهكم عليه ببجاحه، ويأمره أن يقوم لدورة المياة لأنه قد يكون مزنوقا، وهذه الزنقة قد تكون سببا في هزيمته.
يقول لي (كمال الطويل): الوزير الوفدي السابق (عبد الفتاح حسن) كان من أقوي الوزراء كشخصية قوية، ولمن يبدو أن السجن يتسبب في كسر شئ ما في الشخصية خصوصا أنه لا يوجد سببا لحبسه.
أقول للأستاذ (كمال الطويل): يبدو أن القصير تعود على قلة الأدب، والوزير الوفدي تعود علي تحمل قلة أدبه أيضا.
القطب الإخواني سيد قطب
الشخص الآخر من الوفد، الذي كان معنا في المعتقل هو (مصطفي ناجي)، الذي كنا نسميه جميعا الزعيم، كان عملاقا في طوله، لم يجد بنطلونا من بناطيل معتقل طره يتفق مع مقاسه الطويل، لذلك كان يرتدي بنطلون مستور يصل له لما بعد الركبه بقليل.
وجاكت من جواكت المعتقل الصفراء التي كنا نأخذها لأحد الترزيين المعتقلين لإصلاحها بعلبة سجائر، فالتعامل بالنقود ممنوع تماما، وكل نقودنا في الأمانات، يخصم منها ما نطلبه من الكانتين.
كان (مصطفي ناجي) يسير بالساعات فى كل أنحاء المعتقل، رافعا يده بتحية الجميع ليكون رد الجميع عليه: اتفضل يا زعيم! وفي إحدى المرات قال لي: (في جنازة النحاس أنا اللي رددت جملة، لا زعيم بعدك يا نحاس!.
إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان: أنا وخطيبتي وهدايا كمال الطويل الغالية!
والباقى ردد ورايا، ولعلمك روحت بعد الدفن وحضرت شنطتي لأني كنت متأكد انهم ها ييجوا يعتقلوني، كل حاجه هاحتاجها في المعتقل حضرتها حتي الفوطة ومكنة الحلاقة، علشان كده لما حضروا علشان يقبضوا علي قابلتهم لابس ومعايا شنطتي، لكنهم أصروا على تفتيش الشقة، وبهدلوها قبل ما يمشوا، خلوا عليها واطيها!.
يضحك (كمال الطويل) وألمح نبرة المرارة هذه المرة في ضحكته، ويطلب منى أن أكمل له، فأقول له: كان (مصطفي ناجي) يحبني جدا، وكان دائم الحديث معي عن صداقته بمصطفي أمين، وشمس الدين بدران، الموجودان في سجن مزرعة طره.
وهو بحكم أن عنده بواسير، كان يتردد علي سجن مزرعة طره باستمرار، لعدم وجود مستشفي علاجي على مستوي المستشفيات التي تصلح للعلاج.
يسألني الأستاذ (كمال الطويل): (إزاي مستشفي بدون إمكانيات؟!)، أقول له: مستشفي معتقل طره السياسي الذي أنا به كان يقيم فيه القطب الإخواني (سيد قطب) العجوز جدا في هذا الوقت، والملاك (صالح أبو رقيق)، وكنت أقضي معهما يوميا بضع ساعات.
وفي أحد الأيام أخبرت (مصطفي ناجي) أنني مخنوق وعندي ضيق تنفس، وفي أشد الحاجه للخروج، ولو لفترة قصيرة للكشف في القصر العيني لرؤية الحكيمات والطبيبات.
كمال الطويل وشمس بدران
وطلبت منه أن يتحدث مع اللواء (عبد العال سلوم) رئيس المعتقل في هذا الشأن، عاد من عند قائد المعتقل ليخبرني أنه لم يستطع الحصول لي علي إذن بعرضي علي مستشفي القصر العيني، لكنه نجح في الحصول على تصريح بعرضي علي مستشفي سجن مزرعة طرة الذي به مصطفي أمين، وشمس الدين بدران.
وأنه سيكون معي لعرضه على الجراح الذي يعالجه من البواسير سألته، هل سأري الشارع والناس أجابني بالنفي، سألته ليه؟! فقال: لأننا هانروح المزرعة، من جوه جوه.
إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان: عدم رضائي عن تغيير كلماتي أضاع لقائي بـ كمال الطويل
كانت صدمة لي خففتها أنني سأجلس مع الأستاذ الذي أحبه (مصطفي أمين)، وبالطبع لا يهمني شمس الدين بدران لأنني لا أحبه!.
يقول لي الأستاذ (كمال الطويل): (خلي بالك في الفترة اللي كان شمس في السلطة، كان شعراوي جمعه وزير الداخليه في الوقت ده مدير مكتبه!).
أكمل حديثي للأستاذ (كمال الطويل) وهو ينصت: في الوقت المحدد حلقت ذقني، وارتديت البنطلون، والقميص، وتحركت بنا سيارة الترحيلات، إلي مزرعة سجن طرة.
وما تقولش هاخد إيه منها..
مهما يكون لازم نصبر
إزرع زهورها..وجناينها..
واعطي على قد ما تقدر
………………………….
دي حبيبتي معجونه بدمي..
والقلب معجون بدماها
رغم الظروف شايله ف همي..
وانا روحي تقدر تحميها
………………………….
لو تيجي مرة ونحسبها..
نلقى الجميع مديون ليها
دي شريفه..في الأصل نسبها..
لرسولنا كان قلبه عليها
………………………….
يا مصرية يا رجالة..
مصر الحبيبه بتندهكم ..
كل البلد تصبح عيله..
وتحافظوا دايما على جاهكم
………………………….
يا مصر وحياتك إنتي..
خضره الشريفه المتصانه
من أولى لآخرى حبيبتي ..
نعطيكي كل اللي معانا
………………………….
هو احنا مين.. ممكن أبدا..
يشيل همومنا ويحمينا
ديكك من الفجر بيدن..
من نهر نيلك يسقينا
………………………….
يا طاهرة.. يا زهر ندية..
يا بهية في ضي عنيكي
في الغربة.. بتنادي عليا..
أشتاق لزحمه حواريكي
………………………….
يا مصر أبدا مش ممكن ..
أنساك لو هانسى حياتي
أيوه ما ليش غيرك مسكن..
ليكي ربيع عمري الآتي
………………………….
شبيكي لبيكي يا طاهرة..
إيه تطلبي غير أفديك
يا راكبه دايما ع المهره..
مين اللي يقدر ينساكي
………………………….
يا مصر.. والعشق صبابه..
والحب دايما رباني..
لا فيه قراية ولا كتابة..
فداكي يا مبدأ رباني.