بقلم: بهاء الدين يوسف
أشاهد هذه الفترة حلقات المسلسل الأمريكي (سماء كبيرة) أو(بيج سكاي – Big Sky) الذي بدأ عرضه في نوفمبر من عام 2020 وأنتج منه حتى الآن 3 أجزاء وهو من نوعية مسلسلات الدراما البوليسية.
والذي لا تخلو أحداثه من التشويق رغم أنه لا يتضمن أي نجوم من الصف الأول حيث تلعب بطولته (كاثرين وينيك)، وهى ممثلة كندية شاركت في أدوار هامشية في العديد من المسلسلات أشهرها (Viking).
ومعها مواطنتها (كيلي بونبري) التي شاركت بأدوار محدودة في عديد المسلسلات منها مسلسل (توت) عن الملك الفرعوني الشهير، ومعهم الممثل الأمريكي صاحب الأصول المصرية (عمر متولي) الذي اشتهر بدور (د. فيك أولاه) في مسلسل (The Affair).
إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف: وراء كل منظمة عصابية مسؤول فاسد!
قبل أن أحكي لكم عن فكرة مسلسل (بيج سكاي) ومضمون أحداثه أود أن أتوقف معكم عند نقطة أثارت اهتمامي أكثر من غيرها في الحلقات التي شاهدتها حتى الآن، وهى عن فساد رجال الشرطة والتأثير الذي يترتب على ذلك في تخريب المجتمع وزلزلة ثوابته، وفي مقدمة تلك الثوابت ثقة العامة في النظام الشرطي والقضائي وماذا يمكن أن يحدث حين تهتز تلك الثقة؟!
مسلسل (بيج سكاي) يعرض لضابط شرطة مسن في ولاية مونتانا يحمل سجلا مثاليا خلال سنوات عمله، حتى أنه تم تكريمه بعدة جوائز، لكن الجانب المظلم من هذا الرجل أنه يحمل كراهية شديدة لفتيات الليل ما دفعه لتوظيف سائق شاحنة لمساعدته في جلب فتيات منهن الى المنطقة التي يقوم بتأمينها.
(بيج سكاي) والرقيق الأبيض
حيث يقوم الضابط الذي يدعى (ريك ليجارسكي) بحبسهن ثم بيعهن الى سماسرة الرقيق الأبيض في كندا، مؤمنا أنه بفعله المخالف ليس فقط للقانون ولكن للانسانية يخدم مجتمعه الصغير بتهريب بنات الهوى منه حفاظا على أخلاق الشباب من الانحلال، والوقوع في براثن هؤلاء النسوة بما قد يجلبه ذلك عليهم من أمراض وإنفاق أموالهم بدلا من أن ينفقونها على أسرهم.
فكرة (بيج سكاي) تبدو بسيطة لكنها في نفس الوقت بالغة التعقيد، وهى تشبه كثيرا ما يقوم به بعض رجال الدين في مجتمعاتنا وربما بعض رجال الشرطة أيضا ممن يعتقدون أن معهم رخصة إلهية لتوجيه البشر حيثما يرون أنها الوجهة الأفضل لهم دون أي اعتبار لحقيقة أن كل إنسان مسؤول عن عمله ومن ثم مسؤول عن تحمل أخطائه.
إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف يكتب: تيد لاسو.. مسلسل يؤيد أفكار مرتضى منصور!
النقطة الثانية في (بيج سكاي) هى إلى أي مدى يمكن لهؤلاء الأوصياء على خلق الله أن يذهبوا من أجل فرض وترسيخ وصايتهم؟!، الضابط في المسلسل مثلا وصلت به الأمور إلى درجة قتل محقق خاص وحرمان أسرته منه ثم قتل رجل مسالم حين استنجدت به احدى الفتيات الهاربات من سجن الضابط.
وهنا يشبه ما يحدث أحيانا حين يتبارى رجال الدين في الدفاع عن شخص مغتصب أو متحرش بدعوى أن المسؤولية تقع على الفتاة التي أغوته، أو حين يدافعون عن قاتل بدعوى أنه كان ينفذ شرع الله مثلما حدث مع قاتل (فرج فودة) في ثمانينات القرن الماضي على سبيل المثال لا الحصر.
(بيج سكاي) وحق رجل الشرطة
إذن فنحن في (بيج سكاي) أمام سؤال يحتاج لإجابة قاطعة جامعة مانعة، وهو هل من حق رجل الشرطة أو رجل الدين أو أي مسؤول داخل النظام أن يفرض رؤيته الخاصة للقانون أو للدين على المجتمع حتى لو أدى ذلك لانحرافه هو نفسه عن القانون؟!
أظن أن الإجابة توصلت إليها المجتمعات المحترمة منذ زمن بعيد وهى بالنفي القطعي، ولهذا تم تجريم الضابط (ريك ليجارسكي) بعد اكتشاف تورطه في إدارة شبكة لتهريب فتيات الليل إلى كندا بعيدا عن القانون.
أما في دول العالم الثالث فسوف يجد أمثال (ليجارسكي) مئات المغيبين أو مغسولي العقول للدفاع عنهم وربما الدعوة لتكريمهم أيضا؟!
إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف يكتب: احرقي المنزل .. سر المجتمع الياباني
مسلسل (بيج سكاي) يرصد وجها آخر من أوجه انحراف الشرطة ممثلا في نائب مأمور الشرطة في إحدى مقاطعات ولاية مونتانا الذي يتعاون مع عصابات الجريمة المنظمة لدرجة أنه يقوم بخطف الشهود وقتل الخصوم نيابة عنهم ويقوم بنقل تفاصيل التحقيقات الشرطية إلى زعماء تلك العصابات بكل أريحية دون أي شعور بتأنيب الضمير.
هو تصرف منتشر بقوة في أوساط الشرطة الأمريكية كما قالت ابنة زعيم إحدى العصابات لرهينة محتجزة لديها بعد أن جلبها الضابط المرتشي لهم (هل يدهشك أن رجال الشرطة على قوائم الرواتب الشهرية التي ندفعها؟).
ثم أتبعت ذلك بضحكة مستهزئة، ولك أن تتخيل إذا كان ذلك يحدث في أمريكا حيث الديمقراطية وسطوة المجتمع المدني، فما بالك بانحرافات رجال الشرطة في دول العالم الثالث؟!