علي الحجار يتألق في مئوية (سيد درويش) بنقابة الصحافيين
كتب : أحمد السماحي
العباقرة مثل (سيد درويش) لا يموتون سواء كانوا فنانيين أو شعراء أو سياسيين، إنهم الوحيدون الذين يعيشون على هذه الأرض مرتين، مرة في حياتهم، ومرة في مماتهم، حياتهم بذل وعطاء وسخاء، وموتهم عبرة وحكمة ومأثرة.
في الأصل لم يجيئوا إلى هذه الدنيا ليمروا فيها مرور العابرين بل ليتألقوا، ويتوهجوا، وينيروا المعالم والمسالك والمرافق، جاؤوا ليسعدوا الناس، وأن منيت حياتهم بالمرض والبؤس والعذاب.
ويذهبون، ويبقون، وهذا هو سرهم الأعظم، وهؤلاء العباقرة سواء أحياء أو راحلين لا يطلبون تكريما، ولا تبجيلا، ولا تعظيما، إنما يطلبون فقط المحبة التى تبقى وحدها في نهاية المطاف ظل الله على الأرض.
سيد درويش وعلي الحجار
من العباقرة الخالدين الذين نسمو ونرتقي كلما سمعنا شدوهم المليئ بالبهجة والشجن والرقي والإحترام والقيمة فنان الشعب (سيد درويش)، ونفس الأمر ينطبق على مطربنا الكبير صاحب المشروع الثقافي الغنائي التنويري علي الحجار.
وفي ليلة تشبه ألف ليلة وليلة عاد بنا علي الحجار أمس الأحد 10 سبتمبر إلى زمن الغناء الجميل، والشدو العذب، زمن الأصالة الفنية، وعانقت حنجرته المطرزة بالأصالة، والمشغولة بالطرب، ألحان فنان الشعب الخالد (سيد درويش)، في واحدة من أجمل حفلات الحجار الأخيرة.
إقرأ أيضا : “أنا هويت” .. رائعة سيد درويش التى أظهرت جمال صوت سعاد محمد
وذلك فى إطار الاحتفالية التي نظمتها اللجنة الثقافية، والفنية بنقابة الصحفيين، بمناسبة مرور 100 عام على رحيل فنان الشعب (سيد درويش)، وذلك بمقر النقابة خلال الساعات الماضية، والتى أقيم على هامش تلك الاحتفالية معرض بورتريه وكاريكاتير مستوحى من أعمال (سيد درويش) فى بهو مبنى نقابة الصحفيين.
سيد درويش ونقابة الصحافيين
الحقيقة أن أحسن ما فعلته نقابتنا الغراء منذ سنوات هذا الحفل الرائع في مئوية (سيد درويش) الذي نقلته قناة (الحياة) على الهواء مباشرة فأسعدت الملايين العطشي لهذا النوع من الغناء الذي يحترم إنسانيتهم، ويسعد لياليهم.
إقرأ أيضا : شهر زاد… سيد درويش أدخلها الفن وأم كلثوم زوجتها
لأن أحسن تخليد لذكرى (سيد درويش) هو تقديم تراثه الغنائي للأجيال الجديدة، خاصة أن فن (سيد درويش)، وفن علي الحجار، فن مرتبط بالناس، ولم يحدث في حياتنا الفنية المعاصرة فنان أحس بعواطف الشعب كما فعل (سيد درويش)، ولم يكن في إحساس فنان الشعب تجهم ولا كأبة ولا جفاف، بل أن فنه يمتلئ بكل ما في الشعب من خفة دم وحرارة وحيوية.
كما أن فن علي الحجار هو الآخر مرتبط بالناس ويعبر عن عواطف إنسانية لا يوجد فيها أي نوع من التدني أو الابتذال، لكنها عواطف راقية مرتبطة كل الإرتباط بالواقع، والحياة العملية، ولا يعبر أبدا عن عواطف السرحان والشرود والبعد عن الواقع.
حفل الحجار وسيد درويش
بدأ الحفل بدعوة وكيل نقابة الصحفيين محمود كامل الحضور المتواجد للوقوف دقيقة حدادا على روح شهداء الزلزال الذي حدث يوم الجمعة الماضي بدولة المغرب الشقيقة.
بعدها بدأ علي الحجار فقرته برائعة (زوروني كل سنة مرة) كلمات الشيخ يونس القاضي، وتوالى بعدها الروائع الخالدة لأغاني (سيد درويش) التى قدمها الحجار بكل تمكن وسهولة وجمال، وأعادنا بعذوبة صوته وهو يغني (أنا المصرى كريم العنصرين، وسالمة يا سلامة، وأحسن جيوش في الأمم جيوشنا، وأهو ده اللي صار، ويا بهجة الروح، يا غصين البان)، في عودة رائعة إلى هذا الزمن النقي.
إقرأ أيضا : علي الحجار .. ليس نغمة شاردة في سماء هذا الوطن!
كما قدم الحجار في حفله الملحن والمطرب المتميز أحمد حمدي رؤوف الذي أبدع في غناء أغنية (بنت اليوم)، كما قدم المطربة شيماء والمطرب أدهم عصام في الديو الشهير (على قد الليل ما يطول).
ولم ينس الحجار في الحفل أن يتحدث بكلمات قصيرة مكثفة عن دور وأهمية (سيد درويش) في الغناء المصري، وكيف خلصنا من براثن الاحتلال التركي الذي كان مسيطرا على أذان المصريين.
كما قدم لفتة طيبة وكريمة للفنان إيمان البحر درويش وتمنى له الشفاء العاجل، حيث قال: (أتمنى لإيمان البحر درويش الشفاء العاجل، وإن ربنا يرجعهولنا بالسلامة، ولقد رجعت لأصل أغنية (سالمة يا سلامة) وسمعتها منه حتى أغنيها بطريقة صحيحة!).
ولم يقتصر حفل علي الحجار، على غناء أغنيات تراث (سيد درويش)، ولكنه قدم بإعتباره أحد أبناء (سيد دروي) المخلصين في مدرسة الأصالة الفنية العديد من روائعه الغنائية التى تجاوب معها جمهور الحضور بشكل لافت.
من الأغنيات التى قدمها من ريبورتواره الغنائي رائعة الشاعر محمد العسيري، وفاروق الشرنوبي (أهو ده اللي صار يا سيد)، فضلا عن أغنيات أخرى مثل (عارفة، في قلب الليل، سمرا وبعيون كحيله، في هويد الليل، الزين والزينة، ذئاب الجبل، يا طالع الشجرة، ما تمنعوش الصادقين، هنا القاهرة، المال والبنون، من غير ما تتكلمى، مسألة مبدأ، على قد ما حبينا، بوابة الحلوانى) وغيرها.
بعد انتهاء علي الحجار من إحيائه لإحتفالية مئوية (سيد درويش)، سلمه نقيب الصحفيين خالد البلشي، درع نقابة الصحفيين، وسط تصفيق وتفاعل كبير من الجمهور.
كلمة أخيرة
ما تم أمس في نقابة الصحافيين يحسب لها، ودور إيجابي مهم للغاية في الاحتفال بأساطين النغم، والحقيقة أننا سعدنا بليلة علي الحجار في حب (سيد درويش)، هذه الليلة التى تم تنفيذها – بحكم معرفتي بكواليسها – على عجل.
ورغم هذا ظهرت بشكل رائع، وأتمنى أن تستمر النقابة في تقديم مثل هذه الأمسيات الغنائية المتميزة في ذكرى عمالقة الطرب، وأيضا في المناسبات القومية الهامة، كما أتمنى أن تدعم المواهب الغنائية الجميلة التى يسيطر عليها الحزن والاكتئاب لعدم وجود متنفس لها تُظهر من خلاله مواهبها الغنائية.
خاصة وأن نقابة الصحافيين كانت دائما الحصن الذي يلجأ إليه ويحتمي به نجوم الفن عندما تواجههم أزمات، كما لعبت النقابة دوراً ريادياً ونضالياً على مدار التاريخ منذ نشأتها داعمة للفن والثقافة والحفاظ على التراث الفني والأصالة حتى في أبسط هموم الناس.
إنها مهنة القلم التي دافعت عن الحرية في ميادين السياسة، ومن ثم نتمنى عودتها إلى سابق عهدها منبرا حرا ينطق بالحقيقة ويدعم القوى الناعمة المصرية التي تواجه أخطارا كبرى من خلال اللجنة الثقافية، وذلك بإقامة الاحتفاليات والفعاليات والندوات لمناقشة التحديات التي تواجه الفن المصري الآن.