بقلم الدكتور: كمال زغلول
نقصد بـ (المسرح المصري الشعبي)، المنتج المسرحي الذي أفزته العقلية المصرية، عبر تاريخها الطويل ، وظهر هذا المنتج في صورة عروض مسرحية، لها نصوص أدبية وأداء تمثيلي، والمقصود بالشعبية ارتباطها بالوجدان المصري.
فجميع موضوعاتها مرتبطة بثقافة المجتمع المصري عبر التاريخ القديم والحديث في المجتمع، بمعني الخصوصية المسرحية، فهي تقدم موضوعات مصرية خالصة بفكرها ووجدانها.
ومن المميز لذلك المسرح المصري أن بنيته الداخلية مبنيه على الخيال والتصور والحس والذهن والشعور ، وهذه البنية هي المسئولة عن التفاعل الحسي بين الفنانين والمشاهدين للعرض المسرحي في إطار المسرح الشعبي.
واذا تعرضنا بالتحليل لهذا المسرح المصري، سنجد أنه مسرح قد مر بمراحل متعددة من التجريب ، من حيث النص الأدبي وشكل العرض المسرحي، والتجريب في هذا المسرح ليس تجريبا في عناصر العرض المسرحي، بل التجريب يعتمد على تغيير جزئي وكلي في جميع عناصر النص والعرض المسرحي.
إقرا أيضا : كمال زغلول يكتب: أوزوريس في مسرح مصر القديمة (2)
وقد نشأ المسرح المصري قديما واضعا القواعد الأولي للنص والعرض المسرحي الشعبي، ونتعرض إلي التجريب الذي تم على النصوص الأدبية والعروض التمثيلية المصرية في القديم والحديث، ونبدأ بالمرحلة الكلاسيكية (القديمة ذات القواعد والأسس).
ولا غرابة في كون المسرحية المصرية القديمة التي انتجتها العقلية المصرية، تكاد تكون متشابه في شكل النصوص الأدبية التمثيلية المؤلفة حديثا، فشكل المسرحية البنائي المعتمد على الحبكة والحوار والزمن، والمكان، والعقدة والحبكة والتأزم، نجده في المسرحية المصرية.
النص في المسرح المصري
وهذا ما تؤكد عليه النصوص التي عثر عليها، ونضرب مثال بهذا الشكل في المسرح المصري، والذي تظهر فيه الشخصيات وحوارها، في مشهد يصور قتل أوزيريس:
أوزيريس: لا تتخل عن أوزيريس أيا آتوم – رع وإلا فهو هالك لا محالة.
(يشاهد أوزيريس المركب التي تقل ست وأتباعه تقترب لقتل أوزيريس).
أوزيريس: (موجها كلامه لأخيه ست) إنني لم أرتكب إثما، لا تجعل بغضك يتفجر ضدي، إنني امنح وسأعطيك وفقا لأوامري، فإنني رب الحياة.
تصوير مشهد قتل أوزيريس (أعوان ست يضربونه – ست يشعر بالرضا وأخيه يعاني سكرات الموت، ينتزع قلبه بواسطة خنجر.
كورس: أنت القائمة هنا، إيزيس، فلتبكي أخيك، أنت الحاضرة هنا، نفتيس، فلتنهمر عبراتك على أخيك، ها هى إيزيس جالسة، وقد وضعت يديها فوق رأسها.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: الدراما المنفية في المسرح المصري القديم (3)
ومن تلك الحوارية نرى أن الشكل في المسرح المصري القديم يعتمد على تصوير الشخصيات في المكان والزمان بالحوار الذي تنطق به الشخصيات، ونرى به المأساة ، من خلال الحبكة البنائية إلي أن يحدث التأزم بمقتل أوزيريس.
وهكذا كان هذا الشكل البنائي الأدبي في المسرح التمثيلي القديم، فهو مشابه تماما إلي الشكل البنائي للمسرحية الحديثة مع اختلاف المفاهيم والمضامين داخل النص، وطبيعة ذلك النص أنه نص كتابي وليس ارتجالي شفاهي.
أما عن طريقة العرض التمثيلي، فكان يتم من خلال فرقة متدربة على ذلك النص، تمثل كل شخصية من خلال ممثل فرد، بالاستعانة بالأزياء والديكورات اللازمة، في مساحة مكانية تعتمد على مشاهدين وممثلين.
عروضنا الحديثة في المسرح
وهذا العرض مشابه تماما إلي عروضنا الحديثة في المسرح المصري، أيضا مع اختلاف التقنيات الحديثة التي ظهرت مع التقدم العلمي، وهذه العروض كانت لها أماكن مخصصه لعرضها تتفق مع طبيعة العرض.
فكانت تقام على ما يبدو في المعابد، ولكن ليس كل المعابد، بل المعبد المجهز للعرض ويحتوي على بحيرة كي تم فيها تصوير الأحداث، وظهر في مصر العروض المسرحية الجوالة من خلال أثر للمثل يدعى أمحب.
ولم تصلنا نصوص لتلك العروض ولكن بالطبع كانت مشابهة في النص والعرض السابق ذكره، ومن مصر القديمة، وبعد احتلالها من الفرس واليونان والرومان، لما تصل إلينا أيه معلومات عن شكل المسرح المصري في تلك الفترة.
ولكن بداية من العصور الحديثة بدأت تعود الحركة المسرحية المصرية الشعبية بنصوصها وعروضها حتى قبل مجيء الحملة الفرنسية إلي مصر، فقد كانت توجد عروض مسرحية مصرية شعبية خالصة من فرق جوالة تسمى المحبظين.
وقد ذكر ذلك (الرحالة نيبر) في كتابه Travels through Arabia and other) countries in the East)، المحبظين (الفرق الجوالة) ووصف فيه واحد من عروض تلك الفرق وكانت تدور حول المحتل وكيفية محاربة المصريون له.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: الدراما المنفية في المسرح المصري القديم (3)
ووصف لنا (إدوارد لين) عروض هذه الفرقة في مسرحية تم عرضها أمام الوالي محمد على باشا، وقد قامت تلك الفرق بالتجريب على النص المسرحي الشعبي وذلك عن طريق العروض الضاحكة.
فقد قامت تلك الفرق بالتجريب في نص المسرح المصري وقدمت النص الفكاهي الضاحك، وقد اتخذت من القواعد المسرحية مفردات وجربت عليها وهذا ما نلاحظه في النصوص التي وصلت إلينا منهم، ولكنها قامت بكسر القواعد داخل النص في نوع من التجريب، وقد لاقي هذا النوع نجاحا كبيرا، ونوضح ذلك كالتالي:
الحبكة في المسرح
الحبكة: التزمت بالحبكة المسرحية للنص، من حيث البناء والترابط بين الأحداث.
الشخصية: تعرضت للشخصيات بطريقة مغايرة عن واقعها الطبيعي في المجتمع، فكان تقديم الشخصية في المسرح المصري لا يعتمد على أبعادها المادية والنفسية والاجتماعية، ولكن اعتمدت على تصوير تلك الشخصيات بأسلوب ساخر.
فالأبعاد المحددة للشخصية ألغيت، وأصبحت الشخصية رمزا داخل النص يصور حالة معينة موجودة في الواقع الاجتماعي والثقافي، مثل: شخصية الفلاح (عوض) والتي عرضت أمام (محمد على باشا) وذكرها (إدوارد لين) في مؤلفه المصريون المحدثون.
فبرغم الظلم الواقع عليه إلا أن تصوير الشخصية تعرض هذا الظلم بجانب من الفكاهة، فضرْبه وسحْقه تم بطريقة ضاحكة، إذ هو رمز للفلاح المظلوم، وعند التعرض لشخصيات النص الأخرى.
إقرأ أيضا : كمال زغلول يكتب: المسرح .. عرفه المصريون قبل العالم
سنلاحظ أنها جميعًا شخصيات للرموز في المجتمع، ويتم تصويرها بواقع فكاهي، وهذا يُعَد تجريباً على الشخصية داخل النص، فقد ابتعد المؤلف عن الأبعاد المادية والنفسية والاجتماعية عند تمثيل تلك الشخصيات وقدمها في أسلوب رمزي فكاهي.
اللغة: بتحويل الشخصية إلى رمز تم استخدام اللغة في تلك النصوص في خدمة المعنى العام لمفهوم الشخصية الرمزية، بمعنى أن الشخصية في المسرح هنا لم تقدم فكرها الشخصي من خلال الحوار، ولكن الشخصية أصبحت تتكلم من خلال الحالة العامة لمضمون الرموز.
فمثلا حالة الفقر التي يعيشها الفلاح (عوض) لم يمثلها عوض بل عبر عنها من خلال حوار مقتضب جدا، هذا الحوار يعبر عن الحالة العامة لفقر الفلاح، وإن كان لا يظهر حالة الفقر تمثيلا.
وذلك لأن تلك الحالة مضمرة في وجدان المُشاهِد، فهو يحس ويشعر بتلك الحالة، وبالتالي فالمُشاهِد ليس في حاجة إلى التعبير التمثيلي في المسرح المصري عن حالة الفقر فهو يعرفها تماما.
وهذا النوع من الحوار يتلاءم تماماً مع أسلوب التجريب الذي استخدمه المؤلف على الشخصيات، ونجح في تقديم هذا النوع من الشخصيات عن طريق اللغة المستخدمة.