بقلم: بهاء الدين يوسف
عنوان ملفت في مجلة لها التي تصدر عن شركة (دار الحياة السعودية) وتحولت إلى موقع إليكتروني بعد إغلاق الجريدة والمجلة الورقيتين قبل فترة، العنوان خطف بصري فقررت قراءة الخبر خصوصا إنه كان يتحدث عن استجابة وزيرة الثقافة المصرية لاستغاثة الفنانة (نجلاء فتحي).
ولما كنت من المعجبين القدامى بالفنانة الجميلة التي أسرتنا في شبابنا برقتها وملامحها الطفولية، مثلما كنت لاحقا من المعجبين بزوجها الراحل الإعلامي القدير حمدي قنديل، فقد أثار اهتمامي معرفة سبب استغاثة (نجلاء فتحي) وأي مشكلة أو أزمة تمر بها لدرجة تستدعي تدخل وزيرة الثقافة المصرية مشكورة واستجابتها للفنانة الشهيرة.
لكنني لا أخفي عليكم أنني أصبت بالإحباط من المضمون الذي يتحدث عن أن (نجلاء فتحي) قامت بتحرير محضر في قسم شرطة مصر الجديدة بعدما تمت سرقة لوحة من مدخل العمارة التي تقيم بها في شارع الميرغني بنفس الضاحية القاهرية كانت تحمل عبارة (هنا عاش حمدي قنديل)، وأنها طلبت من وزيرة الثقافة تركيب لوحة جديدة بدلا من اللوحة المسروقة.
قد يحمل الخبر الكثير من عناصر الإحباط ليس من بينها تفاهة الطلب حسب رأيي المتواضع لأنني أكثر وعيا من السقوط في شرك إصدار الأحكام على خلق الله وانا الذي اهاجم ذلك ومن يفعلونه باستمرار.
لكن هناك مثلا من عناصر الإحباط اهتمام مجلة أو موقع الكتروني عربي يخاطب جميع الشعوب الناطقة بلغة الضاد من خبر مثل هذا لا يهم أحدا بخلاف اصحابه، ومن ان تخاطب الفنانة المحبوبة (نجلاء فتحي) وزيرة الثقافة في شأن ليس من صميم عمل وزارتها.
استجابة الوزيرة لـ (نجلاء فتحي)
لكن الأكثر سخافة هو استجابة الوزيرة وإصدار تعليماتها بتركيب لوحة بديلة ذات مواصفات خاصة حتى لا تسرق مرة أخرى – بحسب تعبير المجلة – في حين إنه لا الوزيرة ولا الفنانة (نجلاء فتحي) ولا أحد من أهل الفن في بر مصر كلها حاول اتخاذ خطوة واحدة لمطالبة الحكومة بالحفاظ على المقابر التراثية التي تتعرض لعملية هدم غير واضحة المعالم حتى الآن.
ألم يكن الأجدر بالوزيرة المسؤولة عن الثقافة أن تستخدم سلطتها ومنطقها لإقناع الحكومة بضرورة الحفاظ على مقابر تضم رفات عددا من رموز مصر الثقافية مثل (محمود سامي البارودي وأحمد شوقي) وغيرهم العشرات من أن تضيع وقتها الثمين في تركيب لوحة معدنية في مدخل عمارة تحمل اسم إعلامي راحل.
صحيح أن قنديل كان محل اعتزاز للجميع بأخلاقه الرفيعة وسلوكه المتحضر وفوق هذا وذاك تراثه الإعلامي المميز في فترة عمله القصيرة في التليفزيون المصري، لكن المؤكد أن تركيب لوحة معدنية أو حتى ضوئية في مدخل عمارة مسألة لا تحتاج تدخل وزيرة الثقافة.
إقرأ أيضا : سر مقابلة الرئيس التونسي (الحبيب بورقيبة) لنجلاء فتحي وحسين فهمي!
كما قلت من قبل وأكرر مجددا أنني لست في موضع إصدار الأحكام على الغير ومن ثم ليس لدي تعليق على طلب الفنانة الجميلة (نجلاء فتحي) لتخليد ذكرى زوجها الراحل.
لكنني وجدت نفسي دون قصد مدفوعا لمقارنة بين هذا الطلب الشخصي جدا وبين موقف جموع الفنانين المصريين من قضايا أكثر عمومية وأعمق تأثيرا في تاريخ المجتمع ككل.
ومنها مثلا قضية المقابر التراثية التي انبرى للدفاع عن الإبقاء عليها عشرات من النشطاء والشخصيات العامة ليس من بينهم فنان واحد على حسب متابعتي، وقبلها قضايا أخرى كثيرة لا يتحمس أهل الفن للكلام فيها وإنما فقط يتفرغون للشكوى من مسائل شخصية للغاية مثل تجاهل اختيارهم في مسلسلات رمضان التي تنتجها هذه الشركة أو تلك.
وفاء عامر وتفاوت الأجور
وانتقاد تفاوت الأجور بين النجوم مثلما فعلت (وفاء عامر) في نفس موقع المجلة العربية، وهناك نوع ثان من الفنانين يتفرغون لمكايدة بعضهم البعض على المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي بحثا عن الترند، او يتفننون في استفزاز الناس بسلوكهم غير المستساغ مثل (محمد رمضان) مثلا.
الحقيقة أن ما سبق يلخص بالنسبة لي على الأقل جزء مهم من أزمة المجتمع المصري التي يمكن حصرها في جملة واحدة وهى (مرض النخبة المصرية) وهو ليس مرضا عضويا وإنما مرض في الثقافة العامة والالتزام بالمسؤوليات التي يفرضها الانتماء للنخبة.
وعلى رأسها الدفاع عن الثوابت المجتمعية ومواجهة الظلم وتوصيل صوت العامة إلى المسؤولين وتبني الدفاع عن القضايا الاجتماعية العادلة، لكن فنانينا ولله الحمد مثل اغلب المنتمين للنخبة المصرية لا يهتمون إلا بما يتوافق أو يتعارض مع مصالحهم الشخصية الضيقة.
وبعضهم يبدي اهتماما عابرا بقضية ما ليس من أجل الصالح العام ولكن من أجل مزيد من الانتشار وركوب (التريند) ما يصب في النهاية في مصلحة الفنان الخاصة.