بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح
تمر على الوسط الفني على فترات متباعدة فحين تلتقي مفردات الابداع في فنان واحد مثل (محمد صبحي)، إنما يحدث ذلك علي فترات متباعدة فحين نتحدث عن شارلي شابلن، العملاق متعدد المواهب وكلينت إيستود، الممثل والمخرج وميل چيبسون كذلك، ووكوينسي جونز، متعدد المواهب.
وفي مصر تمثلت في أنور وجدي، يمثل ويخرج وفتوح نشاطي بالمثل، وصلاح چاهين وعبد المنعم مدبولي تمثيلاً وإخراجاً مسرحيا، وجلال الشرقاوي، ويوسف فرنسيس تشكيلي ومؤلف ومخرج وأمثله كثيرة.
وهنا بالحتمية والموضوعية أكتب عن (محمد صبحي) كحالة فنية متفردة، وخصوصاً وأنا أعرف أن الفنون لا بد أن يلحق بها نقد فني موضوعي وليس انطباعي يتحدث بوعي مدرك لمفردات الإبداع من ديكور وموسيقي وإضاءة وملابس وحركة ممثلين وتحريك مجاميع.
إقرأ أيضا : محمد صبحي : لا أسمح لأحد أن يزايد على وطنيتي، ولابد من عودة الرقابة
ثم كيفية طرح السؤال وكيف يحدث للمشاهد صدمة، وكما قال (كافكا ) الروائي الكبير: (أن الكتاب الذي لا يصدمك لا يستحق القراءة)، يعرف (محمد صبحي) أن المسرح من أدواره الأساسيه التنوير وطرح الأسئلة وقد يختلف في ذلك بعض الطيبين فهو ليس للتسلية والترفيه فقط وإلا ما قدم العظيم شكسبير التردد في (هملت) والبخل في (تاجر البندقيه) وعقوق الأبناء في (الملك لير) المسرح من أدوات التنوير والوعي.
(محمد صبحي).. متعدد المواهب
(محمد صبحي)، المتعدد المواهب عاشق المسرح الواعي المدرك لتأثيره عل المجتمع فهو فعلاً أبو الفنون، أعرف (محمد صبحي) منذ عام 1975 فكان يعرض مسرحيته (انتهي الدرس يا غبي) مع شريك مشواره العظيم (لينين الرملي) وفرقة (ستديو 80).
والعرض كان علي مسرح الغرفة التجارية بباب اللوق وبجوار المسرح كانت كافيتريا سوق الحميدية مركز تجمع مثقفين وكتاب مصر والصحفيين وهواة السهر من الفنانين، وأتذكر أسماء بعض الحضور (ذكي نجيب محمود ويوسف إدريس وعبد الوهاب مطاوع ورخا الرسام وسيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودي وأمل دنقل).
وكثير من مبدعين وكنت تقريبا لم أتجاوز السادسه عشر ولكني عاشق للاستماع لهؤلاء الكبار، وبصحبة (محمد نوح)، أحد الليالي كان الزحام أمام المسرح كبير وحضر ممثل من مجموعة سوق الحميديه (وحيد عزت) وعرض علينا أن نحضر العرض.
إقرأ أيضا : محمد صبحي يقوم بتوعية الأجيال الحالية بأهمية أجدادنا من خلال (عيلة اتعمل لها بلوك)
فهناك نجم من خريجي الفنون المسرحيه يعمل مع الغول محمود المليجي والمبدع توفيق الدقن ويحدث حالة فنية مبهرة، انتقلنا وكان معنا (حسن نشأت) وزوجته (نبيله السيد) ومجموعة من حرافيش سوق الحميدية.
وكانت المفاجأة من خلال ثلاث عمالقة علي المسرح في عرض بديع مضحك بلا إسفاف، مسرح يحمل قيمة وبسمة ورسالة وهذا ما أكمله (محمد صبحي) في مشواره وأعرف ومثلي أي متابع للحركة المسرحية والفنية معني ما أقوله.
(محمد صبحي)، الذي يمثل حالة فنية متفردة، يجب النظر إليه من خلال مجمل مشواره وبدايته وحين تخرجه وتعينه معيداً بالمعهد، وكان من الممكن لشاب في عمره أن يتوقف هنا ولكنه تمرد وكان لديه إصرار لمشوار آخر يدرك انه قادر علي تحقيقه.
فهو من بطن الأرض المصرية ومن الجيل الذي قرأ وتعامل مع الكبار، وهنا تكون حلمه واتجه لتحقيقه ولكن كيف والمسرح أحياناً، وكثيرا من المرات يتجه إلى ناحيه تفريغه من محتواه ولكننا هنا مع رجل يعرف رسالته ودرس المسرح.
(محمد صبحي) مع (هاملت)
وكانت طموحات وبداية (محمد صبحي) مع (هاملت) في المعهد وتم تنفيذها بشكل مختلف في مدخل المبني مما لفت أنظار رجال المسرح والحقائق إليه، وهنا أشير إلى نوع من الفنانين من الحقائق المستنيرة في مصر والعالم يتوقف لديهم الطموح المادي ويسبقه طموح فني وأحلام يحققها ويحلم بها ويريدها حقائق.
وهكذا كان نجيب الريحاني وفؤاد المهندس بل الكوميديان إسماعيل يس وكانت أمامي حالة فنية متفردة في تجربة (محمد نوح) كل أمواله من الغناء تذهب إلى ستديو صوت ومنه ولوحدة تصوير ومنها للمسرح والمسرح الغنائي هنا.
وأقول كلمه حق المسرح لا يأتي بالمال لكن يأتي بالنجاح وتحقيق طموح الفنان الواعي لقيمة ما يتركه علي شرائط والمحطات لم أري (محمد نوح) سعيداً بتلك الحاله إلا حين اخبرته أني تعاقدت علي مسرح الكلية الحربية.
إقرأ أيضا : في عيد ميلاد محمد صبحي الـ 75.. نكشف سر اختياره لتجسيد شخصية (إخناتون)
وهكذا (محمد صبحي) المتعدد القدرات والمسكون بعشق المسرح وقد شاهد المسرح الإنجليزي ويدرك تأثيره علي المجتمع، فكان لصبحي (ستديو الفن) ثم المسرح والإخراج والكتابة.
إنه الفنان الحقيقي يا سادة دائماً يجري خلف أحلامه، تعاملت مع الأستاذ (محمد صبحي) عندما قامت وحدة التصوير لدينا بتصوير مسرحياته (تخاريف، البغبغان، وجهة نظر).
قدسية مسرح (محمد صبحي)
لقد أعاد الرجل للمسرح قدسيته لأنه رجل مسرح فالالتزام من النجوم والعاملين معه جدير بالاحترام، وعليه كان الالتزام من الجمهور، مسرح (محمد صبحي) يعرف من يتعامل معه أنه غير كثير من مسارح الموسم الصيفي السياحي الذي يقدم رقص واسكتشات وكوميديا، قد تقدم تنازلات وتترك المساحات للممثل ليأتي بما يستخرج الضحكات حتي وإن كانت فجه ممجوجة.
هذا ليس المسرح عند البعض وفي مقدمتهم (محمد صبحي)، ومنذ بداياته وحتي أعماله التليفزيونية لديه قضية ورسالة أحياناً وكثيرآ جريئه تجعلك تفكر وتساعد على إعمال العقل.
وأري هذا هو الدور المنوط به المسرح الحقيقي وتلك متطلبات الفنان الواعي والباحث عن تسجيل اسمه بشكل يرتضيه تحيه لفنان لم ينزلق لفنون تاتي بالمال ولكنها تدمر أجيال شكرا لمبدع تمسك بقيم المسرح الحقيقي وادرك صعوبه ذلك في زمن الغالبيه الطيبة.
أتمني أن ندرك أن الالتزام والذي يحققه (محمد صبحي) في أعماله وتمسكه بتكريس قيم أصبحت عمل نادرة في مجتمع يغلب على الكثير منه الاستسهال وانسحبت مفردات البحث عن الكمال والإتقان وأحيانا الجمال.
نعم يا سادة فقد تصالح الكثيرون مع مفردات السبوبة وبرامج ملء الهواء وكائنات (الحمو وشواكيش الفن) لإرضاء جمهور(التوكتوك) وبقايا العشوائيات، وأحمد ربي أن الدوله مشكورة تنطلق وتبذل الجهد للتخلص من العشوائيات.
وبإذن ربي نتخلص من عشوائيات الفن وطحالب وبقايا الخرفان ومحترفي فنون الابتذال التي تصالحت مع القبح مصر رائده ومنطلقه بمحبيها ومخليصيها وثقة في الله والتاريخ المصري نجاح وانطلاق.. مصر تستحق.