بقلم: محمد شمروخ
إيه اللى جرى لحراميتك يا بلد؟!.. حتى الفاسدين تدهور بهم الحال فارتدوا في غفلة من زمن المليارات الحاضر، إلى زمن الملايين الغابر! كما حدث في (طائرة زامبيا).. هل وصلت عمليات التهريب الى هذا التدنى؟!.. أم أن الفقر قد ضرب الفساد ؟!
فيا ترى كم يساوى مبلغ 5.7 مليون دولار؟! التي ظبطت في (طائرة زامبيا)، لا أقصد طبعاً كم يساوى بالجنيه المصري، لكن ماذا يمكن أن تشتريه به، احسبها معى كده، فسوف تكتشف انها لن تكفى لشراء قصر وتجهيزه في أحد منتجعات الساحل الشمالى ولا يدخل في الحساب الأبواب والشبابيك ودهان آخر وش!.
خد بالك اننا نتحدث عن محاولة لعملية تهريب جرت بواسطة (طائرة زامبيا) الخاصة.. يعنى المفروض أنه شغل على مستوى دولى!.. يعنى أن القائمين بها أو من يقفون وراءها، من المفترض أنهم من المعلمين الكبار أصحاب العمليات بالمليارات!
وترى ماذا سيكون المكسب المنتظر في صفقة (طائرة زامبيا) بمثل هذا المبلغ.. مثله.. ضعفه.. 4 أضعافه؟!، وما ذا سيجنون من مكاسب بعد القسمة وتوزيع النسب وخصم مصروفات العملية وخلافه؟!.
أما إذا خمنت أن المبلغ كان يراد تهريبه لإضافته إلى حساب ضخم، فاسمح لى أن أذكرك أن (طائرة زامبيا) نزلت في مطار بعاصمة دولة إفريقية.. يعنى لم تهبط في أحد مطارات سويسرا ولا في أى مطار لعاصمة من العواصم الكبرى أو المشهورة بعمليات المافيا وتهريب الأموال وتجارة كل ما هو محرم وتجرى به الأموال أنهارا!.
ثم إنك بذلك تثبت أنك لا تدرى شيئا على الإطلاق، عن أساليب ووسائل خروج الأموال بطرق شرعية أو بتهريبها بأخرى غير شرعية على متن (طائرة زامبيا)؟.. هتعرف منين يا حسرة!
المهم حتى لو كانت العملية تحت ظلال ما من ظلالات الفساد، فإن ما حدث لا يعدو كونه محاولة فساد (صغنونة) لمهربين (صغننين) بعد الإقلاع على (طائرة زامبيا)
فصفقة بمثل هذا المبلغ لا يمكن لمعلم كبير أن يقدم عليها أو يتم الإيقاع به بهذه السهولة!.. أنا هنا لن أشرح لك ما حدث، ولا أدعى أنى أعرفه ولو بالتخمين، ففى غيرى غنى عنى في هذا الأمر، ولو كان مخمنا أو مدعياً!
واقعة (طائرة زامبيا)
لكن يمكن لك أن تستشعر المأساة عندما تدرك أن اقتصاديات الفساد بكل أشكالها ومستوياتها وتعاملاتها، أضعاف أضعاف الاقتصاديات الرسمية، لذلك لم يهمنى من كل ما حدث في واقعة الطائرة المشهورة بـ (طائرة زامبيا)، إلا أنه انتابنى حالة قلق على مستقبل الاقتصاد في مصر وإفريقيا، فإذا كانت حال اقتصادات الفساد قد تدهورت إلى هذا، فكيف إذن حال الاقتصادات الرسمية؟!
شيء مرعب.. أليس كذلك؟!
كذلك لم ألتفت إلى السيناريوهات التى انتشرت حول واقعة (طائرة زامبيا)، ولا يمكن وصفها في عرف مافيا التهريب الدولي، إلا بالتافهة، حتى أنها وصلت إلى حد الحديث عن مكالمات يخبرونك بكل ثقة أنها جرت بين أطراف في سرية تامة.
ولم يخبرنا محدثونا بكيفية التقاطهم هذه المكالمات ولا وصول كل تلك المعلومات المحظورة، ولا من الذي نقلها إليهم بكل هذه الدقة!.
كذلك التأكيد على أسماء لشخصيات معينة، قيل إنهم كانوا على متن (طائرة زامبيا)، وتم تهريبهم قبل الإعلان عن كشف العملية، لدرجة رواية تفاصيل قصة عن كيفية تهريب أحدهم بطائرة خاصة إلى تونس ومن تونس إلى مصر.
طيب ليه الطائرة لم تتجه به إلى مصر مباشرة؟!
وكذلك الحديث عن شخص زعموا انه محتجز في (قسم ثان لوساكا) عاصمة زامبيا ثم إذا به يخرج لسانه في بث مباشر من كوبرى قصر النيل.
بصراحة الخيال كان شديد الخيابة!
حتى الخيال أصابه ما أصاب الفساد بهذه العملية الخائبة!
يعنى قصدك أن الموضوع ليس فيه فساد؟!.
بالعكس فسر قلقى أن الموضوع أساسا به على الأقل شبهة فساد، ولكن كما قلت لك من البداية أنه بسبب ما استشعرته فيما وراء مؤشرات هذا الفساد!
فمعنى أن ما حدث في (طائرة زامبيا) كان شكلا من أشكال الفساد ولو لم نستطع ان نحدد ماهيته، هو أننا قد صرنا في نهاية طابور الأمم الفاسدة!
فليكن في علمك أن مبلغاً من المال لم يكمل 6 ملايين دولار يتم تهريبها إلى دولة إفريقية فقيرة، في الوقت الذي تقوم فيه عصابات المافيا العالمية بعمليات في زامبيا وأخواتها من دول إفريقيا بمليارات الدولارات، يعتبر أضحوكة بين عصابات المافيا في العالم لأن أى عملية تهريب محترمة، لا يجوز فيها مثل هذا المبلغ الضئيل!.
(طائرة زامبيا) والمافيا
فالعمليات التي تقوم بها المافيا بالشراكة مع شركات ومؤسسات كبرى تحت سمع وبصر السلطات في كثير من العواصم الإفريقية وبرعاية مباشرة من الحكومات في العواصم الأوروبية والأمريكية، يعتبر فيها مبلغ ستة ملايين دولار بمثابة رسوم دمغات أو رسم تنمية موارد المافيا!.
ألماس، يورانيوم، ذهب، فضة، نحاس، بوكسيت.. وغيرها مما تفيض به خيرات جبال وصحارى القارة المظلومة والتى لا تعرف سبيلاً إلى جيوب مواطنيها الأصليين!.
لم يعد يجدى معها غير المليارات!.
كما أن ثروات إفريقيا تقدر بالتريليونات، بيد أنه لا يستفيد منها الأفارقة إلا بالنذر اليسير وللحاجة فقط إلى وفرة في الأيدى العاملة الفقيرة التى ترضي بالفتات!
كما يمكنك بارتياح شديد أن تقرر أن صراعات القوى العظمى على هذه القارة، كانت وراء تشكل العصر الاستعمارى في القرنين التاسع عشر والعشرين، وكذالك ما بعد الاستعمارى في القرن الواحد والعشرين والذي عاد أكثر شراسة، حيث نعيش الآن تحت ظل تحكم تحالف الشركات والمؤسسات المالية الكبرى في العالم، مع المافيا الدولية، حتى أن عمليات غسيل الأموال تجرى برعاية مؤسسات دول كبرى!.
والصراع في إفريقيا أو بمعنى أكثر دقة، الصراع على إفريقيا، يمكن أن يكون سببا في حروب مستقبلية أشد عنفا من حروب العصر الاستعمارى وعصر التحرير، بل ربما تتضاءل بجانب تلك الحروب، حرب روسيا أوكرانيا، وهى بالمناسبة حرب يمكن ان يعد الصراع على إفريقيا أحد بواعثها!.
وأنت كمصري منذ فترة محظور عليك الا بشروط دخول إفريقيا بطريق مباشر أو عن طريق غير مباشر، ويكفى ما حدث في الستينيات مع جمال عبد الناصر وأنت تعلم ماذا حدث مع عبد الناصر!
ثم تأتى لتبكى على ثروات مصر المنقولة جوا إلى عمق إفريقيا! على (طائرة زامبيا)، كل هذه الدموع على ٦ملايين دولار ناقصين أكتر من ربع؟!
تصدق؟!.. آخر مرة استشعرنا فيها بقيمة هذا المبلغ، كانت أيام الممثل الأمريكي (لي ماجور)، وهو يمثل دور (ستيف أوستن) في مسلسل رجل بستة ملايين دولار، وكان ذلك في نهايات حقبة السبعينات من القرن الماضي!
لكن لن أعذرك، إذ أنت تحسبها بالجنيه المصري، حيث يقترب المبلغ من ربع مليار جنيه، غير أن الدولار كما هو عملة العالم الأولى، فكذلك هو عملة المافيا الأولى!
ومن يدرى؟!
فلعل المافيا هى التى دفعت به إلى أن يتصدر سلة العملات الرئيسية في العالم والتى تتصارع مع بعضها البعض للحاق به!
لكن سأعذرك حقا في تهويلك لعملية (طائرة زامبيا)، إذا حسبت الملايين الستة بما يقابلها من العيش البلدى أو الفينو أو كراتين البيض أو مشنات البصل أو حتى أفخاد اللحمة المعلقة عند الجزارين، فتلك الأشياء هى التى جعلتك تتلمظ وأنت تردد ما سمعته من ترهات وتتحدث عن طيارة على بابا وما تحويه من خيرات!
والغريب أن القضية انتهت نهاية هزلية وحتى السلطات في زامبيا لم تبرر هذه الضجة الكبرى التى وقعت إثر الإعلان عن ضبط طائرة على بابا!
لكنها أصبحت حربا إعلامية تم تصفية الحسابات فش الغل كالعادة وشكلت فرصة للتلمظ وترقب ما ستسفر عنه تحقيقات السلطات الزمباوية!
لكن زامبيا نفسها حتى هذه اللحظة، لم تتمكن من تكييف الواقعة قانوناً ولا ما هى بالضبط تلك التهم الموجهة إلى ركاب الطائرة المحتجزين لدى السلطات هناك قبل صدور قرار بإخلاء سبيلهم ما لن يكونوا محجوزين على ذمة طائرات أخرى!
بس واضح جداً أن هناك طرفا ما من لوساكا قد تورط في الموضوع، إذ أن الإخوة في زامبيا مثل أشقائهم في مصر، ممكن يكونوا هم كمان حسبوها بما يوازي قيمتها من كراتين البيض!