عبد الرحيم كمال .. سيناريست برع في مزج الصوفية بالكتابة الأدبية
بقلم: محمد حبوشة
تتطلب مهارة كتابة السيناريو حسا أدبيا، وخبرة في تحويل الأفكار إلى سيناريوهات ذات حبكة مناسبة، لذا تجد السيناريست البارع (عبد الرحيم كمال) متميزا بين أقرانه من كتاب السيناريو الحاليين.
كتابة سيناريو احترافي لدى (عبد الرحيم كمال) تستلزم جهد وخيال خصب، فالسيناريو يختلف عن باقي ألوان الكتابة مثل القصة القصيرة أو الرواية أو الشعر أو حتى النثر، وهو يجيد بعضا من هذا الأدب في كتاباته خارج إطار السيناريو كالقصة القصيرة والرواية والمسرحية.
لكنه يراعي أن كاتب السيناريو يجب أن يتمتع بقدر عالي من الحرفية والخبرة للتمكن من التنقل من مجال لآخر بسهولة، فهو يقوم بالتركيز على تخصيص الكتابة للفئة المستهدفة، وهذا أمر في غاية الأهمية عند كتابة سيناريو احترافي.
إقرأ أيضا : نكشف الرباعية التى حذفت من رائعة (جزيرة غمام) لشادي مؤنس وعبدالرحيم كمال والحجار
يسعى (عبد الرحيم كمال) إلى مخاطبة مشاعر الجمهور وتفهم متطلباتهم، هو ما يقوده في الأخير من التمكن من كسب ثقتهم وولائهم وتوجيههم للفعل الذي يريدهم أن يفعلوه.
ويلجأ (عبد الرحيم كمال) إلى استخدام تقنيات مختلفة مثل تغيير نبرة الصوت في السؤال والإجابة بنبرة مختلفة لنفس الشخص أو حتى استخدام أسلوب الراوي غير المرئي من بداية الفيديو.
يقوم (عبد الرحيم كمال) بعد تحديد الهدف من السيناريو، والجمهور المستهدف مرحلة كتابة المسودة الرئيسية للسيناريو بما فيها من أفكار وحوارات، هذه المرحلة تمهيدية، ولن تبدأ حقيقة في كتابة الصيغة النهائية للسيناريو الآن، وإنما ستكتفي بتوليد أكبر عدد ممكن من الأفكار التي تناسب موضوع السيناريو ورسالته.
(عبد الرحيم كمال) وهدف السيناريو
بعد أن تنتهي كتابة السيناريو عند (عبد الرحيم كمال)، يقوم بمراجعته ليتحقق من أنه يحقق الأهداف التي حددها سابقا، ويوصل الرسالة التي يود نشرها، ويسأل نفسه هذه الأسئلة ويجيب عنها بعناية:
هل السيناريو النهائي يناسب جمهورك المستهدف؟، هل يوّصل الرسالة التي تريد نشرها بوضوح منذ البداية؟، هل هو منسجم ومتناسق ذات حبكة جيدة؟، هل نص السيناريو يناسب المنصة التي يريد نشر الفيديو عليها؟، هل السيناريو بالطول المناسب؟
وكاتب العمل الدرامي (عبد الرحيم كمال) كما نلحظ يستند إلى عناصر التراث ويحاول أن يستلهم الماضي بهدف تحقيق تواصل إنساني من خلال تجربة فنية اتصالية روحية تطرح تساؤلاتها على الواقع المعاصر في محاولة البحث عن رؤية مستقبلية.
إقرأ أيضا : عبدالرحيم كمال : تجربة العمل في مسلسل (الوعد) كانت شديدة الإمتاع
وينتقي (عبد الرحيم كمال) الدراما من كل زمان اتجاهاته وأفكاره ووسائله وتشريعاته التي تسهم في تكوين شخصية الفرد والتأثير فيه، وتتميز الدراما عنده بتعدد وظائفها ومهامها التربوية والأخلاقية والجمالية والترفيهية.
فهى من وجهة نظره تعيد تصوير الحياة من أجل تعميق تجربة الإنسان الحياتية، وهى (متسامية) في عالم من الصور الفنية والمتخيلة، ولهذا تعد الدراما التاريخية والتي تعتمد على التراث بالنسبة لكل ذات منفردة ليست مجرد وسيلة لمعرفة الناس الآخرين، بل أيضا أداة لمعرفة الإنسان نفس.
وهو متصوف في حب كل ما هو موصول بالقلب.. شخصياته تنطق أشعارا بالعامية، فيحول الأدب العالمي قصصا شعبية، ويقتبس من التاريخ ما يحلو له ليشارك به الناس أحلامهم وأمنياتهم.. وأفكاره أيضا.
فكانت لغته الرصينة الراقية مفتاح الوصول الأسهل إلى تثبيت اسمه فى عالم كتاب السيناريو خلال السنوات الأخيرة.
(عبد الرحيم كمال) والتاريخ
ويحرص (عبد الرحيم كمال) على اللجوء للتاريخ مثل كثير من كتاب الدراما ليقوم من خلاله بالإسقاط على الواقع المعيش وكشف ملابساته وانتصاراته وإخفاقاته كنوع من التخييل الدرامي المشوق.
السيناريست (عبد الرحيم كمال) من من مواليد محافظة سوهاج، وتحديدا قرية العيساوية، وتخرج من كلية التجارة بسوهاج، ثم التحق بالمعهد العالي للسينما قسم السيناريو عام 2000، بدأ مشواره بسيت كوم (شباب أون لاين) عام 2002.
أول أفلامه السينمائية كان (على جنب يا أسطى) للنجم أشرف عبد الباقي عام 2008، وأول مسلسلاته كان مع النجم الكبير الراحل نور الشريف في (الرحايا – حجر القلوب) عام 2009.
إقرأ أيضا : عبدالرحيم كمال في صحبة أولياء الله الصالحين في شهر رمضان
تعاون مع النجم الكبير يحيى الفخراني في عدة أعمال، منها: (شيخ العرب همام – آخر ملوك الصعيد) عام 2010، و(الخواجة عبد القادر) عام 2012، (دهشة) عام 2014، (ونوس) عام 2016.
تعاون (عبد الرحيم كمال) مع عمرو سعد في مسلسل (يونس ولد فضة) عام 2016، ومحمد رمضان في مسلسل (زلزال) عام 2019، وروبي في مسلسل (أهو ده اللي صار) عام 2019.
وقدم مع المخرج شريف عرفة فيلمه الملحمي (الكنز) على جزأين (الحقيقة والخيال 2017 – الحب والمصير 2019) مع نخبة من النجوم، على رأسهم: محمد سعد، محمد رمضان، هند صبري، وروبى، وفيلم (خيال مآتة) مع أحمد حلمي عام 2019.
وأيضا قدم (نجيب زاهي زركش) في رمضان 2021، وفي نفس العام مسلسل (القاهرة كابول)، والذى عرض فى رمضان، بطولة فتحي عبدالوهاب وطارق لطفي وخالد الصاوي وحنان مطاوع ونبيل الحلفاوي وغيرهم، وهو من إنتاج شركة سينرجي، وإخراج حسام على.
عبد الرحيم كمال وجزيرة غمام
ثم قدم رائعته (جزيرة غمام) في رمضان 2022، إخراج حسين المنباوي، وبطولة طارق لطفي، مي عز الدين،فتحي عبد الوهاب، أحمد أمين،رياض الخولي، وأنتج المسلسل تامر مرسي عبر شركة سينرجي للإنتاج الفني.
عن بداياته الأولى يقول (عبد الرحيم كمال): (اندمجت فى الوسط الثقافى وكتبت العديد من القصص القصيرة وكنا بنكتب على ورق الدشت وأدى ذلك إلى ضياع من 300 إلى 400 قصة قصيرة على مدار 7 سنين بخلاف حاليا الكتابة أصبحت سريعة من خلال الكمبيوتر واللاب توب، ونستطيع الاحتفاظ بكل ما نكتب.
وأشار (عبد الرحيم كمال): حول تجربته بين الأدب والسيناريو، إن أجمل فترة عاشها مع الناس التى تقدر الأدب وهم يتناقشون أمامه حول الفكر بسخرية وبجدية)، وقال: (أدركت أن الكلمة حاجة مهمة جدا جدا وأنها ممكن تعمل حجات كتير، آه صحيح مش هتغير الكون بس ممكن تغير نفوس ودا أهم من تغيير الكون).
(عبد الرحيم كمال) ونور الشريف
وتابع: (وشاءت الظروف أن أتعرف على الأستاذ نور الشريف وأن يكون باب ليا الله يرحمه من الأبواب الجميلة، فكان نجم وممثل، وليس كاتبا ولا مخرجا، فتحلى باب آخر من السحر هو ازاى الراجل ده أنا بروح أشوفه قاعد فى الديكور بيلبس دقن عشان يبقا هارون الرشيدى، وأزاى كان بيعمل عمر عبد العزيز وأزاى بيكون زوج لخمس ستات).
دخلت الفن من باب الثقافة والقراءة ومن باب الفرجة على نجم سينمائى شهير فى هذا الوقت دا كان من 3 أو 4 نجوم مهمين فى الوطن العربى فعلا، عملت معاه مسرحية فى هذا الوقت وهو صاحب الفضل بعد أبويا وأمى والقراءة والكتابة).
وأوضح (عبد الرحيم كمال): كنا نجلس للاستعداد للفيلم الأمريكى الذى يأتى فى السهرة وكنا نعتقد للأسف أن أمريكا المسيطرة على العالم، ومع الأفلام الصينية والروسية والأوروبية والإيرانية.
فبدأت أنبهر وبدأت أعرف، أنا كنت متعرف على السيناريو وشايف أن الأدباء دول أعظم ناس خلقهم ربنا وإن أهم حاجة الأدب بدأت أحب من تحويل الأشياء إلى مرئية من خلال معهد السينما.
إقرأ أيضا : عبدالرحيم كمال : النهاية المفتوحة لا تشير لجزء ثان بالضرورة!
واتخرجت من معهد السينما عام 2000 وقعدت تقريبا بلا عمل لعام 2007 بحاول أكتب إلى أن أرسل الله لى حاجتين فيلم (على جنب ياسطى) مع الأستاذ سعيد حامد، بعدها كلمنى الأستاذ نور شريف وقالى عاوز أعمل حدث صعيدى فكان (الرحايا).
(عبد الرحيم كمال) ويحيى الفخراني
وعن علاقته مع النجم يحيى الفخرانى، قال: (أول عمل جمعهما كان فى مسلسل الخواجة عبد القادر وتواصل التعامل بينهما ليصل إلى خمسة أعمال تلفزيونية حتى حصل على دعم وثقة الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية الذى وجه له التقدير فى الاهتمام بالوعى من خلال أعماله الفنية عبر مداخلة فى برنامج تلفزيونى.
يؤمن الأديب والسيناريست (عبدالرحيم كمال): (أن الصوفية هى الحب وممارسة كل النشاطات داخل الوعي والوجود بدون غرض إلا المحبة موضحا أن الحب لو غاب عليه العودة بسرعة).
وأكد (أن الحب شئ إنساني وهو نعمة الحياة لأن اليوم الجديد يوميا هو منحة من الله مضيفا أن والده وشيخه كانا كذلك وتربى على ذلك وأن الله خلق أهل الأدب ليهدي بهم أهل الغضب).
ولفت إلى (أنه كلما تقدم الزمن كلما رفعت الستائر واختلف الوضع ولكل صوفي طريقة في التعبير عن المحبة وتابع: (أنا من مريدي الشيخ التيجاني وأحس أني ابنه، وهو يعلمني في الله بدون غرض وكل حب تعلق بسبب يزول بزوال السبب).
وحبي لشيخي بلا سبب ووالدي له دورا كبيرا في ما أكتبه، فله دور في مسلسل (الخواجة عبدالقادر) ووالدي كان مقاولا، وقابل الخواجة عبدالقادر وحكى لي الحكاية بعد مرور 40 سنة.
وهو شخص عاش فترة في السودان وكان طيبا، والأطفال يضحكون عليه للحصول على ماله، وهو كان يصدقهم لأنه يريد أن يراهم فرحين وكان في بلدنا 4 سنوات، وكان أبي يحب الخواجة عبدالقادر وأنا أحببت القصة لأن بها محبة وهو ما يلغي العنصرية.
واستطرد: (قدمت في الخواجة عبدالقادر عدة نماذج لرجل الدين بداية من رجل الدين التلقائي بالسودان ورجل الدين الصعيدي المتعالي على المستجدين في دخول الإسلام، وهو ما يشوه المحبة في الإسلام وأنا محظوظ بالكتابة لأنها أكل عيشي ولدي حظ أكبر وهو كتابة ما أتمناه مع ناس أحبهم).
إقرأ أيضا : عبدالرحيم كمال : مسلسل (نجيب محفوظ) ما زال حبرا على ورق !
وتابع: (أنا خريج كلية تجارة خارجية وقلت لشيخي أريد دخول معهد السينما لدراسة السيناريو وقال لي هذا هو البناء، ووسيلة نقل الشعور وحمسني للغاية وأحسسني أني أخترت شيئا كبيرا وشيخي يحب الفن جدا، ويرون أنه باب من الأبواب إلى الله لأدخل بالفعل وأدرس السيناريو.
ويتابع (عبد الرحيم كمال عن حياته: (والدي ووالدتي كانا يتعاملان برقي وبعد وفاة والدتي فرق معي الأمر، ولم أجد تعويضا عن فكرة غيابها إلا منها والله يضع في الأنثى بشكل عام أشياء متجاوزة للسن.
وعندما يكون لدى وقت نجلس سويا، ونتحدث وهم يحبون أعمالي وهم كانا يناقشاني في عناوين الأعمال بأول وأول سبب اختيار الاسم وكان لديهم شغف للوصول إلى المعلومة.
السيناريست المبدع (عبد الرحيم كمال)
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للكاتب والسيناريست المبدع (عبد الرحيم كمال) الذي اتجه إلى التراث؛ لينهل من ينابيعه المتعددة، لما فيها من قيم حضارية وشعبية تؤكد على هوية الجماعة الشعبية، ليقدم عشرات الأعمال ورحلته فى الصعود لا تنطفئ فى قلوب متابعيه.
كذلك لما لها من قيمة معنوية كبرى في وجدان أي أمة من الأمم؛ مما يشكل بوابة مرور للأعمال الدرامية لوعي وعقل وقلب المشاهد، لأنه ـ وأعني التراث بشتى تجلياته ـ قادر على الانتصار للشعور القومي والإعلاء من حضوره في محاولة للخروج من أزمات الواقع المعيش سواء على المستوى الاجتماعي أو الحضاري أو حتى على المستوى الاقتصادي.
إقرأ أيضا : العبث بتاريخ الحجار، وإبداع شادي مؤنس، وأشعار عبدالرحيم كمال في (جزيرة غمام) !
ومارس (عبد الرحيم كمال) حنينه نحو ذلك الإرث التليد، ولكن ليفرز معاناته ويسقطها على معطيات التراث، وبهذا يمتد خيط التاريخ ليصل إلى الحاضر عبر أدوات فنية،فهو إذن يتجاوز التصور السكوني للتراث.
لأنه يأخذ منه، ويضيف إليه أبعادا جديدة من خلال رؤيته المعاصرة، وهذا يعنى أن المبدع الذي يعي دور التراث وعيا نقديا هو الذي يفجر ما في هذا التراث من دلالات إيحائية، لذلك ينبغي أن تكون الدلالة الإيحائية نابعة من قدرة المصدر التراثي على الإيحاء والتعبير.
واللجوء للتراث من وجهة نظر (عبد الرحيم كمال) ليس معناه نكران للواقع الاجتماعي وما فيه من صراعات وأزمات، وليس معناه أيضا الإغراق في الماضي هروبا من أزمات الحاضر.
بل على العكس في بعض الأحيان، وحين يجد الكاتب الدرامي نفسه أسير تكرار طروحات أزمات الواقع ومشاكله يجد ضرورة وحتمية أن يذهب للماضي لفهم ما يدور في الحاضر.
فالماضي والحاضر كلاهما معاشان في الشعور، ووصف الشعور هو في نفس الوقت وصف للمخزون النفسي المتراكم من الموروث في تفاعله مع الواقع الحاضر، إسقاطا من الماضي أو رؤية للحاضر.
فتحليل التراث هو في نفس الوقت تحليل لعقليتنا المعاصرة وبيان أسباب معوقاتها، وتحليل عقليتنا المعاصرة هو في نفس الوقت تحليل للتراث لما كان التراث القديم مكونا رئيسيا في عقليتنا المعاصرة ومن ثم يسهل علينا رؤية الحاضر في الماضي ورؤية الماضي في الحاضر.
وقد عرف (عبد الرحيم كمال) بميله الشديد نحو عالم التصوف، ليس في أعماله الدرامية المتعددة والمتنوعة فقط، ولكن في رواياته أيضا، فقد أصدر قبل سنوات رواية (بواب الحانة) حيث يمتزج فيها الواقعي بالمتخيَل.
وتختلط فيها الحقيقة بالحلم، ويبني الرواية على السردية الصوفية، عبر مجموعة من الإحالات إلى التراث الصوفي بعناصره المختلفة حتى أنه يدرج أبياتا مطولة للحلاج في أكثر من موضع من الرواية.
ولم يكن الرجوع إلى التراث، وخاصة التراث الديني عامة، والصوفي خاصة في الرواية فقط، بل في كثير من الأعمال التي قدمها عبد الرحيم كمال للشاشة الصغيرة استلهم هذا التراث وغرف من ينابيعه الفياضة، ليقدم لنا روائع درامية ستبقى راسخة في الذاكرة المصرية.