بقلم: محمد حبوشة
سامي قفطان، فنان عراقي كبير يتوافر فيه الإحساس وقوة التركيز للأفكار وقوة التذكر للحركة الجسمانية، يعيش في الدور ويتسلل تحت جلد الشخصية، كما أن له المقدرة على إيجاد العلاقات الذهنية ومنطقية الإحساس والقدرة على التحليل النفسي.
فإذا لم يكن هناك معين في داخل سامي قفطان، ليخرج منه هذه الأشياء عند قيامه بأحد الأدوار فهو ليس ممثلا، لذا فإنه يتغير تغييرا كاملا في الشكل الخارجي لهيئته ويتقمص الشخصية التي يمثلها.
يمتاز سامي قفطان بعقل وجسم نشيط، ففي هذا العقل والجسم النشيط تكمن القوة الديناميكية لتكوين الشخصية، كما أنه يخلص للدور الذي يؤديه ،يعيش في مجتمع الدور و بإحساس صادق.
يحاول سامي قفطان الوصول إلى أكبر درجة من الإتقان، و على هذا الأساس يمكن تحديد قوة الممثل أو ضعفه أو ما يسمونه بالموهبة الفنية .
وهو في ذات الوقت يمتلك الثقافة التي (تعد مهمة بالنسبة للممثل بجمع الكتب التي تبحث في شئون المسرح وفن الممثل ويهتم بقراءة الشعر وزيارة المسارح والمتاحف) طبعا الهادفة و ليست الهابطة!
غالبا ما يكون سامي قفطان ملما بأغلب المشاعر والأحاسيس، فالممثل لا يستطيع أن يؤدي الدور بإحساساته الشخصية وحده، لكن بما يمتلك من قوة التخيل والإعداد اللتين تساعدان الممثل على أن يصب كل أفكاره في دوره بعد أن يتلقى التوجيهات من المخرج.
الموهوب سامي قفطان
والممثل الموهوب سامي قفطان، يدرك الحياة حق الإدراك ويضعها في خدمة الدور عن طريق الشعور والإحساس، ولهذا يحرص على التعمق في كل لحظة من اللحظات تأدية الشخصية بملامحها وحركاتها وحواراتها وإيماءاتها ونظراتها .
يتمتع الفنان العراقي الكبير قدرة على تطور نشاط قوة التخيل وتطورها مع الدور الذي يلعبه الممثل، وهذا النشاط ينبع ويتولد من سؤالين يضعهما الممثل نصب عينيه: ماذا أصنع؟، وكيف أتصرف؟
والقدير سامي قفطان يفهم جيد تمثيل الإحساسات أو الانفعالات التي تتولد من تلقاء نفسها عن الطريق الذي يحدث الحدث لا يحتاج إلى تصنعها و التكلف بتمثيلها .
من الأقوال المأثورة: (تعلم أن لا تمثل ، فالممثل يجب أن يتصرف بإحساس، من خلال أن يستوضح ويفهم هدف (المسرحية، التمثيلية، المسلسل، الفيلم ..إلخ) وأماكن تطورها وأسباب حدوثها، تماما كما يفعل سامي قفطان.
فالانتباه والتركيز التام يمثلان مكانا مهما عنده، فالتركيز والانتباه مطلوبان للممثل على أن ينتبه لكل لفظ وكل حركة وإلا يفقد زميله على المسرح يجب أن يكون معه حتى بالنظرة و اللمسة يصغى إليه ويشاركه .
سامي قفطان يعيش الشخصة
كلما أحب الممثل دوره و أخلص له ظهرت الشخصية وهدفها الأساسي بنقل أفكار المؤلف وأحاسيسه للمشاهد، فيجب على الممثل أن يعيش في الشخصية التي يمثلها، فالشخصية الشريرة تختلف عن الشخصية الطيبة، ولا بد من الكشف عن ظروف الشخصية وأحوال معيشتها.
وسامي قفطان من بين القلة من الفنانين الذين لا يمكنه فصل وسائل التعبير لديه عن نفسه، لأنهه يبدع بإستخدام جسده و صوته و ميزاته النفسية والعقلية، أي أن إبداعاته لا تنفصل عن شخصياته.
فإنه لمن الصعب فصل موهبة الممثل وإبداعه عن شخصيته، غير أن التمثيل فن، وكما هو الحال في أي فن، فلا بد من توافر عناصر أساسية لدى الممثل، مثل المقدرة والدراسة والممارسة.
الجسم والصوت عند سامي قفطان يحتاجان إلى أجساد مرنة مطواعة معبرة، ويتحتم عليهم استخدام جسده لعرض مواقف عديدة ومتنوعة، ويمكنه اكتساب هذه الخبرات بدراسة مقررات أو بالممارسة والتجربة.
يتدرب الممثلون على طريقة التنفس بطريقة صحيحة وعلى التنويع في إيقاع الصوت والنبرة، كما أنهم يتعلمون التحدث بلهجات مختلفة، وهو ما يفعله سامي قفطان.
فإن التدرب على الإلقاء والغناء والاسترخاء شيء مهم، غير أن معظم الممثلين يتدربون سنين عديدة لاكتساب القدرة على تطويع أصواتهم بشكل كبير يسمح لهم بالتحدث بصوت مرتفع أو منخفض أو بشكل حاد أو ناعم، وسامي قفطان من الممثلين المحترفين الذين يتدربون على تحسين قدراتهم الصوتية ومرونة أجسادهم طوال مدة ممارستهم لموهبة التمثيل.
أعمال سامي قفطان
الفنان سامي قفطان من أصول وجنسية عراقي، من مواليد عام 1942 م في مدينة النعمانية بمحافظة واسط العراق، وتجدر الإشارة إلى أن بداية عمله الفني كان في عام 1960 من خلال فيلم Hand of the Moon، والذي فاز به بشعبية كبيرة.
قدم الفنان سامي قفطان العديد من الأعمال الفنية الهامة، ومن أهمها وأبرزها ما يلي:
(يد القدر، وقت رجل القصب، رأس النهر، القناص، الملك غازي، المشكلة الكبيرة، العطشان بابل حبي، حواف ملتهبة، نجمة البقالة، افتح يا سمسم، ناديه، تطلعات خاطئة).
فضلا عن: (ليلة الذئاب، أولاد الحج، أبو جعفر المنصور، عالم الست وهيبة.
ميناوي باشا، آخر خطوة، رياح الماضي، بائع الورد، سارة خاتون، إعلان حب، الفندق، يا بغداد، دجلة والفرات).
وتجدر الاشارة إلى أن الفنان سامي قفطان، قدم العديد من العروض السينمائية، من الأعمال المسرحية والتلفزيونية والإذاعية طوال مسيرته الفنية التي امتدت لأكثر من ستة عقود، بدأ فيها الفنان سامي قفطان نشاطه الفني ابتداء من عام 1960 م من خلال فيلم Hand of Destin.
يقول سامي قفطان عن حياته وبداياته: أنه بدأ مشواره الفني بـ (الصدفة) عام 1960 وشارك في خمسة أفلام عراقية للقطاع الخاص، وقد انتمى الى فرقة مسرح (14) يوليو عام 1965.
وبقي تحت التجربة لمدة ستة أشهر، مشاركا في أكثر من عمل للفرقة، وتجواله بين الفرق المسرحية كما في فرقة مسرح الفن الحديث، وفرقة المعاصر، والرافدين، ثم ليستقر به المقام في الفرقة القومية للتمثيل التي عمل مع جميع مخرجيها.
سامي قفطان والبخيل
قدمه المخرج الراحل (جاسم العبودي) في مسرحية (البخيل) عن الكاتب الفرنسي الشهير موليير العام 1969 ولم يكن قد اعتلى خشبة المسرح في حياته.
والمفارقة هنا أن تحصيله الدراسي لايقتصر سوى على الشهادة (الابتدائية) لفصله من معهد الفنون الجميلة بسبب (الغياب).
أما في السينما فقد عمل في فيلم (الضامئون) عام 1972ـ 1973 مع المخرج محمد شكري جميل، ثم فيلم (الرأس) مع المخرج فيصل الياسري، وشارك في اخراج فيلم (الزورق).
في عام 1966عندما كان يؤدي الخدمة العسكرية بعد اجتيازه الاختبار في إذاعة القوات المسلحة، حيث قدم أكثر من ثلاثة عشر عملا غنائيا كان يكتب ويلحن ويغني معظمها حتى شملت أعمالا أخرى توزعت بين الغناء في المسرح وما تركه في ذاكرة المكتبة الغنائية من أغان للأطفال.
ولحن له كبار الملحنين أمثال: (فاروق هلال، محمد نوشي، جعفر الخفاف، حسن الشكرجي)، بالإضافة إلى كتابته النص الغنائي الشعبي والفصيح معا.
وعلى صعيد المسرح أنتج وأخرج سامي قفطان عدة أعمال منها مسرحية (اللي يعيش بالحيلة) عام 1984، التي عرضت على مسرح بغداد لمدة (ثلاثة أشهر).
وأخرج لدائرة السينما والمسرح ثلاثة أعمال مسرحية، وحاز على العديد من الجوائز أهمها جائزة (أفضل ممثل مسرحي) عام 1975، و(أفضل ممثل سينمائي) عام 1976، و(أفضل ممثل عربي) عام 1982.
جوائز سامي قفطان
ما حاز سامي قفطان جائزة (أفضل ممثل) في مهرجان تونس العالمي، و(أفضل ممثل) في مهرجان قرطاج العالمي، وأسس مع الراحل راسم الجميلي والفنان محمد حسين عبد الرحيم (مسرح دار السلام)، وأصبح رئيسا لفرقة المسرح الأهلي.
وشارك كممثل مع أسماء عربية وأجنبية منهم (يحيى شاهين، عبد الله غيث، أمينة رزق، كرم مطاوع، سميحة ايوب، أوليفر ريد) وآخرين.
وعن تجربته تحدث الفنان سامي قفطان قائلا: (الحائط) حين تحقق لي بعض هذا النجاح، الذي هو بجهد شخصي خاص، أكون قد اعتمدت بالصدفة على البعض.
ولعل رحلتنا كعائلة من مدينتنا في (واسط) إلى الحمزة الشرقي في مدينة الديوانية، ومهنة والدي في الخياطة إلى جانب عمل والدتي أحيانا كي تعيل العائلة في غسل الملابس والغزل كوننا نسكن في كوخ صغير ومن عائلة مؤلفة من خمسة أفراد.
ويستطرد سامي قفطان قائلا: كانت تداهمني حالة لا أعرف أين ستمضي بي من تلك الأجواء التي نشأت وترعرعت فيها، كما وأنني حين كنت طالبا في المدرسة الابتدائية ومشاهدتي للسينما (الجوالة) التي كانت تعرض أفلامها في القرى والأرياف من أفلام ثقافية ورياضية.
كنت الطفل الوحيد الذي يبقى بعد العرض متلمسا الحائط الذي كانت تتحرك عليه تلك الشخصيات ومتسائلا بذات الوقت أين ذهب هؤلاء؟، وقد انبثقت تساؤلات عديدة في حينها أن كيف يصبح الانسان ممثلا؟، وقد قررت أصبح ممثلا.
تعثر سامي قفطان دراسيا
وفعلا بدأت حياتي العملية وأنا مع تلكؤي في الدراسة إلى أن أخوض الحياة العملية في عمر العشر السنوات، أي في العام 1952 وحتى هذا اليوم، ثم انتقالنا إلى بغداد والعمل في السينما والتلفزيون والمسرح والإذاعة كذلك.
ويقول سامي قفطان عن مشاركته لأول على خشبة المسرح كانت مع الراحل جاسم العبودي في مسرحية (البخيل)، ومن ثم في السينما التي ساقتني فيها الصدفة عن إعلان على أحد أعمدة شارع الرشيد تطلب فيها (شركة الصافي للسينما والتمثيل) عن وجوه جديدة لفيلم (دموع الذكريات).
وبعد المقابلة ومشاركتي في الفيلم جاءت بعدها تجربتي الثانية في فيلم (يد القدر)، وفيلم (ذكريات)، أي أنني عشت تلك المرحلة التي أمدها خمس سنوات مابين العام 1960 ـ 1965 للعمل في القطاع الخاص السينمائي.
وبجرأة دخلت عالم المسرح في العام 1965 للعمل في فرقة (14) يوليو المسرحية وبقائي تحت التجربة لمدة ستة أشهركقرار داخلي ضمن منهاج الفرقة التي كانت تضم كبار ممثلي المسرح العراقي أمثال (أسعدعبد الرزاق، عزيز شلال عزيز، وجيه عبد الغني، قاسم الملاك، فاضل جاسم، خليل النعيمي، وسليمة خضير) وغيرهم الكثير.
ومن ثم العمل في المسرح مع عدة فرق مسرحية إلى جانب الكثير من الأفلام السينمائية والتلفزيونية والإذاعية الأخرى، فضلا عن العمل في الموسيقى والغناء وإنتاج الكثير من الأعمال الغنائية لحين إحالتي على التقاعد في العام 2005 كممثل ومخرج في الفرقة القومية للتمثيل!
مختتما الحديث عن تجربته بالغناء تارة وإلقاء القصائد التي أخذت شكلا ممسرحا جادا في توصيل الشعر إلى الجمهور الذي تفاعل مع المحتفى به، ومن الشهادات التي تحدثت عن تجربة المحتفى به كانت للناقد السينمائي (كاظم مرشد سلوم).
أشهر أقوال سامي قفطان:
** الممثل، إذا كان يمتلك الموهبة، ويلجأ الى الدراسة في الاكاديمية، فهو حقق أمرين رئيسيين من مُسببات النجاح، فهويحتاج الى (الممارسة) التي تعد العامل الأهم لاستمرار الفنان، حين يتخرج الفنان من الأكاديمية لا يجد أعمالا لتقديمها، فهنا يغيب عامل الممارسة.
** علينا أن نعلم أن كلمة (فنان) تطلق على أي كائن قادر على القيام بعرض مثير وإن كان كائن غير بشري، ما أملكه من إمكانية فنية في أي تجارب أقدمها هى محض اختبار بالنسبة لي، إن نجحت وجدتني استمريت عليها وإن لاحظت بعض التلكؤ سأبتعد عنها.
** كثير من الأسماء تتقمص الشخصيات التي تقوم بتقديمها، وهنالك من يطور نفسه، ويستطيع التنقل بين الشخصيات بسهولة والخروج من إحداها للدخول بالأخرى.
** على الحكومة أن تدعم الفنان، ولكن من هو الفنان؟، وهنا تكمن المشكلة: في حال منحت الحكومة شيئا للفنانين سيتساوى الفنانون بمستوياتهم وهذا أمر مرفوض، يقال أن لدينا 17 ألف فنان، لكن أين هم؟
** هنالك بعض الدخلاء يصدر لهم هوية نقابة الفنانين وليس لهم أي صلة بالفن والفنانين، الدولة منحت أموال طائلة لشبكة الإعلام من أجل خلق أعمال درامية، ولكن أين هذه الأعمال الآن؟
** ليس من الطبيعي أن أطلب من القائمين على هكذا مناهج وبرامج ومهرجانات أن يدعوني، فتاريخي الكبير هو من يؤهلني لأن أدعى إلى هكذا احتفاليات وجلسات، ولكني وللأسف أشهد أن من لا يملك ربع تاريخي الفني يدعى إلى مثل هذه الجلسات.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنان الكبيروالقدير سامي قفطان، قامة عراقية سامقة تنحدر من جنوبي العراق، استحوذت على ذائقة وذاكرة العائلة العراقية بأعمال فنية ودرامية لامست قضايا المجتمع، ليظل حاضرا هو في مع كل استذكار لتأريخ الفن العراقي الحديث، حين نستذكر الأعمال الدرامية، والسينمائية، والمسرحية المهمة والكبيرة، سيكون ضمن الصف الاول من الفنانين المتصدرين لهذا المشهد، وحين نتحدث عن المواهب الأخرى، سنجده أخذ من كل مجالات الفنون، فكان له حضور موسيقي في مجال الغناء والتلحين، وله حضور جمالي في مجال الأدب والشعر، إلا أن للفن والتمثيل الصدارة لديه، فهو يميل لهما أكثر من غيرهما، لذا نجده يوظف جميع مواهبه في خدمة الفن والتمثيل.