بقلم: بهاء الدين يوسف
قادني الفضول قبل أيام لمشاهدة فيلم باربي، الذي حظي بمساحات واسعة من الجدل في أغلب الدول العربية حول مدى تناسبه مع الأخلاق الحميدة التي تحرص حكومات تلك الدول على ترسيخها في نفوس شعوبها سواء بالذوق او بالعافية، مثلما فعلت الكويت وعمان والجزائر بمنع عرض الفيلم نهائيا حسب التقارير الصحفية المنشورة في وكالات أنباء عالمية.
قبل مشاهدة فيلم باربي، كان أغرب ما سمعته من أسباب لرفض عرضه هي ما قاله وزير الثقافة اللبناني محمد المرتضى من أن الفيلم (يروج للشذوذ والتحول الجنسي ويسوق فكرة بشعة مؤداها رفض وصاية الأب وتهوين دور الأم وتسخيفه والتشكيك بضرورة الزواج وبناء الأسرة، وتصويرهما عائقا أمام التطور الذاتي للفرد لا سيما للمرأة)، وهي اتهامات ذكرتني بالخطب العنترية التي يلقيها علينا رجال الدين في معظم بلداننا العربية لتحذير أي مواطن من التفكير على الخروج على طاعة الحاكم لا سمح الله، أو حتى التفكير في حد ذاته.
إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف يكتب: المثلية الجنسية قادمة.. المدام لاعب كرة محترف!
الغريب والعجيب في أمر فيلم باربي، أنه في الوقت الذي يخرج وزير الثقافة اللبناني المدعوم من حزب الله للمطالبة بحظر عرض الفيلم في البلد العربي الوحيد الذي سبق له إقامة أسبوع للمثليين في عام 2017، تسمح المملكة العربية السعودية بعرضه وهى المعروفة سابقا بكونها واحدة من أكثر دول العالم تشددا، والأكثر غرابة هو تطابق مواقف بعض الدول العربية مع مواقف العديد من النواب والأعضاء في حزب المحافظين الأمريكي الذين لم يتوانوا عن انتقاد الفيلم ومخرجته (جريتا جيروج) بدعوى قيامه بترويج الوعي بالمساواة الاجتماعية والجنسية، علما بأن المقصود هنا حتى لا يذهب عقلك بعيدا هو المساواة بين الجنسين.
باربي لايروج للمثلية الجنسية
حتى لا أطيل عليكم تحمست لمشاهدة (نسخة غير خاضعة للرقابة) من فيلم باربي، وكلي تحفز من مشاهد تشجيع المثلية الجنسية وتدمير الأخلاق العامة وتفتيت العلاقات الأسرية والتقليل من انتصارات النادي الأهلي الأفريقية، لكنني بعد أن شاهدت النسخة الكاملة منه خرجت لا أعرف إن كنت خائب الرجاء في الفيلم الذي لم ألحظ فيه أي شيء مسيء، أم في المنتقدين خصوصا العرب منهم الذين ينساقون وراء حملات المحافظين الأمريكيين ضد الفيلم دون أي درجة من الوعي بالفروق بين أجنداتهم وأجنداتنا السياسية والأخلاقية والاجتماعية.
فيلم باربي، لم يكن فيه مشهد واحد خارج عن النص بل إنه حسبما أتذكر لم يقدم ولو قبلة واحدة طوال أحداث التي قاربت على الساعتين، رغم أن بطلته (مارجوت روبي) قدمت الكثير من الإغراء في بعض أفلامها السابقة وأشهرها Focus، وكذلك فعل البطل (ريان جوسلينج)، كما أنني دققت بعناية في أغلب المشاهد وأعدت عرض بعضها لأعرف لماذا اتهم البعض المخرجة بالترويج للمثلية الجنسية من دون أن أصل لشئ، فلا الأحداث تروج أو حتى تتطرق لمسألة الشذوذ من قريب أو من بعيد.
إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف يكتب : أفلام ديزني تنشر الشذوذ بين أطفالنا !
ولا يتبنى فيلم باربي، موقفا راديكاليا من أي قضية خلافية لها علاقة بالأخلاق، وبالتالي يبقى السبب الوحيد في تقديري لرفض عرضه في بعض البلدان هو الخوف من أمرين أولهما فكرة سيادة النساء وهذه قضية خلافية بالطبع لكنها اجتماعية وليست لها علاقة بالأخلاق نهائيا، والأمر الثاني هو فكرة الانقلاب على الحكم حين نجحت باربي وأخواتها في الانقلاب على حكم كين (ريان جوسلينج) واستعادة (باربي لاند) من تحت سيطرتهم الغاشمة لصالح النساء مجددا.
قصة الفيلم باختصار تدور في باربي لاند، حيث تعيش باربي الدمية الشهيرة مع المئات من نسخ باربي التي ظهرت على مدار السنين منذ ظهرت لأول مرة عام 1959، كما يعيش معهم في المدينة (كين عاشق باربي) ونسخ مختلفة منه، تعيش باربي حياة مثالية مع نسخاتها المختلفة دون وجود دور للرجل أو كين في حياتها، لكن فجأة تبدأ في التفكير بأمور غريبة مثل الموت مثلا، وتعرف أن السبيل الوحيد للخلاص مما هى فيه فكرة السفر إلى العالم الحقيقي لمعرفة السبب.
كين ينقلب على باربي
تسافر باربي إلى العالم الحقيقي مع كين الذي يصر على مرافقتها، وهناك يكتشفان أن هذا العالم يتحكم به الرجال على عكس العالم الذي يعيشان فيه، ما يدفع كين للتمرد والعودة إلى باربي لاند والاستيلاء على الحكم وتحويل اسم المدينة الى (كين لاند)، بينما باربي تلتقي مع جلوريا (أميركا فيريرا التي أدت دور البطولة في مسلسل Ugly betty)، وهى السيدة التي تصمم نماذج منها، وتعرف أنها السبب فيما وصلت إليه باربي بسبب الظروف الصعبة التي تعيشها المصممة بجانب سوء علاقتها بابنتها.
إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف يكتب : (نت فليكس) أم (لوط فليكس) ؟!
تقرر باربي وجلوريا وابنتها السفر إلى (باربي لاند) لإصلاح الخطأ وهناك تكتشفن استيلاء (كين) على المدينة وتحويل اسمها وعمل غسيل دماغ لفتيات باربي الباقيات هناك ليتحولن إلى خادمات وعناصر ترفيه للرجال في المدينة.
تضع جلوريا خطة لاستعادة السيطرة على المدينة تنفذها باربي مع عدد من نسخاتها اللائي لم يخضعن لعمليات غسيل الدماغ، وتنجح الخطة وتستعيد باربي سلطتها بينما تستعيد جلوريا علاقتها الصحيحة مع ابنتها، ويعترف كين بخطئه.
بقي أن نقول أن فيلم باربي، تجاوزت إيراداته حتى الخامس عشر من أغسطس حاجز المليار دولار متفوقا بفارق كبير عن فيلم (أوبنهايمر) الذي طرح معه في دور العرض في نفس الوقت، وهو إنجاز تاريخي للمخرجة الإنجليزية باعتبارها أول سيدة تعمل بالإخراج تتخطى حاجز المليار دولار ما يضعها بجوار مخرجين عمالقة من أمثال ستيفن سبيلبرج وجيمس كاميرون وغيرهما.