بقلم الكاتب السوري: سامر عوض
بناء على مقال سابق حول إقفال المسرح القومي في اللاذقية، وردت بعض التعليقات، التي اعتبرت أنه كان من المفترض البحث في أسباب الإققال، حيث أظهر النص كأن الوزارة والجهات المعنية هى في موضع التقصير وضمن دائرة الذنب، بينما يوجد حيثيات يجب كشفها لوضع النقاط على الحروف.
بداية: ما يهمني هو اعادة فتح المسرح القومي، وليس توثيق أسباب الإقفال، ولا سيما أن ما يعنينا هو إعادة الفتح وليس الناطور، كما أن المجالس أمانات، وأشعر بالريبة والخجل والعار من الأسباب، حيث يرضى القتيل ولا يرضى القاتل، إذ عثرت على من يمول إعادة الفتح والوزارة لم تقبل لأن يوجد نزاع قضائي لا تود أو ربما لا تستطيع حله لإكمال الإجراءات.
السبب الظاهر للإقفال هو وجود نزاع قضائي بين جهتين أحدهما متعهد ترميم المسرح وإصلاحه وصيانته.
لست شاهد على الوقائع والوقيعات المرتبطة بأمر المسرح القومي باللاذقية، والقضية لا تتعلق بالوزير أو وزير أو وزارة، بل ترتبط بمخطط، قد يكون بنيويا هو استهداف المعالم والحراك الثقافي في اللاذقية، حيث تحجب وزارة الثقافة حيز كبير من نشاطها عن اللاذقية لأسباب مقنعة عدة يمكن نذليلها إن رغب المعنيون، ومن الممكن ألا يكون هذا الاستهداف متفق عليه بل هو حصيلة الصدفة، التي جعلت اللاذقية حتى اليوم دون متحف (لأسباب ليس من المتاح بحثها)، خاصة أن (مبنى المندوبية ليس متحف)، من جهة ثانية مبنى الكازينو التراثي أيضا واقف عن العمل.
المسرح القومي باللاذقية.. نزاع قضائي
درءا للشطط والتشتت، فإن موضوع المسرح القومي باللاذقية يرتبط بنزاع قضائي، لكن هل من المعقول أن يبقى هذا النزاع قائما، والمسرح يكون مغلقا، هذه القضية القضائية بحاجة لحل، وحتما لو تعرض مبنى الأوبرا بدمشق لنفس النزاع القضائي لتصرفت الوزارة بحكمة وحنكة، ورفضت إقفال ذلك المعلم الحضاري، لكن حتما للجهات المعنية أسبابها في إهمال متابعة هذا النزاع، وشخصيا أحترم هذه الاسباب ولكن لا أوافقها، ولو لم يكن هناك أسباب فقضية الإهمال أكثر شرا من نظرية الاستهداف والمؤامرة، ولو كان هناك مصلحة بأي منحى من المناحي لتصرف المعنيون بغير هذا الشكل.
يسأل البعض لماذا لا يتواصل صاحب هذه السطور مع المعنيون لترتيب الأمر، وتشكيل لجنة بهذا الخصوص؟
صاحب هذه الأسطر مجرد محامي، وبادرت مرارا لإعداد لجنة لإعادة تسمية الشوارع والأزقة والأحياء في اللاذقية على اسم شخصيات وأحداث تراثية لاذقانية مهمة، لجنة بمنطق مؤسساتي وليس بيروقراطي، لكن دون جدوى ومدير ثقافة اللاذقية الحالي يفترض أن يكون ذاكرا إحباط هذه المبادرة، حيث تم تميعها، لذا طالما صاحب هذا النص بلا منصب أو سلطة، لا يملك سوى اللسان والقلم، وحتما أصحاب القرار أكثر حكمة وحنكة منه.
بالنهاية، يعد البعض أن هموم المواطن اليومية أكثر قدسية من هذا الموضوع وأي شأن ثقافي، لكن أقول مع عادل إمام (أمة بلا ثقافة تصبح بلا هوية)، وغياب الثقافة ليس نتيجة حرب بل سبب لحرب أخرى، وعندما جاء وديع الصافي اللاذفية، حين تواجد أركان الدولة خاطبهم قائلا (مدير الثقافة أمامنا جميعا).. احترم من يود تهشيم معالمنا كأوغاريت مثل المسرح القومي باللاذقية وغيرها، لكن لا أتفق مع هؤلاء، لكن قال أرسطو (أفلاطون صديق والحق صديق لكن الحق أولى)، والسلام!
المسرح القومي باللاذقية أنشأ عام 44
جدير بالذكر أن المسرح القومي باللاذقية، هذا الصرح تم تشييده في عهد محافظ اللاذقية الأمير مصطفى الشهابي، عام 1944م، وأسهم في تكاليف إنشائه العديد من وجهاء الساحل السوري، حيث ما أن استقر (الأمير الشهابي) على كرسي المسؤولية كمحافظ لللاذقية حتى بدأ أولى الخطوات العملية لإنشاء دار للكتب مستفيداً من تجربته في هذا المجال، حين أنشأ دار الكتب في حلب، حينما كان محافظاً لها في آواخر الثلاثينيات من القرن العشرين .
ويحسب للشهابي أنه كان حريصاً على أن يتم الانتهاء من إكمال ذلك البناء الجميل، المسرح القومي باللاذقية، قبل نهاية خدمته كمحافظ للمدينة، وهو ما دعاه لمضاعفة الجهود وتدبير الأموال اللازمة والاجتماع اليومي مع المهندسين والقائمين بأعمال البناء ليكون شاهداً على الاحتفالية التي تمت أواخر عام 1944، وقد ساهمت هذه الدار في الحركة الثقافية للساحل السوري بأكمله وعبر سنوات طويلة، وغدت معلم من معالم المدينة، لا سيما عندما أحدث فيها المركز الثقافي مع مطلع ستينيات القرن العشرين، وبدلاً أن يحافظ المركز الثقافي في اللاذقية على مركزه تحول المبنى إلى عهدة المسرح القومي، ولم يعد للمركز وجوداً بانتقال مديرية الثقافة إلى دار الأسد للثقافة، ونقلت معها جميع الفعاليات الأدبية والنشاطات الثقافية المتنوعة، بما فيها العروض المسرحية إلى دار الثقافة .