* سقطة عمرو دياب في حق الصحافة اللبنانية والعربية
* في سابقة تاريخية عمرو دياب يقمع الصحافة اللبنانية في عقر دارها
كتب : أحمد السماحي
خلال الـ 48 ساعة الماضية شنت الصحافة اللبنانية هجوما ضاريا على المغني عمرو دياب الذي اشتراط شيئا غريبا وعجيبا!، لم أصدقه ولم يخطر على بالي إطلاقا!، وهو توقيع الصحافيين والمصورين وثيقة لحضور حفله، تتلخص بتعهد الصحفي بعدم انتقاد الحفل! أو والتقاط أي مقطع فيديو، أو نشره، وإلا وضع نفسه تحت طائلة حذف المادة أو الفيديو، كما اشترط الهضبة التعهد على الصحافيين الذين ذهبوا لتغطية حفله، الالتزام بعدم التصريح أو كتابة أي مقال أو منشور من شأنه الإساءة إلى قيمة هذا الحفل، أو لشخصية عمرو دياب أو لشركة Rodge أو الشركة المنظّمة!.
عمرو دياب قمع الصحافة اللبنانية
ما حدث من المغنى عمرو دياب، الذي يعود للغناء في لبنان بعد 12 عاما من الانقطاع، سقطة تاريخية ومهزلة لم تشهدها الصحافة العربية من قبل، حيث لم نرى أو نسمع أو نقرأ منذ اخترعوا الفن عن فنان صادر حرية الصحفيين، وعمل على قمعهم ومنعهم من الإدلاء بآرائهم حول عمل ما له، ويبدو أن عمرو دياب نسى أنه في بيروت عاصمة الإعلام العربي في 2023، وتذكر فقط أنه مخترع الموضات، فأحب أن يبتدع موضة أو تقليعة جديدة تحدث لأول مرة في تاريخ الصحافة العربية منذ نشأتها، فصرح بما صرح به، مما جعله حديث الزملاء الصحافيين في لبنان عبر مواقعهم الإلكترونية، أو جرائدهم أو صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الإجتماعي.
عمرو دياب ذكرنا بالحاكم بأمر الله
الحقيقة أنني عندما علمت بتعليمات وشروط مغنى مصر الكبير عمرو دياب، لم أستطع أن أتمالك نفسي من الضحك الشديد، حتى أنني جاءتني (كريزة ضحك)، وتذكرت على الفور (الحاكم بأمر الله)!، حيث عرف تاريخ البشرية على مر العصور حكاما ورؤساء كانت تصرفاتهم غريبة تصل إلى حد الجنون، ومنهم الحاكم بأمر الله، سادس حكام الدولة الفاطمية، والذي تميز حكمه بإصدار قوانين شاذة، كتحريمة أكل الملوخية، وأمر الناس بأن يعملوا ليلًا، ويسترحوا نهارا، وكان سفاكا للدماء بصورة غير مبررة، وهدم الكنائس وأجبر الأخوة المسيحيين على دخول الحمامات بالأجراس لتميزهم عن المسلمين، كما أدعى الألوهية ومعرفته بالغيب، وهناك مخطوط اسمه (رسائل الحاكم بأمر الله والقائمين بدعوته) تبين ما يدعيه الحاكم من صفات الألوهية.
غطرسة وشيفونية عمرو دياب
ما فعله عمرو دياب في حق الزملاء اللبنانيين (عيب)! وتصرف غير مسئول، أشبه بتصرفات الحاكم بأمر الله، وسقطة في تاريخه لن يغفرها له أحد، لأن ما حدث فيه شيفونية وغطرسة واستعلاء على الصحافة التى ساندته ووقفت جانبه كثيرا، وكانت (اليد) التى (تطبطب عليه) وتسانده، وتنشر أعماله وآرائه، والتى ابتعد عنها بعد أن أخذ منها ما يريد، وبعد أن حقق نجوميته كأي شخص عاق غير أصيل ابتعد عن الذين وقفوا جانبه وساندوه في رحلة صعوده من القاع إلى القمة.
عمرو دياب والـ 750 ألف دولار
السؤال الذي نريد طرحه ما الذي يخيف مغني كبير مثل عمرو دياب، له جماهيرية واسعة من الصحافة ومن النقد؟! إلا إذا كان غير واثقا من فنه، ومما يقدمه!، لكن لو كان فنانا حقيقيا وليس موضة!، كان سعى لمعرفة رأي النقاد وعرف من خلال كتاباتهم مميزاته وعيوبه حتى يتفادها في القادم من الأيام، لكن يبدو أن الـ (750 ألف دولار) التى حصل عليها نظير أجره في الحفل – بحسب الإعلامية رولا ناصر – جعلته يتيه إعجابا وغرورا بنفسه!.
الفرق بين الهضبة وكوكب الشرق
خوف عمرو دياب من الصحافة والنقد جعلني استرجع زيارة سيدة الغناء العربي أم كلثوم إلى السودان عام 1968،لأول مرة، حيث قيل لها في بداية الزيارة من بعض الصحافيين الذين اصطحبتهم معاها في رحلتها، إن شعب السودان لم يتعود على الأغاني الطويلة، وهناك خوف كبير من عدم الإقبال على حفلاتك يا ست!، فالذوق العام في السودان يميل إلى الفنون الراقصة السريعة الخفيفة، ولا يطيق الصبر على فنك الذي يحتاج مزاج يتذوق الأغنية الطويلة، والسهرة الفنية التى تمتد إلى ساعات وساعات.
وسمعت أم كلثوم ما قيل لها، وفكرت سريعا وطلبت – كما كتب أستاذنا الكاتب الكبير رجاء النقاش – الجلوس مع كل الصحافيين السودانيين في جلسة حميمية بعيدا عن حكاية (المؤتمرات الصحافية) وبالفعل جلست معهم واستمعت إلى آرائهم فيما يجب أن تغنيه من أغنيات، وطلبت منهم جميعا الحضور إلى حفلها والكتابة عنه وانتقاد ما لا يعجبهم، وغنت أم كلثوم، وحققت نجاحا كاسحا في السودان، وكل التحذيرات والتنبؤات التى وصلت إليها من الوفد المصري المصاحب لها لم تكن صحيحة، وسهر معها أبناء السودان حتى مطلع الفجر، ورحبوا بها ترحيبا حارا رائعا، وفي اليوم التالي كانت حريصة على قراءة جرائد المساء لتعرف رأي الصحافة السودانية فيما غنته.
وبعدها طلبت من الكاتب الكبير يوسف الشريف الذي كان موجودا في الوفد الصحفي المرافق لها بحكم عشقه ونسبه للسودان – كما ذكر في كتابه السودان وأهله – أن يجمع لها كل النقد السلبي الذي قيل عنها وعن الحفلتين اللتين أقامتهما في السودان من قبل كبار المثقفين والكتاب الصحافيين، ويرسلهم لها على منزلها بعد عودتها، لتتعلم وتصحح من أخطائها في حفلاتها القادمة!.
هكذا كان يحتفي الكباروأساطين الغناء في زمن جميل مضى! بالصحافة والنقد، وهكذا يفعل عمرو دياب الشهير بالهضبة في زمن الانحدار الغنائي، وعصر الفرقعات الغنائية الكاذبة، ومؤديي المهرجانات، وغربان الملاهي الليلية!.