معاناة أحمد مرعي مع دفتر الحضور والانصراف !
كتب: أحمد السماحي
خلال الأيام القادمة وبالتحديد نهاية شهر أغسطس الجاري نحيي ذكرى الفنان المظلوم فنيا أحمد مرعي، الذي رحل عن حياتنا يوم 30 أغسطس عام 1995، ورغم تعدد وتميز أدواره السينمائية والدرامية والمسرحية إلا أن ذكراه تمر دون أن يتذكره أحد، هذا الأسبوع نتوقف مع أحمد مرعي في باب (صحافة زمان) لنقرأ ما كتبه عنه الناقد السينمائي الكبير سامي السلاموني عام 1969 في مجلة (الكواكب) تحت عنوان (نجوم الموسم الجديد)، حيث توقف عند تلاثة نجوم هم (أحمد مرعي، أنعام الجريتلي، ووحيد عزت).
أحمد مرعي ودفتر الحضور والانصراف
هذا الأسبوع نتوقف عن ما كتبه السلاموني عن النجم الوسيم أحمد مرعي حيث كتب قائلا: يمكن أن تلتقي بهذا الشاب في أي مكان فلا يخرج في ذهنك عن تلميذ في الجامعة، ويمكن أن تلتقي به أيضا في مكتب مزدحم في شقة معتمة، وعندما يضع نظارته الطبية على عينيه الحزينتين تحسبه موظف فئة سابعة لم يتزوج بعد، ولا شيئ في هذا كله يعدو الواقع، فكل صباح يوقع أحمد مرعي في دفتر الحضور كموظف على مكتب في الثقافة الجماهيرية، ويصبح عليه أن ينتظر حتى الثانية ليوقع انصراف، وهذا هو الشيئ الوحيد الذي استطاعوا أن يوظفوا فيه خريج معهد سينما عام 1965 بدرجة امتياز.
ما يعيشه أحمد مرعي حاليا سيصبح أزمة حقيقية لن يحسها سوى أحمد مرعي نفسه، حينما يجد نفسه قريبا جدا نجما لفيلم سيتحدث عنه الجميع كتجربة جديدة بالنسبة للفيلم المصري، ثم يستيقظ في الصباح ليوقع في نفس الدفتر ليضمن آخر الشهر سبعة عشر جنيها مازالت هى كل إيراده المضمون.
أحمد مرعي والمومياء
منذ سنتين وأحمد مرعي يعاني مرارة الصمت، منذ أن بدأ يلعب بطولة فيلم (المومياء) إخراج شادي عبدالسلام الذي لم يعرض بعد، فربما تتغير الصورة، عندما يعرض الفيلم قريبا، ويحصد النجم الشاب ثمرة انتظار طويل، وقد يصبح هناك حل آخر بحيث يعطي فنه وقتا أكبر، وقبل أن تهدأ الضجة المتوقعة حول (المومياء) يكون فيلم شادي الثاني (الفلاح الفصيح) – 50 دقيقية – قد عرض هو أيضا، وربما تحدث الناس من جديد عن أحمد مرعي، فهو بطله أيضا، بل ربما عمل مرعي مع شادي مرة ثالثة ليتحدثا عن (أخناتون) الذي يفكر شادي في إخراجه الآن.
أحمد مرعي ومسرح الجيب
مع ذلك فقد تحدث الناس عن أحمد مرعي قبل عرض الفيلمين، ولكن في حلقات ضيقة، بدأت منذ كان طالبا في قسم التمثيل بمعهد السينما، حيث تقدم لمسابقة للعمل كممثل في الإذاعة ونجح، وبعد تخرجه بأسبوع اختاره الفنان كرم مطاوع ضمن فريق مسرح الجيب الذي كان يعده حينذاك، واعتبر أحمد مرعي المسرح فرصة حقيقية ليتدرب، وكان في ذهنه خبرة النجم العالمي (بيتر أوتول) الطويلة على المسرح قبل أن يقبل العمل في السينما لأول مرة ويبهر العالم في (لورنس العرب).
وعمل أحمد مرعي معيدا في معهد السينما، في نفس الوقت الذي كان يشترك ليلا في مسرحيات مسرح (الجيب)، حيث لعب في (خادم سيدين) دور (سيلفي)، ولعب في (أ.ب) دور المهندس، وحلت فرقة الجيب بعد موسمين فقط، ولكن ليلتقط مرعي فرصته في السينما التى بدأت بدور شاحب في فيلم (النصف الآخر)، حيث لعب دور الشاب الحالم الذي يقرأ الشعر لحبيبته طول الوقت فيضحك الجمهور، وكان يمكن أن تكون هذه فرصة حقيقية لأحمد مرعي في السينما لولا أن الشخصية مرسومة برداءة شديدة جعلت أحدا لا يتعاطف مع نموذج الشاب الرومانسي السلبي الذي ليس موجودا في الواقع، وإن وجد فإنك لا يمكن أن تحبه!.
أحمد مرعي و3 وجوه للحب
بعدها اختار المخرج مدحت بكير أحمد مرعي بطلا للقصة التى أخرجها في (3 وجوه للحب) ولا أحد يدري لماذا لم يعرض هذا الفيلم حتى الآن، لغز آخر من ألغاز مؤسسة السينما، ولعب دور الشاب الصعيدي الذي يتعلم في القاهرة ويحاول أن يقف في وجه قيم بيئته الشرسة في التعامل مع الحياة، والحب، وحاول أحمد مرعي أن يصنع شيئا جديدا بالنسبة لممثل جديد تماما لا يحمل من التجربة إلا خبرته النظرية، حيث يقول: (كان على أن أقدم الشخصية من الداخل، وليس من خلال سبسبة الشعر، ولا حلاوة الملامح، حاولت أن أحتفظ بصلابة الشاب الصعيدي خاصة في المشهد الأخير، الصعيدي رأسه مرفوع دائما حتى وهو يبكي دما، كان علي أن أنقل هذا دون أن أسقط في الجمود والتخشب).
أحمد مرعي.. وونيس
فرصة أحمد مرعي الحقيقة كانت عندما رأه شادي عبدالسلام في مسرح (الجيب) واختاره لتجربته الخطيرة بطلا لفيلم (المومياء)، حيث يجسد دور (ونيس) ابن شيخ القبيلة الذي يرى أباه يموت ليحمل هو السر، ويتابع مهنة الأسرة، في نبش قبور الفراعنة ليسرق آثار الموتى، ويحس بالتمزق بين ما تمليه الأسرة وما ترفضه قيمه هو الخاصة في مجتمعه، ويقول عن دوره (هنا كان الأداء شيئا آخر، وعليك أن تعطي كممثل إيحاء بملحمية الجو والأحداث كلها، وأن تعكس صراعات (ونيس) وتردده التى جعلتهم يفكرون في تسمية الفيلم أولا (هاملت النيل)، ولكن بانفعالات محدودة تماما حتى في أشد المواقف ثورة، بحيث تضغط أحزانك في الداخل، وتقول كل شيئ بعينيك وبلا أي زعيق).
معاناة أحمد مرعي
أخيرا تبقى معاناة أحمد مرعي هذا الشاب الموهوب بالفعل في حيرته بين أحلامه كممثل جاد ومتحمس بالفعل، يريد أن يتمرن ويقرأ كثيرا، ويحلم بدور الشاب المصري الحقيقي الذي يرفض الكثير ويدفع الثمن، وبين واقعه المؤسف الذي يغري بأن يظهر في التليفزيون كل يوم ويصبح أي شيئ ليأخذ نقودا ويصبح نجما، ويقاوم أحمد مرعي ربما أكثر من (هاملت)، ويرفض أن يصنع أي شيئ ليقبض، ويفضل أن يستيقظ كل يوم في الثامنة ليوقع في دفتر الحضور والأنصراف.