بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد
توقفت استوديوهات هوليود عن العمل بسبب اضراب الكُتّاب منذ شهر مايو الماضى وانضم اليهم ممثلون مثل توم كروز، الشهر الماضى ليصيب الشلل صناعة الترفيه الأمريكية، بعد أن قام تحالف المنتجين الذى يضم شركات الإنتاج الكبرى (الاستوديوهات) وأصحاب المنصات مثل ديزنى ونتفيلكس برفض طلبات نقابات الكتاب والفنانين المتمثلة في تحسين ظروف العمل وتحسين رواتبهم التي باتت متدنية جدا في عصر البث التدفقي (streaming)، فلقد قلصت شركات الإنتاج عدد حلقات المسلسلات وظهرت نوعية جديدة منها يسمونها (القصيرة جدا) تتكون من أربع حلقات فقط، أما باقى مسلسلات المنصات فلا تتجاوز العشر حلقات إلا نادرا، كما باعدت بين المواسم – فمن الممكن أن يمر عامين قبل أن يصدر الجزء الثانى من المسلسلات الطويلة، لذا تسعى نقابات الممثلين الى تعديل شروط العقود التي تحظر عليهم العمل في برامج أو أفلام أخرى طوال ارتباطهم بعمل ما، فيظلون بلا عمل ما بين المواسم التي قد توقفها شركات الإنتاج فجأة بلا تعويض مناسب للممثلين.
ويخاف أعضاء النقابات من سوء استخدام الذكاء الاصطناعى الذى من الممكن أن يلغى مهناً كثيرة أو يقلل من فرص العمل ومنها مهنة مؤدو المشاهد الخطرة والمطاردات و المعارك ، لهذا تطالب النقابات بمنع استنساخ صور الممثلين وعلى رأسهم توم كروز، والمؤدين أو أصواتهم لاستخدامها في الأعمال الفنية عن طريق الذكاء الاصطناعى دون الحصول على أجور أو حق الأداء العلنى لتلك الأعمال. أما الكُتّاب فيسعون إلى الحصول على ضمانات تحول دون استخدام برامج الذكاء الاصطناعي في كتابة الأعمال الفنية من الأفلام و المسلسلات والبرامج التليفزيونية، كل هذه المطالب يؤججها معرفة أعضاء نقابات الكتاب والممثلين ومهم توم كروز، أن العاملين في إدارة الإنتاج يتقاضون أجورا أفضل منهم بكثير، أما المنتجون فأرباحهم لا تُحصى.
توم كروز والمهمة المستحيلة
وأمام تلك الأزمة فقد حاولت نقابات الممثلين الاستعانة بأعضائها من النجوم لإقناع شركات الإنتاج ، واختارت لهذه المهمة نجم أفلام الحركة توم كروز، الذى يقود مفاوضات بين الطرفين منذ عدة أسابيع ، فهو وجه مقبول من كافة الأطراف و خاصة شركات الإنتاج التي لا تنسى له أنه الوحيد من نجوم هوليود – تقريبا – الذى أصر على استكمال تصوير فيلمه أثناء الجائحة و عرض نفسه لخطر الإصابة بالوباء.
و يعتبر توم كروز من المتحمسين لإنهاء الإضراب، فهو أحد المضارين منه، فقد اضطر للتوقف عن حملات الترويج لفيلمه الجديد (الحساب المميت)، وهو واحد من سلسلة أفلامه (المهمة المستحيلة) بما فيها الرحلات لحضور العروض الأولى في مختلف البلدان، أو الظهور في البرامج أو حتى المهرجانات السينمائية إلى جانب تأجيل إنتاج الجزء الثانى من نفس الفيلم، و برغم أن توم كروز إلتزم بقرار نقابة الممثلين إلا أنه حذر من أن يطول الإضراب حتى لا يؤثر على تعافى صناعة السينما من آثار جائحة كورونا التي اصابت الصناعة في مقتل.
إقرأ أيضا : عصام السيد يكتب: إضراب هوليود
وفي الحقيقة فإن صناعة السينما في هوليود تأثرت للغاية بما فرضته الجائحة من قيود وكان الأمل معقودا العام الماضى 2022 على تعويض خسائر عامين أغلقت فيهم أبواب دور السينما، و لكن الإيرادات جاءت مخيبة للآمال، فلم تحقق السينما الأمريكية سوى حوالى 26 مليار دولار، في مقابل أكثر من 52 مليار دولار عام 2019 قبل إغلاق السينمات !، و اختلفت الآراء حول أسباب انخفاض الإيرادات ، فالبعض يرجع هذه الإيرادات المتواضعة لخسارة السينما الأمريكية بعض أسواقها الخارجية مثل الصين التي تعتبر من أهم أسواق الفيلم الأمريكي، فلقد خسرت هوليود حوالى 3 مليارات دولار بسبب القيود التي فرضتها الصين على السينمات بداية هذا العام خوفا من عودة الجائحة، بالإضافة الى مليار دولار أخرى خسرتها هوليود نتاج لمقاطعتها لروسيا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
ولكن بعض شركات و مؤسسات تحليل بيانات إيرادات السينما واتجاهات الجمهور تقول أن سوق الفيلم داخل أمريكا هو سبب الخسائر، فدور العرض السينمائى وصلها إنتاج أقل من العام الماضى بمقدار الثلث، وأن معظم شركات الإنتاج لجأت إلى عرض أفلامها على المنصات في نفس توقيت عرضها بالسينمات مما أثر بالسلب على الإيرادات، و أن هذا يؤكد أن المشاهدين تعودوا بسبب الجائحة على المشاهدة المنزلية، و لكن هناك رأى ثالث ينفى هذا ويقول أن السبب يكمن في عدم اختيار توقيتات جيدة لعرض الأفلام فنجد معظمها يتركز في توقيت واحد (غالبا شهور الصيف وأيام الأعياد) بينما تخلو بقية شهور السنة من الأفلام الجيدة، ولكل مجموعة من المحللين له دلائل عديدة على صحة وجهة نظره يستمدها من إيرادات الأفلام.
توم كروز لن يروج لأفلامه
ولكن المفاجأة التي يكشف عنها أحد تقارير مؤسسات تحليل البيانات في هوليود أن شركات الإنتاج الكبرى لم تحقق أي خسائر بل على العكس حققت مكاسب ضخمة بلجوئها الى المنصات وأن الخاسر الوحيد هو دور السينما التي لم تستطع تعويض خسائر إغلاقها لمدة عامين في ظل انتشار المنصات وتقديم الأفلام الجديدة عليها، برغم أن دور السينما قدمت عروضا مختلفة للمشاهدين تضمنت تخفيضات أو اشتراكات سنوية تتيح مشاهدة الأفلام باشتراك زهيد.
الخاسر الثانى من إضراب هوليود يقع خارجها، و هو المهرجانات السينمائية العالمية، التي لن يستطيع النجوم مثل توم كروز، حضورها للترويج لأفلامهم الجديدة لو استمر الإضراب، فهذه المهرجانات تعتمد على وجود النجوم لضمان إقبال جماهيرى جيد وتغطية إعلامية مميزة إلى جانب أن المهرجان الخالي من النجوم لا يمكن أن يبرر التكلفة العالية لفعالياته (كما صرح أحد مسئولي المهرجانات).
و على حسب تقارير صحفية فإن الأقرب إلى الخسارة هو مهرجان فينسيا السينمائي الدولي (30 أغسطس/ 9 سبتمبر) الذى كان سيفتتح بالفيلم الأمريكي (المُتحَدّون/ Challengers)، و من المفترض حضور نجمته الممثلة والمطربة الأميركية (زيندايا)، ولذا صرح مدير المهرجان بأنه سيكون مستعدا لأى شيئ يتسبب فيه هذا الإضراب، و بأن لديه الخطة (ب) في حالة عدم حضور نجوم هوليود للترويج لافلامهم بأن طلب من الصحفيين اعتبار الدورة 80 من الحدث (مهرجانا أوروبيا خالصا).
ويُعد مهرجان تورنتو السينمائي الدولي (من 7 الى 17 سبتمبر) أيضا من الفعاليات المرشحة لخسارات كبيرة، فكل مسئوليه أكدوا أن تأثير الإضراب لايمكن إنكاره وأنه سيؤثر على حماس الجمهور لحضور المهرجان، فبينما تجرى الاستعدادات الآن لوضع خططه وبرامجه، فإن أياً من نجوم الأفلام الأمريكية التي من المفروض الترويج لها في المهرجان لا يستطيع تأكيد حضوره انتظارا لما سيسفر عنه الإضراب، وقد أعلنت إدارة جائزة إيمى التليفزيونية الأمريكية – المعادلة لجوائز الأوسكار السينمائية – عن تأجيل موعد احتفالها هذا العام، والذى كان مقررا له يوم 17 سبتمبر إلى شهر يناير 2024 خوفا من مقاطعة النجوم بسبب الإضراب مما سينعكس بطريقة كارثية على نسب المشاهدة عبر شاشة التليفزيون، وبالتالى على نسبة الإعلانات التي تعتبر ممولا رئيسيا للاحتفال.
ووسط كل هذه الخسارات نجد أن شركات الإنتاج حافظت على مكاسبها وإن كانت تأثرت قليلا في أنها لم تحقق مستهدفها من زيادة الأرباح عن الأعوام السابقة، فعلى سبيل المثال حققت (شركة ديزنى) أرباحا في الربع الأول من العام ولكنها لم تصل للنسبة التي وعدت بها المساهمين، ولذا أعلنت عن خطة لتقليص نفقاتها التي تتعدى 5 و نصف مليار دولار !!، أما (منصة نتفيلكس) فهى أيضا لم تحقق المستهدف في زيادة عدد المشتركين ولكنهم بالطبع لا يخسرون، أما الخاسر دائما فهم المبدعون الذين يتم تقليص أجورهم من أجل مكاسب أكبر لصاحب رأس المال !
و في انتظار ما تسفر عنه المفاوضات..!