بقلم: محمد شمروخ
لا أظن أن الضجة التى أعقبت تجديد مسجد ومقام السيدة نفيسة، كانت بسبب تغيير ألون طلاء الواجهات والجدران والأسقف والأرضيات والأعتاب الرخامية والأبواب وشكل المقصورة!، ولا أظن كذلك أن الغضبة التى انتابت الكثيرين من المنتسبين للطرق الصوفية، والبعض من محاسيب السيدة نفيسة، كانت من جراء فقدان البركة أو كثير منها بسبب التجديدات..
كذلك لم أقتنع بأن رفض ما وقع من تجديدات، كان بسبب أن طائفة البهرة هى التى عرضت وتحملت تكاليف تجديد مسجد السيدة نفيسة، التى تمت وتتم في كثير من الأضرحة والمساجد الخاصة بآل البيت الكرام في مصر المحروسة، وزاد اقتناعى بأن كل ما سبق هو أشبه بانفجارات بومب المولد، خاصة بعدما سمعت الأصوات الصادرة من الدفاعات الضعيفة والمهترئة من جانب بعض من اصطلح على تسميتهم بإعلامى الدولة.
فتلك الغضبة الفنجانية لم تكن إلا كنوع من التنفيس الذي يمارسه البعض لمجرد ترحيب الدولة بعروض طائفة البهرة، ذلك أن علاقة (الدولة) حالياً بالناس في أدنى درجاتها مع توالى موجات الاحباطات تباعاً وكلنا نعلم الأسباب التى أدت إلى هذه الإحباطات، فلا بخفى على أحد أن تعامل الدولة مع المواطن في الفترة الأخيرة وصلت إلى درجة شعور عميق بأن الدولة (مستلقطاه) أو (مستكرداه)، فتراه مسكين يا عينى عليه يفزع من مجرد دق جرس الباب خشية فاتورة الكهرباء التى عانى خلال الشهرين الماضيين من من تكرار قطعها، في وقت يقرا ويسمع ويشاهد فيه الافتخارات اليومية بمشروعات محطات الكهرباء وكيف ان مصر سوف يتكون من الدول المصدرة إلى الدول المجاورة.
السيدة نفيسة والأسعار
وبعيدا عن تجيدات مسجد السيدة نفيسة، الأمر كذلك مع فاتورة الغاز أو أنبوبة البوتاجاز مع أخبار اكتشافات الغاز والاحتياطات الترليونية، ومع كل إعلان عن مزرعة سمك يتضاعف سعر البلطى (سمك الغلابة) حتى صار البلطى من أكلات الصفوة، وبعد كل افتتاح لمشروع غذائي أو زراعى أو حيوانى، تلتهب أسعار الخضر والفاكهة واللحوم والبيض والحليب والدواجن.
وحتى الزيادات التى شهدتها المرتبات تبخرت أمام موجة الارتفاع في الأسعار التالية لها، وأشياء كثيرة على هذا المنوال لا ينكرها الا جاحد لم يغد المنطق التبريرى الذي يلجأ إليه (إعلام الدولة) مقنعا، كما أن وحدة الخطاب (الإعلام الدولتى) ستفسد أى دفاع لو كان قوى الحجة، إذ أننا افتقدنا أمثال أحمد رجب مثلاً والذي كانت مصر كلها تنتظر نصف كلمته يومياً، وهو لم يحسب أبدا من المناوئين للدولة بل يكتب في أوسع صحفها انتشاراً.
لكنك لن تجد مثل أحمد رجب لا على المستوى الصحفي ولا المستوى التلفزيونى، ولعل هذا أخطر على الدولة من الإعلام المعارض الذى هيأت له الدولة المصرية من الأجواء وأسباب الاستمرار والانتشار ما لم تهيء له الدول التى تستضيفه، بإصرار الدولة على سياسة الصوت الواحد وهى التى تدفع الجماهير للاعتراض على أى شيء حتى لو كان في صالحهم.
والمصيبة أن حكاية المواطن مع دخله الشهرى صارت مثل حكاية مسعود مع بدلته في مسرحية المتزوجون!، والمصيبة الأكبر أن هناك فئات يراها المواطن ويسمع عنها تنفق في يوم أكثر من دخله في شهر!، ولقد ضاق المواطن من كثرة تكرار الشكوى من ومن ومن!!!.
الغضب المتحول نحو السيدة نفسية
ولذلك عند الإعلان عن أى حدث يرى أنه يسعد الدولة، تراه يتلقاه بذلك (الغضب المتحول) في عملية سيكولوجية تتم بطريقة شبه تلقائية، فتراه قبل الحكم على شعوره هو شخصيا بالحدث ولو كان في صالحه، ينظر أهو يرضى الدولة الساخط عليها أم لا يرضيها؟!، تماماً كما تسعد لهزيمة الأهلى أو الزمالك أو تغضب لفوزهما تبعا لعلاقتك بمديرك في العمل، فقد تسعد لهزيمة الأهلى لمجرد أنه الفريق الذي يشجعه مديرك الذي يضيق عليك ولو كنت أهلاويا مثلهه وهذا بالضبط ما يطلق عليه السادة علماء النفس (ميكانزم النقل.. أو التحويل).
ولقد خفت في الفترة الأخيرة ما يدعى بإعلام الدولة (حسك عينك تفكر أنى أقصد قنوات ماسبيرو المأسوف على حالها)، ذلك لأن الدولة نفسها ظنت ان مشروعاتها فوق الأرض تكفى للتعبير عن نفسها دون حاجة إلى إعلاميين مهرة، لكن ميكانزمات التحويل لعبت دوراً جاء بأمور عكسية، فالموقف السيكلوجى هو الحاكم فترى المواطن ينطبق عليه بيت الشعر الشهير المنسوب إلى الإمام الشافعي رحمه الله:
(وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ
وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا)
فمهما كانت المشروعات كبيرة والإنجازات بارزة، إلا أن المواطن سيحكم على الامور من هذا المنظور ولقد جربنا ذلك كثيرا ووقائع التاريخ لا حصر لها التي تؤيد هذا.
طائفة البهرة والسيدة نفيسة
فقد غضب الكثيرون ممن لم يعهد فيهم الغضب من إجراء تم من طائفة كان من الواجب ان تلقى الشكر جزاء ما فعلت في تجديدات مسجد السيدة نفيسة، لاسيما أنها ليست المرة الأولى التي تقدم فيها هذه الطائفة على مثل هذا الإجراء ويمكنك أن تتأكد من ذلك بضغطة زر على لقاءات سلاطين البهرة برؤساء مصر السابقين.
أما الحديث عن سنة وشيعة وخلافات مذهبية وعقائدية وغيرها، فتلك أمور لا يعتنى بها البهرة الذين لقوا جزاء سمنار لدى البعض، بل لم يلقوا الاحتفاء المناسب ولو من باب إكرام الضيف على جهدهم من جانب إعلام الدولة ذات نفسه الذي تكاسل عن تعريف الجمهور بمن هم البهرة وما صلتهم بمصر وتاريخها، تاركا هذه المهمة لهواة السوشيال ميديا الذين انفردوا بالساحة، والعجيب كذلك أن إعلام الدولة السوشيال ميداوى حذا حذو إعلام الدولة الفضائي فلم يتعرض لهذا الأمر ولو كان بمقدار ما يشبع عصفورة تقف على مئذنة السيدة نفيسة.
فلم يبادر أى من الناطقين باسم الدولة، ليشرح للناس من هم البهرة ولماذا يتفردون بين طوائف الشيعة بإعطاء مصر مكانة خاصة، ولا كيف أنهم تقريبا أغنى طائفة في العالم من حيث عددهم، ولا إنهم يخصصون نسبة من أرباحهم التجارية الهائلة في تجديد المساجد لا سيما التى بها أضرحة آل البيت الأكرمين مثل مسجد السيدة نفيسة.
للأسف الشديد استسلم الكثيرون لشعور الحنق على الدولة فأثاروا اللغط حول عمليات تجديد مسجد السيدة نفيسة، وكان قاصدى (نفيسة العلوم) كانوا يذهبون للفرجة على جدران وأسقف وأرضيات وخشب أبواب وشكل مقصورة الضريح، دون تقدير لذكر وذكرى (ستنا نفيسة النفائس) صاحبة المقام الرفيع كإحدى حفيدات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم التى أجمع على حبها المصريون في كل العصور، فلم يقحموا سيرتها في تصفيات حساباتهم بحق أو بغير حق، حتى في تلك العصور التى كانوا فيها حانقين على الدولة.